الاقتصاد الاردني في مأزق مع هكذا اصدقاء وأخوة “ألِدّاء” لسنا بحاجة الى اعداء / د. عبد الحي زلوم

 

د. عبد الحي زلوم ( الإثنين ) 20/4/2015 م …

كان عنوان الصفحة الاولى يوم الاربعاء الموافق 15 ابريل 2015 في جريدة الرأي الحكومية في أعلى الصفحة عناوين موجزة  لمقابلة تلفزيونية مع الملك عبد الله الثاني ملك الاردن ومحطة فوكس نيوز كان اهمها “أن الهم الاكبر للاردن هو محاربة الارهاب والذي نحاربه اليوم وحدنا بين الدول العربية مع الولايات المتحدة في سوريا والعراق وان وتيرة المساعدة الاردنية في هذه الحرب بإزدياد ” ، والهم الاكبر الاخر هو الاقتصاد والذي هو أكثر ما يشغلنا خصوصاً تأثير اللاجئين على الميزانية الاردنية ، وأن الاردن قد تعلم كيف يتعامل مع الاصدقاء بعد الربيع العربي .

كان العنوان الرئيسي في النصف الاسفل من الصفحة الاولى بعد  تلك المقتطفات الملكية مقتطفات من محاضرة لرئيس الوزراء الاردني الاسبق سمير الرفاعي . كان العنوان الرئيسي :” الرفاعي : السياسات الاقتصادية الحالية فاقمت المشاكل والمدينونية ترتفع الى 23.5 مليار دينار “. كما  قال أنه اذا ما اضيفت المساعدات الخارجية البالغة 9 مليارات دولار فإن المديونية ستصل الى 30 مليار دينار “. وهو رقم مخيف اذا ما علمنا أن حجم الاقتصاد الاردني الكلي GDP هو بحدود الــ30 مليار دولار (اي أن المديونية تساوي 142%  من حجم الاقتصاد الكلي ) وزادت المديونية 100% في 4 سنوات عجاف .

سأركز هذه العجالة على القاسم المشترك بين ما جاء في الصفحة الاولى لهذه الجريدة  (التي هي نفسها ايضاً تعاني من شحٍ في المال و وفرة من سوء الادارة)  وهو الهم الاقتصادي الذي يرتقي الى درجة خطيرة بكافة المعايير ، وسأعرج قليلاً على محاربة الارهاب بالسؤال أولاً : كيف يمكن للاصدقاء أن نسميهم اصدقاء وكيف لهم ان يتركوا بلداً وحيداً يحارب معهم ضد الارهاب الى هذا المأزق الاقتصادي الخطير ، خصوصاً أنه يعاني من الاثار فوق طاقته بالنسبة لضحايا الارهاب من اللاجئين بأعداد ترهق اقتصاداً مرهقاً من أساسه ؟ ونستميح عذراً بان نسأل ما هو تعريف الارهاب . فحتى حسني مبارك طلب تعريفه من جورج بوش فرفض.  كما رفض البيت الابيض خمس تعريفات للارهاب كما جاء على لسان مدير مكافحة الارهاب ادوارد بك  في  مقابلة تلفزيونية مع آمي جودمان لأن الولايات المتحدة كانت تمارس الارهاب حسب تلك التعريفات الخمسة .  إذن فإن ضبابية تعريف الارهاب مقصود به أن يبقى شبحاً يتغير لونه وشكله وحجمه حسبما تراه الولايات المتحدة بطريقة انتقائية واضحة تجعل من حركات التحرر الوطني ارهاباً ومن ارهاب الدولة هو دفاع عن النفس.

ما يهمني هو المفهوم الاقتصادي لمساعدة الولايات المتحدة الى اصدقائها كالاردن : إن ثمن ما تقبضه الاردن من مساعدات لا يتناسب ابداً مع حجم وفوائد الخدمات الاردنية للولايات المتحدة . مثلاً  : إن كلفة الجندي الامريكي في ساحة القتال هي مليون دولار للجندي الواحد في السنة . إن خدمات تأمين الحدود الاردنية العراقية أثناء الاحتلال الامريكي المباشر قد وفر على الولايات المتحدة حسب تقارير عسكرية آنذاك حوالي 10.000 جندي امريكي كانوا سيتولون حراسة الحدود الاردنية العراقية لمنع تسرب المقاومين الى العراق. هذا يعني ان الاردن وفر على الولايات المتحدة في هذه الخدمة وحدها (10) مليارات دولار في السنة وبذلك يتم سداد المديونية الاردنية خلال 3 او 4 اعوام . ناهيك عن خدمات اليوم .

