الاسد في موسكو: استراتيجيا ..رسائل وحلّ سياسي / د. فايز رشيد

 

د. فايز رشيد ( الأردن ) الإثنين 26/10/2015 م …

زيارة الرئيس السوري بشار الاسد الى موسكو ولقائه مع الرئيس الروسي فلاديمير, بوتين تستأهل المخاطرة الفعلية من الرئيس السوري ومضيفيه الروس، فهي تحمل معاني عديدة في وقت واحد: إنها تعزيز للعلاقات استراتيجية  القائمة  بين البلدين منذ زمن طويل , وهي تبعث برسائل  كثيرة في اتجاهات مختلفة, وهي في النهاية تشي بانفراج سياسي في الصراع السوري الذي دخلت عليه اطراف محلية,عربية ,إقليمية ودولية. الانفراج يعني حلا سياسيا اقرب مما يتصوره الجميع. ذلك وفقا لتعبير بوتين في مكالمته الاخيرة (الخميس 22أكتوبر/تشرين أول الحالي) مع العاهل الاردني.

 قال الرئيس الروسي بعد نهاية القمة مع الرئيس السوري وأعاد تأكيده أثناء مشاركته في منتدى فالداي في سوتشي على البحر الأسود من “أن الانتصار العسكري على الإرهابيين لن يحلّ جميع القضايا، وإنما أيضا سوف يهيّئ الظروف لانطلاق العملية السياسية التي تشمل جميع مكونات الشعب السوري، لأنّه  وحده سوف  يقرّر مصيره ,بمشاركة دولية بعيداً عن التهديدات والابتزاز السياسي والعسكري”, مضيفاً .. استعداد روسيا لتنسيق خطتها للحل مع الأطراف الأخرى للقضاء على الإرهاب، مؤكدا على : أن الأهمّ, أن يجري التعامل بنوايا صادقة بين حلفاء, وليس بين أطراف متناقضة. القمة انعقدت بحضورأقطاب الحكم في روسيا , وأخطأ كثيرون عندما توهّموا أنّ الزيارة جاءت لاحتواء الهجمات التي شنّها الغرب وحلفاؤه على الدور الروسي العسكري في الحرب على الإرهاب في سورية، عبر محاولة تقديم مبادرة سياسية .تلاقي بين الخصوم في منتصف الطريق، وخصوصاً الأكثر تشدّداً بينهم، تركيا والبعض العربي ، وبخاصة في الملف الأكثر  حساسية حول دور الرئيس السوري في الحلّ , وبخاصة أن الأطراف الدولية والإقليمية والبعض عربية والمحلية ,بدأت تتكيف مع قبول هذا الدور.

وجهة نظر الرئيس بوتين تتمثل في: القضاء التام على الإرهاب وبدون ذلك فمن الصعب بدء تسوية سياسية , مشاركة من المعارضة المعتدلة في سوريا كمكون من مكونات الشعب السوري , المشاركة الدولية البناءة البعيدة عن الابتزاز والتهديد.

الزيارة اعطت دفعة من الثقة للنظام السوري ، كان بحاجة اليها، في ظل تغول الجهات التي تريد الاطاحة به. الزيارة هي رد على التشويهات ,التي تدّعي بأن الرئيس السوري يخشى مغادرة دمشق خشية ان لا يعود، لان الدائرة المحيطة به قد تنقلب عليه، ووفقا لما ذكره موقع الكرملين الرسمي , فإن الزيارة  تؤكد عدم دقة هذه التشويهات وزيفها ايضا.ربما يجادل البعض بأن الرئيس السوري لم يتلق اي دعوة من دول عربية او غربية منذ انفجار الازمة في بلاده عام 2011، وحتى لو تلقى مثل هذه الدعوات ,فإنه لم يكن ليغادر خشية اعتراض طائرته في الجو، وربما اسقاطها، في ظل الهيمنة الامريكية على مقدرات العالم، فمن هي الدولة التي يمكن ان تتحدى الادارة الامريكية، وتوفر الحماية للرئيس السوري, غير روسيا.

