*استدارة اردوغان نحو روسيا استدارة الضرورة والمناورة .. والعلاقات التركية الإسرائيلية إستمرار للإستراتيجيا المبينة على العداء للجوار ..

 

الثلاثاء 5/7/2016 م …

محمد شريف الجيوسي

اغتنم الرئيس التركي الإخوني أردوغان ورئيس وزرائه بن علي يلدرم، العيد الوطني لروسيا ، لتهنئة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء مدفيديف، وأعربا في برقيتيهما عن أملهما باستعادة العلاقات مع روسيا .

وتزامنت التهنئة مع توقيع تركيا؛ اتفاقيات أمنية مع الكيان الصهيوني يوم 28 حزيران 2016 المنصرم في العاصمة الإيطالية ؛ روما ، وهي اتفاقيات تستهدف  سورية والعراق وإيران .   

ولا شك أن الإستدارة التركية نحو روسيا تختلف حد التناقض في الشكل والجوهر والنتائج عن (ظاهر ) استعادة العلاقات التركية مع إسرائيل؛ التي لم تنقطع منذ اعتراف تركيا بالكيان الصهيوني سنة 1949 ، والحديث التركي الرسمي عن ( إنقطاع في العلاقات) يقصد به استثمار استشهاد 9 أتراك على متن السفينة مرمرة وربطه بتمثيلية ( نصف الدقيقة ) المتفق عليها مع الولايات المتحدة ، التي أتقن فيها أردوغان دوره ، وما رافق ذلك ، الكثير من الضجيج والبهلوانيات السياسية والاستثمار الإخوني الإسلاموي.

لن نفصّل في حقيقة تمثيلية نصف الدقيقة ، التي صممت لسحب الرصيد السياسي الشعبي الذي حصلت عليه المقاومة اللبنانية، المدعومة من إيران وسورية ، كمقدمة لحرف الصراع عن وجهته من صراع وجودي عربي صهيوني ، إلى صراع سني شيعي وعربي فارسي ليس مكانه ولا زمانه ولا مبرراتٍ حقيقية له ، ولا هو صراعاً وجوديا وانما هو خلاف حدود ومصالح وتفاصيل في أداء العقيدة، لا في جوهرها، ولها حلول ..  

إن استعادة العلاقات العلنية التركية الإسرائيلية في هذا الظرف ، يحمل أبعاداً خطيرة ، رغم أن العلاقات السرية لم تنقطع أبدا بينهما ، في حين تتمادى ( إسرائيل ) في إنتهاك المقدسات التي يفترض بحسب حكام تركيا الإخونيين أنهم على قدر من الخرص عليها ، وعلى إخونييهم في حماس بغزة ، حيث جاء الإتفاق صادماً لحماس ، يعبر عنه في الغرف المغلقة بمرارة.

ويعتبر الإتفاق التركي الإسرائيلي بمثابة التزام معلن بعدم علاقة أنقرة بالقضية الفلسطينية ، على نقيض مزاعمها في سنوات مضت ، حيث تبني تل ابيب جدار عزل جديد هذه المرة مع الأردن، بكل ارتياح ، وتواصل الإستيطان وتجريف الأراضي الزراعية، والعمل على تغيير البنية الديمغرافية في القدس الشرقية بخاصة وغيرها، والتضييق على عرب الداخل 1948  .. واعتقال وقتل الأطفال والنساء والمسنين والرجال، وشرعنة يهودية الكيان الصهيوني ، ورفضها أي حل سياسي يُفضي إلى إقامة دولة فلسطينية حتى على ما تبقى من أرض فلسطين.

ومن جهة أخرى ، لم تعد تركيا معنية باجتراح تمثيلية جديدة ، كتمثيلية نصف الدقيقة تلك ، لإعتبارات ثلاث ، أولها أن مناكفة إيران لم تعد ذات جدوى بعد الاتفاق النووي ، وباعتبار أن تلك التمثيلية أدت غايتها بحرف بوصلة الصراع، وباعتبار أن تركيا في هذه المرة معنية بتقليص حجم الخصومات والعداوات التي أغرقت نفسها فيها .   

مما سبق نجد أن حكام تركيا الإخونيين دخلوا مرحلة أكثر تقدماً في علاقاتهم مع ( إسرائيل ) واعتمادهم ممارسة العلنية مجدداً معها ، ويحتمل التوجه إلى تنفيذ مشاريع تفكيك وتركيب جديدة على صعيد الإقليم ، تحدثت عنها بعض التقارير ، وعن دورها فيها بالإشتراك .

