” حافة الاردن الكبرى”… وتجار السياسة / عبدالحفيظ سليمان أبو قاعود

    عبدالحفيظ سليمان أبو قاعود* ( الأردن ) الأحد 9/12/2018 م … 

   *  صحافي ومحلل سياسي / رئيس تحرير ” الأردن العربي ” …




” حافة الاردن الكبرى ” اكبر واعقد من تغيير حكومات تصريف اعمال وضعيفة واصبحت اصغر، وحل مجالس برلمانية واجراء انتخابات على قوانين مؤقتة مستوردة المنشأ، ومعالجة الفقر والبطالة ،وعجز موازنة وخدمة مديونية عالية ، والعجز في ميزان المدفوعات ،وفق وصفات اذرع منظمة التجارة العالمية ،وتصاعد العبء الضريبي عى المكلفين منذ العام 1993فحسب ، بل يتعدى الامر الى تحويل الارادنة الى اقلية ” هنود حمر” لها حقوق في اطار مبدأ حق الاكثرية المعمول به في الديمقراطيات الغربية.

لفهم مايجري في البلاد من احداث في نهاية المئؤية الاولى ومالاتها  على مستقبلها السياسي ؛ يوجب العودة إلى بدايات التكوين وتأسيس إمارة شرق الاردن في العام 1923، حينما امرت مدام ” بيل” البريطانية المستشارة في وزارة المستعمرات البريطانية ، ان تكون حدود الامارة على شكل “دلة ” لوظيفة اقليمية توجت بالمعاهدة  الاردنية البريطانية 1928، والسكان القاطنين فيها من التابعية العثمانية ،ومن ينضم اليهم لاحقا ؛ اردنيين بالتجنس بذات الحقوق والواجبات.

وما دور تجار السياسة من اركان الحاكم في تقويض  النسق سواء من الليبراليين الجدد والحرس القديم في انهاء خدمات قاعدتة الاجتماعية ،واستبدالها بخدمات المنظومة الامنية السياسية بالقيام بالمهمة ، وتعاظم الدور السياسي لها بغياب “المايسترو” السياسي الاستراتيجي في ادارة الحكم.مما يسعف المهتم والباحث بالوصول الى المآلات النهائية لنسق استولد من رحم سايكس بيكو وملحقاته .

فالتكوين للنسق السياسي لامارة شرق الاردن ؛ جاء في اطار لقاء بين اول زعيم صهيوني واول زعيم عربي في منطقة “الحويرة “بوادي عربة  في العام 1919، وتوج باتفاق وقع في باريس ،بين رئيس الحركة الصهيونية حاييم وايزمن والملك فيصل الاول ,حيث كانت الولادة عسيرة وغير الطبيعية لنسق سياسي في اجزاء من اراض كانت مشمولة ب”وعد بلفور” في العام 1917، الذي اوجب تعديل سايكس بيكو لتقاسم النفوذ البريطاني الفرنسي على تركة السلطنة العثمانية . لان فلسطين في الاتفاق ذاته كانت دولية ، وكانت الموصل ضمن النفوذ الفرنسي .

اتفاق وايزمن – فيصل الاول 1919؛ عام الاستدارة الكبرى الاولى ،و”وعد بلفور” 1917 ، اوجبا تعديل اتفاق سايكس بيكو في مؤتمر فرساي 1920، لتثبيت مناطق النفوذ البريطاني الفرنسي في تركة الامبراطورية العثمانية ، لتولى كل منهما ترسيم حدود الكيانات السياسية الواقعة ضمن نفوذهما ، ليكون النفوذ البريطاني من مصر الى الصين ، فالنفوذ الفرنسي من سورية الى افريقيا البيضاء والسوداء.

فالبدايات ؛ كانت وظيفية في اطار النظام الدولي ومازالت لخدمة المشروع الصهيوني في فلسطين المحتلة في الاساس، ومحكومة باطار اتفاق وايزمن – فيصل الاول ، والمعاهدة الاردنية البريطانية 1928، والتحالف مع الولايات المتحدة غير المعلن 1958، والتحالف معها من خارج الناتو منذ العام 1996لاحقا.

