أمراض رسمية عربية: أمة لا يوحّدها غير وزراء داخليتها! / د.فايز رشيد

 

د.فايز رشيد ( الأردن ) الخميس 2/4/2015 م …

إن أقصر اجتماعات عربية حيث يجري التطابق والتماهي بين الدول العربية بلا استثناء وبشكل تام منقطع النظير، هي اجتماعات وزراء الداخلية العرب، فالتنسيق بين الأجهزة الأمنية العربية في أوج تكامله.. الكل يتفق على طرق ووسائل قمع الشعوب العربية. في القرن الواحد والعشرين ما زالت بعض الأنظمة العربية تُخفي من تعتقلهم في سراديب لا تعيش فيها حتى الفئران! إن توحّد الغالبية من الدول العربية على اليمن يطرح سؤالا جوهريا مهما: ألم يكن الأولى التوحد من أجل قصف الكيان الصهيوني بدلا من اليمن؟ بالطبع كل عربي يعرف الجواب، فالمحافظة على الكيان والعلاقة معه واســتقبال مبعوثيه وسفرائه ووفوده وبناء سفاراته ورفع راياته عليها… هي جواز المرور إلى الولايات المتحدة الأمريكية، إضافة إلى شرط الصلاة في زمننا الرديء ووجوب كونها باتجاه «الكعبة الأمريكية»!. مؤلم وضع الإنهيار والتردي في كافة الجوانب التي وصل إليها الوضع الرسمي العربي! حيث لا تتوحد أنظمتنا في سوق عربية اقتصادية مشتركة مثلا، ولا في حرب ضد الكيان ولا في مواجهة البطالة والجهل والأمية والفقر الضارب أطنابه في معظم أنحاء الوطن العربي!.

وفقا لإحصائيات البنك الدولي فإن نصيب المواطن العربي من الثروات العربية هو 2500 دولارا في السنة، بينما نصيب المواطن في الكيان هو 35 ألف دولار. في الوطن العربي: يعيش 17 مليونا من العرب على مصروف هو أقل من دولار واحد في اليوم، وهذا ما يسمى بـ»الفقر المدقع»، نسبة الفقر في عالمنا العربي 34.8٪. عدد العاطلين عن العمل (وفقا للأسكوا) 97 مليونا، هذا في ظل إنتاج نفط عربي بقيمية تريليون وستة وتسعين مليار دولار في العام 2014.

في الوطن العربي 100 مليون من الأميين أي ما نسبته 27٪ من العرب. قيمة الأموال العربية في البنوك الأمريكية هي أكثر بمئة مليار من 300 تريليون دولار، وهي موضوعة بشكل سندات في الخزينة الأمريكية، ولقد تحدّى محمد حسنين هيكل في أحدى مقابلاته، الدول العربية صاحبة المبالغ، أن تستطيع سحب حتى مليار دولار منها! لا يتم ذلك إلا بقرارسياسي رسمي أمريكي!.

من الملاحظ أنه وبعد أحداث ما سمي مجازاَ بـ»الربيع العربي» ومصادرته أمريكيا: فإنه جرى تغييب سمة رئيسية من سمات «مركزية القضية الفلسطينية» عربيا وهي: «الصراع مع الكيان» لصالح الصراعات المذهبية الطائفية والإثنية. إن خطة الصهيوني الأمريكي برنارد لويس التي اقترحها عام 1976 تنص في جوهرها على: من أجل تغييب إسرائيل كعدو للعرب يتوجب: أولا، خلق صراعات مذهبية طائفية وإثنية في داخل الوطن العربي وفي كل دولة عربية. ثانيا، تفتيت الدولة العربية الواحدة إلى دويلات متحاربة. ثالثا، تدمير الجيوش في عدة دول عربية قد تشكل خطرا على إسرائيل. تبنّى الكونغرس الأمريكي هذا المخطط عام 1984 دون الإعلان عن ذلك بشكل رسمي. اليمن وفقا للخطة يجري تقسيمه إلى ثلاث دويلات، التقسيم سيكون وفقا للتقسيم العام لشبه الجزيرة العربية ذاتها: دويلة الإحساء الشيعية، دويلة نجد السنيّة، دويلة الحجاز السنيّة. أذكر جملة للقذافي نطقها بعد إعدام الرئيس العراقي صدام حسين، قالها مخاطبا القادة العرب: سيأتي الدور على كل واحد منكم. في خضَم ذلك جاءت المشاريع الأمريكية – الصهيونية ومصطلحات مثل «الشرق الأوسط الجديد» أو «الكبير»!.

