أضاليل صهيونية قديمة ـ جديدة / د.فايز رشيد

 

د.فايز رشيد ( الأردن ) الخميس 16/7/2015 م …

يقولون «إن القدس هي العاصمة الموحدة والأبدية لإسرائيل»، فقد كانت عاصمة دولتهم قبل 3 آلاف سنة. هذا على الرغم من أن كافة علماء التاريخ ينفون هذا الامر، رغم نفي كل علماء الآثار (بمن في ذلك الإسرائيليون) وجود أثر واحد يدلل على وجودهم سابقا فيها.

يسمون الضفة الغربية «يهودا والسامرة»! لا ننكر أن يهودا عربا عاشوا في أرضنا، لكن «اليهود الحاليين»، كما يقول المؤلف والكاتب الذائع الصيت آرثر كوستلر (وهي يهودي الديانة) في كتابه الشهير تحت عنوان «امبراطورية الخزر وميراثها، القبيلة الثالثة عشر»، (..لا يمتون لأولئك اليهود بصلة).

من قبل، اخترعوا تعبير «الشعب اليهودي» كأسطورة تضليلية، اخترعوا تعبير «أرض إسرائيل» للدلالة على أن فلسطين هي «الوطن التاريخي للشعب اليهودي». هذا ما يكشفه المؤرخ الإسرائيلي شلومو ساند في كتابيه الصادرين عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية «مدار» في رام الله، وعن منشورات المكتبة الأهلية في عمان. كتاب «اختراع أرض إسرائيل» هو الكتاب الثاني لساند، أما كتابه الأول فكان بعنوان «اختراع الشعب اليهودي». الكتابان جزءان من سلسلة ثلاثية، فالكتاب الثالث صدر حديثا بالعبرية بعنوان «كيف لم أعد يهودياً»، وحتى اللحظة لم تصدر ترجمته إلى العربية. ترجم الكتابين الأول والثاني للعربية الكاتبان أنطوان شلحت وأسعد الزعبي، والأول كتب مقدمته ونُشر ملخص لكل كتاب.

يرى ساند في كتابه «اختراع أرض إسرائيل»، أن الهدف من الأساطير التضليلية الإسرائيلية هو الترويج ومحاولة الإقناع بأن هذا الوطن فلسطين يعود إلى «الشعب اليهودي»، وإليه فقط، لا لأولئك القلائل (الفلسطينيين) الذين جاؤوا إليه بالصدفة، لذا فهم «غرباء لا قومية ولا تاريخ لهم»، مثلما تروج الحركة الصهيونية وإسرائيل. لذا فإن الحروب التي خاضها «الشعب اليهودي» في سبيل استرداد هذا الوطن تعتبر حروبا عادلة بالمطلق. أما المقاومة التي أبداها السكان المحليون فهي مقاومة «إجرامية وإرهابية»! في هذا الكتاب يقوّض شلومو ساند الأساطير المتعلقة بتأكيد صلة «الشعب اليهودي» بفلسطين التي تم اختراع اسم لها هو «أرض إسرائيل»، يفككك الكاتب هذه الصلة ويبين أن الحركة الصهيونية هي التي سطت على هذا المصطلح «أرض إسرائيل» وعملت على تحويله، من مفهوم ديني وحولته إلى مصطلح جيو- سياسي، وبموجبه في العرف الصهيوني أصبحت فلسطين هي «أرض إسرائيل التاريخية». بالتالي فهي «الوطن الموعود للشعب اليهودي» حيثما يوجد في كل أنحاء العالم. الكتاب الأول بعنوان «اختراع الشعب اليهودي» صدر في إسرائيل عام 2008 وترجم إلى العربية وصدر عن الناشر نفسه. الكتاب هو غوص في التاريخ لإثبات قضية أساسية وهي «ألا وجود للشعب اليهودي»، إذ يتساءل المؤلف «في ما لو أن اليهود في العالم كانوا حقاً (شعبا) فما هو الشيء المشترك في مكونات الثقافة الإثنوغرافية ليهودي في كييف ويهودي في المغرب، غير الاعتقاد الديني وبعض الممارسات الدينية».

