لِمَ وكيف ارتكب إخوانيو الأردن الحماقات وما تأثيراتها على موقعهم ومستقبلهم السياسي؟

 

محمد شريف الجيوسي

** نظرة في علاقة الجماعة الإخوانية في الأردن بالنظام السياسي والقوى القومية واليسارية وشقيقاتها الإخوانيات ومكتب الإرشاد العالمي… وانشقاقاتها

تفاقمت الخلافات داخل جماعة «الإخوان المسلمين» في الأردن صعوداً على مدى عقدين من الزمن، وليس كما قد يبدو للبعض في العام او العامين الأخيرين… وقد بدأت الاختلافات تظهر للعلن بعد فوزهم في انتخابات 1989 النيابية بـ 22 نائباً، من بين 80 نائباً هم مجموع عدد أعضاء مجلس النواب وقتذاك، فقد كانوا القوة السياسية الوحيدة المنظمة والمعلنة التي تفوز بهذا العدد في سابقة اعتبرت مفاجئة، وحيث كان الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة بعد الانتخابات مُضر بدران على صلات طيبة معهم، فقد شاركوا في حكومته بـ5 وزراء، كما فازوا برئاسة مجلس النواب لـ3 دورات متتاليات من خلال د. عبد اللطيف عربيات.

لقد تبدّت الخلافات من خلال فصل أو انشقاق العديد من قيادات الجماعة على خلفيات عديدة من بينها ترشح بعض قيادات الجماعة إلى الانتخابات النيابية على النقيض من إرادتها سواء أنهم من خارج مرشحيها الرسميين أو بالمشاركة في الانتخابات على الرغم من مقاطعتها رسمياً، أو لانحياز قيادات للنظام الرسمي. ولم يحدث في وقت مبكر من الاختلافات ان كان الانشقاق او الفصل على خلفية عقدية أو سياسية… لكن هذا الأمر تبدّل لاحقاً.

انعكاسات الحرب العراقية ـ الإيرانية

لم يُبد النظام السياسي وقتذاك تخوّفاً من صعود الإخوان، فالعلاقة بينهما تاريخية واستراتيجية في مواجهة التيارات القومية واليسارية والناصرية، وفي آن كان النظام السياسي راغباً في التهدئة السياسية داخل البلاد بالتزامن مع زلزال الخليج ودخول العراق إلى الكويت، ليس كراهية بالكويت التي كان يعمل فيها نحو 250 الفاً من اليد العاملة الأردنية ويعيش فيها نحو مليون أردني ما شكل رافعة اقتصادية مهمة للأردن، ولكن انحيازاً للعراق الذي شكل مصدراً مهما هو الآخر للاقتصاد الأردني خلال حرب الـ 8 سنوات العراقية الإيرانية وما بعدها حيث كان الدخول للكويت يحظى بقبول شعبي واسع، فكان المزاج الشعبي الأردني الوحدوي مع العراق الأمر الذي أضرّ بعلاقات الأردن الرسمي بالخليج، ما اضطر معظم العمالة الأردنية في الكويت وبعضها في الخليج إلى العودة الجماعية الأمر الذي أحدث إرباكاً اجتماعياً واقتصادياً في الأردن.

وبعد الحرب الثلاثينية على العراق، وحصاره ولاحقاً تحديد منطقتي حظر للطيران على شماله وجنوبه، حرصت حكومة طاهر المصري على تعديل الكفة، فأصدرت الكتاب الأبيض متضمّناً تفسير الموقف الأردني وتبريره، لكن ذلك لم يغيّر من موقف الكويت، الذي بقي على قطيعة كاملة مع الأردن، وإلى حدّ معيّن دول الخليج.

لقد بقي موقف الجماعة التي استشعرت قوتها بعد فوزها في الانتخابات إلى جانب العراق سواء في دخوله للكويت أو في حربه مع إيران، متلمسة بذلك موقف الشارع الأردني، فقدّمت موقف الاحتفاظ برصيدها الشعبي على علاقاتها التاريخية بالنظام السياسي التي هي جزء مهمّ منه، ما اقتضى ابتداءً التمايز عن الموقف اللاحق للنظام السياسي من العراق، حيث بدأ النظام بإعادة النظر باتجاه ترميم علاقاته الخلايجية، رغم أنّ العراق قدّم للأردن منحة نفطية كاملة، ثم أجرى تعديلاً طفيفاً على المنحة، خدمت تسويق المنتجات والصناعات الأردنية فيه.

