متابعات، نشرة أسبوعية – العدد السّابع والأربعون / الطاهر المعز

الطاهر المعز ( تونس ) – الأحد 26/11/2023 م …




يتضمّن العدد السابع والأربعون من نشرة “مُتابعات الأسبوعية” مُقدّمة عن فلسطين تليها فقرة عن مقاطعة الكيان الصهيوني والشركات الدّاعمة للكيان الصهيوني بالمغرب، وفقرة عن مكانة الغاز في العدوان المُستمر منذ السابع من تشرين الأول/اكتوبر 2023، وفقرة عن بعض التّأثيرات التي لم تكن مُتوقّعة للعدوان الصهيوني على سُكّان غزّة، ومنها تجميد المشروع الأمريكي/الهندي المُسمّى “الممر الإقتصادي” ( IMEC ) وفقرة عن ارتفاع أرباح مُجمّع الصناعات العسكرية الأمريكية بفعل حرب أوكرانيا والعدوان الصهيوني وفقرة عن العلاقات المتطورة بين الصين والكيان الصهيوني وفقرة عن ازدواجية لغة الإخوان المسلمين بتركيا تجاه القضية الفلسطينية، وفقرة عن ثروات قارة إفريقيا وفقرة عن “صحوة جيش مالي” وتحريره مدينة “كيدال” شمال مالي، بعد طَرْد الجيش الفرنسي من البلاد وفقرة عن ارتفاع نسبة الفقر بفرنسا سنة 2021، وهو آخر إحصاء منشور

 

فلسطين

ما الكيان الصهيوني سوى صنيعة للإمبريالية الغربية، بمشاركة بريطانيا وقوى امبريالية غربية أخرى، مثل ألمانيا وكندا والولايات المتحدة وأستراليا وفرنسا وجنوب أفريقيا وروسيا وفنلندا وأمريكا الجنوبية….

انضم نحو 3600 متطوع من ثلاثين دولة، خلال حرب 1947/1948، بينهم أكثر من ألف أميركي وكندي (مرتزقة)، إلى صفوف ميليشيات البلماح والهاغاناه الإرهابية التي اندمجت لتولد جيش الدولة الصهيونية على أرض فلسطين سنة 1948، وقُدِّرَ عَدَدُ العناصر الأجنبية في بداية العام 1949 بألف وثلاثمائة مرتزق “مُتَطَوِّع” من الولايات المتحدة و250 من كندا و800 من جنوب أفريقيا و600 من بريطانيا و250 من شمال أفريقيا (التي تحتلها فرنسا) و 250 من كل من أمريكا الجنوبية وفرنسا وبلجيكا، بالإضافة إلى عدد غير معروف من أستراليا والكونغو االذي كانت تحتله بلجيكا ومن روديسيا ( الإسم الذي أطلقه المُسْتَعْمِرُون البيض على زمبابوي الحالية) وفنلندا وروسيا، بحسب إلياهو بيرغمان (1927 – 2005)، رئيس منظمة “قدامى المحاربين الأمريكيين من أجل إسرائيل”، ” وأكّد “معهد جابوتنسكي” هذه التّقديرات، وقد أوْفَدَتْهُم الحركة الصهيونية، يهودًا وغير يهود، من 37 دولة لدعم الدولة اليهودية الجديدة التي أعلنت نفسها في وطن الشعب الفلسطيني الذي لا يزال يُقاوم الدولة الصهيونية وكذلك الإمبريالية التي أنشأت ودعمت الإحتلال، كما يُقاوم الأنظمة العربية الرجعية التي تواطأت مع الإمبريالية والصّهيونية، ولا يزال الشعب الفلسطيني يتعرّض اليوم في غزة (منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023) لهجوم وَحْشِي ودَمَوِي، من قِبَلِ عَدُوٍّ تدعمه كل وسائل الإعلام وجيوش العالم، بما في ذلك خمسة آلاف جندي من الأسطول السادس الأمريكي.

ساعدت الولايات المتحدة وكندا الحركة الصهيونية، بين سنَتَيْ 1945 و 1948، في إدخال أكثر من ستين ألف مُسْتَوْطِن يهودي وغير يهودي إلى فلسطين، عن طريق البوارج والقوارب، بما في ذلك عشر سفن أمريكية، بتواطؤ من بريطانيا القوة المُستَعْمِرَة لفلسطين، بحسب تقرير معهد واشنطن عن شؤون الشرق الأوسط (أرشيف الشرق الأوسط بمكتبة الكونغرس)، وبلغت المساعدات المالية العامة والخاصة التي قدمتها ألمانيا والولايات المتحدة للدولة الصهيونية، بين عامي 1953 و2017، أكثر من 165 مليار دولار، أي عشرين ألف دولار للفرد الأمريكي والألماني…

 

