حزب الله الذكيّ المرن / محمد خميس

محمد خميس ( لبنان ) – الأربعاء 24/1/2024 م …




حزب اللّه ومحور المقاومة ككلّ ليس بحاجة إلى إنجاز هنا أو هناك ليُحدث ضجّة إعلاميّة كما يفعل الإسرائيلي المأزوم عسكريّاً وداخليّاً، حزب اللّه كل يوم يحقّق إنجازات هائلة باعتراف الإسرائيلي نفسه.

40 ربيعاً ونيّف من الانتصارات المُستحَقّة استطاعت المقاومة في لبنان كسر أسطورة “الجيش” الذي لا يُقهر، وحوّلت دباباته وعتاده إلى خردة، وسطّرت أروع ملامح القتال والصمود، بل أكثر حين قصمت ظهر العدو الصهيوني في حرب تموز 2006، وأحدثت شرخاً سياسيّاً وعسكريّاً ستبقى آثاره تلقي بظلالها للعقود المقبلة داخل أروقة صنّاع القرار الصهيوني والغربي وتؤرّق مضاجعهم، وحقّقت أوّل نصر عربيّ إسلاميّ في التاريخ الحديث.

على الرغم من كلّ التحديات السابقة التي أثبت حزب الله قدرته على التكيّف معها في مختلف الظروف والبقع الجغرافيّة، ها هو اليوم يواجه التحدّي الأخطر منذ ولادته الميمونة حيث يُقاتل اليوم على جبهة محدودة جغرافيّاً في الجنوب اللبناني على الحدود اللبنانيّة الفلسطينيّة مباشرة، وهذا الأمر صعّب المهمة كثيراً عليه، حيث إنّ استعمال العدو أحدث تقنيّات الخرق والتجسس العالميّة والأقمار الاصطناعيّة والإمداد الغربيّ اللامحدود، أدّى إلى ارتقاء عدد كبير من الشهداء، نسبة للمعارك السابقة التي خاضتها المقاومة في وقت زمنيّ معيّن.

وكثر الحديث أنّ حزب اللّه مُخترق وجزء من تحرّكاته وخططه مكشوفة من جرّاء الاغتيالات التي نفّذها العدو الصهيوني وارتقى على أثرها عدد من القادة، أبرزهم الشهيد وسام طويل الملقّب “الحاج جواد”، إضافة إلى اغتيال الشهيد القائد العاروري في الضاحية الجنوبيّة في بيروت.

هل تقدر المقاومة على رفع مستوى المواجهة مقابل “إسرائيل” والمعسكر الغربيّ، وبالتالي تحقيق انتصار تاريخيّ جديد يقضي على الشرق الأوسط الجديد وحُلم “إسرائيل” الكبرى، بالتوازي مع الصمود الأسطوريّ الذي تسطّره حركات المقاومة الفلسطينيّة في غزّة خصوصاً وجميع الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة.

رغم المتابعة الحثيثة من العدو الصهيوني والمعسكر الغربيّ وجميع قادته للتطوّر النوعيّ في قدرات حزب الله، في محاولة لاستشراف ما تمتلكه المقاومة من قدرات وإمكانيّات، حقّقت المقاومة “مفاجأة استراتيجية” تُظهر جزءاً بسيطاً من قدراتها، وجديّة استعداداتها لخوض معركة مباشرة طاحنة أقل ما تُوصّف بأنها ستشكّل خطراً وجوديّاً على الكيان الصهيوني، فذكاء حزب اللّه ومرونة ديناميكيته عطّلت كثيراً من مفاعيل خطط وقدرات “جيش” العدو، والخيارات التي كان يراهن عليها، واكتفى حتى اليوم بتسريبات إعلاميّة يهدّد فيها حزب اللّه بتوجيه هجوم جويّ ضخم ضد لبنان والمقاومة، في محاولة لصياغة نوع من الردع الانتقاميّ، ورأب التصدّعات التي تزلزل أسس كيانه.

وتعقيباً على موضوع اختراق حزب اللّه، الذي هو ليس سوى دعاية صهيونيّة جرى بثّها عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل وتمريرها عبر أذنابهم، في إثر عمليّات الاستهداف والاغتيالات، لزعزعة الجبهة الداخليّة في بيئة المقاومة وحاضنتها، يكمن سرّ الإجابة عن سبب توقّف العدوّ عن “استكمال بنك الأهداف المزعوم” لديه رغم إعلانه بدء المرحلة الثالثة من خطته، بل ورفع السقف عالياً عن إمكانيّة شنّ حرب عسكريّة ضد لبنان، واغتيال قياديين آخرين في الصفوف الأولى في حزب اللّه، إلا أنّ بنك الأهداف يبدو فارغاً من محتواه بعد التغييرات والإجراءات المستحدثة التي نفّذها حزب اللّه ميدانيّاً والتي أدحضت دعاية العدو وحمت دماء مجاهديه.