فالعهد “العبدلي الاول” توج بالوحدة مع الضفة الغربية والشروع بالاتحاد مع مملكة العراق ،لتوسيع رقعة الحكم وتوطيده، وايفاد كوكبة من الارادنة الى الجامعات العربية والاجنبية ، فكان الانجاز كبيرا فيه ، من خلال عطاء رجالات دولة . اضافة الى دستور الوحدة في عهد الملك طلال ،في حين توج العهد الحسيني الاول بحياة سياسية حزبية فاعلة لكنها غير رشيدة لاسباب داخلية واخرى خارجية ادت وأدها ، والانتقال الى تحالف مع الولايات المتحدة الامريكية ، والذي استبدل بتحالف من خارج الناتو منذ العام 1996،ومفاوضات سرية مع اسرائيل منذ العام 1963، بعد انهاء العمل بالمعاهدة الاردنية البريطانية، ،وانشاء الاصول الانتاجية ،ودور العلم ،لكنه اتسم بالصراع مع “المنظمة” ، وفقدان ” الضفة الغربية ” ، وذلك بالاحتلال الاسرائيلي الغاشم عام 1967، وتوقيع معاهدة وادي عربة 1994،والتنازل عنها في قرار فك الارتباط الاداري والقانوني  1988 ، وتعاظم النفوذ الاسرائيلي في البلاد ؛افقيا وعموديا في ظل الدمقرطة، وتعاظم دور المنظومة الامنية السياسية في ادارة البلاد في افساد الحياة السياسية ، حيث توالت حالات” الاردن على الحافة” .

وتوج العهد “العبدلي الثاني” بتداخل الامارة بالتجارة ،وادماج الاقتصاد المحلي بالاقتصاد العالمي ليكون باشراف وتحكم اذرع منظمة التجارة الدولية ،وبيع الاصول ، وارتفاع العبء الضريبي على الرعية عال وغير مسبوق ، ليبقى نسقا ريعيا وغير منتج ، متعتمدا على ذاته في تامين ايرادات المالية العامة وعلى المساعدات الخارجية والمديونية في تغطية العجز في الموازنة العامة ،وتعاظم المديونية العامة الى سقف الناتج المحلي الاجمالي ،وانهيار سوق راس المال والبورصة ،مما ادى الى تلاشي الطبقة الوسطى ، والاخلال بالتوازن لاقتصادي بين مكونات النسيج الاجتماعي ،و فقدان اوراق تفاوضية كثيرة كانت تعزز دوره كلاعب محوري في المنطقة، وافقار الرعية لتصبح البلاد على” الحافة الكبرى ” ذات المنشأ الداخلي، التي لا علاج لها ، ليدخل غرفة الانعاش لانقاذه من الموت السريري، لكن العهد لم يخل  من انجازات في مجال البنية التحتية والفوقية التي تميزه عن العهود السابقة.

الشروع بتطوير ” نسق ريعي” إلى دولة منتجة ومدنية وفق مبدإ التناوب السلمي على السلطة في مرحلة ” الحافة الكبرى” ؛ امر في غاية الاهمية، ولكنه ليس مستحيلا ، لكنه تحتاج الى رجال دولة عظام من القادة العمالقة ذو فكر استراتيجي لانقاذ البلاد وتجنبها  أزمات محتملة مقبلة ، حتى  يتعافى  من أثار وتداعيات “الحافة الكبرى” ، التي تخلقها فئة ” البرنس السياسي” والعوائل الحاكمة الموازية في ادارة البلاد في اطار الوظيفة الاقليمية له. فالإبقاء على صيغة النسق الريعي بوظيفة إقليمية ، هي ؛ المأزق الحاد المتجدد  للارادنة والنسق معا باعتبارها حالة “الحافة المتجددة ” لرسم مستقبل الاردن السياسي الجديد.