 وقد يكون مفيداً أن نذكر أن الارهاب الذي نحاربه كان وليداً وبمعرفة وتمويل من الاصدقاء  والاخوة الالداء . في جلسة استماع امام لجنة شؤون الدفاع في مجلس الشيوخ  الامريكي مؤخراً  تم سؤال الجنرال Martin Dempsey  مارتن ديبسي رئيس هيئة الاركان المشتركة : (هل تعلم بوجود اي حليف عربي رئيسي يتبنى الدولة الاسلامية داعش ) اجاب ديبسي ( اعلم بأن هناك حلفاء رئيسيين عرب لنا يقوموا بتمويلهم) . أليس من الاولى أن يتم تمويل الاردن المنهك اقتصادياً وعلى الاقل لتغطية نفقات نتائج ذلك الدعم ؟

محاضرة رئيس الوزارء الاردني الاسبق السيد سمير الرفاعي حددت المديونية والبطالة كعاملان اساسيان في المأزق الاقتصادي الاردني لكنه لم يعطي حلولاً لمعالجتها . وقد يكون عامل الوقت المحدد للمحاضرة سبباً لذلك  فأنا اعرف عن ذلك لاني حاضرت مرتين في نفس ذلك الملتقى لكن الاجابة مطلوبة لاهمية الموضوع وما زال الوقت متاحاً لذلك  . رقمان جاءا في المحاضرة للدلالة على خطورة المديونية والبطالة . فالمديونية كانت 11.3 مليار سنة 2011 نتيجة لتراكم عشرات السنين الا انها اصبحت ضعف هذا الرقم خلال 4 سنوات فقط . بالنسبة للبطالة فَبَيَن الرفاعي  أن الحكومة تستوعب 10000 خريج جامعي في السنة من أصل 120.000 خريج في السنة . رقم مخيف !  فما عسى ان يعمل هؤلاء الشباب ؟ ليس اللجوء الى قطاع خاص منهك تزداد مشاكله يوماً بعد يوم نتيجة فرمانات الجباية التي يفرضها صندوق النقد الدولي واخواته ويقوم جهازنا التنفيذي بتنفيذها بإخلاص وتفاني ما بعده اخلاص مما زاد الاعباء على المواطن وقطاعاته الصناعية والتجارية. وهنا اذكر فقط بما  قال اخو نابليون لاخيه ” حذار حذار من الناس اذا جاعت.”

نحن نعلم أن وزارة المستعمرات البريطانية حينما اعادت ترسيم حدود العالم العربي بما فيه الاردن كانت على علم بضعف الموارد الطبيعية في هذا البلد الغني باهله لا بموارده الاخرى . ولكن  علم الادارة يتلخص في ادارة الموارد البشرية والطبيعية المتاحة بأفضل الطرق للحصول على افضل النتائج . ولكن هذا لم يكن هدف الحكومات الاردنية المتعاقبة كون اكبر همها هو البقاء في الحكم أكبر مدة ممكنة وترك عملية التخطيط الاقتصادي لاخرين خارج حدود الدولة كصندوق النقد الدولي ومؤسسة الانماء الامريكية وكلاهما ليستا جمعيات خيرية وإنما مؤسسات وظيفية تعمل لخدمة اصحابها . ولعل سؤالاً بسيطاً عن كم كانت المديونية الاردنية وكيف تصاعدت بالرغم من ( حلول ) او بالاحرى شروط صندوق النقد الدولي والمسماه كشروط باللغة الانجليزية (CONDITIONALITIES) والتي يسميها البعض استحياءً حلول وتسمى القروض وفوائدها تضليلاً مساعدات !

من المفيد أن نعلم أن هذه المؤسسات كصندوق النقد الدولي هي أدوات هيمنة اقتصادية لسلب السيادة والارادة الوطنية الاقتصادية وبالتالي السياسية . وللدليل على ذلك فأن فكرة تأسيس البنك الدولي وصندوق النقد الدولي قد جاءت اثناء الدراسات السرية في الحرب العالمية الثانية لتحديد السياسات الامريكية بعد الحرب والتي كانت بمشاركة وزارة الخارجية الامريكية وCFR ( مجلس العلاقات الخارجية) وبتمويل من عائلة روكيفلير النفطية والمصرفية .

كانت نتيجة تلك الدرسات السرية ما جاء في مذكرتها بعد بداية الحرب العالمية الثانية بأسبوع جاء فيه : ” إن على المجلس والحكومة الامريكية ان يفكروا بإدارة العالم بطريقة مختلفة ( عن الاستعمار البريطاني المباشر )… أما مقدار انتصارنا فسيكون بمقدار هيمنتنا  وعلى الولايات المتحدة ان تقبل المسؤولية على العالم ” . اثناء الحرب ارسلت لجنة الدراسات المذكرة السرية الى الرئيس الامريكي رقمها E- A- 26  بتاريخ 7/2/1942 للموافقة على انشاء مؤسسات الهيمنة هذه وتم الظهور بها علناً لتأسيس تلك المؤسسات في بريتن وودز سنة 1944 . إن تسليم ادارة الاقتصاد الاردني الى هذه المؤسسات هي تطبيق لما جاء في الشِعر والفكر الجاهلي :” وداوني بالتي كانت هي الداء . “  هذه المؤسسات لا تملك اهداف وطنية بين اهدافها وإنما تسعى الى زيادة الدين بحيث تصبح خدمة فوائد ذلك الدين تزاد سنة بعد سنة ولتتحول حكومات الدول المديونة الى حكومات جباية ترسل البلاد الى أزمات اقتصادية وبالتالي اجتماعية . وما دخلت هذه المؤسسات بلداً الا وخربتها وزادتها فقراً ومديونية .

