يهودية دولة – النشأة والهدف / ابراهيم ابو عتيلة

ابراهيم ابو عتيلة ( الأردن ) – الخميس 12/11/2020 م …




لقد كان اليهود عبر التاريخ  عنصريون لا يحبون إلا أنفسهم بغض النظر عن المجتمعات التي يعيشون فيها ، فمصلحتهم هي الأساس وتلمودهم هو المرجع وأكاذيبهم يسوقونها ويروجون لها يقنعون بها السذج وضعاف النفوس ، ومن  كثرة صفاتهم البغيضة كرهتهم الشعوب وصارت تلك الشعوب تحاول إبعادهم بكل الطرق فمن عزلهم ضمن جيتوات  إلى عدم السماح لهم بدخول مناطقهم حتى أن بنجامين فرانكلين وهو أحد مؤسسي الولايات المتحدة الأمريكية قد طالب بمنعهم من دخول أمريكا وقد ألقى خطاباً عام 1789م  عند وضع الدستور جاء فيه  : “هناك خطر عظيم يتهدد الولايات المتحدة الأمريكية , وذلك الخطر العظيم هو خطر اليهود .أيها السادة : في كل أرض حل بها اليهود أطاحوا بالمستوى الخُلقي وأفسدوا الذمة التجارية فيها  ، ولم يزالوا منعزلين لا يندمجون بغيرهم ، وقد أدى بهم الاضطهاد إلى العمل على خنق الشعوب مالياً ،  كما هو الحال في البرتغال وأسبانيا  ، وإذا لم يُبعد هؤلاء عن الولايات المتحدة ( بنص دستورها ) فإن سيلهم سيتدفق إلى الولايات المتحدة في غضون مائة سنة إلى حد يقدرون معه أن يحكموا شعبنا ويدمروه ويغيروا شكل الحكم الذي بذلنا في سبيله دماءنا وضحينا له بأرواحنا وممتلكاتنا وحرياتنا الفردية ، ولن تمضي مئتا سنة حتى يكون مصير أحفادنا أن يعملوا في الحقول لإطعام اليهود ، على حين يظل اليهود في البيوت المالية يفركون أيديهم مغتبطين  ، وإنني أحذركم أيها السادة ، أنكم إن لم تبعدوا اليهود نهائياً فلسوف يلعنكم أبناؤكم وأحفادكم في قبوركم  ، إن اليهود لن يتخذوا مثلنا العليا ولو عاشوا بين ظهرانينا عشرة أجيال ، فإن الفهد لا يستطيع إبدال جلده الأرقط ، إن اليهود خطر على هذه البلاد إذا ما سمح لهم بحرية الدخول ، إنهم سيقضون على مؤسساتنا ، وعلى ذلك لا بد من أن يستعبدوا بنص الدستور ” .

