هزيمة حزيران 1967:مفاعيلٌ لم تنته / موسى عباس




موسى عباس ( لبنان ) الإثنين 10/6/2019 م …
نتيجة بحث الصور عن موسى عباس الأستاذ موسى عباس
اثنان وخمسون سنة مرّت على الهزيمة العربية المدوّية التي لحقت بالأمّة العربية عام1967 على أيدي الكيان الصهيوني الغاصب لأرض فلسطين وحتى تاريخه لم تنته مفاعيل تلك الهزيمة ، بل على العكس من ذلك ، وعندما حاول بعض العرب استعادت كرامتهم المسفوحة على أيدي شذّاذ آفاقٍ لعنهم التاريخ على مرّ الزمن وعلى لسان الأنبياء والرسل عندما حاولوا ذلك  في العام 1973 هُزموا من جديد، وأضحت الهزيمة الجديدة أشد فتكاً بالأمّة من سابقاتها.
كلامٌ  من المؤكد أنّه لن يُعجب الكثيرين وقد يلقى ردوداً مستنكرة من دُعاة النصر والإنتصارات الزائفة حينها،
لكنني أعتقد أن النصر كان معنويّا أكثر منه واقعياً، معنويّاً بمعنى أن ما حدث لا سيّما في بداية تلك الحرب أثبت أن هزيمة الصهاينة ليست مستحيلة كما تمّ الترويج لذلك من قبل العرب أنفسهم حينها.
 وأنّ أيّ مُتتبعٍ بمهنية صادقة للأحداث التي وقعت منذ ذلك التاريخ(حرب5-10حزيران1967)وحتى اليوم يعلم في قرارة نفسه أنّ ما أقوله صحيحٌ، ولنقرأ معاً برويّةٍ ولو باختصار شديد تسلسل الأحداث التي تتالت :
1-على صعيد القضية الفلسطينية:
 أُخرجت منظمة التحرير الفلسطينية وفصائل المقاومة من لبنان في 30 تموز 1982  وانتهى بذلك تواجدهم في لبنان والذي كان ابتدأ منذ العام 1968, وفي 13 أيلول 1993 وقّعت منظمة التحرير الفلسطينية والكيان الصهيوني الإتفاقية التي سُمّيت “اتفاقية أوسلو” نسبةً إلى أوسلو عاصمة”النروج”المكان التي جرت فيه المباحثات بين الطرفين وأنهت تلك الإتفاقية العمل الفدائي ضد الكيان الصهيوني واعترفت منظمة التحرير الفلسطينية بدولة الكيان الصهيوني رسمياً بمقابل  إقامة سلطة فلسطينية على جزء من أراضي الضفة الغربية التي احتلها الصهاينة عام 1967، ومنذ ذلك التاريخ ترفض دولة الصهاينة الإنسحاب من الضفة والسماح للفلسطينيين بإقامة دولتهم.
– في الأردن: الحرب الطاحنة بين الجيش الأردني وقوات المقاومة الفلسطينية في أيلول 1970 وما حدث فيها من مجازر  والتي كان من نتيجتها إنهاء وجود الفدائيين الفلسطينيين في الأردن  وإنتقال غالبيتهم الى لبنان.وفي 26 تشرين الأوّل 1994 عقد الأردن مع الكيان الصهاينة اتفاقية سلام في “وادي عربة” وأصبح ثالث طرف عربي يوقّع اتفاقية سلام مع الصهاينة بعد مصر ومنظمة التحرير الفلسطينية.
2- في لبنان : وقوع صدامات متنقلة بين الفدائيين والجيش اللبناني انتهت بتوقيع اتفاقية القاهرة 1970والتي سمح من خلالها لبنان للفدائيين بالقيام بعمليات عسكرية ضد الكيان الصهيوني  انطلاقاً من أراضي الجنوب اللبناني دون تخطيط أو تنسيق مع السلطات اللبنانية التي لم يكن لديها القدرة على الصمود في وجه الهجمات الصهيونية التي تكررت على قرى ومدن الجنوب اللبناني وتتالت الإجتياحات الصهيونية وصولاً الى احتلال القسم الأكبر من لبنان وصولاً إلى العاصمة بيروت في اجتياح السادس من حزيران 1982 والذي انتهى بعد مقاومة لبنانية مريرة استمرت حتى الرابع والعشرين من أيّار 1982 حيث اندحر  جيش الصهاينة مهزوماً ولأوّل مرّة منذ تأسيس الكيان الغاصب ودون أي اتفاقية.
