قمة الرياض تقلد ترامب سيف خالد بن الوليد

 

فهد الريماوي * ( الأردن ) الأحد 28/5/2017 م …

قمة الرياض تقلد ترامب سيف خالد بن الوليد

* رئيس تحرير “المجد” الاردنية

حين تنقلب الحقائق وينعكس منطق الامور، يحق للكاتب المراقب ان يدون حروفه، ويسطر مفرداته وكلماته على اقفية الورق وخلفياته، بدل وجوهه ومقدماته، لكي ينسجم الشكل مع المضمون، ويتطابق المقال مع مقتضى الحال.

وحين تقرر قمة الرياض العربية- الاسلامية- الامريكية اخراج اسرائيل الغاصبة من دائرة العداء لفلسطين والعرب، واقحام ايران المسلمة في هذه الدائرة بدلاً عنها، يحق للكاتب المحتفظ ببقية عقله العربي وضميره الاسلامي ان يدب الصوت عالياً، ويسلك درب الرفض والمعارضة، ويسير في الاتجاه المعاكس، ويولي وجهه شطر ايران، مهما بلغت تحفظاته على بعض سياساتها وممارساتها.

وحين يتواطأ حكام العرب والمسلمين المشاركون في هذه القمة بالصمت المريب عن دمغ حركة حماس وحزب الله بالارهاب، وادراجهما على قدم المساواة مع تنظيمي داعش والقاعدة، يحق للكاتب المسكون بشرف الكلمة وصدق المعنى ان يسلط الاضواء على الاصابع الصهيونية التي كانت تحرك الدمى والاراجوزات المشاركة في تلك القمة المدبرة بليل، والمسخرة لخدمة اسرائيل وفتوحاتها وطموحاتها.

يعلم اصحاب تلك القمة كل العلم، ان ايران ليست ارهابية ولا وهابية ولا ساهمت في تصنيع اسامة بن لادن، واطلاق غول ”القاعدة” في افغانستان منذ عقد السبعينات.. ولكن ”جريمة” ايران الكبرى تكمن في عدائها لاسرائيل ولو ضمن اضيق الحدود، وفي رعايتها بالمال والسلاح لحزب الله اللبناني، وحركتي حماس والجهاد الاسلامي في فلسطين.

يعلم اولئك الضالعون في قمة ايفانكا وميلانا، ان حركة حماس لم تتورط يوماً في خطيئة الارهاب، ولم تجاهد يوماً خارج حدود فلسطين المحتلة، بل انها قد تقدمت مؤخراً باوراق اعتماد تنازلية للمجتمع الدولي.. ولكن ”جريمة” حماس الشنيعة تتمثل في هزيمة الاحتلال الصهيوني لقطاع غزة، وانسحاب جحافل ”شارون” منها دون قيد او شرط.

اما ”جريمة” حزب الله الارهابية التي لا تغتفر، فهي معروفة جيداً وموصوفة بدقة ومدونة بحروف المجد على صفحة اليوم الخامس والعشرين من شهر ايار عام 2000 حين ولى عساكر الجيش الذي لا يقهر الادبار هاربين من جنوب لبنان، ونافدين بجلودهم من جحيم الرصاص والبارود الذي اضرمه من حولهم وفوق رؤوسهم وتحت اقدامهم، اشاوس المقاومة الاسلامية من تلاميذ القائد المنتصر بالله، حسن نصرالله.

عيب على هذه القمة ان تنكر الحقائق وتنشر الاوهام والاكاذيب، وتذر الرماد في العيون.. فلولا موقف ايران العدائي الحازم من الارهاب، ولولا مساندتها الدائبة لسوريا والعراق وحزب الله في محاربة داعش واخواتها دون هوادة ولعدة اعوام، ثم اجتذاب روسيا لتلقي بثقلها في هذا المعمعان، لما امكن للعالم بأسره محاصرة هذا الوباء الوحشي، واقتلاع معظم جذوره وجذوعه تمهيداً للقضاء المبرم على وجوده وشروره ودموياته.

بهذه القمة المهرجانية الثلاثية الاثافي، صغرت السعودية وما كبرت.. خسرت وما كسبت.. بدت امام ملايين الجياع من العرب والمسلمين كما لو انها عدّاد بنكي سخي يفيض على ادارة ترامب بمئات المليارات من الدولارات، فيما يمتنع عن توجيه القليل القليل من هذا الكرم الحاتمي الاسطوري الى البلدان الاخرى المشاركة في تلك القمة، والتي خرج قادتها من المولد السعودي بلا حمص ولا ترمس، بل بصدور موغرة ونفوس معكرة، جراء هذا التمييز الفاضح بينهم وبين المرابي الامريكي.

تراهم جميعاً وقلوبهم شتى.. فسرعان ما تلاشت اضواء واصداء هذه القمة، او اللمة، وانجلى غبارها عن ”اعلان الرياض” المهرب والمتضمن دستة توصيات وهمبكات رنانة، ولكنها فارغة بلا مضمون عملي ومفلسة بلا رصيد من آليات التنفيذ، ولا اخال انها قد هزت شعرة واحدة لدى الكيان الايراني وتحالفاته المكينة، وانما عجّلت بتفجير الخلافات داخل البيت الخليجي، ونشر الغسيل القذر على الحبال القطرية والسعودية والاماراتية.

طيب، اذا كانت معظم دول قمة الرياض العربية- الاسلامية- الامريكية، التي شاركت بدرجة او اخرى في ”عاصفة الحزم”، قد فشلت على مدى نيف وسنتين في هزيمة الحوثيين.. واذا كانت هذه الدول عينها ومعها بريطانيا وفرنسا وعصابات داعش والقاعدة والاخوان المسلمين، قد فشلت منذ ست سنوات في كسر شوكة الجيش السوري وقائده الاسد، فكيف يمكن لها ان تنال من ايران المتربعة على مساحة قارة، والمدججة بمختلف الاسلحة حد التخمة، والمسكونة بعقيدة عسكرية كربلائية عنوانها .. الموت ولا المذلة ؟؟

واقع الحال ان هذا التحالف المفبرك والمفكك لن يجرؤ على مهاجمة ايران وتيار المقاومة، لان ذلك دونه خرط القتاد وخراب الشرق الاوسط برمته، وانما المقصود من تلك الجعجعة الحربجية الواردة في ”اعلان الرياض” هدفان واضحان، يتمثل الهدف الاول في زيادة الضغط الخارجي على ايران بٌّأمل تأزيمها داخلياً، وتفجير تناقضاتها العرقية والطبقية والمذهبية.. في حين يتمثل الهدف الثاني في اتخاذ ايران ”فزاعة” مرعبة تثير مخاوف العرب والمسلمين، وتستدعي كراهيتهم, وتستجر عداوتهم الى حد تقبل فكرة الاستقواء عليها ولو باسرائيل، وتسويغ مبدأ التصالح والتحالف مع هذه الاسرائيل قبل تسوية القضية الفلسطينية.

باختصار.. نقلب اوراقنا لنكتب على خلفياتها.. فقمة الرياض قمة انقلابية بامتياز استهدفت وضع العربة امام الحصان، وتقديم الخبر على المبتدأ، ومنح الشيطان هيئة الرحمان، وتقليد دونالد ترامب سيف خالد بن الوليد.

قد يعجبك ايضا