هذا مثال على نظرة الغرب لليهود فمنذ كتابة شكسبير لتاجر البندقية ونظرة العالم الغربي لليهود لم تتغير ، ومع النهوض القومي في أوروبا في القرن التاسع عشر وبعد نابليون وترويجه لايجاد كيان منفصل لليهود في فلسطين كما كان للمفكرين اللاساميين في اوروبا الفضل في بلورة هذه الفكرة وإنضاجها حيث استبق أحدهم هرتسل نفسه حيث عرض عرض المجري جوزيه إيشتوسي سنة 187 ، وهو من مشاهير المعادين لليهود، مشروع قرار على برلمان بلاده يدعو فيه إلى تأييد ودعم إقامة دولة يهودية في فلسطين ، كما عرض مقترحه هذا على مؤتمر برلين المنعقد في تلك الفترة، بهدف دفعه إلى حيّز التنفيذ وذات الأمر فعله ثيودور هرتسل (1860 – 1904) الذي اعتبر اللاسامية أمراً لا يمكن تغييره أو الخلاص منه ففي عام 1896 نشر كتيّبه بعنوان: دولة اليهود، محاولة لإيجاد حل عصري للمسألة اليهودية ، متوافقاً فيه مع الدعوة التي كان قد سبقه اليها قبل عقدين من الزمن جوزيه إيشتوسي وذلك بتجميع اليهود في فلسطين وجوارها (أرض إسرائيل) شأنه في ذلك شأن اللاساميين الذي يسعون إلى تجميع اليهود في أي بقعة من العالم عدا اوروبا ، ولقد أضفت الحركة الصهيونية على عملية جمع يهود العالم في المنطقة التي أسمتها بأرض اسرائيل طابعاً قومياً، واعتبرتها بمثابة تحرّر قومي ، وفي عام 1897 نجح هرتسل في عقد أول مؤتمر للحركة الصهيونية في مدينة بازل في سويسرا الذي دعا فيه لإقامة دولة يهودية على “أرض اسرائيل” في الوقت الذي وقف فيه معظم غير اليهود واللاساميين مع هذه الفكرة ولقد ساعدهم في ذلك سقوط فلسطين تحت هيمنة الاستعمار البريطاني مما شكل رافعة قوية لتجسيد الفكرة على أرض الواقع ، ومن هنا برز دور الشخصية الثالثة، التي تبنت هذه الفكرة حين أصدر جيمس بلفور وزير خارجية بريطانيا في الثاني من نوفمبر 1917، تصريحه المشهور بوعد بلفور برسالته إلى اللورد روتشيلد والتي جاء فيها أن حكومة بلاده تنظر بعين العطف لتأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين في فلسطين ، فقامت بريطنيا الغرب عموماً بتشجيع هجرة اليهود إلى فلسطين مع تسليحهم وحمايتهم إلى ان تمكنوا عام 1948 من تهجير الفلسطينيين من ارضهم وإقامة ما يسمى بدولة إسرائيل ، ومنذ ذلك التاريخ وتلك الدولة اللقيطة تحاول فرض نظرية يهودية الدولة على العالم واشترطت على المفاوضين الفلسطينيين لإعتراف بذلك لاستمرار المفاوضات بهدف إلغاء الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني في فلسطين وإلغاء حق العودة .. ومن هنا قمت قبل مدة بنشر مقال عن يهودية الدولة رأيت أنه من المناسب أن أعيد نشره لاطلاع عدد أكبر من المهتمين عليه.

يهودية دولة 

لعل من أهم وأخطر ما يطرحه الجانب الصهيوني في مسابقته التفاوضية الماراثونية العبثية مع سلطة أوسلو ، هو اشتراط اعتراف الفلسطينيين بيهودية كيانهم المصطنع ، ومن يتابع ما يتسرب من معلومات محدودة عن سير عملية التفاوض يرى أن هذه المقولة قد أضحت وكأنها أصل القضية وأساس المفاوضات ..

إن شرط الصهاينة هذا سيحقق لهم نسف حق العودة الذي يطالب به الفلسطينيون من جذوره وإغلاق ملفه بشكل نهائي ، ومن الجدير بالذكر أن العديد من زعماء الصهاينة تسابقوا على هذا الطلب الذي طالب به أرئيل شارون سنة 2003 وأيده بذلك وبقوة الرئيس الأمريكي جورج بوش كما أكده ايهود أولمرت سنة 2007 بمساندة واضحة من باراك اوباما في خطابه أمام الكونغرس عام 2008 وخطابه امام الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2010 ، فيما تبنى هذا المطلب بنيامين نيتنياهو والذي اعتبره شرطاً أساسياً لاستمرار عملية السلام المصطنعة

ومن الطبيعي أن يكون الرد الفلسطيني على هذا الشرط بالرفض المطلق ، فهل معنى ذلك وضع عقبات أمام المفاوضات بغية نسفها، تهرّباً من استحقاقاتها ؟ وما هي الأهداف والأخطار التي يكتنفها هذا الشرط ؟ ألم ترد عبارة الدولة اليهودية في قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة في التاسع والعشرين من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) 1947؟ وهل يحق لصاحب القرار الفلسطيني المشكوك بصلاحياته الاعتراف بيهودية الدولة، وفق تعريف ومفهوم رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو مع ما بها من محاذير تتجاوز حدود أي دولة فلسطينية مستقبلية إن تحققت ؟