ولا شك أن تنفيذ هكذا مخططات تستوجب تحييد أطراف دولية فاعلة في المنطقة ، كـ روسيا الإتحادية ، فضلا عن المصالح الإقتصادية والتجارية والسياحية والإستثمارية معها ، والتي تميل غالبا لصالح تركيا لدى روسيا ، ولا ينبغي تجاهل المصالح الأمنية أيضاً ، فروسيا قادرة إن ارادت فتح أبواب جهنم على تركيا .

وحيث أن الإتحاد الأووربي آيل للسقوط أو التهميش ، فضلاً عن كونه ليس شريكا حقيقيا لتركيا ولا ينظر إليها بأدنى احترام ، رغم مطواعيتها المفرطة مع الغرب ،وحيث أن علاقات تركيا مع جاراتها الجنوبيات في أسوا حالاتها جراء حماقات ارتكبها ألـ أردوغان ، وهي ليست مع اليونان في أحسن حالاتها فضلاً عن أن اليونان هي الأخرى تعاني ، ولا يبدو من أفق لحل معضلة أوكرانيا بما يرضي أنقرة .. كل ذلك تزامن ويتزامن مع تردي الأوضاع الأمنية والإقتصادية التركية ، وتكشف مقدمات ازمات داخل حزب اردوغان ؛ الحاكم .

حيث ذلك كله، لا بد من إستدارة تركية حقيقية نحو روسيا (إن كانت أدمغة حكامها تعمل جيداً)..وقد تكون العلاقات مع روسيا مُدخلاً للخروج من الورطات التي دخلتها تركيا باختيارها في المنطقة ، وتآمرها على جاراتها وسوء تقديرها ..

إن قبول روسيا المبدئي بإعادة العلاقات مع تركيا، لن يكون قبولاً مجانياً ، فقد أعلنت موسكو بوضوح أن هناك ما ينبغي على تركيا أن تفعله .. فقبل أيام من برقيتي التهنئة التركيتين ، بثت موسكو صورا التقطتها من الفضاء لأسلحة متطورة أدخلتها تركيا إلى سورية ، وبتأكيد فإن روسيا ليست تركيا لتتخلى عن حليفتها سورية ، كما تخلت أنقره عن إخونيي غزة وعن مقدسات الضفة الفلسطينية ، لأجل مشروع كيان اسلامي وهمي يقوم في أجزاء من العراق وبلاد الشام ومناطق أخرى يهيمن عليه عثمانيون جدد ، ما ( يبرر) قيام اسرائيل يهودية صهيونية كبرى في المنطقة .

وقبول روسيا ( السريع نسبياً ) لإعادة العلاقات ليس قبولا ساذجا ، بل إن حماقة النظام التركي الإخوني بإسقاط الطائرة وقتل الطيار، قدم لموسكو مبررا كافيا لهز العصا امام عيني أردوغان الذي أصيب بالحول السياسي ، فأخذ بالتخبط بدلا من معالجة الحماقة ، فجر على بلاده أزمة سياسية واقتصادية .

تعلم روسيا جيداً أن معركتها المتاحة في سورية،هي معركتها بقدر ما هي معركة أطراف محور المقاومة وضمنه سورية ذاتها، وليس أقل ، كما هي حرب صياغة معادلات نظام عالمي جديد من على الأرض السورية، يحجّم قوى الطغيان والحروب والنهب ومؤسسات راس المال العالمية.

وتعلم روسيا بقيادة بوتين أن أية حسابات خاطئة، ستكون كارثية، ولن تخدعها بهلوانيات النظام السياسي التركي،الذي لم يستطع إخفاء سوأة انغماسه في مستنقع الإرهاب الظلامي ، ومتابعة علاقاته المتميزة مع العدو الإسرائيلي، الذي اثخن في الشعب الفلسطيني .

استدارة أردوغان نحو روسيا استدارة الضرورة والمناورة والتحييد وكسب الوقت والتعمية (إن استطاع ) وهي استدارة لن تنطلي على روسيا وقيادتها متمثلة في بوتين ومدفيديف ، أما علاقات تركيا بإسرائيل فهي علاقات الإستمرار والإستراتيجيا المبينة على العداء المتماثل للجوار ، وتقاسم المنطقة دينيا بالإشتراك والإتفاق .

[email protected]

عن ” البناء ” اللبنانية

 

قد يعجبك ايضا