الإخفاقات العربية.. «الحق على الطليان» / د.فايز رشيد

 

د.فايز رشيد ( الخميس ) 18/6/2015 م …

إذا كان كل شيء سليما على الأصعدة السياسية، الاقتصادية والاجتماعية.. وكما يؤكد غالبية المسؤولين العرب، فما سبب إخفاقات أمتنا الحالية في كل المجالات؟

ما سبب هذه الصراعات الطائفية والمذهبية والإثنية البغيضة، التي تنخر الجسد العربي حدّ إدمائه؟ ما سبب هذه الحالة الرديئة التي لو وصينا عليها خصيصا، لما جاءت بالسوء الذي هي عليه. المسؤولون العرب يميلون إلى إسقاط كل ما يحدث في الوطن العربي على نظرية المؤامرة. صحيح أن هذه المســألة قائمة منذ بدء ظهور الدولة العربية الحديثة، ونتيجة للموقع الجغرافي العربي، وللثروات العربية ولقضايا أخرى مهمة.. شكّل الوطن العربي مطمحا للمؤامرات الغربية الاستعمارية عليه لهذا السبب كانت اتفاقيات سان ريمو وسايكس بيكو ومن قبلهما كامبل بنرمان.

لهذا السبب تم زرع الكيان الصهيوني في الوطن العربي منعا لتوحيد أقطاره، ندرك هذه المسألة ولكن أين هو الدور العربي في التصدي لمنع تنفيذ المؤامرات التي تستهدف الوطن العربي من المحيط إلى الخليج؟ هذا أولا.

ثانيا لماذا الميل العربي لعدم الاعتراف بالهزائم، وفي بعض الأحيان تحويلها إلى انتصارات؟ لماذا إذا انتقدت مسؤولا عربيا تُتهم بالإجرام؟ ألأننا لا نحب النقد حتى الهادف منه؟ هل يعني أننا وصلنا إلى الكمال.. وأن مسؤولينا لا يخطئون؟ هذه التساؤلات ليست برسم المسؤولين الرسميين العرب فقط، وإنما برسم حتى القوى الوطنية والقومية والديمقراطية العربية وغالبية مسؤولي المنظمات الوطنية الشعبية والقومية والديمقراطية العربية، فليس المسؤولون الرسميون، وحدهم، المخلدين في مناصبهم وكراسيهم، ولكن حتى مسؤولي الأحزاب العربية، فكم من رئيس، أمين عام، سكرتير عام..أو سكرتير حزب وطني، وقومي، ويساري عربي بقي في منصبه ولم يزحزحه عنه سوى الموت؟

النقد الإيجابي هو عملة نادرة هذه الأيام، النقد ليس من أجل قتل المريض وإنما إشفائه. يتوقف النقد في وجوده أو استقامته أو بواره، على خصائصه، التي لا تُستمد من ذاتها، وإنما بما يربطها بغيرها من السمات، نعم يرتبط النقد بالبناء في علاقة جدلية متينة.. فنظرية النقد باعتبارها أول نظرية اجتماعية – فلسفية أعطت للنقد، والنقد الذاتي منه تحديدا.. وجهه الإنساني بعيدا عن الفهم الشمولي، وأرست منهجه الاجتماعي ليكون ذا وجه ديمقراطي بعيد عن فهم علم الاجتماع الوضعي، المكرّس لخدمة الدولة البورجوازية والأنظمة الشمولية. للأسف، لم نسمع على مدى التاريخ القريب أن حزبا عربيا (سوى الندرة) اعترف بأخطاء مسيرته علنا وأمام الجماهير، هل هذا من المعقولية؟ الذي لا يخطئ هو الذي لا يعمل، ومن يعمل، وفي كثير من الأحيان، يقترف الخــــطأ بلا إرادة منه. إن ممارسة النقد تحتاج إلى الحرية أولا، لأن جوهر النقد هو الحرية، ومن أجل تحرر الذات من أسرها المجتمعي المطلوب هو إجراء النقد المركب: نقد الذات، ونقد الآخر. لقد ارتبط النقد بنظريته التي أرساها ماكس هوركهايمر وثيودور أدورنو، في ما اصطلح على تسميته بـ»مدرسة فرانكفورت النقدية».

