تحالفات المقاومة والدبلوماسية ” الإسرائيلية ” في آسيا وأفريقيا / مهند إبراهيم أبو لطيفة

مهند إبراهيم أبو لطيفة ( فلسطين ) – الإثنين 30/8/2021 م …




 

كلما حققت المقاومة في منطقتنا بعض الإنجازات أو الإنتصارات والصمود في معاركها التي تخوضها مع الإحتلال الإسرائيلي، تبدأ ماكينة الدعاية الإعلامية التي تمولها المليارات بحملة من الهجوم الشديد لشيطنتها والتقليل من منجزاتها ، والتشكيك في مصداقيتها وأهداف داعميها المحليين والإقليميين على السواء، في تناغم شديد مع الحملات الإسرائيلية على أمل إضعافها جماهيريا، وحصارها شعبيا والهدف طبعا هو نزع سلاحها وتدجينها وحتى القضاء عليها تماما لو إستطاعت.  

 وتستخدم في سبيل تحقيق هذه الأهداف مختلف الوسائل من الحصار المباشر والتضييق الإقتصادي، إلى إفتعال الأزمات الداخلية وإشغالها في معارك جانبية، وحتى  التجسس عليها وتمويل بعض الحملات العسكرية ضدها، وإستغلال  بعض الخطاب الديني والطائفي لإضعافها، أو محاولات إستدراجها عبر مبادرات ومشاريع سياسية تصفوية، وكل من يتابع المشهد السياسي الفلسطيني  منذ عام  2005 تحديدا، والتطورات الأخيرة في الساحة اللبنانية، يلاحظ حجم الإستثمار المادي والإعلامي المكرس للهجوم على المقاومة.  

وتحت تأثير هذا الخطاب المضلل والمتواصل قد يتأثر البعض بالحملات التي تشن عليها، متناسين أن المقاومة تعمل في ظروف إستثنائية، وغاية في الصعوبة والتعقيد، وفي حيز جغرافي محدود جدا كقطاع غزة مثلا، وفي مرحلة تتداخل فيها المصالح الدولية وتتشابك، وفي زمن عربي صعب، وضمن إمكانيات لا ترقى نوعيا لمستوى الترسانة العسكرية الإسرائيلية  المتراكمة، والدعم الكبير الذي تتلقاه المؤسسة العسكرية الصهيونية منذ نشأة الكيان، والمجال الحيوي الكبير الذي تتمتع به والذي يمكنها من المواجهة.  

فلولا عزيمة المقاومة وإرادتها وتكتيكاتها الغير نظامية وحاضنتها الشعبية وبعض الدعم الذي تتلقاه من تحالفاتها، لما أمكن لها أن تقف بكل هذا الشموخ مدافعة عن وجودنا جميعا أمام الترسانة العسكرية الإسرائيلية، والتي يقدر المتخصصون أنها مثلا تشتمل على  ما يزيد عن 631 ألف جندي بين عامل وإحتياط ، وعدة آلاف من الدبابات بين دبابات قتال رئيسية، ودبابات ميركافا، ودبابات أم 60، و إم 48، ودبابات سنتريون، وناقلات جنود وعربات قتال مجموعها  يقترب من سبعة آلاف مركبة، إضافة لقطع المدفعية ذاتية الحركة والتي تبلغ سبعمئة قطعة، وراجمات الصواريخ، والأسلحة المضادة للدروع، وقرابة 36 ألف جندي عامل في القوات الجوية يضاف لهم حوالي خمسة وخمسين ألف من الإحتياط، وحوالي 12 قاعدة عسكرية، وما يزيد عن 819 طائرة مقاتلة وهجومية وطائرات النقل والإستطلاع والتدريب، وعدة أسراب من طائرات الهليوكبتر التي يقدر عددها ب 138 طائرة، وأنظمة دفاع صاروخي وطائرات مسيرة، وجسر جوي وقت الحروب.  

 ويكفي الإشارة إلى الدعم المطلق للكيان الإسرائيلي والإلتزام بأمنه من قبل عدة دول أوروبية والولايات المتحدة الأمريكية، التي قدمت لوحدها حوالي 236 مليار دولار في السنوات الماضية ( ما هو معلن فقط !)، مساعدات عسكرية وإقتصادية وبرامج صواريخ ، لضمان التفوق النوعي العسكري، ناهيك عن القدرات النووية للكيان، وقدراته وتقنياته التجسسية والأمنية والإقتصادية.  

على من يتحامل على قوى المقاومة ، أن يقدم لنا برنامجه التحرري، ويبرز لنا قدراته العسكرية في الميدان ومفهومه للأمن القومي، ويعلن عن إستراتيجيته للمواجهة لو توفرت؟.  