ينبع الإهتمام في اليمن: نظرا لموقعه الإستراتيجي، فهو المسيطر على ممر باب المندب وبالتالي يتحكم بشكل مهم في التجارة البحرية الدولية، كما تنبع أهميته في الاستراتيجيات العسكرية للعديد من الدول، وهو أيضا ذو أهمية استراتيجية لمنطقة الخليج العربي بكل دوله. الصراع في اليمن هو حلقة في سلسلة صراعات أهلية يمنية ابتدأت منذ ثورة المشير عبدالله السلال وما تلاها من أحداث محزنة عديدة. جاءت الوحدة بين شطري اليمن لتعطي أملا جديدا لاستقرار «اليمن السعيد»..هي الأخرى كان لها صراعاتها الخفيّة التي حدت لـ «حراك جنوبي» يطالب بالانفصال. مع الحراكات الجماهيرية العربية.. كانت لليمن حراكاته، وما تلا ذلك من أحداث أدت إلى استقالة/إقالة علي عبدالله صالح وماتبعها من متغيرات. جاءت بعدها حراكات من وُصفوا بـ «الحوثيين»، هم في الحقيقة حركة شعبية لها جناح عسكري يحمل اسم «أنصار الله». هذه الحركة تضم بين صفوفها أفراداً من مذاهب وقبائل مختلفة. الحركة قادت حوارا يمنيا- يمنيا عنوانه التوافق بين كافة القوى دون استثناء! وكانت أقرب إلى الاتفاق مع القوى الأخرى على رئيس توافقي هو علي ناصر محمد. تأسست الحركة عام 1992. الحركة مثلما يروجون لا تشكّل تحديا طائفيا ولا مظهرا مما يعتمد عليه بعض المروجّين لـ»الهلال الشيعي»!.قادة الحركة ينفون الارتباط بإيران أو تلقي الأوامر منها رغم اعترافهم بتلقيهم مساعداتها. أيّدت الحركة الاحتجاجات الشعبية عام 2011 واعتصمت في «ساحات التغيير» في كل من صعدة وصنعاء، اندلعت اشتباكات مسلحة بينها وبين حزب «الإصلاح» وبخاصة بين عامي 2013-2014.الحركة ليست تنظيما بل جسم جامع لكثيرين من الأعضاء تحت شعارات هي: الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، التمسك بالإسلام. نفى عبدالملك الحوثي في مقابلة له مع صحيفة «الأخبار» اللبنانية عام 2007 :»أن تكون الحركة ذات منحى طائفي بل اعتبر منطلقاتها هي الدفاع عن الحقوق الدستورية لليمنيين والحفاظ على الثقافة الإسلامية». بين الاعوام 2004-2009 خاضت حركة «أنصار الله» ستة حروب ضد الحكومة اليمنية عُرفت بإسم «حروب صعدة».

بدأ تدخل المملكة العربية السعودية في اليمن منذ بداية العشرينيات والثلاثينيات في القرن الزمني الماضي، وفي عام 1934 وُقّعت «اتفاقية الطائف» بين المملكة والمتوكلية اليمنية على أساس السلم والتعاون. خاضت المملكة حربها الثانية في اليمن بعد انقلاب الإمام عبدالله الوزير على المتوكلية عام 1948 وثم فشل الإنقلاب. الحرب السعودية الثالثة على اليمن كانت بعد ثورة المشير عبدالله السلال في 26 سبتمبرعام 1962 حاولت السعودية إفشال ثورته وتدخلت لصالح الإمام البدر، الأمر الذي استفز الرئيس المرحوم جمال عبدالناصر وأرسل قوات مصرية لدعم الثورة، بعد طلب رسمي من السلال للرئيس الخالــــد من أجل حــماية الثــورة. الحرب السعودية الرابعـــة على اليمــن كانت على جمهورية اليمن الديموقـــراطية الشعبــــية فـــي عام 1969 بعد نزاع حدودي على «مركز الوديعة». الحرب الخامسة كانت على اليمن بسبب نزاع على الحدود في عام 1994. الحرب السادسة كانت في عام 2009 على حركة «أنصار الله» حين اتهمت السعودية الحركة التي سمتها بـ»الحوثية»، بدخول أراضيها. حينها اجتازت القوات السعودية الأراضي اليمنية وتكبّدت حينها خسائر فادحة.