في جبهة الأعداء

شركات احتكارية تدعم جيش العدوّ

تطورت العلاقات بين الحركة الصهيونية والأُسْرة المالكة للمغرب منذ تأسيس الدّولة الصهيونية، أي قبل استقلال المغرب عن فرنسا، سنة 1956، وساعد الملك محمد الخامس وابنه الحسن الثاني في تهجير المواطنين المغاربة من ذوي الدّيانة اليهودية، لتحويلهم إلى مُستوطنين يحتلون وطن الشعب الفلسطيني، ونَفّذ محمد السادس (ابن الحسن الثاني وحفيد محمد الخامس) عمليات التّطبيع العلني وتطوير العلاقات الأمنية والإقتصادية، غير إن المُعارضة الشعبية للتطبيع لا تزال قوية وتشمل شرائح واسعة من الشعب المغربي (كما في مصر والأردن) وتعدّدت أشكال التعبير عن ذلك، وتطرقت صحيفة “لوموند” الفرنسية يوم 23/11/2023 إلى المقاطعة التي أطلقتها جمعيات مغربية استهدفت فروع مجموعتي “ماكدونالدز” و “كارفور” بالمغرب، على خلفية اتهامهما بدعم عُدْوان جيش العَدُوّ على قطاع غزة، من خلال تقديمهما وَجَبات غذائية ومنتجات تجارية، وتمثلت الحملة الأخيرة في الدّعوة إلى “إنهاء العلاقات” مع الكيان الصهيوني وإلى مقاطعة الشركة العملاقة لتجارة التجزئة “كارفور”، ذات المَنْشأ الفرنسي، وهي ثاني أكبر شركة في هذا المجال، بعد “وولمارت” الأمريكية، وتدعم كلاهما المجموعات الصهيونية في الأجزاء المحتلة سنة 1948 و 1967، وتبرعت “كارفور” بآلاف الطرود الغذائية لجنود جيش الاحتلال، في وقت يتعرض فيه سكان غزة للقصف والحصار الخانق، فيما تبرع فرع ماكدونالدز بأتاوات وبآلاف الوجبات للجيش الصهيوني…

تشمل الحملة الدّولية للمقاطعة، مقاطعة منتجات الشركات التي تدعم الكيان الصهيوني، فضلا عن منتجات الشركات الصهيونية، وتقتصر بعض الجمعيات الأوروبية والأمريكية على مقاطعة الشركات العاملة في الجزء المحتل سنة 1967، واعتبر الكيان الصهيوني حركة المقاطعة خطراً استراتيجياً على منظومته، وشملت المقاطعة في المغرب المنتجات والشركات والتمور التي تباع منذ عقود في أسواق المغرب، خصوصًا خلال شهر رمضان، ومقاطعة عروض الفنانين الذين تتم دعوتهم إلى المناسبات الثقافية التي يُنظمها الكيان الصهيوني أو سلطة أوسلو، لأن الدّخول إلى أي جزء من فلسطين يتطلب موافقة ومُراقبة وإشراف أجهزة الكيان الصهيوني، ومن الشركات والمطاعم التي تستهدفها المقاطعة بالمغرب: ماكدونالدز وستارباكس وبرغر كينغ وكوكاكولا وكارفور وبوما للملابس والتجهيزات الرياضية…

 

غزة – مكانة الطّاقة في العدوان

أعلن ائتلاف شركات نفطية تقوده شركة بريتش غاز، سنة 1999، اكتشاف حقل غاز على بعد ثلاثين كيلومترا من شاطئ غزة، تُقَدّر احتياطياته ب1,4 تريليون مترا مكعّبًا، واقترحت الشركة استغلاله وتسويقه عبر خط أنابيب لتَسْيِيلِهِ في منشآت إدكو المصرية، واستمرت الإكتشافات بين سواحل فلسطين وقبرص، وقدّرت دائرة المسح الجيولوجي الأمريكي (نيسان/ابريل 2010) احتياطيات هذه المنطقة بما بين 1,7 و 3,7 مليار برميل من النفط ونحو 122 تريليون قدم مُكعّب من الغاز، وهي احتياطيات قابلة للإستغلال بتكلفة منخفضة، وعلى عمق لا يتجاوز ستمائة مترًا، غير إن الإتفاقيات التي وقّعتها منظمة التحرير برئاسة ياسر عرفات، ومنها اتفاقيات باريس الإقتصادية سنة 1994، كمُلْحَق لمفاهمات أوسلو منحت الكيان الصهيوني حق التنقيب واستغلال الموارد الطبيعية لفلسطين برًّا وبحرًا…

استغل الكيان الصهيوني الحرب في أوكرانيا لزيادة صادرات الأسلحة والمُرتزقة ( كمُدَرّبين) ولزيادة صادرات الغاز إلى أوروبا التي أمرتها الولايات المتحدة بمقاطعة النفط والغاز الرُّوسِيَّيْن، ويُعوّل الكيان الصهيوني على سحق المقاومة في غزة للإستحواذ على احتياطي الطاقة الضخم في ساحل غزة، وبينما يرتكب الجيش الصهيوني مجازر ضد السكان الفلسطينيين، تعمل شركات مثل إيني الإيطالية وبي بي البريطانية أو سوكار الأذرية على توسيع أعمالها في مجال الغاز، وتتفاوض أوروبا والولايات المتحدة مع حكومة الإحتلال لضمان السيطرة على الغاز قُبالة سواحل غزة، حيث يوجد حقلان للغاز (مارين 1 ومارين 2 )، على بعد حوالي 35 كيلومترًا من الساحل، تم اكتشافهما خلال العقد الأخير من القرن العشرين، ولم يتم استغلالهما مطلقًا، وتتوقع الشركات الفائزة بالمناقصة اكتشاف حقول ضخمة للغاز الطبيعي ولذلك تعهدت باستثمار مبالغ قياسية للتنقيب عن الغاز الطبيعي خلال السنوات الثلاث المقبلة، وفق وكالة رويترز يوم الأحد 29 تشرين الأول/اكتوبر 2023.