تحول النسق الى دولة مدنية ديمقراطية منتجة ، يوجب عقد اجتماعي جديد بين مكونات النسيج الاجتماعي ؛ هو المدخل للخروج من المأزق “الحافة الجديدة “،الذي يواجه النسق والرعية معا ، حيث يجرى الاتفاق عليه في  مؤتمر شعبي  وطني عام ، لان التعديلات المتوالية على دستور 1952، وقرار مؤتمر الرباط 1974وتعليمات فك الارتباط الاداري والقانوني مع الضفة الغربية المحتلة1988 ؛اخلت بالمرتكزات الاساس  للعقد الاجتماعي لدولة مدنية ديمقراطية منتجة تتناوب مكونات السياسية والاجتماعية السلطة سليما. لذا اصبح لا زاما اجراء استفتاء شعبي عام حول مشروعية معاهدة “الوادي ” ومدى تعارضها مع المادة الاولى من الدستور الاردني النافذ حاليا، والغاء مخرجات ” الدمقرطة ” منذ العام 1989 ،وحتى الان ، للخروج من هذا المأزق ألذي يواجه مستقبل الاردن السياسي .وان الاكتفاء بإسقاط حكومة اوحل مجلس نواب او سحب مشروع قانون واسترداد اموال عامة منهوبة ، وقصاص اللصوص ومحاربة الفساد ليست حلولا  ناجعة للمأزق الذي تشهده البلاد.

ان البحث عن مخرج مقبول لمعالجة المأزق الحرج الذي يواجه النسق بعد انكشاف مشاريع أمريكية – إسرائيلية لتصفية قضية فلسطين على حساب مستقبل الاردن السياسي ؛ يوجب تفعيل دور” العشائر السياسي ” ، وإعادة الاعتبار للمعارضة الوطنية ، وإنهاء حقبة “البزنس السياسي والعوائل الحاكمة الموازية”، وتمتين الجبهة الداخلية من الاختراق الخارجي ، ومواجهة النفوذ الإسرائيلي والغاء اتفاقية وادي عربة/ 2،والغاء التحالف  مع الولايات المتحدة من خارج الناتو ، وصون هيبة الدولة، ومعالجة الوهن في الاداء العام.لكن حالة عدم الرضى العام السائدة في البلاد عن الاداء الحكومي والبرلماني ؛ اصبحت ظاهرة  سلبية وغير مرغوب فيها في الحياة العامة ،لا تحتاج الى بيان أو دليل  من قبل  العامة والنخب ،حيث نتيجة الاختراق الخارجي للجبهة الداخلية لمصلحة النفوذ الاسرائيلي.

دوائر القرار والمؤسسات الموازية ، بعد مرور 30 عاما من العودة الى التحول نحو “الدمقرطة” ، و25عاما على توقيع  معاهدة الوادي ” وحقبة البزنس والاقطاع السياسي ” ؛ تنكر على الرعية حقها في الاحتجاج السلمي للمطالبة بالاصلاح العام عبر المؤتمر الشعبي العام .حيث نجمت هذه الظاهرة الخطيرة وتنامت في البلاد عن طريق أخطاء قاتلة في تقدير الموقف العام تجاه  مستقبل تسوية  الكامب ، وانعكاساتها السلبية والايجابية على تحقيق مطالب الجماهير الحياتية في العدل والامان والعيش الكريم، حتى يكون لها مكانا تحت الشمس. لان الطرف المقابل عقلية توراتية تلموديه متحجرة ومتصلبة ، لا تؤمن بآراء الغير، ضانة بهذه السياسة غير المنطقية ، انها تخدم شعبها ، لكن الحقيقة المنهجية تؤكد بانها مضرة بها وتؤذيها وجلبت لليهود المصائب عبر العصور والادلة على ذلك ، منها الاحداث الكبرى التي  شهدها اليهود عبر العصور من  السبي والتدمير والحرق.

