هل سقطت آخر ورقة توت تستر تركيا في مجريات أحداث سورية ؟! / د.خيام الزعبي

 

د.خيام الزعبي ( سورية ) الثلاثاء 5/7/2016 م …

قادت التطورات التي شهدتها سورية مع إقتراب رحيل إدارة الرئيس أوباما، على إيقاع الفشل العسكري في سورية، إلى إستنتاجات محورها الرئيسي أن تركيا التي منيت بهزيمة في سورية بلغت من الضعف مرتبة تجعلها أقل قدرة على الإنفلات من الرغبات الأمريكية الغربية، وهي قد تحولت من إحتياط إستراتيجي أميركي إلى عبء إستراتيجي على البيت الأبيض وعلى دول المنطقة بأكملها.

من يتابع تصريحات الرئيس أردوغان والمسؤولين المحيطين به هذه الأيام يخرج بإنطباع واضح، لا لبس فيه  عن ضرورة إجراء مراجعة للسياسة الخارجية التركية بهدف ترميم صورة تركيا  المهتزة عبر العالم وعليه، فإن رسائل الغزل التركي لروسيا تستمر، كما أن الإشارات بتحسين العلاقات مع الجوار الجغرافي مستمرة، وذلك لإيجاد حلفاء أو شركاء لمواجهة الصعود الكردي على حدودها الجنوبية، بعد أن سيطر الأكراد على مناطق واسعة في شمال شرقي سورية، وهو صعود جعل المقاربة التركية للأزمة السورية ترتبط بكيفية مواجهة الخطر الكردي داخل تركيا وليست بإسقاط النظام السوري كما أعلن أردوغان مراراً، من خلال محاولته عن التراجع والبحث عن سلم للنزول عن الشجرة الذي وجد نفسه في قمتها بعد صمود الرئيس الأسد طيلة سنوات الأزمة، حيث كان للجيش السوري والدعم الإيراني وحزب الله الدور الإقليمي الكبير الذي ساعد على هذا الصمود، ليبرز الآن بقوة دور روسيا الداعم سياسياً وعسكرياً، تبعا للتوازنات العالمية والصراعات القائمة بين مصالح الغرب والشرق في العالم.

بعد أن شعرت تركيا بأنها خرجت من اللعبة بدون تسجيل أية أهداف سياسية وإقتصادية، سعت إلى التغيير لعدد من مواقفها السياسية تصل أحياناً إلى التضاد مع سياساتها السابقة ومنها قضية العلاقة مع إسرائيل إذ وافق نتنياهو على طلب أردوغان بعودة العلاقات الدبلوماسية، وذلك بهدف كسر العزلة الدولية والإقليمية التي تعاني منها تركيا، في ضوء تطورات الأحداث في المنطقة ومواقفها المتناقضة، خاصة تلك المتعلقة بالقضية الفلسطينية والحصار الذي تفرضه إسرائيل على قطاع غزة، وبذلك لم تعد تركيا تجد حرجاً وبعد أن خسرت الرهان في عدد من الملفات، من أن تلجأ إلى سياساتها السابقة والتطبيع مع إسرائيل، بل والإعتذار من الروس وذلك للوقوف ضد الكورد،  التي تعتبرهم خطر على وجودها.

على صعيد متصل لم تقف مخاطر الحرب على مدينة حلب عند حد هروب آلاف المقاتلين من المجموعات المسلحة الى تركيا، بل تجاوزت ذلك بكثير، إذ إن سقوط مدينة كبرى في الشمال السوري بأيدي الجيش السوري يعد ضربة موجعة للسياسة التركية، فقد قطع الجيش مدعوم  بغطاء جوي روسي، آخر طرق الإمداد الرئيسية بين المجموعات المسلحة وتركيا، وبالتالي ستصبح الحدود السورية التركية على مرمى حجر من القوات السورية المدعومة من قبل الجيش الروسي، الذي خلط الأوراق وقلب الطاولة على الأتراك، فقد كانت أنقرة قبل التدخل الروسي بأشهر قليلة، قاب قوسين أو أدنى من تحقيق مبتغاها بإنشاء منطقة عازلة في الشمال السوري، التي كانت تطمح من خلالها إلى منع التمدد الكردي في الشمال، وتعزيز سيطرة الجهاديين على مدينة حلب بكاملها وبالتالي إضعاف نظام الأسد، لكن التدخل الروسي في سورية خيب آمال تركيا وأبطل مخططاتها في المنطقة

إن الإنقلاب الدراماتيكي فى الموقف التركي تجاه سورية، بسبب صمود الشعب السوري وجيشه بعد أكثر من خمس سنوات فى مواجهة المؤامرة على سورية، وصلابة الموقف الروسي الإيراني، فضلاً عن تراجع الموقف الأمريكي والأوروبى إلى حد كبير عن اشتراطاته للحل فى سورية والتي كانت توجب رحيل الرئيس الأسد أولاً قبل الحل والجلوس إلى مائدة المفاوضات النهائية، كل هذه الأسباب والمتغيرات العربية والإقليمية والدولية كان طبيعياً أن يحاول أردوغان اللحاق بالركب، خاصة أن المشاكل الداخلية التركية تشهد تفاقماً واضحاً خلال الآونة الأخيرة، وبذلك أدرك أردوغان متأخراً أن سقوط الدولة السورية لن يكون لمصلحة تركيا، كما كان يعتقد، بل إن انهيار الدولة سيؤدي بالتبعية إلى حدوث قلاقل كبرى داخل تركيا نفسها، ويدفع بالأكراد إلى إعلان دولتهم على الحدود مع تركيا، مما ستكون له تبعاته الحظيرة على وضع الأكراد داخل تركيا.

مجملاً….  تبيّن لتركيا تدريجياً أنّ الأهداف المتوقع تحقيقها من الحرب على سورية، ليست قريبة المنال، وقد أصبح الوصول اليها أكثر صعوبة بعد تحقق تطورين هامين أولهما التدخل الروسي في سورية، وثانيهما التوافق الروسي الأميركي على وجوب الحلّ السياسي للأزمة السورية، كخطوة ضرورية نحو التفرّغ لمقاتلة داعش التي باتت تشكل خطراً على دول المنطقة، وبذلك سقطت ورقة التوت عن تركيا التي تتاجر بمصير شعبها في الأمن والاستقرار، فكيف يمكن لها الحديث عن حقوق الشعب السوري والدفاع عنه، بينما تواصل التعاون العسكري مع الجهاديين والمجموعات المسلحة و إسرائيل وتبادل المعلومات الاستخباراتية، لنشر الفوضي وتقسيم الدول إلي دويلات من أجل نهب وإستغلال ثروات هذه البلاد وتقسيم الأدوار على بعض حلفاؤها بما يحقق مصالحها وأهدافها في بلدنا، وفرملة مسيرته وتعطيل عبوره للمستقبل.

[email protected]

قد يعجبك ايضا