بوح على بيادر الوطن / د. سمير أيوب




د. سمير محمد ايوب  ( الأردن ) – الخميس 2/5/2024 م …

ليس صدفة ان يكون لزلات اللسان وللصدف قانون.
يُحتم ومقارنتها بسلوك اصحابها مكانها وزمانها واعتباراتها. يصوغ اشاراتها يضبط ايقاع وايتامهم داخليا وخارجيا.
دلالاتها ومعانيها ومراميها ما يُمَوّه منها وما يتم تسريبه
قد اخاطر بالقول ، إننى بت مقسطا .
وعلى الأخص ، تلك (الزلات ) المصدّرة من (رجال) ، لم
من حينها ولا ازال وبلا تردد
يعد لهم حظ من انتماء أو ولاء، ولم يتبق لهم فيما يبدو، سوى وبشكل غير مسبوق، أقلب في خاطري بدهيات وطنية كثيرة
انطباعات سريالية عن وطن تاريخي. زلاتهم ليست عابرة
لعضلة السنتهم ، بل متربصة في سراديب وعي المستثمرين منهم
، وهم كثر، في الخدمات السياحية السياسية المجانية، القافزة
بعبثية ماجنة في ادغال الظلمة السياسية وضبابها المفتعل.
تشكل مفارق ومفاصل طرق في العمل الوطني العام. لا شكّاً
فيها ، بل تحصينا لها من عبثهم. وأنا اعلم علم اليقين ، ان كثرة
من المفاهيم الكبرى في كل مناحي حياتنا ، باتت هي
الأخرى
، بحاجة ماسة الى تحصين ذاتي وتحصين عام، حفظا لها من
أقول هذا في مواجهة كوابيس مختلطة صادمة، تحاول عبثا عبثهم وعبث شياطينهم الممنهج . ولعل ابرز هذه المفاهيم ، كما
منذ زمن مداهمة ما وقر واستقر في الوجدان الجمعي العام بدت لي منذ حديث صفد، هي مفهوم الوطن، وتعبيرات الحنين
حول الوطن ، بالتخلي عنه لسارقيه ولو بالتقسيط المريح لهم. اليه وأدوات العمل من أجله.
مؤخرا ، اصابت بشكل غير مسبوق، أسماع كل حر، فرقعات
لاكثر من سبعين عاما مضت حتى الآن من عمري ، ما خلا
شظايا سياسية متحولة في كل اتجاه. انطلقت من فرضيات البال للحظة واحدة من شوق طازج للوطن يطل مشرقا على
سوداء مشروخة لدى بعض الرموز السياسية، ممن لم يعد في ثارة، ويقتحمني معاتبا احيانا في كل مفارق الطرق سبعون عاما
رئتهم ما يكفي من هواء وطني فلسطيني نقي بدوا منهكين كنت اظن خلالها ، أنني أعرف ما الوطن وما الحنين المتقن اليه.
اخلاقيا متحال وجدانهم السياسي والعاطفي، لمصلحة مواقعهم كنت اظن خلالها ولا أزال بالطبع افعل، أن ما وقر في خاطري
وكراسيهم المغتصبة في العمل الوطني الفلسطيني.