وبالتزامن مع عقد معاهدة «وادي عربة» المذلة مع الكيان الصهيوني، والتي خلّفت حالة من الإحباط وعدم الرضى شعبياً، بخاصة من القوى القومية واليسارية الأردنية، كانت الجماعة الإخوانية امام خيارين صعبين، إما ترك الساحة للقوى القومية واليسارية، وبالتالي استعادة هذه القوى لرصيدها الشعبي التاريخي في الخمسينات ومعظم الستينات وتعويض ما خسرته بنتيجة انهيار المنظومة الإشتراكية وتفكك جبهة الصمود والتصدي وانخراط العراق في الحروب وتداعياتها المدمّرة، وإسقاط نتائج حرب تشرين الإيجابية بعقد معاهدة «كامب ديفيد»… وإما المغامرة باستمرار حبلها السري مع النظام السياسي.

«تنسيقية» الأحزاب المعارضة

ومن الواضح أنّ الجماعة اختارت الخيار الأول المعارضة والتحالف مع ذات القوى القومية واليسارية التي تخشاها، فكان تأسيس لجنة التنسيق العليا لأحزاب المعارضة الوطنية الأردنية سنة 1994 والتي ضمّت نحو 15 حزباً، كان حزب جبهة العمل الإسلامي الجناح السياسي لجماعة الإخوان الأردنية الحزب الوحيد غير القومي أو اليساري بينها، لكنه كان الحزب الأقوى.

لم يتضرّر النظام السياسي الأردني، كثيراً من قيام «تنسيقية» الأحزاب، فقد كان بعض أحزابها هامشياً، لا تأثير له في الشارع الأردني، بل إنّ ولادات قسرية لبعض الأحزاب القومية واليسارية، أضعفت الأحزاب الحقيقية منها، وجزّأ قدرتها على الفعل والتأثير، فيما كانت قيادات تاريخية إخوانية في العمل الإسلامي، عملياً عنصر ضبط لأيّ شطط محتمل في موقف التنسيقية، ما شكل خدمة عملية للنظام السياسي الأردني، حيث أنّ الجماعة رغم وجودها في تنسيقية أحزاب المعارضة لكنها لم تقطع خطوطها تماماً مع النظام، وبالتالي فقد كانت تحصد نتائج إيجابية على جهتي التنسيقية والنظام في آنٍ معاً… على حساب الأحزاب القومية واليسارية، التي بدت كأنها تنضوي تحت جناح حزب جبهة العمل الإسلامي ـ الإخواني.

لكن استقطاب الجماعة الإخوانية عناصر شابة بعد صدور قانون الأحزاب الجديد، أوصل قيادات جديدة معارضة خارج سياق تاريخ الجماعة، إلى مواقع متقدّمة فيها، وقيل إنّ تنظيماً سرياً للجماعة داخل الجماعة، وانّ علاقات تحتية تنظيمية تربطها بحركة حماس، وانّ مصادر تمويل وصرف خفية غير محددة… فضلاً عن علاقات التبعية المعلنة الواضحة لمكتب الإرشاد العالمي، الذي يعتبر المركز القيادي الأممي للجماعة على الصعيد العالمي.

كلّ ما سبق، إلى جانب الإلحاح الشعبوي للتمايز، وضرورات تصدّر تنسيقية الأحزاب وضبط إيقاعها في آن، أفرز ابتعداداً متدرّجاً للجماعة عن التبعية المطلقة للنظام السياسي الذي نشأت وترعرعت في كنفه على مدى عقود، وتشكلت وفق معادلات مصالحه وتحالفاته الداخلية والخارجية، على خلاف القوى السياسية القومية واليسارية، التي كانت تعمل تحت الأرض وفي ظلّ ظروف معقدة، ولم تكن هذه القوى لتواجه أجهزة القمع منفردة وإنما قمع الإخوانيين أيضاً باستعداء النظام عليهم، في مجتمع أقرب إلى المحافظة والمفاهيم العشائرية والعائلية، لكن هذه القوى بعد تحقق شكل معيّن من الانفتاح وصدور قانون الأحزاب والمطبوعات وقوانين أخرى مطلع التسعينات، توقفت عن العمل السرّي وصوبت أوضاعها وفق القانون، واقتربت نحو الدولة.