كانت الحقول البحرية للغاز أحد أهداف عُدوان سنة 2008 الذي أدى إلى اغتيال 1400 فلسطيني لمَنْع استغلال احتياطيات الغازالتي كانت تمتلكها شركة شال الهولندية – البريطانية ، إلا أن الحرب في أوكرانيا دفعت أوروبا إلى البحث عن مصادر الطاقة خارج روسيا، ولهذا الغرض تم تنشيط “منتدى غاز شرقي البحر الأبيض المتوسط” الذي يضم ثمانية أعضاء يجسدون تقاطع المصالح بين أوروبا والكيان الصهيوني والتقى ممثلو تركيا وقبرص ومصر وفرنسا واليونان وإيطاليا والأردن وسُلْطة أوسلو، ومشاركة ثلاثة مراقبين مهتمين بالمنطقة: الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والبنك العالمي، واتفقوا على خطة لتصدير الغاز المنهوب من سواحل فلسطين إلى مصر لتصفيته قبل إعادة تصديره إلى أوروبا التي ضغطت (مع الولايات المتحدة) على لبنان من أجل توقيع اتفاق على “الحدود البحرية” (تشرين الأول/أكتوبر 2022) وكان الكيان الصهيوني أكبر مستفيد من هذا الإتفاق، وفي منتصف حزيران/يونيو 2023، وقع وزير الطاقة الصهيوني ومفوض الطاقة الأوروبي ووزير النفط المصري مذكرة تفاهم لتصدير الغاز المسروق من فلسطين إلى أوروبا عبر مصر، بعد أن حرمت الولايات المتحدة “حلفاءها” الأوروبيين من الغاز الروسي، من خلال تفجير خط أنابيب “نوردستريم 2” لِنَقْلِ الغاز الروسي إلى شمال أوروبا، وكذلك خط أنابيب الغاز بين فنلندا وإستونيا، وفق صحيفة “غارديان” بتاريخ 27 تشرين الأول/اكتوبر 2023 ومعهد الولايات المتحدة للسلام ( USIP )

 

غزة – “تأثيرات جانبية”

وقعت حكومات سبع دول + الاتحاد الأوروبي، في التاسع من أيلول/سبتمبر 2023، خلال قمة مجموعة العشرين بنيودلهي (عاصمة الهند) مذكرة تفاهم لإنشاء ممر اقتصادي بين الهند و”الشرق الأوسط” وأوروبا ( IMEC )، ينطلق من الهند ويمر عبر الخليج (الإمارات والسعودية) مُتّجهًا إلى اليونان، وانضمت دول أوروبية أخرى (فرنسا وألمانيا وإيطاليا) وكذلك الاتحاد الأوروبي إلى هذا المسعى الذي كان (قبل العدوان على غزة) يُتوقّع أن يكون يُخفض تكاليف التبادل التجاري بين أوروبا والهند، ومنها إلى بُلدان آسيوية أخرى، وكانت الولايات المتحدة من أهم المُبادرين لإنشاء هذا الممر بهدف عزل الصين وإيران، وتسريع مسار التّطْبِيع العَلَنِي للعلاقات بين الكيان الصهيوني وسُلْطة آل سعود، فضلا عن تشجيع الهند على مُعاداة روسيا وعلى مزيد التّحرّش بالصّين… لكن جَرت الرّياح بما لا تَشْتَهِي السُّفُن الأمريكية، فلا يُتَوَقّع، في المدى القصير، أن تدخل السعودية (وربما الإمارات) في علاقات شراكة علَنِيّة مُتطوّرة مع الكيان الصهيوني، نظرًا لتعبئة الرأي العام العربي ضد الولايات المتحدة التي تدعم العدوان الصهيوني الحالي المُستمر منذ السابع من تشرين الأول/اكتوبر 2023، حيث غَيّر العُدْوان تلك المُعادَلَة التي صمّمتها الولايات المتحدة وأشرفت على إعدادها، ما اضطر دُولاً مُطَبِّعَة رسميا ولها علاقات دبلوماسية مع الكيان الصهيوني، مثل الأردن ومصر وتركيا، إلى تشديد اللهجة (مُؤَقّتًا وعلى مدى قصير) تجاه الكيان الصهيوني، ما يُؤجّل إنجاز الخطوات الموالية في برنامج المَمَر الإقتصادي ( IMEC ) الذي تأمل الولايات المتحدة أن يُنافس مبادرة “حزام واحد، طريق واحد” ( طريق الحرير الجديدة – أو مبادرة الحزام والطريق)، وكانت الولايات المتحدة تُخَطّط – منذ 2011 – لإنشاء طريق تجاري ممول من القطاع الخاص لربط الهند بأوروبا عبر باكستان وآسيا الوسطى، وضم الدول المنتمية إلى منظمة التعاون الإقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ ( APEC ) التي تُهيمن عليها الولايات المتحدة وحلفاؤها في آسيا، لإنشاء شبكة طرقات واتصالات دولية ومنطقة تجارة حرة تحت سيطرة الولايات المتحدة، غير إن إعلان الرئيس باراك أوباما ( كان جوزيف بايدن نائبًا للرئيس) ووزيرة خارجيته “هيلاري كلينتون” سنة 2012، عزل الصين ومحاصرتها عبر مراقبة البحرية الأمريكية الممرات المائية التي تمر منها نحو 40% من حجم التجارة الصينية، عجّل بتنفيذ قرار الصين تنفيذ مبادرة “الحزام والطّريق”، ودخوله حيز التّطبيق بداية من سنة 2013، باستثمارات ضخمة – خصوصًا في قطاع البُنْيَة التحتية، كالطرقات والموانئ – فاقت تريليون دولارا بين 2013 و 2023، وشملت المبادرة 148 دولة، أي ثلاثة أرباع دول العالم، وخاصة في إفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية، رغم الجهود الكبيرة التي بدلتها الولايات المتحدة لعرقلة هذه المبادرة.