المعالجة السلبية لحالة عدم الرضى العام السائدة عن الأداء الحكومي والبرلماني ألقت بظلالها على المشهد السياسي في البلاد ، وعلى العلاقات الأفقية والعمودية بين مكونات النسيج الاجتماعي في  البلاد، حتى باتت الأوضاع العامة متردية وغير قابلة للإصلاح ، وتنذر بأوضاع كارثية، وأصابت هيبة الدولة في مقتل . وبالإضافة عدم إيجاد حلول ناجعة لمشاكل الفقر والبطالة والفساد السياسي والمالي ، وتغيير المسار السياسي العام ” الوظيفة  الاقليمية ” والمنهاج الاقتصادي المستورد وفق منهاج الليبرالية الجديدة ، وأثار التضخم وإدارة الأنفاق العام والتوزيع غير العادل للثروة الوطنية والثراء غير المشروع والفساد والافساد المالي والاداري والسياسي، واستئثار  ائتلاف “العوائل الحاكمة الموازية” وفئة “البزنس والاقطاع السياسي” في مقدرات البلاد والعباد ، وتحكمه في مصير ومستقبل النسق لخدمة مصالحة وأرباب الاجندة الخارجية، أصابت النسق بالتحجر والعقم وانسداد الافق والابتعاد عن ” ثقافة فن الحياة ” حقيقة مرة تجرعتها الرعية بعد مرور وما يقارب ثلاثة عقود  من الزمان /1989-2019 / ،عندما اكتشفت الحقيقة المرة بان ثمار المعاهدة أصبحت سرابا ، وحملا ثقيلا على كاهلها ، ووزرا تتحمله فئة “البزنس والاقطاع السياسي” ، ومقدمة لمؤامرة دولية لتصفية قضية فلسطين على حساب مستقبل الاردن السياسي.

لقد لمس الشخص العادي والنخبوي الدور السلبي للانتخابات العامة خلال الثلاثين عاما الماضية ، كمدخل  في تفتيت النسيج الاجتماعي في البلاد، وتحجيم القوى الوطنية في العمل السياسي الى دور معارضة ديكوريه ، بدلا من توظيفه في تقوية الموقف العام في تحقيق مكتسبات جديدة في اللعبة الدولية والاقليمية ، لكن النسق لجأ الى استغلال توظيف  الدور السياسي التقليدي  للعشائر والاقليات الطائفية والعرقية والاثنية ” القظًع والمقاطيع والمهمشين من ابناء الرعيان و الفلاحين و اللاجئين في إذكاء صراعات  دائمة مع قوى سياسية فاعلة على النفوذ والحصول المكاسب ،وعلى حصة في ” مجالس النسق السيادية ” التي اصبحت هياكل سياسية بدون مضامين  والوظائف العامة التي مهمتها استيلاد الفئة الحاكمة ، بهدف إبقاء “الاحرار” على الهامش في المعادلة السياسية الداخلية والخارجية .

كيف السبيل للخروج من هذا المأزق الحاد، ألذي يواجه البلاد ،التي  أصبحت على ” الحافة الكبرى” في نهايات المئوية الاولى من عمر النسق؟!!، وماهو دور تجار السياسة في نشوء”الحافة ” الكبرى والاخطر التي تتعرض لها على مستقبل البلاد السياسي؟!!!.

مسئؤولية” الفئة الحاكمة “من “تجار السياسة ” من الحرس القديم والليبرايين الجدد في الابقاء على الوظيفة الاقليمية للبلاد في النظام الدولي القائم لادامة المشروع الصهيوني في فلسطين المحتلة ؛ كاملة وتقاسم ادوار ووظائف مقابل وزرنة ونفوذ اجتماعي وسعة مالية وتوريث سياسي بالانضمام الى عوائل موازية حاكمة ، فالجميع يحجم عن الغور في توازنات النسق الداخلية والخارجية.للبحث صلة          

 

قد يعجبك ايضا