4- على الجبهة المصرية:
– قبل أن تنتهي الحرب على الجبهة المصرية وبعد تقدّم الجيش المصري حوالي خمسة عشر كيلومتراً داخل سيناء بعد الإنجاز العظيم في اختراق تحصينات خط “بارليف” ، إخترق المجرم “أرئيل شارون” خط الجبهة ببضعة آليّاتٍ عسكرية وعشرات الجنود وأحدث ما عُرِف حينها “بثغرة  الدفرسوار” التي  وبدلاً من أن يُقضى عليها في مهدها وكان بالإمكان ذلك حسب العديد من كبار الضباط المصريين حينها وعلى رأسهم ” الفريق الشاذلي”رئيس أركان الجيش المصري في ذلك الوقت ،كما كان بالإمكان تطوير الهجوم لإكمال تحرير “شبه جزيرة سيناء”بالكامل وهذا ما كان يتوق إليه ضباط وجنود الجيش ،على العكس سُمِح لتلك الثغرة أن تتوسّع ليصبح عدد الآليات الصهيونية بالمئات وعدد الجنود بالآلاف ، وقطعوا الطريق من السويس الى القاهرة وحوصر الجيش المصري الثالث ،  وبعدها بدأت جولات وزير الخارجية الأمريكي الصهيوني  “هنري كيسينجر ” وتوقفت الحرب على الجبهة المصرية وتُرك الجيشان السوري والعراقي ومن ساندهما من بعض العرب يقاتلون وحدهم على الجبهة السورية في مواجهة الجيش الصهيوني ، وبدأت المقايضة في خيمة الكيلو 101باشراف الأمريكيين ،وبدلاً من التفاوض من موقع القوّة جرى التفاوض من موقع الضعف.وحلّت الكارثة الثانية بقيام الرئيس المصري “أنور السادات” بزيارته المشؤومة الى الكيان الصهيوني وتلاها توقيعه لإتفاقية العار في “كامب ديڤيد”التي أنهت حالة الحرب مع الكيان الصهيوني وتخلّى بموجبها عن القضية الفلسطينية، وارتفع العلم الصهيوني في القاهرة والذي كان حُلُماً صهيونياً ،ومِمّا زاد في الأمر سوءاً التنسيق الإستخباراتي بين الكيان الصهيوني الغاصب وأجهزة الاستخبارات  المصريّة التي كانت تشكّل بحد ذاتها أرقاً وقلقاً للصهاينة على مدى عقدين من الزمن ، وتكثّف ذلك التنسيق في العهود اللاحقة وصولاً إلى ملاحقة كل من يُشك بأمره أنه يعمل ضد المصالح الصهيونية ، وأصبحت الإستخبارات العسكرية المصرية وسيطاً غير محايدٍ بين المقاومة الفلسطينية في غزّة والكيان الصهيوني .
وإلى يومنا هذا لازالت تدفع الأُمّة العربية والقضية الفلسطينية ثمن خروج أكبر وأهم بلد عربي من ساحة الصراع العربي الصهيوني.
2- على الجبهة السورية:
    بعد التوغُل الكبير للجيش العربي السوري داخل جبهة الجولان والوصول إلى مشارف بحيرة طبرية وإستعادة مرصد جبل الشيخ وتكبيد الجيش الصهيوني خسائر فادحة ، إلا أن الجيش الصهيوني أحدث خرقاً كبيراً على الجبهة وتوغّل في المنطقة المُسمّاة “جيب سعسع”وبدأ يسعى للتوغل أكثر مهدّداً العاصمة دمشق، لكن صمود القوات السورية ومساندة الجيش العراقي الذي دخل الحرب مباشرة بعد وصوله الى الجبهة أجبره على التوقف ، وبدأت القوات السورية والقوات العربية المساندة  الإعداد لهجوم معاكس لاسترجاع نقطة “سعسع “ولمتابعة الهجوم لتحرير هضبة الجولان لكن ما حدث على الجبهة المصرية كان مفاجئاً للجبهة السورية حيث وافقت مصر على وقف القتال ومن دون تنسيق مع القيادة السوريّة مما أدى إلى وقف تنفيذ الهجوم المضاد لا سيّما وأن الجيش الصهيوني نقل قسماً هاماً من قواته البرّية والجوّية من الجبهة المصرية إلى الجبهة السورية ،وتحوّل القتال إلى حرب إستنزاف استمرّت إلى حين توقيع إتفاقية فصل القوات في آخر شهر أيّار 1974.
 و في العام 1976 دخلت القوات السورية إلى لبنان لإيقاف الحرب الأهلية التي كانت قد اندلعت في 13 نيسان 1975 بين قوى اليسار اللبناني تساندهم التنظيمات الفلسطينية من جهة وقوى اليمين اللبناني يساندهم الكيان الصهيوني وحدثت صدامات عدّة بين من هم من المفترض أن يكونوا حلفاءً ضد عدُوٍ واحد، وعندما حدث الاجتياح الصهيوني لبيروت في حزيران 1982 أُجبرت القوات السورية على الإنسحاب بعد مشاركة فعلية في القتال ضدالصهاينة لا سيّما في بيروت والبقاع.
ومن ثمّة عادت تلك القوات لتتورّط في الوحول اللبنانية من جديد في شباط 1987 وخرجت بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005.
وهكذا كان الجهد الذي كان يجب أن يُبذل من قِبَلْ العرب للإعداد للمعركة الفاصلة مع الصهاينة يضيع في زواريب الصراعات الجانبية.
هذا نزرٌ قليل من أحداثٍ وقعت نتيجةً لهزيمة حزيران 1967 التي لم يسعَ بعدها أيٌّ من القيادات العربية التي تولّت المسؤولية لتدارك نتائجها بل على العكس إنْصَبّ جهدهم على تثبيت أنظمتهم بجميع الأساليب والتمسُك بالسلطة ولا سيّما بعد فقدان الثقة بينهم بعدما جرى خلال حرب تشرين الأوّل 1973 من تخلي القيادة المصرية عن حليفتها سوريا وتركها وحدها في مواجهة الكيان الصهيوني الذي ساندته الولايات المتحدة الأمريكية وغالبية الدول الأوروبية بكل ثقلهم السياسي والعسكري.
 إن التاريخ لن يرحم أحداً ولن يبّرر لا للأنظمة ولا للشعوب تخاذلها إذا ما قُيِّضَ لمن يؤرّخ أن يكتب بتجرُّدٍ ونزاهة ودون مجاملةٍ ومواربة.

قد يعجبك ايضا