ولعله من المفيد قبل الإجابة على تلك التساؤلات أن نستعرض كيفية ظهور فكرة الدولة اليهودية ومن كان وراءها ، فمع بروز حركات القومية الاوروبية وما رافقها من حركة مناهضة لأتباع الديانة اليهودية في اوروبا عقب الثورة الصناعية أو ما اصطلح على تسميته باللاسامية ، على اعتبار أن اليهود عنصراً لايمكن ادماجه في المجتمعات الاوروبية مما أدى إلى ظهور أصوات من اليهود تنادي بكونهم أمة وقومية بحد ذاتها ولا يتوقف الأمر عند كونهم يهوداً مختلفين في ديانتهم عن الآخرين في اوروبا ، مما يستدعي أن يكون لهم الحق في وجود كيان خاص بهم ، ومن بين من نادى بذلك ودعا إليه ثيودور هرتسل زعيم الحركة الصهيونية التي نجحت بإحداث انقلاب في الفهم تجاه اليهودية متجاوزةً الإطار الديني لتصبح ديناً وقومية في ذات الوقت ، ومن هنا فقد التقت الصهيوينة واللاسامية إلى حد كبير بالأهداف مع ما يكتنف ذلك من تناقض كبير بالدوافع ، التقت الحركتان على ضرورة إيجاد حل للتجمعات اليهودية في العالم من خلال خلق فكرة جمع اليهود من مختلف أنحاء العالم في منطقة واحدة .

ولقد كان للمفكرين اللاساميين في اوروبا الفضل في بلورة هذه الفكرة وإنضاجها حيث استبق أحدهم هرتسل نفسه، وقدّم اقتراحاً لحل المسألة اليهودية لا يختلف في شيء عن طرح مشاهير قادة الفكرة الصهيونية ، ففي العام 1878 عرض المجري جوزيه إيشتوسي، وهو من مشاهير المعادين لليهود، مشروع قرار على برلمان بلاده يدعو فيه إلى تأييد ودعم إقامة دولة يهودية في فلسطين ، كما عرض مقترحه هذا على مؤتمر برلين المنعقد في تلك الفترة، بهدف دفعه إلى حيّز التنفيذ، وكسب إلى جانبه الكثيرين مؤكداً في اقتراحه على قدرة الأمة اليهودية على إقامة دولة نموذجية ، وذات الأمر فعله ثيودور هرتسل (1860 – 1904) الذي اعتبر اللاسامية أمراً لا يمكن تغييره أو الخلاص منه ففي عام 1896 نشر كتيّبه بعنوان: دولة اليهود، محاولة لإيجاد حل عصري للمسألة اليهودية ، متوافقاً فيه مع الدعوة التي كان قد سبقه اليها قبل عقدين من الزمن جوزيه إيشتوسي وذلك بتجميع اليهود في فلسطين وجوارها (أرض إسرائيل) شأنه في ذلك شأن اللاساميين الذي يسعون إلى تجميع اليهود في أي بقعة من العالم عدا اوروبا ، ولقد أضفت الحركة الصهيونية على عملية جمع يهود العالم في المنطقة التي أسمتها بأرض اسرائيل طابعاً قومياً، واعتبرتها بمثابة تحرّر قومي ، وفي عام 1897 نجح هرتسل في عقد أول مؤتمر للحركة الصهيونية في مدينة بازل في سويسرا الذي دعا فيه لإقامة دولة يهودية على “أرض اسرائيل” وقد رأى هرتسل في نجاحه بعقد المؤتمر بداية لتحقيق مضمون الجملة الأخيرة التي اختتم بها كتابه قبل عام : اليهود الذين يريدون ستكون لهم دولتهم” فيما كان معظم اليهود بشكل أو بآخر ضد ما ذهب إليه، في الوقت الذي وقف فيه معظم غير اليهود واللاساميين مع هذه الفكرة ولقد ساعدهم في ذلك سقوط فلسطين تحت هيمنة الاستعمار البريطاني مما شكل رافعة قوية لتجسيد الفكرة على أرض الواقع ، ومن هنا برز دور الشخصية الثالثة، التي تبنت هذه الفكرة حين أصدر جيمس بلفور وزير خارجية بريطانيا في الثاني من نوفمبر 1917، تصريحه المشهور بوعد بلفور برسالته إلى اللورد روتشيلد والتي جاء فيها أن حكومة بلاده تنظر بعين العطف لتأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين ، مما تسبب بازدياد عدد اليهود في فلسطين برعاية بريطانية خلال الفترة 1917 -1948 من خلال موجات الهجرة المتعاقبة حيث قفز عدد اليهود في فلسطين في الفترة المذكورة من (55 ) ألفاً إلى 550 ألفاً فيما تضاعف في الوقت نفسه عدد المستوطنات ورافق ذلك نمو وتطور القوة العسكرية اليهودية، وتبلورها في تنظيمات ارهابية (هاغاناه، إتسل، ليحي) فضلاً عن الفيلق اليهودي العامل ضمن القوات البريطانية، وبلغ مجموع أفرادها مجتمعة نحو 60 ألفاً مدعيةً في أقوالها على أن دور الإدارة البريطانية استناداً لوعد بلفور وصك الانتداب يقتصر على تحويل فلسطين إلى وطن قومي لليهود ، إذ صرح زعيم الصهاينة حينذاك “حاييم وايزمان” بأن فلسطين يهودية كما هي بريطانيا بريطانية مطالباً بإقامة دولة يهودية في فلسطين، ولم يكن غريباً، كذلك الاستياء العام الذي ساد أوساط الحركة الصهيونية بمختلف تياراتها، جرّاء إقرار بريطانيا ترسيم الحدود في العام 1922 بين فلسطين وشرق الأردن معترفة بذلك بإمارة شرق الأردن مدعين بأن الوطن القومي اليهودي يضم فلسطين والأردن معاً، علماً أن شرق الأردن، الذي تضاهي مساحته ثلاثة أضعاف مساحة فلسطين، كان خالياً تماماً من السكان اليهود.