في المقابل استشعر الإخوان قوتهم بنتيجة انتخابات سنة 1989، فاعتبروا انّ الحفاظ على هذه المزايا يقتضي التمايز عن مواقف الحكومات المتعاقبة، بخاصة أنها تقف في مواجهة قوى سياسية تاريخية، كان من الممكن لهذه القوى أن تتقدّم الصفوف لولا انحسار المنظومة الاشتراكية وما اعترى الدول القومية العربية من تفكك، وحصار العراق، وفرض عقوبات على سورية وليبيا الخ… فبدأت الجماعة بمخالفة الحكومة على استحياء أولاً، ولكي تخرج الجماعة من حرج المناكفات مع الحكومة شكلت حزباً سياسياً باسم حزب جبهة العمل الإسلامي شاركت فيه شخصيات إسلامية من خارج الجماعة على قدر محدود… بل وانتمى إلى الحزب مسيحي أو ربما أكثر، ما استشعر النظام السياسي أنّ للجماعة طموحات تتجاوز التحالف التاريخي والتبعية المطلقة له، بينما هو الذي مكّنها من احتلال موقع متقدّم في منابر معظم المساجد، وتأسيس المركز الإسلامي الذي كان يقود استثمارات تابعة للجماعة، خيرية العديد من الجمعيات وصناديق الزكاة والمستوصفات والرعاية الاجتماعية وتربوية العديد من دور الحضانة والمدارس وكليات المجتمع وتعليمية جامعة الزرقاء الأهلية قبل بيعها وبنكية البنك الإسلامي وطبية المستشفى الإسلامي وفروعه ، واستثمارية من عقارات وأبنية الخ… كلّ ذلك تحقق تحت بصر ورعاية وتشجيع الحكومات على مدى عقود.

طموح الجماعة فاق توقعات النظام

لكن طموح الجماعة فاق توقعات النظام السياسي الأردني، في أن تكون الجماعة سيفه الشعبي المسلط في وجه القوى القومية واليسارية، التي طالما شاغبت عليه في خمسينات وستينات القرن الماضي، مع صعود الحركة القومية واشتداد ساعد المنظومة الاشتراكية وحركة التحرّر العالمية والعاملية… فاشتقت الدولة قانون الصوت الواحد الذي لا يتيح لأيّ قوة سياسية قومية أو يسارية أو إسلاموية أو حتى وسطية أو عشائرية الحصول على عدد من المقاعد تستطيع من خلاله هذه القوة او تلك، تشكيل قوة ضاغطة على النظام السياسي.

ولم تكتف الحكومات المتعاقبة بتشريع قانون الصوت الواحد، وإنما لجأت أيضاً بحسب مراقبين، إلى تشجيع إحداث انشقاقات داخل جماعة الإخوان وغيرها، وتفعيل جماعات سلفية غير جهادية وصوفية غير معنية كثيراً بالسياسة ودهاليزها.

وعلى صعيد القوى الأخرى ورغم نص القانون على جواز الانتماء للأحزاب السياسية، كان المنتمون لها يواجَهون بتعقيدات عند التعيين في مؤسسات الدولة وفي الشركات الاستراتيجية الكبرى فكان الانتماء إلى الأحزاب بطيئاً جدا، جراء معطيات موضوعية دولية أيضاً، أشرت إليها في المقدمة فيما كانت الريح مواتية للإسلام السياسي بعد الإطاحة بالمنظومة الإشتراكية وقبلها قيام الثورة الإيرانية الإسلامية وعودة الأفغان العرب، وتصدّرهم تنسيقية الأحزاب، الأمر الذي أبقى «الإخوان المسلمين» الأردنيين في المقدمة، مع ما توفره مؤسساتهم سابقة الذكر من رصيد بشري وقدرة على الحركة وكسب الشارع، وما وفرته لهم الدولة من حضور على المنابر.

ولذلك فإنّ النظام االسياسي والمجتمع الموالي للنظام غير التابع للجماعة أدركا أنّ «الخطر» عليهما لا يتمثل بالقوى التاريخية الأخرى، وإنما في الإخوان حصراً، الأكثر عدداً وتنظيما وثراءً وأدوات… فكان أن تتابعت الانشقاقات ابتداءً بحزب دعاء، فـ»الوسط الاسلامي»، فـ»الشورى» وإنْ لم يأخذ هذا شكلاً انشقاقياً… فجماعة زمزم والتي كانت الأكثر إيلاماً من التجارب السابقة فقد قادها أعتى قيادات الجماعة خصومة لـ صقورها د. إرحيل الغرايبة الذي زار الولايات المتحدة الأميركية قبل سنوات وعاد منها حاملاً شعار الملكية الدستورية، رغم أنّ له ملاحظات كبيرة علنية على صقور الجماعة وبخاصة منهم زكي بني ارشيد، المتهم بأنّ له علاقات تحتية وثيقة بحركة حماس وبإدارة تنظيم سرّي للجماعة، والذي يحاكم الآن أمام محكمة أمن الدولة الأردنية بتهمة تعكير صفو العلاقات مع دولة خليجية.

