الإرهاب : التسويق والتوظيف / جورج حدادين

 

جورج حدادين ( الأردن ) الجمعة 1/4/2016 م …

ظاهرة الإرهاب: هل هي ظاهرة دينية أم ظاهرة اجتماعية؟ لأن حسم طبيعة هذه الظاهرة هو ما يسهل مقاربة فهم سياق الإرهاب التسويق والوظيفة.

في المقدمة، اعتمادا على أدوات التحليل العلمي فأن الإرهاب ظاهرة اجتماعية وليست دينية، ولا تنتمي لأي دين، حتى لو تلبس الإرهاب لبوس الدين.

ظاهرة الإرهاب في المجتمعات البشرية موجودة عبر التاريخ، أي منذ تخلى الفرد عن فرديته لصالح الجماعة، وحيث تنازل عن الكثير من جوانب حريته الفردية من أجل العيش المشترك، وفي داخل هذه الجماعة نشأت قوانين وتقاليد وعادات وسلوك ضبطت العلاقات الاجتماعية بين أفراد المجتمع هذا،  وحيثما تطور التمايز الاجتماعي بين أفراده حيثما ترافق بحالة من الرفض من قبل أفراد أو مجاميع في صفوف هذه الجماعة، إما نتيجة لغبن ما لحق بهم أو نتيجة لشعور بأن غبن ما لحق بهم، ليتطور هذا الرفض، الشعوري أو الممارس، إلى أشكال من الصراع، اتخذ صور العمل الجماعي أو الفردي، وذلك قبل ظهور “الأديان السماوية” قبل حوالي ثلاثة آلاف عام، فالغبن الاجتماعي ليس له علاقة بالدين، ولكن في الكثير من الأحيان يستغل الدين من قبل الطبقة أو الفئة  المهيمنة لتمرير مصالحها.

في تاريخنا العربي القديم ظهرت حالة ” الصعاليك” خروج أفراد وجماعات على المجتمع، مارست عمليات سطو وقطع الطريق على الأغنياء خصوصا، ردا على تمايز حدث داخل المجتمع آنذاك ترافق مع استغلال واضطهاد مجموعة لمجموعة أخرى، داخل مجموعة الصعاليك ظهر اتجاهان، اتجاه تبنى مبدأ أنساني نبيل: توزيع الغنائم على الفقراء والمحتاجين  تحت عنوان “الأخذ من الغني وإعطاءه للفقير” واتجاه آخر داخل الجماعة تبنى مبدأ “الغنائم للغانم” مبدأ أخذ الحق باليد.

وفي تاريخنا ظهرت أيضا فرق الخوارج وفرق الإرهاب السياسي ” فرقة الحشاشين” التي اتخذت من الاغتيالات أسلوب عمل سياسي، كما وظهرت فرقة القرامطة التي اعتمدت رداً على الاستغلال والاضطهاد وعدم العدالة في توزيع الثروة الذي ساد في العصر العباسي، نهج تحقيق العدالة الاجتماعية وتوزيع الثروة المنتجة بعرق وجهد الكادحين بعدالة .

وفي أوروبا ظهرت “الدنكيشوتيه” التي اعتمدت مبدأ ” الآخذ من الغني لصالح الفقير” كما وظهرت المجموعات الفوضوية الإرهابية والعبثية في الرد على أزمة الدولة والمجتمع.

 

الرد على الاضطهاد والاستغلال والاستبداد والفساد ، عبر التاريخ، والرد على الأزمة التي يدخل فيها المجتمع، أي مجتمع تفرض البحث عن الحلول، يتخذ في العادة مقاربتين مختلفتين:

       الرد الثأري الانفعالي العدمي، الفردي أو الجماعي، والذي يشكل الإرهاب أحد أشكاله، وحتى لو تبنت مجاميع كبيرة نسبية هذا النهج، هذا النهج لم يقود في الماضي إلى التغيير ولم يخرج المجتمع من أزمته، ولن يقود إلى ذلك في الحاضر ولا في المستقبل، بحسب جميع دروس التاريخ.

       الرد الواقعي الموضوعي المنهجي، الرد الذي يبنى على قاعدة مشروع تغيير الواقع المأزوم، بالاستناد إلى مشروع وطني للخروج من الأزمة القائمة بالفعل وفي الواقع، يشترك في حمله كافة الشرائح الوطنية الكادحة والمنتجة، صاحبة المصلحة الحقيقية في إحداث التغيير. 

الردود الثأرية والانفعالية والعدمية يتم احتوائها بسهولة من قبل المركز الرأسمالي العالمي وأدواته ، صاحب مشروع الهيمنة والاستغلال، عدو خارجي، أو قوى التبعية المهيمنة داخليا، احتواء يتم من قبل دول أو مؤسسات أو أجهزة، ويتم توظفها بشكل مباشر أو غير مباشر لمصالحها الخاصة وضد مصالح المجتمع ذاته ومصالح الدولة، والأمثلة على ذلك كثر، وخاصة في العصر الحديث، في المرحلة الرأسمالية:

       حين دخلت الرأسمالية في أزمة حادة، بعد الحرب العالمية الأولى، وبدأ الحزب الشيوعي الألماني ينتشر في صفوف الشعب، وتنامت قوة النقابات العمالية، شعر أصحاب رؤوس الأموال في الخطر الداهم على سلطتهم ومصالحهم، وخاصة مع بروز قطب جديد “الاتحاد السوفيتي” على الصعيد العالمي، والذي يحمل نموذج أنساني بديل للنموذج الرأسمالي الهمجي السائد، نموذج شريعة الغاب، حيث يأكل القوى الضعيف، وفي الحال تم استدعاء قوى عنصرية همجية على الساحة، قوى ” النازية بقيادة زعيمها هتلر” حيث وجدوا فيه الكرزما المثالية لهذه المهمة، فتم دعمه بالمال والإعلام، من قبل شركات عملاقة: شركة مرسيدس بنز الألمانية للسيارات ، وشركة بيرن الألمانية للدواء ، وشركة فورد الأمريكية، لمواجهة قوى التغيير الجديدة، فالنازية المستولدة من رحم الشركات أدت مهمتها الإرهابية القمعية ضد المجتمع الألماني في الداخل على أكمل وجه، وأدت مهمتها في الحرب الإرهابية الظالمة ضد الاتحاد السوفيتي ودول أوروبية أخرى، في الخارج، خدمة لمصالح رأسالمال، وحرب عالمية ثانية أدت إلى دمار شامل للدول والمجتمعات، وكان ضحاياها عشرات الملايين من البشر، كما تم استيلاد ودعم الفاشية في ايطاليا وفي اليونان.

       خلق ” المجاهدين ” في أفغانستان واستقطاب “مجاهدين” من كافة الدول، وخاصة الدول العربية، من قبل المركز الرأسمالي العالمي ودول التبعية العربية، نهاية سبعينات القرن الماضي، لمحاربة الإتحاد السوفيتي وإغراقه في حرب أفغانستان، حيث حارب ” المجاهدين العرب” في أفغانستان وليس في فلسطين المحتلة من قبل الصهاينة، بدعم من المركز الرأسمالي العالمي.

       خلق القاعدة وبناتها داعش والنصرة وأحرار الشام …الخ ودعم تمددها في سوريا والعراق واليمن وليبيا وتونس ومصر…الخ، لتقسيم هذه الدول والسيطرة عليها وعلى قرارها السياسي والهيمنة على ثرواتها ومقدراتها واستغلال مجتمعاتها، لصالح المركز الرأسمالي العالمي، وفي هذا السياق يأتي التسويق الإعلامي الهائل لداعش وقوتها ونموذجها، في الوقت الذي يتم شيطنة القوى التي تقاتل داعش على الأرض، الجيش العربي السوري  وشيطنة المقاومة المساندة للجيش العربي السوري، وعلى رأسها حزب الله، الذي وسم من قبل قوى التبعية الخليجية ومن لف لفهم بالإرهاب، وتصوير داعش ومرادفاتها بكونها قوة لا تهزم، وأن هزمت ستحتاج إلى العشرات من السنوات، وكما حدث في بدء الحملة على طالبان، حيث بشر بوش الصغير بحرب طويلة الآجل، أليس ذلك دليل ساطع على حاجة المركز الرأسمالي إلى هذه الظاهرة من أجل إعادة ترتيب العالم بما يخدم مصالحها.

أين الدين من كل هذا، أنه صراع التناقض التناحري بين المستغل ( بكسر الغين) والمستغل ( بفتح العين) بين الاستعمار المباشر وغير المباشر والهيمنة بكافة أشكالها وقوى التحرر، تناقض بين مشروع الهيمنة ومشروع التحرر، أين الدين من هذا، أنه بالمعنى الحرفي استغلال الايدولوجيا الدينية.

عندما بدأ ماو تسيتونغ قائد الثورة الفلاحية في الصين ثورته لتحرير بلده، لم يعد إلى البوذية لتحرير الصين من احتلالات أجنبية، ولم يعد إلى الكنفوشية في مشروع بناء الصين الحديثة، التي أصبحت ثاني قوة اقتصادية في العالم، لم يعد إلى الماضي بل تقدم إلى المستقبل، بالرغم من حضارة الصين القديمة العظيمة، صاغ مشروع تحرر وطني وانطلق.

فهل نحتاج إلى الماضوية لبناء المستقبل؟ وهل نحتاج إلى إعادة إنتاج نموذج ماضي تغيرت ومضت كافة معطياته، لتحرير مجتمعاتنا وأوطاننا من الاستعباد والتبعية الراهنة؟

إن ما نحتاج إليه من أجل التحرر وبناء المستقبل المزدهر والمجتمع المعافى، هو مشروع تحرر وطني، يأخذ بنظر الاعتبار كافة الشروط والمعطيات القائمة في الواقع القائم الراهن .

قوى الإرهاب بكافة صورها وأشكالها، وقوى التبعية اللبرالية ، توظف وتخدم فقط وفقط خطط المركز الرأسمالي العالمي الهادفة إلى ضمان إدامة الهيمنة على مجتمعاتنا ودولنا، الإرهاب واللبرالية وجهان لعملة واحدة، وتخدما مخطط واحد في الجوهر: منع المجتمعات المضطهدة من بناء حركة تحررها الوطني، عبر هذه البدائل الوهمية المصنعة في أقبية، والتي لا تؤدى إلاّ إلى دمار وتفتيت المجتمعات وتفكيك الدول.

تقدموا نحو صياغة مشروع تحرر وطني ونحو بناء حامل اجتماعي لهذا المشروع.

 

قد يعجبك ايضا