اعتمد مشروع المَمَر ( IMEC ) برمته على التطبيع العَلَنِي بين السعودية والكيان الصهيوني، كامتداد لاتفاقيات إبراهيم التي أدّت إلى اعتراف المغرب والإمارات والبحرين بالكيان وإقامة علاقات دبلوماسية واقتصادية وعسكرية معه ( آب/أغسطس 2020) وأدّى العدوان الصّهيوني إلى تجميد مشاريع مجموعة ( I2U2 ) التي تم الإتفاق بشأنها تموز/يوليو 2022) بين الهند والإمارات والكيان الصهيوني “لتحديث البُنية التّحتية وتعزيز مسارات التنمية منخفضة الكربون” بإشراف أمريكي، ضمن الحرب الإقتصادية ضد الصّين… وفق موقع “غلوبتروتر” 13 تشرين الثاني/نوفمبر 2023

 

من تأثيرات العدوان:

تشترك روسيا مع الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي في دعم الكيان الصهيوني، على حساب الشّعوب العربية، غير إن روسيا تحاول “إمساك العصا من الوسط”، فقد قدّم الرئيس الروسي تعازيه لرئيس وزراء العدو “، منتصف شهر تشرين الأول/اكتوبر 2023، في “مقتل حوالي 1200 إسرائيلي”، كما استقبلت روسيا “وَفْدًا من حركة حماس لإجراء محادثات”، وعرضت روسيا استضافة موسكو اجتماعًا إقليميًّا لوزراء الخارجية، في محاولة من روسيا لاستغلال العدوان لصالح مشروع “نظام عالمي متعدد الأطراف يضع حَدًّا لعالم أحادي القطب، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية”، وتأمل روسيا أن يُشكّل العُدْوان الصهيوني فُرصَةً لتعزز نفوذها في هذه المنطقة – التي تهيمن عليها الولايات المتحدة – من خلال المحافظة على علاقات جيدة مع الكيان الصهيوني ومع كافة دول المنطقة، فضلا عن تخفيف الضغط “الغربي” على روسيا في أوكرانيا حيث انخفض حجم شحنات المُعِدّات والأسلحة، وعن بعض الفوائد الإقتصادية مثل زيادة أسعار النفط…

أوردت وكالة رويترز تصريحا لمديرة صندوق النقد الدّولي، يوم الجمعة 17/11/2023، على هامش قمة التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادي، بإن آثار هذا العدوان تتجاوز الأراضي المحتلة سنة 1967 واقتصاد الكيان الصهيوني، حيث أعلنت وزيرة مالية العَدُوّ (يوم الإثنين 13/11/2023) إن الدّيون بلغت 7,8 مليار دولارا، بين السابع من تشرين الأول والعاشر من تشرين الثاني 2023، كما يتأثر اقتصاد الدول المجاورة ( مصر ولبنان والأردن ) بفعل ارتفاع تكاليف الطاقة وانخفاض إيرادات السياحة والإستثمارات الأجنبية، كما قد يتأثّر الإقتصاد العالمي إذا طال أمد العدوان…

 