وبالتدريج تحوّلت زمزم من جماعة تسعى إلى إصلاح الجماعة من داخلها إلى حركة مناهضة للجماعة بقياداتها الراهنة ومناكفاتها للنظام السياسي.

لقد شعرت الجماعة بالزهوّ جراء ما تحقق على أيدي أخواتها في تونس ومصر والمراهنات على تقدّم أختها في سورية مقدمة للأخيرة دعماً مباشراً سياسياً وإعلامياً ومالياً وعناصر بشرية ففكت تحالفاتها مع القوى السياسية المعارضة في نطاق تنسيقية أحزاب المعارضة الوطنية الأردنية، والتي كانت أيّ التنسيقية على مدى نحو عقدين من الزمن، بمثابة استثمار سياسي ناجح لإخوانيّي الأردن، بدت فيه الجماعة كقوة سياسية غير متعصّبة قابلة للحوار مع القوى اللدودة التقيضة لها على مدى عقود.

استعراضات قوة لـ«ميليشيا» محتملة

ولم تعمّر جبهة الإصلاح هي الأخرى، كقوة حقيقية، ضمّت تنسيقية الأحزاب والنقابات المهنية وشخصيات وطنية، بقيادة أحمد عبيدات رئيس الوزراء الأسبق، طويلاً، فقد أخذت جماعة الإخوان فيها بالتمايز عن معظم الأحزاب، على صعيد موقفها من «الإخوان المسلمين» في سورية ومصر وتونس، مقدّمة موقفها منهم على موقفها من حلفائها في الداخل، فضلاً عن أنّ الجماعة استشعرت قوتها ونفذت استعراضات للقوة كـ»ميليشيا» محتملة، جاهزة للتجاوز على مؤسسات الدولة والمجتمع الأردني الحليف منه وغير الحليف.

ونظمت الجماعة استفزازات متصلة منتظمة عند السفارة العربية السورية بعمّان، محاولة اختراقها، كلّ ذلك جعل الشارع الأردني يستشعر خطر هذه الجماعة على الأمن والسلم الأهلي والاستقرار في الأردن، وهو يرى موبقات أخواتها في بلدان أخرى وازدهاء إخوانيي الأردن بها على انها انتصارات، وعندما وجد الشارع الأردني نفسه بين خيارين صعبين: الإخوان أو النظام السياسي على كلّ المآخذ التي يأخذها عليه، اختار الانحياز إلى النظام مع الاستقرار والسلم الأهلي والأمن على الفوضى والتبعية والتخريب والدم والقتل.

استشعار خطر الجماعة

قلنا إنّ النظام السياسي الأردني بدا يستشعر خطر الجماعة عليه، منذ أن فازت بـ 22 مقعداً نيابياً في انتخابات 1989، لكنه بقي متصالحاً معها وبقيت متصالحة معه، بدليل مشاركتها في حكومة مُضر بدران، ورغم انها لم تصوّت برفض اتفاقية «وادي عربية» حيث انسحبت كتلتها عند التصويت عليها، ما سمح للنظام السياسي، تمرير الاتفاقية بأقلّ قدر ممكن من الاعتراضات، فالجماعة في حينه لم تكن راغبة في قطع خطوطها كلية مع النظام، لكنها في المقابل كانت تنشط إعلامياً طارحة مواقف شعبوية للحفاظ على شعبيتها فكان كما أسبقنا قانون الصوت الواحد وما استتبع.

وعندما رفضت الجماعة المشاركة في انتخابات 1997 النيابية، وتابعت التنسيق مع قوى المعارضة القومية واليسارية، بدا للدولة لاحقاً انه لا بدّ من قصقصة أكبر لخيوط الجماعة، فوضعت يدها في العقد الأول من الألفية الثالثة على المركز الإسلامي الذي يعتبر عصبها الاقتصادي والاجتماعي والتربوي والاستثماري، وبالتالي السياسي، وعيّنت له لجنة إشراف برئاسة قيادي إخواني سبق أن شغل مواقع نيابية ووزارية ومن عشيرة مهمة.