يكفي أن مؤسسات الهيمنة هذه خلقت في الاردن حكومات موازية على شكل مؤسسات مستقلة تزيد كلفتها عن 3 مليارات دولار سنوياً لتقوم بتنفيذ مخططاتها وفرماناتها وإن كلفتها في 10 سنوات تكاد تساوي مجموع المديونية الاردنية بكاملها . كما أن تلك المؤسسات لا تضع اي مشاريع انتاجية في خططها بل مشاريع استهلاكية تنهك اقتصاد الدول النامية.

في النظام العالمي الجديد – اي الاستعمار الجديد – واسم دلعه العولمة يتم ادارة العالم بسلب الدول ارادتها السياسية عن طريق مصائد الديون  . زادت هذه المديونيات في دول العالم الثالث بطريقة فلكية مع تقدم العولمة الامريكية . كتب البروفسور ميشيل شوسودوفسكي استاذ الاقتصاد في جامعة اوتوا في كندا كما جاء   في كتابه عولمة الفقر:

“كان مجموع الديون طويلة الأجل على الدول النامية عام 1970 حوالي 62 مليار دولار. وزادت سبع مرّات فوصلت إلى 480 مليار دولار سنة 1980 ثم زادت 32 مرّة لتصبح 2000 مليار دولار سنة 1996 … ولأن الدول قد اصبحت تنوء من ثقل ديونها ، فلقد مكن ذلك البنك الدولي ، صندوق النقد الدولي ، منظمة التجارة العالمية. من إجبار تلك الدول على إعادة تشكيل اقتصادها وقبول الشروط التي تتوافق مع مصالح أصحاب المال العالمي …. وأصبح الاقتصاد العالمي موجهاً لعملية تحصيل الديون… لما ينتج عن ذلك من زيادة في البطالة ، وتباطئ في النشاط الاقتصادي ” .

أنا اعلم جيداً اننا نعيش في عصر العولمة أي ( دول السيادة المنقوصة ) . كانت ماليزيا هي دولة جنوب شرق اسيا الاقل تضرراً من الازمة الاقتصادية التي بدات هناك في النصف الثاني من تسعينات القرن الماضي لان رئيس وزارتها مهاتير محمد قال : ” لا ” لصندوق النقد الدولي . اقتنع سوهارتو بأن مهاتير محمد كان على حق في رفض وصفات صندوق النقد الدولي فأراد أن يحتذي حذوه الى ان  تم اجباره  على  قبول  وصفات الصندوق . جاء في مجلة نيوزويك 2/2/98 – ص 38  NewsWeek :

“قام وفد من كبار المسؤولين ومن بينهم ويليام كوهين William Cohen، وزير الدفاع الاميركي في منتصف شهر كانون الثاني من عام 1998 ، بزيارة الى جاكرتا . وكانت الرسالة التي اوصلوها الى الرئيس الاندونيسي سوهارتو Suharto ، معززة بمكالمة هاتفية تخلو من اللياقة والكياسة ، كان مصدرها الرئيس كلينتون ، والذي قال :  ان الاستقرار في اندونيسيا ، وهي الدولة التي يعيش على اراضيها 198 مليون نسمة له أولوية حاسمة بالنسبة للولايات المتحدة ، وان ذلك الاستقرار يعتمد على قبول سوهارتو شروط صندوق النقد الدولي وان يقبل الدواء المر الذي وصفه الصندوق للشعب الاندونيسي ، والاخذ به كأمر مسلّم به كما لو كان قد جاء من السماء” .

 كانت النتيجة أن افلست 260 من اصل 282 شركة في بورصة جاكرتا وإنخفضت العملة المحلية مما ضاعف المديونية بالعملة المحلية وقامت الشركات الامريكية العبر قطرية بشراء مشاريع القطاع العام بأبخس الاسعار. بعد كل هذا الدمار اعترف الصندوق أن وصفاته لاندونيسيا كانت خاطئة وقاتلة .

تحتاج دول العالم الثالث الى العديد من اشكال مهاتير محمد . وفي غالب الدول المنقوصة السيادة في عالم اليوم فالامر يحتاج الى وضوح الرؤيا وارادة وطنية وتلاحم بين حكومات وشعوب تؤمن بإجنداتها الوطنية .

مستشار ومؤلف وباحث

قد يعجبك ايضا