أما من يستهجن على المقاومة أن تحاول نسج علاقات متنوعة مع بعض الدول في المنطقة، فعليه أن يصرح عن مدى جهده الدبلوماسي وإستراتيجيته لدعم كفاح الشعب الفلسطيني مثلا من أجل نيل حقوقه وإستقلاله وعدم تصفية قضيته، وأن يراجع تاريخ النشاط الدبلوماسي الإسرائيلي في قارة آسيا مثلا وقارة أفريقيا، وكيف استثمر الكيان ولا يزال كل هذه العلاقات المتشعبة والواسعة إضافة للعلاقات التقليدية مع الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية بالرغم من دوره الوظيفي في خدمة مصالحها في منطقتنا العربية، إضافة للعلاقات التي أعلن عنها مؤخرا مع بعض الدول العربية، وتاليا إشارات بسيطة لها:  

العلاقات الإسرائيلية الآسيوية: مبكرا جدا وإستنادا على وعد بلفور المشؤوم عام 1917م، نشطت الحركة الصهيونية في نسج علاقاتها السياسية مع عدد كبير من الدول الأوروبية وتوطيدها في الولايات المتحدة الأمريكية وباقي الدول، وتحضيرا لإقامة الكيان الصهيوني في فلسطين سعت للحصول على أكبر تأييد دولي لمشروعها، فبدأت مثلا في اليابان حيث تبرع اليهود في أمريكا بالمال من أجل شراء سفينة حربية سميت ” قيشنيف ” لليابانيين لمقاتلة الروس، وحملت السفينة هذا الإسم نسبة للمدينة الروسية التي تعرض فيها اليهود لمذبحة عام 1903، كما قدم المصرفي اليهودي يعقوب شيف (1847-1920) صاحب بنك ” قوهن ليف وشركاه” قرضا كبيرا لليابان، مكنها من شراء السفن الحربية دعما لمجهودها الحربي ضد روسيا القيصرية، ليبدأ الإستثمار بالعلاقات مع اليابان والتي مرت بمراحل مختلفة حتى يومنا هذا، وعلى الرغم من أن السياسة اليابانية تغيرت عندما إنضمت اليابان إلى ألمانيا في الحرب العالمية الثانية، وسعت للحصول على دعم وتأييد مسلمي الهند وجنوب شرقي آسيا، ضد القوى الغربية العظمى، وحاولت اليابان كسب رضى الحركات القومية العربية التي عارضت بريطانيا، حتى أن السفارة اليابانية في طهران ساعدت الحاج أمين الحسيني على الهروب إلى إيطاليا، وبدأت الصحف اليابانية تهاجم الصهيونية، فقامت أربع دول عربية هي مصر وسوريا ولبنان والسعودية ولأسباب سياسية وتاريخية معروفة، بإعلان الحرب على اليابان وألمانيا.  

ومبكرا جدا أيضا، منذ عام 1920 م بدأت المحاولات الصهيونية الأولى للإتصال برؤساء النظام الحاكم في الصين، ومن ثم جرت محاولات للإتصال بالقيادة السياسية في سيام والهند التي حظيت باهتمام شديد من دافيد بن غوريون، وفي عام 1956 وبقرار من وزارة الخارجية الإسرائيلية، قام موشيه شاليت بجولة واسعة شملت عدة دول آسيوية، وزار كل من : بورما، الفلبين، اليابان، سنغافورة، ماليزيا، سيلان، الهند، نيبال، تايلاند، لاوس، كمبوديا، كما زار هونغ كونغ، والتقى في هذه الدول بوزراء الخارجية ورؤساء الأحزاب الكبرى، والنقابات المهنية، وأعضاء في مجلس النواب ورجال أعمال.  

وبدعم من بريطانيا وأمريكا، وعبر مجلس خاص للتعاون الدولي، سعت إسرائيل لتطوير علاقاتها مع الدول الآسيوية عبر برامج للتعاون في مجالات التقنية والأمن والمجال العسكري، ومجالات التنمية الإقتصادية والإجتماعية، وبرغم الكثير من البرود والإنقطاع في العلاقات مع بعض الدول لإعتبارات مختلفة، فإنها إستعانت بالوسطاء كما فعلت مثلا مع الصين عبر وساطة شارل ديغول عام 1964، وتركزت جهودها على الدول الثلاث الأكبر والأهم في القارة وهي الهند والصين واليابان والتي يحتاج تتبع نشاطها في هذه الدول لدراسات مستفيضة، لكي تجد لنفسها مكانا في المجتمع الدولي، وتدعم إقتصادها وتعزز نفوذها، ولا داعي للتذكير كيف فتحت إتفاقية ” هزيمة أوسلوا ” المجال على مصراعيه لتعميق هذه العلاقات.  