لكن القصقصة الأهمّ كانت بعد استشعار الجماعة لقوتها واستعراضاتها المليشياوية، والتقاء الشارع مع الدولة في النقمة عليها والقلق من مطامعها السياسية، وبعد حظرها في السعودية والإمارات ومصر واعتبارها جماعة إرهابية، وفشل تجاربها في تونس ومصر وسورية وممارساتها الإرهابية المقززة على اختلافها، فبدأت الحكومة بـ التضييق الناعم المدروس، دون أن تصل إلى حظرها كما حدث في الدول المشار إليها، ففي حمائم الجماعة مَن لم يكن راضياً على صلاتها بالخارج مكتب الإرشاد العالمي وحركة حماس وعلاقاتها المالية الغامضة وعدم خضوعها للمراقبة المالية والإدارية، ولا مع اختلافها مع السلطة السياسية، ومراهناتها على تحوّلات الخارج الخ… فأعلنت مجموعة من قياداتها الحمائمية عن عزمها تصويب وضعها القانوي بالتقدم بطلب الترخيص، معتبرة أنها جماعة غير مرخصة، على خلاف القيادة الصقورية التي تعتبر أنّ وضعها القانوني صحيح وليس هناك ثمة حاجة للتقدّم بطلب ترخيص جديد، ومصرّة على إقامة احتفال جماهيري بمناسبة ترخيصها الـ70.

لقد غضّ النظام السياسي الطرف كثيراً عن الجماعة منذ أن أطاح بحكومة سليمان النابلسي الوطنية سنة 1957، بل وساعدت الجماعة النظام في اجتثاث تلك القوى من الشارع الأردني، ومعاداة الناصرية، ما يعني صعوبة الانقلاب على الجماعة كلياً، لذلك تعامل معها بتجزئتها وإعادة صياغتها بمساعدة قيادات بارزة في الجماعة، تجد أنّ مصلحتها ليست في الانقلاب على عقود من تاريخها بل بإعادة تكريسها والتحالف مع النظام السياسي، بخاصة بعد فشل الممارسات الثوروية في غير بلد عربي، بل وانقلاب هذه الممارسات عليها وتشويه رصيدها في الشارع.

لقد نادت الجماعة الإخوانية الجديدة المرخصة أصولاً بحسب القانون الأردني الجمهور الإسلامي بلسان الناطق الإعلامي باسمها د. جميل الدهيسات، بعدم المشاركة في مهرجان الجماعة غير المرخصة فيما قالت الجماعة غير المرخصة إنها تقدّمت بطلب ترخيص أصولي لإقامة المهرجان في موعده.

وأعرب د. دهيسات عن اعتراضه الاستخدام السياسي للمهرجان في مواجهة القيادات الحالية الساعية الى المحافظة على حالة الاستقرار والوئام الوطني، رافضاً عملية التحشيد التي تقوم بها القيادة المنحلة بصورة غير مسبوقة من تحشيد لـ عائلات وأسر ونساء وأطفال، محذراً من استخدام الفعالية كغطاء للعبث بأمن الوطن واستقراره في ضوء ما يعانيه الإقليم من أحداث وفتن وحروب وإرهاب وتطرف، معرباً عن خشيته من عبث أصحاب الأجندات قد توقع الجماعة في مشاكل هي في غنى عنها.

واعتبر عبد المجيد الذنيبات، المراقب العام الإخواني الأسبق في الأردن، والمراقب العام لجمعية «الإخوان المسلمين» المرخصة، أنّ الجماعة الأخرى تعمل خارج إطار القانون، ولا يوجد رقيب على أنشطتها الداخلية، وقال إنّ ما دفعه للتقدّم بطلب الترخيص، أنّ قيادة الجماعة غير المرخصة، رفضت ذلك رفضاً قاطعاً، ورأتْ أنّ خطوة التصويب القانوني تطيح بمكتسباتهم الشخصية، ولذلك عمدتْ فصل من يخالفها الرأي عبر حملة إعلامية مضللة، وإطلاق حملة تشويه وخداع لأعضاء الجماعة ولجمهورها ومؤيديها.

التنظيم السريّ

فيما لفت قيادي آخر إلى أنّ «التنظيم السري» داخل الجماعة يقوم بالاغتيال المعنوي للمعارضين… مضيفاً أنّ عملها وأنشطتها المالية والسياسية ليست تحت بصر القانون ورقابته، ما دفعه إلى تصويب وضعها، عبر إنشاء جمعية قانونية تحمل ذات الاسم.

من جهته كشف القيادي خليل عسكر، الذي كان عضواً سابقاً في التنظيم السري داخل الإخوان، أنّ قيادات هذا التنظيم كانت تعمل على إقصاء قيادات يعتقد أنها «لن تحقق أهدافهم».