لقد تناول المؤرخ الفرنسي روجيه غارودي (المغضوب عليه من قبل الحركة الصهيونية وإسرائيل وغالبية الدول الأوروبية الحليفة لها) هذا الموضوع في كتابه القيّم «الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية»ونتيجة لهذا الكتاب لوحق غارودي وأقيمت عليه دعاوى في المحاكم الفرنسية وبعض الأوروبية واتهم «بالعداء للسامية»، وجرى فصله من عمله. قيمة كتابي ساند أنهما أتيا من كاتب يهودي. ويتطرق المؤلف إلى تفنيد هذه المصطلحات التضليلية بشكل عميق، فهو يبين حقائق اختراع هذه المفاهيم.

لقد عملت الحركة الصهيونية على تحويل المفهوم الديني لليهود وللصهيونية الإثنية إلى مفهوم قومي، وبالتالي لجأت إلى إيجاد المبررات لاستعمار فلسطين وطرد أهلها. نعم «القومية اليهودية»، كما يبين شلومو ساند، جرى اختلاقها منذ بداية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. كان الهدف من وراء هذا الاختلاق هو ربط فلسطين بالتاريخ اليهودي القديم، وأصبحت وطناً لأبناء هذه القومية. أما الفلسطينيون فمعدومو التاريخ والقومية، فقد تشكلوا في فلسطين وجاءوا إليها كممثلين في لحظات عابرة من التاريخ، في اعتداء واضح على حقوق «الشعب اليهودي» صاحب»القومية اليهودية»!

لهذا السبب، وكما جاء في كتابه الأول، فإنه جرى إعادة كتابة التاريخ اليهودي من قبل كتّاب أكفاء لملموا شظايا الذاكرة اليهودية- الميسانية ورسموا تاريخها مستعينين بخيالهم»المجنّح» كي يختلفوا بواسطتها شجرة أنساب متسلسلة لــ»الشعب اليهودي»، لذا فإن جهد ساند في هذا الكتاب الجديد منصب على تفكيك هذه الأساطير التضليلية عن وجود صلة تاريخية «للشعب اليهودي» بأرض فلسطين، التي جرت تسميتها قسرا «بأرض اسرائيل»، التي اعتمدت عليه الحركة الصهيونية، واستخدمته كأداة توجيه ورافعة للتخيل الجغرافي للاستيطان الصهيوني منذ أن بدأ قبل أكثر من قرن زمني. يبين ساند أن اتباع الحركة البيوريتانية – وهي الحركة «التطهيرية»التي انبقثت عن البروتيستانتية في بريطانيا خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر، اتباع هذه الحركة هم أول من قرأوا التناخ «العهد القديم» باعتباره كتاباً تاريخياً. هؤلاء بطبيعتهم كانوا من المتعطشين جداً إلى الخلاص، لذلك ومن زاوية دينية بحتة، ربطوا بين خلاصهم ونهضة «شعب إسرائيل»في أرضه. هذه الرابطة لم تكن ناتجة عن حرصٍ زائد على اليهود (الذين أذاقتهم أوروبا الويلات في ذلك الزمن) وإنما اعتقاداً منهم بأن الخلاص المسيحي لن يتم إلا بعد عودة اليهود إلى صهيون. لذا فهم ساعدوا بكل ما أوتوا من قوة، اليهود للعودة إلى وطنهم، وقد أطلق عليهم مصطلح «الصهاينة الجدد». هؤلاء هم أتباع الحركة البيوريتانية الذين اخترعوا «أرض إسرائيل» وليس اليهود! بالتالي فإن التاريخ اليهودي بعيد كل البعد عن مصطلح «أرض إسرائيل». في كتابيه يبين ساند أن تعبير «أرض إسرائيل» لا يظهر في التناخ، لقد دقق في ذلك مراراً، كما لا يوجد في الأدبيات اليهودية القديمة، ويورد أن كلمة وطن تظهر تسع عشرة مرة في جميع أسفار التناخ، وبعضها في سفر التكوين. ويبيّن أيضاً أن هذا المصطلح يتعلق بمسقط الرأس أو المكان الذي يدل على أصل عائلة، لا بإقليم جيو- سياسي مثلما كانت الحال لدى اليونان أو الرومان. ليس هذا فحسب بل أيضاً لم يخرج أبطال التناخ بتاتاً للدفاع عن وطنهم، كي يخطو بالحرية أو بدوافع وطنية سياسية.