وخواطر ابناء جيلي مثلي مما زرعه فينا اهلنا البسطاء ، ومما
بدت للبعض تلك الفرقعات في حينها وهماً سياسيا، او تلقيناه معا عن باقات من اساتذتنا ومن رفاقنا في مدارس
هر طقة فكرية او وجدانية، أو كلاما خاليا من دسم وان كانت شويكة وطولكرم المتوسطة وفي الفاضلية هو الوطن . حتى
لا تخلو من سُم . وبدت في حينها ، زلات لسان تُثرثرِ بَهبَلِ سياسي ارتطم سمعي بالرطانة السياسة حول صفد ، وما صفد الا
غیر ملجوم لا تلزم في اسوأ الأحوال الا صاحبها، لابأس لكن مفردة في منظومة ما يبطنون ويديرون في ليل شممت في تلك
التطورات الخطيرة السابقة واللاحقة لها ، وما صاحبها ، وما الرطانة بُخْراً صهيو امريكي ، اصابني للحظات بدوار سياسي
ضع في احشائها من ترويج اعلامي واعلاني تبريرا لها ، تفرض محير ولكنه صداع كاشف
ان لا يمر ما قيل بهدوء ، فتلك البروفات السياسية المتلطية تحت
يفط زلات اللسان ، تستوجب قراءات غير تقليدية لمفرداتها
من منا لا يعرف ما الوطن؟ ولكن وبسذاجة طفولية ، ابحث
عمن فيكم يمكن ان يقول لي ما الوطن بالتحديد ؟
أسأل، وفي البال قرع المفاتيح حديدية معلقة كقلادة او كتميمة
وبالتأكيد هوية في رقبة كل جد في فلسطين. لا تزال ترتل دون ان
تصدأ، أسماء كل حبة تراب في فلسطين بدءاً من قرى المطلة
وأقرت وكُفر برعم في اقصى الجليل الاعلى ، حتى رفح في
جنوب فلسطين، ومن أبعد قطرة ماء في بحر عكا ويافا وحيفا،
حتى أول قطرة ماء في نهر الأردن وفي قلب كل هذا ، بالطبع
وبالضرورة وبالحتم تراب وهواء وسماء صفد.
هناك . كان يحدثني بحماس حنون، وانا انصت بخشوع. الحديث
عن الوطن جعل منا آنذاك طفلين شيخين تهدجت اصواتنا
لمعت عيوننا . ووجفت منا القلوب ، ورقت المشاعر وغضب العقل
مما نحن فيه الان.
أسأل، وفي البال حفيد في فلسطين او من فلسطين، أو حفيد
قادم مع طيور الرعد المشبعة بالأمل ليسهم بعزم في حراسة
الذاكرة وفي تحريرها، ما الوطن؟ ماذا يعني ان يكون لك وطن.
لك فيه ككل مخلوقات الله بيت يأويك فللطيور اعشاشها،
كان لها هدير يقول صبح مساء هذه بلادكم، هذا وطنكم ،
وللنمل بيوت، وللسبع عرين، وللخيول مرابط، وللسمك بحار
تبحر فيها ألسنا من خلق الله مثلها؟ ماذا يعني ان يكون لك
كل حبة تراب فيه ، امانة ووقف على المشاع . كانوا يرتلون على مسقط رأس، حجر تريح عليه همك ؟ خربة قرية، مدينة ، مربط
اسماعنا واصابعهم مُشرعةٌ كالرماح، باتجاه الغرب، مفعمة فرس او حتى مرقد عنزة؟
أسأل وية السمع، وقع القدام كل من علمنا شيئاً او حرفاً.
وهي تدق الارض بألسنة عربية لا تُحسن الرطن السياسي.
بغضب ساطع هناك عدوكم الأوحد فقاتلوه. وكلابهم في كل
مكان فاحذروهم.
اسأل وبالحاج . ما الوطن؟ أهو الجغرافيا بترابها وحجارتها
وصخورها وديانها وجبالها ، مبانيها وطرقاتها، بحارها
اسأل، وفي البال نجوى حدثني بها الدكتور فتحي ابو عرجه موانيها ومطاراتها؟
رفيق عمر من كنا صبية ندرج على بيادر شويكة، حتى شخنا في
العمر معا في المناة دون ان نهرم او نهزم.
بعد أن عاد أوائل شهر رمضان الماضي، من آخر زيارة له
للوطن ، ضمن وفد نادي الفاضلية لفعالية مؤتمر لتنمية محافظة
طولكرم حرمني وكثيرين مثلي العدو وزبانيته من شرف ومتعة
المشاركة فيه حدثني دكتور فتحي حين سألته عما كان اعتراه
من مشاعر وهو يتحسس جسد فلسطين وهو ينصت لهمس
نسيمها ، وهو يستنشق عبقها . حدثني كثيرا عما اقتحمه من
تفاصيل حين دلفت قدماه مع من كان معه من رفاقة الزائرين
المحظوظين بوابات الفاضلية، حين احتضنت عيونهم جدران
غرف صفوفها ، وحين تلمست اصابعهم معانقةً مقاعد الدرس
التي تقاسمناها .