وبعد الحرب العالمية الثانية وإثارة وتضخيم موضوع المجازر النازية التي لحقت باليهود أثناء الحرب واستغلال الصهاينة لذلك ، فقد برزت الظروف التي سهلت من مطلب إقامة الدولة اليهودية حيث تم جلب اعداد كبيرة من اليهود إلى فلسطين بطريقة غير شرعية وبما يتعارض وسياسة الكتاب الأبيض الصادر عن بريطانيا عام 1939، الذي تضمن التزام بريطانيا بدعم قيام دولة فلسطينية بعد مضي عشر سنوات.

وبدلا من ذلك اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة في التاسع والعشرين من تشرين الثاني 1947 قراراً تم بموجبه تقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية مع بقاء القدس تحت الوصاية الدولية وبلغت مساحة الدولة اليهودية فيه أكثر من نصف مساحة فلسطين وهم عبارة عن أقلية تقارب ثلث السكان في حين حصل العرب الذين يشكلون أكثرية السكان على نسبة تقل عن النصف.

وكان من الطبيعي أن يرفض العرب الفلسطينيين قرار التقسيم، ليس لكونه ظالماً وغير منصف فحسب بل لكونهم يرفضون ويقاومون من حيث المبدأ تقسيم وطنهم ، فيما وافق الصهاينة على القرار مما تسبب في اندلاع الاشتباكات التي كانت نتيجتها لمصلحة الصهاينة المدعومين من بريطانيا والمسلحين بأفضل الأسلحة نتج عنها إعلان قيام دولة اسرائيل في الخامس عشر من أيار العام 1948 ، ولقد صاحب ذلك تفريغ فلسطين من معظم سكانها العرب ، وعندما تم إعلان الهدنة كان الصهاينة يسيطرون على 78% من مساحة فلسطين، ولم يبق للشعب الفلسطيني من وطنه سوى 22% لتسقط هي الأخرى تحت الاحتلال الإسرائيلي عام 1967 والتي لا زالت رهن المفاوضات بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي التي دخل في قاموسها الجديد مصطلح يهودية الدولة.

وعند صدور قرار التقسيم عن الأمم المتحدة في العام 1947، الذي يدعو إلى قيام دولتين في فلسطين، عربية وأخرى يهودية، لم يكن قادة الصهاينة قد اعتمدوا اسماً رسمياً للدولة التي يسعون لإقامتها ففي الرابع عشر من أيار العام 1948، قبل يوم من انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين، أعلن بن غوريون رئيس الوكالة اليهودية، قيام دولة إسرائيل وفقاً لقرار الأمم المتحدة (29/11/1947) القاضي بإقامة دولتين في فلسطين واحدة عربية وأخرى يهودية وذلك بعد أن تمت الموافقة على الاسم من قبل الحكومة المؤقتة بعد ان تم تداول اربعة أسماء مقترحة هي ( يهودا ، صهيون ، أرض إسرائيل ، دولة عابر) .