إسرائيل لم تنتصر علينا في غالبية حروبها العدوانية، بشجاعة جنودها السوبرمانية، ولا بمعداتها وأسلحتها الخارقة… انتصرت فقط على ضعفنا.. أي لأننا ضعفاء. ولو كنا غير ما نحن عليه الآن، لجرت هزيمتها في كل اعتداءاتها، ولما كانت صورة الوضع العربي على ما هي عليه من الرداءة كما الآن. إسرائيل انتصرت بمعرفة أعدائها (وهم كل العرب) وبكافة تفاصيلهم، بدءا بجيوشهم وانتهاء بما تكتبه صحفهم اليومية، بدراسة كل ما يتعلق بالحياة العربية، انتصرت بالدراسات التي تجريها دوما وتطرح فيها مواضيع استراتيجية، بدءا من مؤتمرات «هرتزيليا» الاستراتيجية السنوية (التي انعقد مؤتمرها الدوري لعام 2015 منذ أسبوع) وانتهاء بمراكز الدراسات والأبحاث في الجامعات والكليات المعنية، والاخرى التابعة للصحف، إسرائيل انتصرت لأن مسؤوليها المعنيين، سياسيين وعسكريين، يقرؤون ما يقدم لهم من معلومات وأوراق، كل حسب مجاله، انتصرت لأنها تستقطب الكفاءات وتحترمها وتقدم لها ما تحتاجه لمواصلة إبداعات أصحابها، وتعمل دوما على إبراز كفاءاتهم على كافة الأصعدة، خاصة منها الكفاءات الثقافية، وفي المجالات العلمية، الاقتصادية والأخرى المختلفة. ترى القادة والمسؤولين الإسرائيليين في غاية التواضع في حيواتهم العملية: رابين سكن في شقة في عمارة سكنية… باختصار شديد، إسرائيل تعمل بموجب قاعدة هنيبال «إعرف عدوك». إسرائيل نتصرت علينا بتوجيه النقد العلني إلى مسؤوليها سياسيين وعسكريين ومحاسبتهم.. وأن لا مسؤول إسرائيليا سياسيا أو عسكريا فوق المحاسبة والنقد واتخاذ العقوبات بحقه، وصولا إلى السجن.

المسؤول العربي فوق النقد، وهو شيخ المعرفة في كل المجالات، في الاقتصاد والسياسة والفلسفة وحتى في التاريخ والهندسة والرياضيات. في وطننا العربي لا نؤمن بالتخصصات إلا ما ندر، تجد صحافيا في منصب وزير التعليم.. وتجد مهندسا يعمل وزيرا للصحة، وعلى هذا قس. نادت كل الديانات والمذاهب الأيديولوجية الفلسفية بالنقد. يقول الله تعالى في كتابه العزيز: «والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم، ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم»، ويقول نبيه الكريم «ليس منا من لم يحاسب نفسه في كل يوم،فإن عمل حسنا حمد الله واستزاده، وإن عمل سوءا استغفر الله». ويقول «المؤمن مرآة لأخيه المؤمن». من هذا المنطلق اعترف عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، بصوابية امرأة وخطئه، قائلا : «أصابت امرأة وأخطأ عمر». في السياق ذاته جادله أعرابي قائلا، «والله لو رأينا فيك اعوجاجا لقومناه بسيوفنا»، لم يقطع الخليفة رأس البدوي ولم يأمر بسجنه. يقول الإمام الصادق «لا يزال الإنسان بخير، ما كان له توفيق من الله عز وجل، وواعظ من نفسه، وقبول ممن ينصحه».

لا يوجد مسؤولون فوق المحاسبة والنقد، إلا في عالمنا العربي للأسف فالمسؤول (منزّه) عن الخطأ، وهو فوق مستوى الشبهات، وهو فوق القوانين، وهو لا يخضع لنقد ولا لمحاسبة، وإذا صادفت مسؤولين بالصدفة يتقبلون النقد بابتسامة وترحاب فهم عملة نادرة، أو أن معظمهم ينزعجون داخليا منك ولا يظهرون ذلك لذا، قد يحترمونك ولكنهم لن يودوك. النقد ثقافة وتقبل النقد هو أيضا ثقافة، وللأسف لا رواج لثقافة النقد في العالم العربي.

نرى (واقعيا) أن من (الأسهل والأسلم) للفرد العربي في حياته ومسلكيته الشخصية، في وطننا العربي، إرجاع كل إخفاقاتنا العربية التي نعيش معاناتها حاليا.. إلى الآخرين مستشهدا بالمثل العربي المعروف: «الحق فقط على الطليان»… فنحن لا نخطئ!

 

قد يعجبك ايضا