المنتفعون من الحروب

كتبت صحيفة نيويورك تايمز على صفحتها الرئيسية (17/10/2023) تعليقًا على طلب الرئيس الأمريكي مَنْحَ الكيان الصّهيوني مساعدات عسكرية إضافية بقيمة 14 مليار دولار: “حرب الشرق الأوسط تزيد من ارتفاع مبيعات الأسلحة الدولية” فقد عززت حرب أوكرانيا والعدوان الصهيوني على غزة مكاسب الشركات العالمية لتصنيع الأسلحة، وخصوصًا مُجمّع الصناعات العسكرية الأمريكية، الذي بلغت حصّته 45% من قيمة مبيعات الأسلحة في العالم، سنة 2022، وفق معهد ستوكهولم الدّولي لأبحاث السلام الذي يتوقّع أن تتّسع الفجوة بين الولايات المتحدة وبقية العالم، بسبب الضغوطات الأمريكية على أعضاء حلف شمال الأطلسي لشراء الأسلحة الأمريكية، وابتهج الرئيس الأمريكي ( جوزيف بايدن) لارتفاع مبيعات الأسلحة الأمريكية قائلاً في خطاب مُتَلْفَز: “يقوم العمال الأمريكيون بمصانع الأسلحة ببناء ترسانة الديمقراطية وخدمة قضية الحرية وبخدمة الإقتصاد الأمريكي، تمامًا كما كان الحال خلال الحرب العالمية الثانية”، وفق صحيفة نيويورك تايمز بتاريخ 19/10/2023، وفي الواقع ساعدت شركات تصنيع الأسلحة الأمريكية في تقويض الديمقراطية على مستوى العالم (من إندونيسيا إلى تشيلي) ووَسّعت من رقعة القمع، بذريعة دعم السياسة الخارجية الأمريكية وأهداف الأمن القومي ودعم المصالح الأمريكية في العالم… أما العملون فلا يستفيدون من ارتفاع الأرباح الضّخمة التي تُحقّقها الشركات العملاقة لإنتاج الأسلحة، مثل رايثيون ولوكهيد مارتن، بنسبة 12% خلال السنة الأولى من الحرب في أوكرانيا، وفق مجلة “هارفارد بزنس ريفيو” ( 25 آذار/مارس 2023)، بل يستفيد منها المُديرُون التّنْفِيذِيُّون وفق مجلة “فوربس” بتاريخ 12/12/2022 وأوْرَد تقرير صدَرَ عن معهد “كوينسي” سنة 2022 إن الأسلحة الأمريكية طاغية في 34 صراعً مُسلّحً من إجمالي 46 على مستوى العالم، وفي أحيان كثيرة، تستخدم الأطراف المُتحاربة نفس الأسلحة، أمريكية الصُّنْع، كما قامت الولايات المتحدة سنة 2021 (لا تتوفّر إحصاءت كاملة لسنة 2022 ) بتسليح ما لا يقل عن 31 دولة صنّفتها المنظمة الأمريكية “فريدوم هاوس” بأنها غير ديمقراطية (وفق مقاييس وزارة الخارجية الأمريكية) وساهمت هذه الأسلحة الأمريكية في استهداف المدنيين، وتدمير المدارس والمُستشفيات والأحياء السكنية والمصانع وقصف المدنيين المشاركين في حفلات الزفاف والمآتم…

يَعْسُرُ أن يتجرأ أي رئيس أو حاكم ولاية أو نائب أو سيناتور أمريكي على مُجابهة شركات صناعة الأسلحة الأمريكية بسبب الدعم المالي للإنتخابات الذي تقدمه شركات الأسلحة لمعظم مُرشّحي الرئاسة والكونغرس، وبسبب دورها في إعداد وصياغة القوانين…

 

الصين والكيان الصهيوني

يُرَدّد المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية في كل مؤتمر صحفي أن “الأمن الدائم لن يتحقق إلا عندما يتوفر الأمن للجميع… إن (مبدأ) الأمن غير قابل للتجزئة”، غير إن الصين تتولى الرئاسة الدورية لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لشهر تشرين الثاني/نوفمبر 2023، في ذروة العدوان الصهيوني على الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، وفي حين يحتل الوضع في غزة مكانة هامة في جدول أعمال المجلس، تذكر الحكومة الصينية أهمية علاقاتها مع الكيان الصهيوني فتدعو “كافة الأطراف المعنية إلى ممارسة ضبط النفس ووقف القتال على الفور”، وللتذكير فإن للصين علاقات اقتصادية و”أمْنِيّة” متطورة مع الكيان الصهيوني، واعتبرت وزارة الخارجية الصينية “كانت العلاقة الاقتصادية مع إسرائيل مفيدة لكلا الدولتين لعقود من الزمن، وخاصة عسكريا”، حيث ما انفَكّت العلاقات التجارية تنمو منذ شباط/فبراير 1955، كما ساهم الكيان الصهيوني في تحديث الجيش الصيني منذ عقد الستينيات من القرن العشرين (أي خلال فترة حكم ماو تسي تونغ)، في غياب العلاقات الدبلوماسية الرسمية حتى سنة 1992، ولا تزال الصادرات الصهيونية من المعدات العسكرية إلى الصين مزدهرة، وتعتبر الصين إن موانئ فلسطين المحتلة بوابة إلى أوروبا ضمن مبادرة الحزام والطّريق، غير إن الولايات المتحدة اعترضت على مشاركة الصين في إدارة ميناء حيفا، خوفًا من تجسّس الصّين على البسفن العسكرية للجيش الأمريكي وجيوش حلف شمال الأطلسي التي ترسو قريبًا من ميناء حيفا المحتلة، ولا تزال الاستثمارات الصينية في موانئ أشدود وحيفا تشكل مصدر قلق للولايات المتحدة التي تعترض على تطوير علاقات حلفائها مع الصين.