وأوضح أنّ التنظيم السري يعمل دون علم غالبية قيادات الجماعة، حيث كان يمثل 40 في المئة من القيادات وله ميزانية وإطار منفصل. وأنه غادر التنظيم لأنه اكتشف اتّباعه لسياسة اغتيال معنوية وسياسية للشخصيات داخل الجماعة.

من جهته قال القيادي د. جميل دهيسات إنّ التنظيم السري، هو الذي تحكّم في الانتخابات الداخلية الأخيرة، التي أتت بـ زكي بني أرشيد نائباً للمراقب العام للجماعة.

واعتبر د. الدهيسات انّ القيادة الحالية لجمعية جماعة «الإخوان المسلمين» المرخصة هي موقتة، وانه ستكون بعد أشهر قليلة انتخابات يتمّ من خلالها انتخاب قيادة جديدة للجماعة يقبل بها كلّ الصف الإخواني بعد ان يتمّ ترتيب الأمور.

ووصف القيادة الأخرى بأنها غير شرعية وتتمثل بعدد محدود ومعزول من قيادات التأزيم السابقة تهدف الى إرسال رسائل لمن يهمه الأمر انهم هم الأقدر والأقوى على التحشيد غير القانوني، مؤكدا انّ إصرار القيادة السابقة للجماعة غير المرخصة على إقامة الاحتفالية خطوة استباقية واستعراضية واستفزازية».

ولفت الى انّ الجماعة كانت تعاني سابقاً من أنّ أموالها وأنشطتها غير معلومة وهو ما يثير الخوف والرعب داخل الدولة والمجتمع ولم يكن عليها حسيب أو رقيب بينما اليوم تخضع لقانون ونظام يحدّد آلية عملها ما يجعلها فاعلة على الساحة الأردنية وستعود للقيام بدورها الوطني المأمول.

وفضح عضو مجلس الشورى في جماعة الإخوان وزير الإعلام السابق، الإعلامي سميح المعايطة، أنه ليس صحيحاً أنّ الأردن صنع نموذجاً خاصاً في ادارة ملف «الإخوان المسلمين» وأنّ ما كشفته التجربة يختلف عن الوجه الناعم والسلمي الذي كان قبل دخول الجماعة في تحالفات مع دول وممارستها الاستقواء على دولهم الوطنية.

وقال: إنّ النهج الأردني في إدارة ملف الإخوان كان وفق معادلة جانبها الهامّ إخواني، انّ خط الجماعة كان واضحاً، وكان الحبل السري بين الإخوان والدولة نشيطاً، وكانت قيادة الجماعة تفكر باعتبارها حالة أردنية تقدّر للدولة نهجها ولا تعتبره ضعفاً.

تحوّلات داخلية دائمة

لكن الجماعة ومنذ 20 عاماً تعيش تحوّلات داخلية تعاملت معها الدولة الأردنية، دون انفعال.. وكانت مساحة العقلاء وغير المغامرين معقولة … لكن «الربيع العربي» كشف عورات عقلانية الجماعة وجعلها تتحرّك بنهج لم تكن تتحدّث عنه سابقاً، وأصبح طبيعياً ان يكون فعل الدولة بذات الاتجاه لأن السعيد من اتعظ بغيره، وساهم الحراك الداخلي في بعثرة صورة الجماعة، وكان ظهور زمزم ثم ظهور الجماعة المرخصة وهذا الأمر محصلة أمراض الجماعة المتراكمة، ومن الطبيعي ان يكون كلّ خصوم الجماعة فرحين بضعفها وحروبها الداخلية، وحتى ما تقوله القيادة السابقة للجماعة من انّ الجماعة الجديدة تحظى برضى الدولة فهو دليل إدانة للجماعة التي انْ كانت صفوفها الأولى مخترقة وتعمل لمصلحة الدولة فهذا يعني أنها جماعة لا تستحق تلك الصورة العظيمة.

واعتبر المعايطة انّ النهج الأردني يختلف عن النهج المصري تجاه الجماعة، فالأردن ضدّ فكرة الاجتثاث السياسي وغيره، والمطلوب ان يكون نهج الجماعة وطنياً أردنياً دون تبعية للخارج، ودون استقواء على الدولة بتحالف خارجي، وان تعود الجماعة إلى مسارها الإصلاحي الحقيقي.

ورأى المعايطة انّ ترخيص الدولة الأردنية للجماعة الإخوانية الجديدة، تعبير عن حرص الدولة على الابتعاد عن نهج الاجتثاث السياسي او غيره، بشرط ان يكون النهج سليماً أردنياً إصلاحياً ووفق القانون، ولو كانت الجماعة القديمة تتقن مراجعة ما يجري لوقفت طويلاً مع نفسها، لفهمت أنّ الدولة الأردنية تريد من الحضور والمشاركة لكن دون ان يكون ايّ حزب او تنظيم يعمل بنهج خاطئ.