أراد الرئيس بوتين من الزيارة : إثبات الدعم للنظام السوري وتاكيد سيادة سوريا  وشرعية نظامها  ووحدة أراضيها .والزيارة  في نفس الوقت رسالة إلى أعداء سوريا  الكثر, الذين حصروا همهم الوحيد في ادعاء باطل ,عنوانه “الحرص على الديموقراطية في سوريا”, وتطبيقاتها في بلدانهم منها براء!. الزيارة في نفس الوقت هي تأكيد على أن روسيا ماضية في سوريا إلى نهاية الشوط, وأنها أيضا ماضية في مسيرتها لتشكيل قطب عالمي آخر,وأن الساحة الدولية لم تعد مجالا للعربدة الامريكية فيها ,ولو حتى عن طريق عملائها الممولين, والدافعين لفواتير حروبها ولصلفها وتحالفها المعلن مع العدو الصهيوني. الزيارة هي رسالة ايضا لتركيا ولاردوغان تحديدا , بان لا مجال لاحلام الإمبراطورية العثمانية في هذا العصر, ولا للتخطيط لإعادة إنتاج مرحلة السلاطين العثمانيين. الزيارة هي رسالة للبعض العربي بان لا يجمح بعيدا.. لا في خيالاته ولا في اشتراطاته , وان هذا البعض في النهاية ما هو إلا مُتلقّي ومأمور باتخاذ كل الحطوات التي يفرضها ويطلبها السادة.

 

زيارة  كانت “تاريخية” بكل المعاني .وليس من الضروري التاكيد على أن مرحلة ما قبل الزيارة ,هي غير مرحلة ما بعدها. وقد لا يكون من المبالغة القول : أن معركة جديدة قد اندلعت الان، بعد ان اذاعت موسكو خبر القمة التي جمعت  بوتين والأسد، ونشرت بالصوت والصورة ما تم تبادله من احاديث مخصصة لوسائل الاعلام قبل الدخول الى الغرف المغلقة، مما يعني أيضاً أن ردود الفعل التي ظهرت مباشرة بعد الزيارة ,تاكيد على أهميتها، كما ان عاصفة التحليلات والتوقعات ستستمر وبخاصة من قبل اولئك الذين “حسموا” امورهم، ووعدوا السوريين والعرب والعالم , بأن “الأسد” قد بات من الماضي، فيما “الساحات” المشتعلة وانتصارات الجيش السوري , لم تقل كلمتها بعد، وهي وحدها التي ستُقرِّر الاتجاهات وتكشف عن الحجوم والاوزان، وتضع الجميع – وخصوصاً شعوب المنطقة – أمام حقائق جديدة، اراد البعض الطمس عليها منذ اذار 2011 , لكنه لم ولن يحصد سوى الفشل والخيبة.

بالنسبة لسوريا, فإن  روسيا ( منذ الحقبة السوفياتية) رأت فيها بعد جغرافيا وامنيا لمناطقها ومناطق حلفائها في الجمهوريات الإسلامية , بالتالي ما يجري في سوريا يؤثر بشكل مباشر على الوضع الروسي بكل تفاصيله. منذ بداية الصراع وقفت روسيا إلى جانب سوريا انطلاقا من استراتيجيتها في المنطقة. سوريا تدرك هذه الاستراتيجية منذ بدايات نشوئها ولذلك تقدمت بطلب للانضمام للاتحاد الأوراسي.في أعوام سابقة تم توقيع العديد من الاتفاقيات  بين  البلدين.

 يبقى القول : أنه ومع عوامل الصراع الجديدة في سوريا والمنطقة عموما والآخر الخفي على الساحة الدولية .. يجري تطوير للعلاقة الاستراتيجية القائمة أصلا بين البلدين… أما شكل المساندة الروسية اسوريا فلا تحددها فقط أوضاع سوريا! وإنما أوضاع المنطقة والساحة الدولية عموما! نتنياهو حاول استغلال الوضع السوري ليبرز دور كيانه كلاعب إقليمي في المنطقة!.. لكنه عاد من زيارته ومقابلته لبوتين بخفي حنين!.زيارة الأسد لموسكو تشكل بداية منعطف في مجمل الصراع السوري ,وربما تفتح الآفاق لمنعطفات اخرى في الصراعات الدائرة في المنطقة.

 

 

 

قد يعجبك ايضا