تعتَبَر الصين شريكا اقتصاديا هامّا للكيان الصهيوني، وبلغت الإستثمارات الصينية المباشرة في فلسطين المحتلة 16 مليار دولارا سنة 2016 وفق البيانات الرسمية الصينية، غير إن العلاقات – بما في ذلك العلاقات الإقتصادية – شهدت انتكاسةً منذ سنة 2019 بفعل الضغوط الأمريكية، غير إن العلاقات الإقصادية بقيت قوية وارتفعت قيمة التجارة الثنائية من 15 مليار دولارا سنة 1992 إلى 22,8 مليار دولارا سنة 2021، وفق سفير الصين بتل أبيب يوم الثاني من آب/أغسطس 2022…

 

تركيا

تطورت العلاقات العسكرية والسياحية والتجارية بين تركيا والكيان الصهيوني، خلال سنوات حُكْم الإخوان المسلمين وتنوعت صادرات لتلبية احتياجات الصناعات الصهيونية، وارتفعت قيمتها بنسبة 12,6% سنويا بين سنة 1995، حيث كانت قيمتها 228 مليون دولارا وسنة 2021، حيث وصلت قيمتها إلى 6,31 مُعْلَنَة، وتفضح هذه الأرقام خداع حكومة الإخوان المسلمين بزعامة رجب طيب أردوغان الذي يُقدّم الدّعم اللُّوجيستي للعدو ويهدّد في نفس الوقت برفع دعوى قضائية لمحاكمة الكيان المُعتدي على الجرائم ضد الإنسانية في غزة، بينما غادرت الموانئ التركية نحو 226 سفينة محملة بالسلع والعتاد وقطع الغيار نحو موانئ فلسطين المحتلة، لدعم اقتصاد العدو، منذ بداية العدوان في التاسع من تشرين الأول/اكتوبر 2023، وتُصَدِّرُ تركيا الملابس والمنسوجات والمنتجات الزراعية والآلات والمعدات وقطع غيار السيارات والمواد الكيميائية إلى العَدُوّ عن طريق البر والبحر، فضلا عن التعاون التكنولوجي والثقافي والسياحي، وتلعب تركيا دورًا أساسيا في دعم الاقتصاد الصهيوني، وفق تصريحات رئيس الوزراء التركي السابق أحمد داود أوغلو الذي تخاصم مع أردوغان واتهمه بالنفاق تجاه سكان غزة، وتعزيز التعاون الأمني مع الكيان الصهيوني، خصوصًا منذ الإنقلاب المشبوه والفاشل سنة 2016

 

تناقضات

يُقدّر عدد فُقراء العالم، بين فقر مدقع وفقر نسبي، بنحو 1,2 مليار نسمة، فيما تُنفق دول العالم تريليونَيْ دولارا على الأسلحة وتنفق هذه الدّول على برامج السلاح النّووي مبالغ تفوق عشرين ضعف ميزانية الأمم المتحدة، وفي مجالات النّمو، حصلت قارة إفريقيا على قُرُوض بقيمة 34 مليار دولارا، فيما تحصل الدّول الرأسمالية المتطورة على قُرُوض مُيسّرة بقيمة 160 مليار دولارا…

في الولايات المتحدة، ارتفعت حصة إيجار المسكن لذوي الدخل المتوسّط والمنخفض كما ارتفعت نسبة الفائدة على الدّيون وارتفعت نفقات الرعاية الصحية والأسعار ونسبة التّضخّم ما رَفَع نسبة الفَقْر في أكبر دولة امبريالية، وأكثر الدّول إنفاقًا على العتاد العسكري والسلاح والحُروب العدوانية، ولذلك ارتفعت نسبة الأُسر التي تعاني من انعدام الأمن الغذائي من 10,5% سنة 2021 إلى 12,8% من الأسر سنة 2022، فزادت نسبة اللجوء إلى قسائم الغذاء الحكومية وإلى الجمعيات الخيرية والدّينية التي تُوزّع الغذاء، في المقابل ارتفعت ثروات أثرى الأثرياء ( 1% من سّكّان أمريكا الشمالية) خلال جائحة كوفيد-19بنسبة فاقت 9,4%…

 

أفريقيا

صرّح إيمي سيزير (1913 – 2008): “إن أفريقيا هي القارة الوحيدة في العالم التي يغني فيها الناس ويرقصون ويصفقون لأولئك الذين يفقرونهم ويجوعونهم ويعذبونهم، ومن سوء حظ أفريقيا أنها واجهت في تاريخها فرنسا”!

القارة الأفريقية هي ثاني أكبر قارة من حيث عدد السكان بنحو 1,3 مليار نسمة، وتبلغ مساحتها 30,415 مليون كيلومتر مربع، تتقاسمها 54 دولة، وتجتذب ثرواتها القوى الإمبريالية التي ظلت تنهبها لعدة قرون، كما جندت إنغلترا وفرنسا مئات الآلاف من الشباب الأفارقة للدفاع عن الأراضي الأوروبية، مات ما يقرب من 180 ألف منهم في الحروب الإمبريالية بين سَنَتَيْ 1914 و1945.

