لماذا اهتزّت لحى أصحاب اللحى؟ / نبيه البرجي

 

نبيه البرجي ( لبنان ) الإثنين 19/10/2015 م …

بحثا عن القيصر داخل القيصر. فلاديمير بوتين استطاع ان يخدع بوريس يلتسين الذي كان يتدحرج كما برميل الفودكا في اروقة الكرملين. اوحى له بأنه مجرد «ارنب صغير» وان حدوده حدود الظل لا حدود بطرس الاكبر ولا حدود ايفان الرهيب…

لا بل انه خدع وكالة الاستخبارات المركزية التي كانت تريد رئيسا للاتحاد الروسي على شاكلة تمثال الثلج او على شاكلة تمثال الشمع. الاهم من كل هذا انه خدع بارونات اليهود الذين راحوا يبتاعون المؤسسات والمصانع بأدنى الاسعار، وكادوا يبيعون الصواريخ العابرة للقارات في سوق الخضار. من يتجرأ على زج ميخائيل خودوركوفسكي في السجن. آنذاك احتج الحاخامات في الكونغرس. كان تعليق ساخر من يفغيني بريماكوف، وهو من اصل يهودي، «لعلهم يظنون اننا وضعنا يهوه وراء القضبان».

الآن يقول ديفيد ماكوفسكي، الباحث في معهد واشنطن لشؤون الشرق الادنى، وبالفظاظة اياها «دعوا جثته تتناثر في ارجاء الشرق الاوسط».

القليلون يعلمون، وحتى مسؤولو الـ«سي.آي.اي» لا يعلمون، ان بوتين كان ولا يزال شغفا بسنفونية آرام خشادوريان (وقد زار لبنان ذات يوم) «سبارتاكوس» التي تفاعل معها الى حد بعيد، وكان يتساءل عن ذلك الاله الاميركي الذي يتعامل مع الكرة الارضية على انها سوق للعبيد.

هل جاء فلاديمير بوتين الى المنطقة لانقاذ نظام حليف او انظمة حليفة ام جاء يتقمص شخصية سارتاكوس لوضع حد للعبودية.من يستطيع ان ينفي ان المواطن العربي، وسواء كان على تخوم الف ليلة وليلة، ام كان على تخوم رغيف الخبز، ام حتى على تخوم صناديق القمامة، ليس عبدا لهذا البلاط او ذاك، لهذا النظام او ذاك؟

القيصر بيننا. اهتزت لحى اصحاب اللحى ، والعديد العديد منهم مسؤولون عن دخول ثقافة تورا بورا، وهي ثقافة العدم بل وثقافة ما قبل العدم، لظهور القيصر. تحدثوا عن الغزو الارثوذكسي. وتحدثوا عن الحملة الصليبية التاسعة. هذه المرة بالصولجان الارثوذكسي. غريب انهم لم يهتزوا يوما امام الكاوبوي الذي حولنا الى هياكل عظيمة على قارعة القرن.

ندرك انها لعبة الامم. نحاول ان نستعيد ما كتبه مايلز كوبلاند، صاحب هذا المصطلح، عن حجارة الشطرنج، ونعلم ان القيصر هو لاعب ايضا،وان له مصالحه في المياه الدافئة، ولكن ليقل لنا احدهم ما اذا كان الروس قد كرسوا في منطقتنا انظمة ما قبل التاريخ (قلنا ما قبل الزمن)، وانهم اخترعوا الصراعات لتبديد ثرواتنا، وانهم منعونا حتى من تصنيع عيدان الثقاب، وانهم هم من جعلوا الاسلام دينا للذئاب، وانهم هم من يؤمنون القاذفات، والهراوات، لكي يحطم البرابرة عظام الفلسطينيين، ومنازل الفلسطينيين، وارواح الفلسطينيين.

كل ذلك الصراخ احتجاجا على الكرملين. لا صيحة (سوى مواء القطط) احتجاجا على البيت الابيض، دون ان نكون، في اي حال، ضد الجانب المضيء من الحضارة الاميركية وحيث بنيامين فرنكلين، وجون شتاينبك، وارنست هنفواي وناعوم تشومسكي وجين فوندا اذا شئتم…

نقرأ في الابحاث والتعليقات الروسية، ونعلم انهم يعلمون اي طراز من المقاتلين، واكثرهم معبأون ايديولوجيا حتى الثمالة وماليا حتى الثمالة. هؤلاء باتوا متمرسين في الميدان، ولعبة الدم جمعت بين الآتي من القوقاز، وفيه روح الجبال، والآتي من الضواحي الاوروبية، وفيه هاجس الثأر وتدمير كل شيء حتى تدمير الذات.

ذاك الكوكتيل الهائل من كل انواع البشرالذي تمت برمجته ودفعه الى الارض السورية ليقاتل نظاما لم يتحمل ذات يوم حتى صرخة المثقفين من اجل تنقية الدولة ممن انقضوا عليها بعد ذلك، ودون ان تبقى الغاية تقويض النظام (هل تدرون ذلك ايها الاشقاء العرب) بل تقويض الدولة في سوريا، بل تقويض سوريا في سوريا…

هنا ليست القاذفات الاميركية التي تتعامل بالقفازات مع البرابرة. السوخوي لم تحط على الارض السورية الا بعدما استكملت الاحداثيات حول كل شيء، الاهم ان موسكو ابلغت من يعنيهم الامر ان قرار المشاركة في ملاحقة تنظيم الدولة الاسلامية و«جيش الفتح» هو قرار استراتيجي ويتعلق بالامن الروسي تماما مثلما يتعلق بالامن السوري..

المقاتلون محترفون، وانتحاريون، والسعوديون والاتراك قرروا مدهم بالاسلحة والاعتدة والخبراء لقطع رأس النظام (اي نظام؟)، كما لو ان خمس سنوات من طوفان الدم وطوفان الخراب لا تكفي. لماذا هذا الاصرار على بقاء الدوامة؟

هذا ليس وقت النصائح، ولسنا المرجع الصالح لاسداء النصيحة، ولكن أليست الاولوية المطلقة، ويفترض ان تكون المطلقة، لاجتثاث تلك الظواهر الهيستيرية التي تهدد كل الدول العربية، كل المجتمعات العربية، وبعد ذلك لا بد من الطاولة المستديرة التي تضع خارطة طريق لسوريا الجديدة. من يصدق ان تركيا لا تريد حلب واللاذقية بل ودمشق، ومن يصدق ان تتعدى غنائم العرب… الحطام.

الغارات الروسية في كل الارجاء السورية ليس فقط، لكي تبلغ من يهمهم الامر ان سوريا موحدة، وستبقى موحدة، بل لاعادة رسم خارطة الميدان. تشتيت البرابرة، والمرتزقة، سيكولوجيا وميدانيا بحيث تنقطع خطوط التواصل وخطوط الامداد التي كانت العامل الاهم في الاستقطاب وفي التمدد وفي استمرار القتال…

يقول خبير روسي «لن ندعهم يغمض لهم جفن». القاذفات الاميركية كانت تبعث لهم بالتمنيات بنوم هادىء (مع زجاجات الكوكا كولا وعلب السكائر). واضح ان المقاتلين فوجئوا بالتكتيك الروسي. الاقمار الصناعية تلاحقهم حتى في الانفاق. لا نقول ان اليوم الاخر قريب، لكنه آت لا محالة

 

قد يعجبك ايضا