من جهتها نفت القيادة الإخوانية السابقة غير المرخصة بلسان الناطق باسمها، ما جرى تداوله من انه تمّ نقل ملكية أيّ عقارات أو أموال منقولة أو غير منقولة من ملكية جماعة «الإخوان المسلمين» إلى أيّ جهة أخرى.

واعتبر الناطق انّ الأخبار التي تصدرها المجموعة الجديدة تأتي في سياق المشاغلة الإعلامية لجماعة «الإخوان المسلمين» لثنيهم عن السير قدماً في مشروعهم الوطني وانتصاراً لقضايا الأمة العربية والإسلامية، وهو ما سيثبت فشله كما فشلت كلّ التجارب الشبيهة بهذه التجربة الانقلابية على شرعية الجماعة سابقاً.

وتقدّم الناطق الرسمي بحزمة وثائق قال إنها تثبت بأنّ لجماعة «الإخوان المسلمين» مركزها القانوني المحفوظ والمعلوم لدى الجهات الرسمية المعنية، وهو الأمر الذي أتاح لها طيلة عقود مضت التعامل القانوني والرسمي في ما يخصّ ممتلكاتها وعملها.

يذكر بحسب مصادر أنّ الجماعة أنشئت في الأردن عام 1945، بمبادرة من الحاج عبد اللطيف أبو قورة، الذي اتصل بالمرشد العام في مصر حسن البنا، كما ساهمت ممثلة بشخص قائدها الحاج عبد اللطيف أبو قورة،، في إنشاء الكلية العلمية الإسلامية في عمان، والمشاركة كذلك في رابطة العالم الإسلامي.

وفي عام 1953 اختير محمد عبد الرحمن خليفة مراقباً عاماً للجماعة، حيث تمّ إنشاء نظام أساسي، وإنشاء هيئة عامة في كلّ شعبة تنتخب هيئة إدارية، كما تمّ انضمام إخوان فلسطين إلى الجماعة في الأردن، وأنشئت مدرسة البرّ لأبناء الشهداء في مخيم عقبة جبر. وأصدر الإخوان في هذه الفترة مجلة «الكفاح الإسلامي»، التي كان يرأس تحريرها يوسف العظم وزير التربية والتعليم في حكومة مُضر بدران الأخيرة .

وفي عام 1954 أصدرت الجماعة بياناً حدّدت فيه سياستها من «أنّ الأردن جزء لا يتجزأ من العالم الإسلامي، وأنّ الحكم بشريعة الله هو مطلب الإخوان وغايتهم في هذه الدنيا، وأنّ قضية فلسطين قضية إسلامية».

وشارك الإخوان في الانتخابات النيابية عام 1956، ونجح لهم 4 مرشحين من 6 كما شاركوا في انتخابات عام 1963، ونجح لهم اثنان وأقاموا مع مجموعة شخصيات إسلامية وعامة جمعية المركز الإسلامي الخيرية والتي افتتحت فروعاً لها في مختلف المدن الأردنية، وأنشأت المستشفى الإسلامي في عمان والعقبة وعدة مدارس ومعاهد…

وتنامى المدّ الإسلامي بالتزامن مع انحسار المدّ القومي واليساري بعد هزيمة عام 1967، وقد شاركوا في حركة فتح، وأقاموا 3 معسكرات لهم، تواجد فيها حوالي 180 إخوانياً من داخل وخارج الأردن واستشهد من مخيمهم 12 من بينهم 5 سوريين و 3 أردنيين وفلسطينيّيْن اثنين ومصري ويمني. وشهدت فترة السبعينيات مداً إسلامياً كبيراً، على التربية والدعوة، واتجهت نحو التوسع في العمل النقابي وشاركت في الانتخابات النيابية التكميلية عام 1984 إذ حصلت على مقعدين آخرين في المجلس فأصبح لها 4 نواب، وتقدّم الإخوان في قيادة العمل الطلابي في الجامعات.

وتعتبر الفترة 89 ـ 1998، الفترة الذهبية للجماعة في الأردن. وشاركت الجماعة في الانتخابات البلدية لعام 1995 وفاز مؤيدوها وأنصارها في عدد من البلديات.