أصدر المجلس الوطني الفرنسي قانون 10 كانون الثاني/يناير 1957 المُؤَسّس للمنظمة المشتركة للجهات الصحراوية التي تشمل أجزاء من مالي وبوركينا فاسو والنيجر وموريتانيا والجزائر وغيرها، لخدمة مصالح فرنسا، حيث يَضُمُّ باطن هذه المنطقة الكثير من الثروات، بما في ذلك أكبر منسوب مائي في العالم، يمتد من موريتانيا إلى الصومال عبر الجزائر ومالي وليبيا والنيجر، وما يقرب من سبعة ملايين طن من النفط سنويا، وفقا لتقييم صحيفة “لي موند” الصادرة في 23 تموز/يوليو 1957، بالإضافة إلى الموارد الطبيعية الأخرى بما في ذلك اليورانيوم والذهب والكوبالت والزنك والماس والليثيوم والنحاس وغيرها. تمثل الموارد المعدنية في أفريقيا 30% من الاحتياطيات المعدنية في العالم و 40% من احتياطي الذهب و 33% من احتياطيات الماس و 80% من احتياطي الكولتان (ضروري لصناعة الهواتف) و 60% من احتياطيات الكوبالت (ضرورية لتصنيع البطاريات) و 55% من احتياطي اليورانيوم… وهذا هو السبب الذي دفع فرنسا والدول الإمبريالية الأخرى إلى إرسال جيوشها بحجة “الدفاع عن السلام والديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، والواقع إنها تُريد تأمين المواقع التي تنهب ثرواتها الشركات الفرنسية والأوروبية…

 

مالي

سيطر الجيش المالي على بعض معاقل المجموعات الإرهابية، منذ طَرْد الجيش الفرنسي، قبل حوالي عشرة أشهر، وأعلن رئيس مالي العقيد عاصمي غويتا يوم 14 تشرين الثاني/نوفمبر 2023 تحرير مدينة “كيدال” التي كانت تسيطر عليها حركة الغات أو ” الحركة الوطنية لتحرير أزواد” ( إحدى المليشيات الإنفصالية للطّوارق التي يفتخر بعض قادتها بعلاقاتهم المتطورة مع الكيان الصهيوني)، وكان الجيش المالي قد استبدل الدّعم الفرنسي بالمساعدة العسكرية الرّوسية التي بقيت غير مباشرة، وأعلن رئيس “بوركينا فاسو” إبراهيم تراوري، حليف مالي، عن دعمه ل”حكومة مالي في حربها ضد الإرهاب ومن أجل تنمية منطقة الساحل، دون الإعتماد على الدّعم العسكري الفرنسي”، وسبق أن أعلن جيشا مالي وبوركينا فاسو عن عزمهما عدم الاعتماد بعد الآن على فرنسا، والاستثمار بكثافة في اقتناء المعدات العسكرية، وتدريب وتجنيد القوات لتنفيذ عمليات ناجحة دون الاعتماد على المساعدات الخارجية، ويمثل تحرير مدينة كيدال نقطة تحول في تصور الأمن في منطقة الساحل وفي دور القوى الإقليمية التي طَوّرت التعاون العسكري والتقني مع روسيا التي وافقت، خلال القمة الروسية الإفريقية الثانية على إنشاء مشاريع مشتركة لتصنيع الذخائر والمركبات المدرعة في عدة دول إفريقية، وفق الأخبار الواردة من معرض دبي للطيران 2023 …

غادر الجيش الفرنسي البلاد وترك أجهزته السرية وعملاء المديرية العامة للأمن الخارجي (المخابرات الفرنسية) لتدريب وتوجيه “حركة الطوارق الوطنية لتحرير أزواد”، وفق تصريحات زعيمها بلال أغ الشريف، وهو أحد عُملاء أجهزة المخابرات الفرنسية والمغربية والصّهيونية، وكان الجيش المالي قد أكّدَ وجود الجواسيس والمُرْتَزقة الفرنسيين والأمريكيين في شمال مالي، وإنه استولى على معدات عسكرية ومعدات اتصالات تابعة لشركة ( Unity Resources Group ) وهي شركة مرتزقة أمريكية، عندما استعاد قاعدة النفيس العسكرية، بالقرب من مدينة كيدال.