في سياق الأضاليل القديمة – الجديدة نفسه، عُقد مؤتمر في إسرائيل، تحت شعار «العدالة للاجئين اليهود من الدول العربية». معروف أن هذه القضية تتفاعل في الأوساط الإسرائيلية منذ سنوات عديدة، إلا أن حكومة نتنياهو في منتصف عام 2009 بدأت في طرحها رسمياً. لقد أورد نتنياهو هذه القضية وركزّ عليها في كتابه «مكان تحت الشمس»، لذا فإن طرح هذه القضية من قبل حكومته الحالية لم تكن مفاجئة. بعد المؤتمر تبنى مجلس الأمن القومي التابع للحكومة الحالية وضع وثيقة سياسية جديدة حول هذا الأمر، توصي الحكومة القائمة والحكومات المقبلة بطرح قضية «اللاجئين اليهود» على المستويين الداخلي والخارجي، داخلياً بإثارة هذه القضية بشكل دائم، وقد تم إعطاء الأوامر للسفارات الإسرائيلية في الخارج لطرحها في البلدان التي توجد فيها هذه السفارات. خارجياً بعد أسبوعين من عقد المؤتمر الأول، عقدت الجهتان اللتان نظمتا المؤتمر ندوة أخرى عالمية في نيويورك على هامش أعمال الدورة السابقة للجمعية العامة للأمم المتحدة، بهدف لفت نظر الرأي العام العالمي لهذه القضية.

الوثيقة الرسمية الإسرائيلية تعتبر أن اليهود في البلدان العربية هجرّوا قسراً من بلدانهم، ولم يسمح لهم بأخذ ممتلكاتهم أو بيعها، وتقدّر عددهم بـ856 ألفاً منهم 600 ألف هاجروا إلى فلسطين، والباقون انتشروا في أمريكا وكندا وأوروبا. من وجهة نظر مجلس الأمن القومي الإسرائيلي: فإن اللاجئين اليهود امتلكوا آنذاك 700 مليون دولار تقدّر حالياً بــ6 مليارات دولار. المجلس يعتبر أن عدد اللاجئين الفلسطينيين هو 600 – 700 ألف، أملاكهم قدرت آنذاك بــ450 مليون دولار، أي ما يوازي الآن 4 مليارات دولار. لذلك فإن التعويض على الطرفين، يجب أن يتم وفقاً لنسبة 3:2 لصالح اليهود من قبل صندوق دولي للتعويض يجري إنشاؤه.

كل ذلك على قاعدة رفض إسرائيل المطلق لعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى مدنهم وقراهم. أيضاً على قاعدة قانون يتوجب أن تتبناه الأمم المتحدة، بعد أن سنّه الكونغرس الأمريكي ويطلب من الأونروا تقديم تقرير سنوي عن الأحياء من اللاجئين الفلسطينيين من الذين هاجروا طوعاً من فلسطين في عام 1948 (فالوثيقة لا تعترف مطلقاً بأنه جرى تهجير قسري لهم)، من دون الأبناء والأحفاد لأولئك، فهؤلاء من وجهة نظر إسرائيل والكونغرس لا تنطبق عليهم شروط اللاجئين. الكونغرس ربط تقديم المساعدة الأمريكية للأونروا بإعداد التقرير.

 

قد يعجبك ايضا