كان للحركة اجتهاداتها في حل مجلس النواب، وتسمية مجلس رئاسي بمشاركة القوى اليمنية. فعليا فإن الحركة الشعبية ليست «داعش اليمنية» كما يحاولون الإيحاء! بل إنها القوة القادرة فعليا على التصدي لداعش ولتحالفها مع حزب الإصلاح!. عمليا جرى دحر داعش ولم يتبق لها غير بعض المناطق الصغيرة والقليلة في اليمن. للأسف، قوى دولية عديدة دخلت على الأزمة اليمنية انطلاقا من استراتيجية كل منها للمنطقة… تماما مثلما حصل في سوريا!. روسيا أفشلت مشروع قرار لمجلس الأمن يحمّل الحوثيين (الحركة الشعبية) مسؤولية تدهور الأوضاع في اليمن، وكان المشروع سيُطرح وفقا للفصل السابع. اليمن هو مجال آخر للصراع الخفي/العلني أحيانا بين روسيا من جهة وبين الولايات المتحدة والدول الغربية عموما من جهة ثانية.

نقول …. تشكلت قوات التحالف العربي (في عاصفة الحزم !) بدعم أمريكي وباكستاني وغيرهما من الدول المعنية وفقا لادّعاءاتها بأمن السعودية! ليت كل هذا الحماس العربي كان موجّها للقدس التي يجري تهويدها على قدم وساق وعلى أعين ومرأى من كل الزعماء العرب دون أن يرّف لهم جفن إلا من بيانات الاستنكار الرسمية التي وصفها شارون (وليس كاتب هذه السطور) : «بأنها لا تستحق – كما وصف المبادرة العربية التي اقترحتها السعودية في قمة بيروت العربية عام 2002 – ثمن الحبر الذي تُكتب فيه!» . المسجد الأقصى مهدّد بالسقوط، ومن تحته يجري بناء الأنفاق، وهناك خطة إسرائيلية لإقامة هيكل سليمان في محله. الإسرائيليون بكل ألوان طيفهم السياسي: حكومة ومعارضة يرون: بأن القدس ستظّل موحدّة وهي «العاصمة الأبدية لإسرائيل». الإسرائيليون يقومون بتهجير أهالي المدينة المقدّسة، ويوسّعون حدود منطقتها ويضمّونها. الموبقات تُقترف في القدس على مرأى ومسمع من العرب والمسلمين في كل أنحاء العالم. لا أحد يتحرك من أجل نصرتها إلا تأييد قضيتها ببيانات ووسائل إعلام وقرارات نظرية تُخبأ في الأدراج بعد صدورها.

الزعماء العرب في قمتهم الأخيرة (في شرم الشيخ) لم ينادوا بحشد الجيوش من أجل منع تهويد القدس وتحرير (المقدسات!) مسجدها الأقصى والصلاة في رحابه، بل حشدوا الجيوش من أجل اليمن. من الواضح: أن كل ما تفعله إسرائيل من تهويد للقدس ومحاولة هدم مسجدها الأقصى وما تقترفه من مذابح وموبقات تجاه الفلسطينيين والعرب والمسلمين لا يشكل استفزازاً للزعماء العرب ولتجييش الجيوش وشد الرحال إلى المدينة المقدسة. نتمنى لو أن كل الحماسة الموجهة كانت موجهة إلى القدس!. للعلم: راقبوا الصحف الإسرائيلية ومدى فرحها وتأييدها للحرب على اليمن!. يظل التفاوض وليس الحل هو الطريق الوحيد لحل الازمة اليمنية.

 

قد يعجبك ايضا