 

فرنسا – فقر

تُساهم فرنسا – إلى جانب الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي – في كافة الحروب العدوانية في العالم، في يوغسلافيا والصومال والعراق، منذ العقد الأخير من القرن العشرين، وفي أفغانستان وليبيا وسوريا واليمن ومالي وغيرها، منذ بداية القرن الواحد والعشرين، غير إن الوضع الدّاخلي ينخره سُوس البطالة والفقر والبؤس – مثل العديد من الدول الرأسمالية المتطورة – فقد نشر المعهد الوطني للإحصاء ( INSEE ) يوم 14 تشرين الثاني/نوفمبر 2023 بيانات مُفصّلة عن الفقر في فرنسا بنهاية سنة 2021 حيث كان دَخْل أكثر من 9,1 ملايين شخص يَقِلُّ عن عتبة الفقر النقدي ( 1158 يورو شهريا للشخص الواحد، أو 23160 يورو سنويا، سنة 2021، قبل ارتفاع الأسعار ونسبة التضخم)، أو 14,5% من السكان، واتّسعت رقعة الفقر لتشمل المتقاعدين والعاطلين عن العمل والأطفال دون سن 18 عامًا، وارتفعت نسبة الفقر بين العاملين بعقود هشة وبدوام جُزْئي، رغم الدّعاية بشأن “استئناف النشاط الإقتصادي وارتفاع نسبة النّمو سنة 2021 ” لكن لم تستفد سوى الأُسَر الأكثر ثراءَ من زيادة دخل العمل والأرباح، فارتفع مستوى عيشها بينما زاد الضغط على الأُسَر الأكثر فقرا، والتي انخفضت القيمة الحقيقية لدخلها سنة 2021، ويتوقع معهد الإحصاء ارتفاعها سنتي 2022 و 2023.

 

الولايات المتحدة – التناقض بين رأس المال والعَمَل

تفاخرت وزارة الخزانة الأمريكية في بيان صادر يوم 26 تشرين الأول/أكتوبر 2023 “بالناتج الاقتصادي المتنامي للبلاد، وسوق العمل المرن، وتباطؤ التضخم، والتقدم الاقتصادي في جميع المجالات”، غير إن مُقَرِّر الأمم المتحدة المعني بالفقر المُدْقَع وحقوق الإنسان نَشَرَ بيانًا يوم 31 تشرين الأول/أكتوبر 2023 يدين العديد من الشركات الأمريكية الكُبْرى مثل آمازون و وولمارت و دورداش التي حشرت العُمّال في دائرة من الفقر: “من المفترض أن توفر الوظائف طريقًا للخروج من الفقر، ولكن الشركات الأمريكية الكُبْرى خفضت القيمة الحقيقية للرواتب وعَوّلت على تحويل تكاليف التشغيل بالاعتماد على المنح الحكومية وعلى قسائم الغذاء والمساعدات الحكومية الأخرى لتكملة الرواتب المنخفضة للغاية…” وما انفكّت إدارة الرئيس جوزيف بايدن تتفاخر بالحالة الجَيِّدَة للإقتصاد الأمريكي وتريد إخفاء التناقضات بين القيمة المرتفعة للأسهم والقيمة الحقيقية المُنخفضة للأجور، أما وسائل الإعلام الرئيسية فإنها لا تنقطع عن الإشادة بالمؤشرات الاقتصادية التي تشكل أهمية بالغة بالنسبة للأغنياء، أي مالكي أسهُم المصارف والشركات…

كتب ممثل الأمم المتحدة إلى حكومة الولايات المتحدة: “إن الولايات المتحدة هي واحدة من أغنى الدول في العالم، ما يُناقِضُ ارتفاع معدل العُمّال الفُقراء… يجب أن يحصل العمال، على الأقل، على أجر متناسب مع ارتفاع تكاليف المعيشة”.

كيف يمكننا أن نفسر هذه التناقضات الصارخة في التقييمات بين الأمم المتحدة والحكومة الأمريكية ووسائل الإعلام الرئيسية؟

يعتمد تقييم وسائل الإعلام والحكومة الأمريكية على ازدهار الشركات الذي لا يعكس الواقع، بينما يعتمد تقييم الأمم المتحدة على رخاء الناس لأن قيمة الشركات لا تعكس واقع مستوى معيشة العمال الذين ينتجون ثروات الشركات.

وصل فقر الأطفال الأمريكيين إلى مستوى قياسي سنة 2022، ويرجع ذلك جزئيًا إلى توقُّف الإعانات التي أقَرّتها الحكومة الإتحادية خلال فترة انتشار فيروس كورونا، ما أدّى إلى انخفاض متوسط دخل الأسرة، لكن نادرا ما يتناول الاقتصاديون مثل هذه التفاصيل المزعجة عندما يحتفلون “بمرونة” سوق الأوراق المالية، ويفضلون التركيز على عدد الأشخاص الذين لديهم وظائف، ولا يهتمون بالرواتب الضعيفة التي يحصل عليها العاملون والتي لا توفر لهم حياة كريمة.

نادراً ما يذكر الخطاب الأمريكي السائد فكرة الأجر المعيشي، أي الراتب الذي يُمَكِّنُ الإنسان أو الأُسْرَة من العيش بدون ضُغُوط، وعندما يُحرم الناس من حقوقهم، ينتفضون للمطالبة بها، ويعد الارتفاع الأخير في النشاط النقابي والإضرابات مؤشرا على أن عددا متزايدا من الناس يعانون من ركود الأجور الذي يتناقض مع النمو الكبير للثروة ويرفضون الخنوع والرّضا بهذا الوضع المُزْرِي، بحسب رئيس نقابة عمال السيارات (UAW) خلال الإضراب الذي استمر 45 يومًا في مصانع أكبر ثلاث شركات لصناعة السيارات.

قد يعجبك ايضا