مع احلامنا الصغرى والكبرى لسنوات معا
أهو التاريخ المنطوق، المعاش، المكتوب او المدسوس؟ اهو أكلة
مسخن او منقوشة زعتر؟
أهو خيار واختيار ؟ ام انه اختراق وذوبان وتماثل اكبر من كل
انتقاء، وخارج كل هذه المساقات؟
أهو وقائع جديدة او حتى قديمة ؟ أهو تشريفات وابسطة
رجل سبعيني أعرفه من قرية صفورية بشمال فلسطين.
على مدى ساعه شرّق فيها ذاك الطاووس السياسي المبرمج
حمراء ، نشيد ، علم ، سجن وسجان متخلف ظالم مستبد عميل وغرب كثيرا، اسرع وابطاً ، تهدج صوته وارغى وأزبد ، وعد
؟ أهو طوابع بريد وجواز سفر؟ اهو
شحادين؟
سَلَطَة رعيان أو طبيخ وتوعد ، وهو يسوّق فكرة الدولة موضوع الندوة، والناس من
حوله حياري مما يسمعون . وبعد ساعه طالب المحاضر الحضور
باستفساراتهم.
هل الوطن مخلوق له شهادة ميلاد تستنسخ في المحافل
الدولية؟ هل شهادات ميلاد الأوطان تكتب وتضيع ساعة لهو فسارع جاري السبعيني، الذي فيما يبدو اراد ان يقطع شك
عابت على موائد الميسر السياسي. وتسترد بالمقايضة او يستخرج اذنيه بيقين عقله وقلبه الراسخ، فرفع اصبعه طالبا الكلام
لها بدل فاقد أو صورة طبق الاصل؟
انتبه له المحاضر ، فدعاه لطرح سؤاله المفاجأه.
هل الوطن مخلوق مستسلم لعجزه وضعفه القائم والقادم وقف الرجل متثاقلا على عصاه وقال: يا أنت ، هالدوله إللي
ام أسد بمخالب حتى لو شذبت قصدا وقهرا؟
أسألكم وانا أعلم انني اطلت ، ولكني سأختم متلمسا طريقي
إلك ساعه بتحكى عنها ، صفوريه بلدنا فيها ؟؟!!!
أسقط
بيد صاحبنا فتلعثم ولكن ببديهته المعروفة عنه
نحو ملامح اجابة ، بواقعة عشتها ذات صيف عند البدء ببازارات التقط المأزق وتداعياته ، وبما عرف عنه من فنون المراوغه ، سارع
التفريط المتعمد والمبرمج بخبث صهيو امريكي.
قبل ان تنفجر القاعة تأييدا لابن صفورية باسئلة اخرى عن
قراهم وكلهم من قرى الجليل في شمال فلسطين من صفورية
تبدأ الحكاية في جورة التراشحة في مطيم برج البراجنة.
في الضاحية الجنوبية من بيروت، زمانها اواخر السبعينيات.
ايام الشباب والعنفوان وطهارة التية والسلاح عندما أطلت
كاللص على الجموع الفلسطينية في تجمعاتهم ومنافيهم
وترشيحا وسعسع والكويكات وسحماتا وسخنين والكابري
والجش وأقرت وكفر برعم.
فقال وهو لا يزال متلعثما لا ، يا عم ولكنها بالصبر
ارهاصات التفريط التدريجي بفلسطين تحت شعار القامة ويجهادكم وبالكفاح السياسي الشجاع سنصل ان شاء الله الى
الدوله الفلسطينية على كل شبر يتم تحريره ( تخيلوا ، تحريره صفورية والى كل قرى فلسطين
وليس استجداؤه) .
عصر
وهنا انتفض جاري السبعيني مقاطعا المحاضر، وشاركه
اخرون بأصواتهم وهمهماتهم بما يشبه السيل العرم قائلا:
أحد الايام دعيت الى ندوة سياسية، لرمز من
ملوك الطوائف الفلسطينية هناك حول البدء بتأسيس الدولة الله لا يوفقك ربك يا انت ولك ضُب حكياتك واطلع من
الفلسطينية. سارعت الى الذهاب مع غيري حيث احتشد هون ولك وطن، مش بس دوله ، بدون صفوريه ما بتصير.
العديد من سكان المخيم. حاديهم الشوق لتراب فراهم
وبلداتهم ومدنهم جلست بالقرب من المدخل ، وكان بجانبي
لا زلت اسأل، اغيثوني

قد يعجبك ايضا