نسويّة عربيّة تولد من رحم غزّة / د. لينا جزراوي




د. لينا جزراوي – الإثنين 13/5/2024 م …

لم اكتب عن المرأة منذ بدأ العدوان على غزّة ، فمنذ ذلك التاريخ وأنا في حالة جمود ،وتأمّل للواقِع هناك ، لقد أدركت أن النساء الغَزيّات يَسطُرْن بالدّم نِسويّة جديدة ستُصبِح مَنهجًا يُدرّس في أرقى المدارس ،وأهمّ الجامعات في العالم . ولسبب آخر ، وهو لأنيّ منذ بدء العدوان على غزّة قد دخلت في مرحلة إعادة تقييم المفاهيم النِّسويّة بمِقياس المرأة العربيّة الفلسطينيّة تحت الإحتِلال ، فهل يُمكن ان تتساوى النِّساء في الاضطّهاد وهَدْر الكرامة في أي بُقعة من العالم مع ما تعيشه المرأة في غزة ! !

لقد حقّقت المرأة في غزة مُساواتها مع الرجل في المُقاومة ،وفي النُّزوح ، وفي توزيع الأدوار؛ لعبت دورا عظيمًا في التصدّي لآلة الحرب الصهيونية مثلها مثل الرّجل تمامًا ، أمّا في الحقوق ، فلا حقوق لإنسان تحت الاحتلال ،فالجميع متساوون أمام قذائف، وإجرام الاحتلال، ومتساوون أمام الموت رِجالًا ونساءً. لقد تحقّقت المُساواة كاملةً بين الرجل والمرأة في غزّة ،ولم يعُد ثمّّة قيمة لشِعارات الغرب الزائفة حول حقوق المرأة ، لانه لا فرق عندهم بين امرأة ورجل في التّنكيل ، وهدر الكرامة ،هُم يتعاملون مع أهلنا في غزّة بمِقياس الحيوانات البشريّة بغضّ النّظر عن الجنس . وانطِلاقًا من هذا الواقِع الذي فرضَته الحرب ثمّة نِسويّة جديدة تتفجّر في غزّة ، فما يحدث هناك أكّد بأن ليس الرجل خَصمًا للمرأة بل الاحتِلال هو الخصم والعدوّ، فهذا عدوّ لا يُفرّق بين امرأة ورجل ؛ و لا يعنيه هذا التباين بينهما حتّى وهو يدّعي التحضّر ، ويُشرعِن همجيّته بأنها حرب النّور ضدّ الظّلام ، وحرب الحضارة ضدّ التخلّف . هذا العدوّ الذي يقتل روح الإنسان ، ويستنفذ طاقته، ويُساهِم في نشر الرّجعيّة ، ويمنع العِلم والتّنوير وتحرّر العقل باستهدافِه المدارِس والجامعات ، والصحافيين والكُتاب ، والأكاديميين ،وهو عمل مقصود ،هدفه إعادة غزّة الى حالة من الظّلاميّة لتكون حجّة تستدعي تدخّل جهات غربيّة (مُتحضّرة) . لقد وُلدت نِسويّة عربيّة جديدة من خاصِرة الإضطّهاد ، و ستكبُر مثل كُرة الثّلج لأنّها مُرتبِطة ارتِباطًا وثيقًا “بمعركة التّحرّر الوطني” للإنسان ، نِسويّة عربيّة تؤكّد أن المرأة جزءٌ أصيل من معركة التّحرّر الوطني، فإن كنّا نستهدِف الذكوريّة في ثقافة المُجتمع دفاعا عن حقوق المرأة، فإن الإحتِلال هو وراء تَفشّيها ، واستمرار سيطرتها على عقل المُجتمع ، وانهاء الاحتلال يعني بالضّرورة انتِهاء الذّكوريّة، وصِناعة فجر عربي جديد يشعّ نوره في العالم كلّه .
يبدأ نورُه من غزّة

 

قد يعجبك ايضا