بد مضي نحو عامين على قيامها، أقدمت إسرائيل، بصفتها دولة اليهود حيثما وجدوا على إصدار قانون العودة (5/7/1950) الذي ينص على أن من حق اليهودي العودة إلى إسرائيل، واكتساب جنسيتها بمجرد وصوله إليها ، ومما لا شك فيه بأن هذا القانون، وكذلك قانون الجنسية للعام 1952 والتعديلات التي أحدثت عليه لاحقاً يرتبط المواطنة في الدولة بالانتماء اليهودي. وإذا لم يتحقق هذا الأمر كما هي الحال بالنسبة لأكثر من خمس سكانها العرب فإن النتيجة أن يخرجوا من إطارها رغم حملهم جنسيتها ، ما عرّضهم لمختلف أنواع التمييز فضلاً عن أعمال السطو على أراضيهم، التي أخذت شكل مصادرة لأغراض أمنية لتقام عليها مستوطنات لصالح اليهود العائدين .

ومع ما لحق بالصهيونية من وصمة العنصرية، كإدانة ليس من قبل المتأذّين منها فقط، وإنما أيضاً من قبل هيئات ومؤسسات إقليمية ودولية فمن المستغرب والمستهجن في الوقت نفسه، أن يطالب رئيس “الحكومة الإسرائيلية” بالاعتراف بيهودية الدولة ممن كانوا ضحايا لها ، ومبرره في ذلك التقدّم بعملية السلام، فيما يظهر بوضوح ما يرمي إليه نيتنياهو من خلال الاطلاع على تصريحاته وخطبه ومقابلاته وتركيزه على يهودية الدولة: إضفاء الطابع القومي ليس فقط على دولة الأمر الواقع وإنما على الدولة – المشروع كفكرة أيضاً، وفق الفهم الصهيوني ، وها هو يتساءل إن كانت القيادة الفلسطينية مستعدة لتقول لشعبها، إنها على استعداد للاعتراف بإسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي واستعداده للاعتراف بالدولة الفلسطينية كدولة قومية للشعب الفلسطيني ، ومن الواضح أن تساؤله هذا ينطوي على مغالطة أساسية، بتصوير طلبه من الفلسطينيين وكأنه اعتراف إسرائيل بالدولة الفلسطينية كدولة قومية ، مع إدراكه بعدم وجود مطلب فلسطيني من هذا النوع ، فالمطلب الفلسطيني واضح ولا يكتنفه غموض: متمثلاً بحق العودة الذي تكفله الشرعية الدولية، وإزالة الاحتلال الإسرائيلي، بشكليه العسكري والاستيطاني، من الأرض الفلسطينية المحتلة في العام 1967، بما في ذلك القدس الشرقية، لكي يكون بالإمكان إقامة دولة فلسطين على مساحة تشكل 22% فقط من مساحة فلسطين التاريخية .

إن ما يسعى إليه بنيامين نتنياهو ويرمي إليه من المطالبة بإشهار يهودية الدولة، إضفاء الطابع القومي عليها، لتصبح دولة قومية للشعب اليهودي حيثما وجد ، سواء كان في داخل إسرائيل أو خارجها مع الاعتراف بما يترتب عن ذلك من حق، أو كما ذكر أكثر من مرة، وفي أكثر من مناسبة خلال حديثه عن الرفض الفلسطيني للاعتراف بيهودية الدولة، وتعليله له، أن يهودية الدولة تعنى كما ورد على لسانه زخوت عام يسرائيل عال إيرتس يسرائيل أي، حق شعب إسرائيل على أرض إسرائيل، وصولاً إلى القول أن الفلسطينيين يرفضون الاعتراف بيهودية دولة إسرائيل، لكونهم يرفضون هذا الحق .