إن أضفنا جملة تساؤلات جوهرها يكمن في طرح الإشكاليّة الصحيحة في محاولة الولوج إلى تكوين قناعة مطلقة توصلنا إلى الحقائق، في خضمّ التزييف الهائل للوقائع والأحداث في المحيط الإقليمي بل ربما العالم، لما لا نقلب الأمور بالحديث أنّ حزب اللّه اخترق صفوف القيادة السياسية والعسكريّة الصهيونيّة، أو أنّ حزب اللّه خارج السباق التكنولوجي، جميعاً نذكر السيطرة على المسيّرات وإنزالها من دون أي خدش، واختراق شبكة المعلومات الجويّة الإسرائـيـليّة وقت اغتيال الحريري التي أعلن عنها الأمين العام آنذاك، أو كمين الأنصارية 1997، أو شبكة عملاء المخابرات الأميركيّة في بيروت 2011، وهذا غيضٌ من فيض من الرسائل المتبادلة يوميّاً بين المقاومة والعدو الصهيوني والتي لم ولن تتوقّف حتى اقتلاع الكيان من جذوره.

حزب اللّه قويّ جداً ومتقدّم على الأميركي والإسرائيلي في المنطقة، برغم كل التحديات والمعوّقات، تطلّعاته ورؤيته وخططه الاستراتيجيّة المستقبليّة هي التي تؤرّق مضاجع المعسكر الغربيّ، إضافة إلى أنّ حزب اللّه يمتلك حصّة كبرى في سباق التسلّح التكنولوجي، ليس فقط عبر إيران بل بكل فخر عبر صناعة لبنانيّة محليّة وقدرات تطوير مذهلة، نذكر منها صواريخ كورنيت المطوّرة التي أعلن عنها السيد حسن نصر اللّه في آخر خطاب له ضمن الحرب اللا متماثلة التي أصبح حزب اللّه عرّاب ورائد هذا النوع من الحروب، وصلت الأمور إلى حد وصف الرئيس الأميركيّ السابق دونالد ترامب بأنّ حزب اللّه ذكي جداً 2023.

استطاع حزب اللّه ومن خلفه محور المقاومة بذكائهم الاستراتيجي ووعيهم، جرّ المعسكر الغربيّ إلى معركة استنزاف وجوديّة، تقوم بامتصاص ما تبقّى لهم من طاقة وقوّة داخل الكيان، وإخضاعهم إلى ضغط بشريّ واقتصاديّ هائل في كل زاوية ضمن المعركة القائمة المفتوحة على كل الاحتمالات إلى حين إيقاف العدوان على غزّة، وذلك منذ لحظة إعلان انضمامهم جبهة مساندة للمقاومة الفلسطينيّة، وليس الدخول المباشر في المعركة التي من خلالها فشل العدوّ الإسرائيلي في جرّ حزب اللّه إلى كمين محكم على نموذج حربَي 67 و73 التي مُني بها العرب شرّ هزيمة أوصلتهم إلى خنوعهم اليوم.

حزب اللّه منظومة عسكريّة ذكيّة جداً، قادرة على الاندماج وإعادة التبلور بحسب الظروف والأخطار المحيطة ومختلف التكتيكات اللامتناهية التي يستعملها، ما يجعله قادراً على التكيّف في أي معركة يخوضها، ولوحظ ذلك في معركة طوفان الأقصى حيث عنونها على طريق القدس نظراً لأهميتها القصوى وارتباطها المباشر في زلزلة الكيان الغاصب وتهديد وجوده.

نذكر واحدة من بصائر المقاومة في لبنان أنها لم تلبِّ تطلّعات بعض الشعوب العربيّة بسبب قدرتها على رؤية أبعاد الأمور، وتقدّمها على العدو بخطوات عديدة، ارتأت الإسناد وليس دخول معركة كسر عظم مباشر مع العدوّ الإسرائيلي، بل وضعت خطة ديناميكيّة واقعيّة قابلة للتطوير اللحظي الميداني بحسب التطورات، استطاعت عبرها أخذ زمام الأمور وقلب الطاولة على الاستخبارات الإسرائيلية والغربيّة، أفشلت محاولات العدو الصهيونيّ جرّ حزب اللّه إلى كمين استراتيجي، يؤدّي إلى حرب إقليميّة مباشرة بين الجميع، وإبقاء أصل المعركة والانتصارات الأسطوريّة للمقاومة الفلسطينيّة في غزة مع توجيه ضربات قاتلة يوميّة، بالرغم من أنها جاهزة للتطورات السياسيّة والميدانيّة كافة.

حزب اللّه ومحور المقاومة ككلّ ليس بحاجة إلى إنجاز هنا أو هناك ليُحدث ضجّة إعلاميّة كما يفعل الإسرائيلي المأزوم عسكريّاً وداخليّاً، حزب اللّه كل يوم يحقّق إنجازات هائلة باعتراف الإسرائيلي نفسه، وهو يعمل بناء على خطط استراتيجيّة قابلة للتعديل والتطوير من داخل الميدان والمواجهة، ما يعطيه مرونة لا يملكها أيّ جيش نظاميّ في العالم، إضافة على قدرته التعبويّة والجاهزيّة الدائمة في وقت قياسيّ، وإنشاء نموذج مواجهة عسكريّة جديدة تُدعى الحرب اللا متماثلة، سيكون محور المقاومة عرّابها في المنطقة والعالم، ستدرّس لاحقاً في المعاهد العسكريّة والأروقة السياسيّة العالميّة

قد يعجبك ايضا