العلاقات الإسرائيلية الإفريقية: في الفترة التي تولت فيها جولدا مائير وزارة الخارجية ( 1956- 1966)، نشط مركز التعاون الدولي ” الماشاف” في إقامة علاقات واسعة مع معظم الدول الإفريقية غير العربية، وشهدت هده العلاقات إزدهارا كبيرا في الستينيات وبداية السبعينيات من القرن العشرين، حيث عمل في تلك السنوات مئات الإسرائيليين في القارة السمراء كمستشارين ومرشدين وكرجال أعمال، وزار الكيان الإسرائيلي آلاف الأفارقة للدراسة في مختلف المجالات العسكرية والمدنية والأمنية،  ويسجل التاريخ الدبلوماسي أن جولدا مائير كانت لوحدها مسؤولة عن 200 مشروع تنمية في أكثر من 80 دولة في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية.  

 كانت غانا أول دولة تركز فيها النشاط الإسرائيلي، التي حصلت على إستقلالها عام 1957، وفي الستينيات أقامت إسرائيل علاقات دبلوماسية مع كل الدول الإفريقية التي حصلت على إستقلالها، وبالرغم من التحديات التي واجهت دبلوماسية التوسع الإسرائيلي في فترة المد القومي في الستينيات وتحديدا الدور المصري، إلا أن إسرائيل تحقيقا لأهدافها السياسية والإقتصادية والإستراتيجية والأيدولوجية، تابعت نشاطها خصوصا بعد توقيع إتفاقية كامب ديفيد، وبعد إتفاقية أوسلوا ، وسقوط الإتحاد السوفيتي ومؤخرا مع موجة التطبيع ، ولتثبيت مصالحها وشرعيتها الدولية أرسلت خبراء في مجالات الأمن والزراعة والطب والتعليم والحركات الشبابية والتنمية الإجتماعية وتنمية مصادر المياه ومكافحة التصحر، إضافة للتعاون العسكري، في حين لم يحقق الدعم المالي العربي لبعض الدول الإفريقية إنجازات تذكر هناك.    

ولا يزال النشاط الإسرائيلي في إفريقيا يتسع ويتطور نتيجة الغياب العربي، بالرغم من الجهود التي بذلتها منظمة التحرير الفلسطينية، ومع أن أغلبية الدول الإفريقية سارعت بالإعتراف بالدولة الفلسطينية، عندما أعلن المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر في 15 نوفمبر 1988 عن قيام الدولة الفلسطينية، حتى الدول التي كانت تربطها علاقات مع إسرائيل، ساهمت في تبني قرار مؤتمر خارجية منظمة الوحدة الإفريقية الذي عقد في فبراير 1989 والذي أكد الإعتراف بدولة فلسطين.  

ومع أن العلاقات العربية الإسلامية في إفريقيا قديمة جدا، ومنذ ظهور الإسلام في القرن السابع الميلادي، إلا أن الأنظمة العربية والإسلامية  في معظمها ما زالت بعيدة تماما عن إدراك أهمية إفريقيا بشكل عام ، مع الإشارة لأن دولا كمصر وليبيا والسعودية وإيران حاولت وتحاول أن يكون لها تواجدا سياسيا وإقتصاديا وثقافيا ( إنشاء المساجد، المدارس، الجامعات، بعثات الحج، بعض الشركات والمشاريع)، في حين لم تتردد إسرائيل مبكرا في توسعة مجالها الحيوي في إفريقيا بتركيز شديد لأفشال جهود العرب لعزلها ونزع شرعيتها في المرحلة الناصرية بالذات، واخترقت الحصار السياسي العربي، واستفادت من الثروات الطبيعية في إفريقيا ( كالبن والكاكاو، الخشب، الألماس، المعادن المختلفة، النفط ..الخ )، وشخص خبراؤها الأهمية الإستراتيجية لبعض الدول مثل أثيوبيا وإرتيريا، وطرق التجارة البحرية، وركزت جهودها على نيجيريا، وعلى شبكة من العلاقات مع زعماء سياسيين ودبلوماسيين ورجال الإقتصاد ووسائل الإعلام،  مع إدراكها لمصالح أبرز داعميها في الغرب والولايات المتحدة الأمريكية في هذه القارة.  

بالرغم من كل ما تقدم أنا على قناعة تامة، أن من ينتقد المقاومة وعلاقاتها التحالفية والسياسية مع بعض الدول، سيستمر في إنتقادها حتى لو كان نوع الدعم الذي يُقدم لها هو رصاصات فارغة أو مجرد بنادق خشبية أو أكياس رز وطحين ، لأن الهدف ليس النقد بل التحطيم والتساوق مع شروط ومصالح العم سام ومن يلف في فلكه.  

لا يوجد أمام المقاومة سوى خيار الإستمرار في بناء درعها الحديدي عبر تحالفاتها وخدمة  قضيتها الوطنية ومصالح حاضنتها الشعبية  والإلتزام بمبادئها التحررية دون مساومة…. والمجد للمقاومة.  

قد يعجبك ايضا