من مفكرة عاشق دمشقي / نزار قباني

 

نزار قباني ( سورية ) الإثنين 28/3/2016 م …

فرشت فوق ثراك الطاهر الهدبا

فيا دمشق.. لماذا نبدأالعتبا؟

حبيبتي أنتِ.. فاستلقي كأغنية

على ذراعي ولا تستوضحي السببا

أنت النساء جميعاً.. ما من امرأةٍ

أحببت بعدك إلاّ خلتها كذبا

يا شام إنّ جراحي لا ضفاف لها

فمسّحي عن جبيني الحزن والتعبا

وأرجعيني إلى أسوار مدرستي

وأرجعيني الحبر والطبشور والكتبا

تلك الزواريب كم كنز طمرتُ بها

وكم تركت عليها ذكريات صبا

وكم رسمت على جدرانها صوراً

وكم كسرت على أدراجها لعبا

أتيت من رحم الأحزان يا وطني

أقبّل الأرض و الأبواب والشهبا

حبّي هنا.. وحبيباتي ولدن هنا

فمن يعيد العمر الذي ذهبا

أنا قبيلة عشّاق بكاملها

ومن دموعي سقيت البحر والسّحبا

فكلّ صفصافة حولتها امرأة

وكلّ مئذنة رصعتها ذهبا

هذي البساتين كانت بين أمتعتي

لما ارتحلت عن الفيحاء مغتربا

فلا قميص من القمصان ألبسه

إلاّ وجدتُ على خيطانه عنبا

كم مبحر وهموم البرّ تسكنه

وهارب من قضاء الحبّ ما هربا

يا شام أين هما عينا معاوية

وأين من زحموا بالمنكب الشهبا

فلا خيول بني حمدان راقصة

زهوّاً… ولا المتنبي مالئ حلبا

وقبر خالد في حمص نلامسه

فيرجف القبر من زواره غضبا

يا رُبّ حيّ.. رخام القبر مسكنه

وربّ ميت.. على أقدامه انتصبا

يا ابن الوليد.. ألا سيف تؤجره؟

فكلّ أسيافنا قد أصبحت خشبا

دمشق يا كنز أحلامي ومروحتي

أشكو العروبة أم أشكو لك العَرَبا؟

أدمت سياط حزيران ظهورهم

فأدمنوها ..وباسوا كفّ من ضربا

وطالعوا كتب التاريخ واقتنعوا

متى البنادق كانت تسكن الكتبا

سقوا فلسطين أحلاماً ملوّنة

وأطعموها سخيف القول والخطبا

وخلّفوا القدس فوق الوحل عارية

تبيح عزّة نهديها لمن رغبا

هل من فلسطين مكتوب يطمئنني

عمّن كتبت إليه.. وهو ما كتبا

وعن بساتين ليمون وعن حلم

يزداد عنّي ابتعاداً كلّما اقترب

أيا فلسطين من يهديكِ زنبقة

ومن يعيد لك البيت الذي خربا؟

شردتِ فوق رصيف الدمع باحثة

عن الحنان ولكن ما وجدتِ أبا

تلفتي.. تجدينا في مباذلنا

من يعبد الجنس أو من يعبد الذهبا

فواحد أعمت النعمى بصيرته

فللخنى والغواني كلّ ما وهبا

وواحد ببحار النفط مغتسل

قد ضاق بالخيش ثوباً فارتدى القصبا

وواحد نرجسيّ في سريرته

وواحد من دم الأحرار قد شربا

إن كان من ذبحوا التاريخ هم نسبي

على العصور.. فإني أرفض النسبا

يا شام.. يا شام ما في جعبتي طرب

أستغفر الشعر أن يستجدي الطربا

ماذا سأقرأ من شعري ومن أدبي

حوافر الخيل داست عندنا الأدبا

وحاصرتنا وآذتنا فلا قلم

قال الحقيقة إلاّ اغتيل أو صلبا

يامن يعاتب مذبوحاً على دمه

ونزف شريانه ماأسهل العتبا

من جرّب الكيّ لا ينسى مواجعه

ومن رأى السمّ لا يشقى كمن شربا

حبل الفجيعة ملتفّ على عنقي

من ذا يعاتب مشنوقاً إذا اضطربا

الشعر ليس حمامات نطيرها

نحو السماء ولا ناياً وريح صبا

لكنه غضب طالت أظافره

ما أجبن الشعر إن لم يركب الغضبا

 

 

قد يعجبك ايضا