وهنا نجد أنفسنا أمام السؤال، ما هي أرض إسرائيل ؟ وهل سبق لقبائل بني إسرائيل أن سكنتها، أو هي مجرّد وعد إلهي لشخص أسطوري ليملأها نسله من بعده بالأبناء؟ هل كان من المألوف في تلك الأزمنة الغابرة، أن تقوم الآلهة (يهوه، كموش، ملكولم …) بمنح أتباعها ومريديها أراض ومناطق؟ إن مفهوم أرض إسرائيل ، الذي تبنته الحركة الصهيونية، وهو مفهوم توراتي، كان ولا يزال مدار جدل بين مختلف التيارات الصهيونية من حيث حدود تلك الأرض، مما حال دون اتفاقها على تعيين حدود نهائية ثابتة للمشروع الذي تعمل على تحقيقه، وأبقى الحدود النهائية رهن صراع ثلاثة مفاهيم:. ا

الأول  يكتفي بحدود الخريطة الفلسطينية، كما تبلورت عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى، ويقف إلى جانبه، في شكل عام، التيار العمالي.

 الثاني يرى إن حدود أرض إسرائيل هي حدود الإثني عشر سبطاً (أبناء يعقوب – إسرائيل الإثني عشر ابناً وفق الأسطورة التوراتية). أي أنه يضيف إلى فلسطين، مناطق من سوريا ولبنان وكامل شرق الأردن. ( للنهر ضفّتان، هذه لنا، وتلك لنا شعار رفعه رئيس التيار التصحيحي في الحركة الصهيونية، الأب الروحي لحزب الليكود الذي يقوده نتنياهو )

الثالث ينطلق في منظوره، من الحدود التوراتية، وينقسم إلى فريقين، فريق يرى أن الحدود التوراتية تمتد من نهر مصر (وادي العريش في سيناء) وحتى الفرات. وآخر يرى أنها تمتد من نهر النيل وحتى الفرات.

ويقف إلى جانب الفهمين الثاني والثالث، التيارات اليمينية والدينية.

وهنا، نجد أنفسنا ثانية أمام تفسير بنيامين نتنياهو ليهودية الدولة كما ورد على لسانه: حق إسرائيل على أرض إسرائيل ، وأمام مطالبته الطرف الفلسطيني الاعتراف بهذا الحق، أي حق إسرائيل في أراضي بلدين عربيين بالكامل، ومناطق من خمس دول عربية أخرى تقع ضمن أرض إسرائيل ، كاشتراط للتقدم في عملية السلام.

وتبرز من خلال ذلك علامة استفهام كبيرة حول أرض إسرائيل واسعة الأرجاء وفيما إذا كان من حق “صاحب القرار الفلسطيني” الاعتراف بالحق الذي يريده صاحب القرار الإسرائيلي؟.

وإذا ما استثنينا عامل الرغبة في المماطلة والتسويف في المفاوضات، وصولاً إلى عرقلتها أو نسفها، تهرباً مما قد تتمخّض عنه من استحقاقات يخشاها الطرف الإسرائيلي، نجد أن نتنياهو يرمي من وراء ذلك تحقيق أهداف متعددة وهي الأخطار المتأتية عن الاعتراف بيهودية الدولة، ومنها

1.  نسف حق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة الذي كفلته الأمم المتحدة وفق القرار 194، والسعي لإفراغه من مضمونه.

2.  مس مكانة المواطنين العرب في إسرائيل، سواء عن طريق الطرد، أو عبر التبادل السكاني، علماً أنهم مواطنون في دولة، تخرجهم هي من إطارها بتعريفها لذاتها كـدولة اليهود .

3.  الاعتراف بالفكرة و بالرواية الصهيونية لموضوع الصراع العربي الإسرائيلي.

وعليه فلا يمكن للطرف الفلسطيني تلبية ما يطالب به رئيس الحكومة الإسرائيلية، لكون الحق الذي يطالب به نتنياهو، يشمل الأراضي الفلسطينية جميعها، والأردن بكامله، فضلاً عن مناطق تابعة لخمس دول عربية أخرى حتى لو افترضنا أن الطرف الفلسطيني يتمتع بالاستقلال الكامل ، وأراد تلبية هذا الحق ، فإنه لن يستطيع ، وينطبق هذا الأمر على الدول العربية الأخرى، فيما إذا طالبها نتنياهو بالاعتراف بيهودية الدولة وفق تفسيره.

لذا، فإن دعوته ليهودية الدولة ما هي إلا دعوة تحمل في طياتها الفشل الذريع لأنها تخالف مسار التاريخ ومنطقه الذي يقضي بأن هذه الدولة ماهي إلا جسم غريب في منطقة تشهد تطورات ومتغيرات كثيرة وولادة عصر جديد.

قد يعجبك ايضا