وفي عام 1994 انتخب عبد المجيد ذنيبات مراقباً عاماً جديداً، وقرّرت الجماعة مقاطعة الانتخابات النيابية لعام 1997، في حين حصلت في انتخابات 2003 على 17 مقعداً في مجلس النواب، وفي الانتخابات النيابية عام 2007 حصلت الجماعة ممثلة بـ حزب جبهة العمل الإسلامي على 6 مقاعد… لكنها قاطعت انتخابات عام 2012.

خلاصات

1 ـ ظهرت جماعة إخوانيي الأردن في كنف ورعاية وتشجيع ودعم النظام السياسي الأردني حتى أواسط تسعينات القرن الـ20.

2 ـ تمكّن إخوان الأردن خلال فترة علاقاتهم المتميّزة مع النظام السياسي الأردني، الممتدّة لعقود، من بناء مؤسساتهم الخاصة الاحتماعية والخيرية والتربوية والتعليمية والمصرفية والاستثمارية والحزبية والسياسية، حتى أصبحوا أهمّ مكوّن من مكوّنات المجتمع الأردني.

3 ـ نسج إخوان الأردن اعتباراً من سنة 1994 علاقات تحالفية مع قوى سياسية متباينة معهم أحزاب قومية ويسارية دون أن تقطع بشكل حادّ علاقاتها مع النظام السياسي.

4 ـ بدأ التكوين التنظيمي للجماعة بالاختلاف التدريجي، اعتباراً من تسعينات القرن الـ20 بعد فوزهم في انتخابات 1989، ودخولهم حكومة مُضر بدران، الخ حيث بدأت عناصر شابة تحتلّ مواقع قيادية متقدّمة، وبدأ الخط السياسي للجماعة يفترق بالتدريج عن النظام السياسي.

5 ـ فرض الرصيد الانتخابي لعام 1989 ودخول عنصر الشباب ومعاهدة «وادي عربة» وعلنية العمل السياسي الحزبي، ودخول قوى قومية ويسارية العمل السياسي العلني، إعادة النظر في تكتيكات عمل الجماعة السياسي، واتخاذ المعارضة الشعبوية خطاً ثابتاً لسياساتهم.

6 ـ لم يتشكل اختلاف جوهري ايديولوجي أو عقدي، بين الإخوان والنظام السياسي، ولن يرجّح حدوثه، لكن النظام معنيّ بعدم إتاحة ظهور قوة سياسية ما مهما كانت قريبة أو بعيدة منه، لكي تفرض عليه رؤاها الخاصة، وهو ما سيكون ليس فقط على حساب النظام، بل وعلى حساب قوى محافظة أخرى هي جزء من بنية النظام التاريخية وكواليسه.

وفي آن فإنّ إخوانيي الأردن معنيون بالمحافظة على رصيدهم الشعبي، اتخاذ سياسات مختلفة، ودخول تحالفات مع خصوم الأمس الألداء.

7 ـ لم تؤثر تحالفات الإخوان المستجدة، وموقفهم المختلف مع النظام، على علاقاتهم البنيوية مع مكتب الإرشاد العالمي ومع الجماعات الإخوانية الشقيقة … بل على العكس، كانت علاقاتهم مع الإرشاد العالمي هي الأكثر عضوية وحميمية على علاقاتهم الأخرى… فقد انتصروا لإخوان سورية ودعموهم بكلّ أشكال الدعم، وضبطوا ساعاتهم على إيقاعها في مصر وليبيا وتونس وغيرها.

8 ـ أثرت ارتكابات إخوان الأردن الأخيرة وسوء تقديراتهم على مركزهم السياسي سواء تجاه المجتمع الأردني او النظام السياسي، واستدعت حدوث شرخ كبير داخله.

9 ـ انقلاب آلية الصراع الإخواني من صراع مع الآخر إلى صراع داخلي، ستكون له انعكاساته الإخوانية في الخارج، وفي إضعاف سلطة مكتب الإرشاد العالمي الذي لم يستطع لملمة الخلاف.

10 ـ قد يُحدث الاختلاف الإخواني، انعكاس إيجابي على القوى السياسية الأخرى، ليس فحسب من حيث وراثة الإخوان شعبياً في الشارع الأردني، ومن حيث الاستفادة من دروس التجربة الإخوانية التي أساءت أولاً لذاتها قبل الإساءة لغيرها.

11 ـ لا يتوقع أن تحتلّ الجماعة الإخوانية المرخصة في الأردن مكانة أبرز مما احتلته في مطلع تسعينات القرن الـ20، سواء على صعيد علاقاتها مع النظام السياسي أو الشارع الأردني أو تحالفاتها مع القوى القومية واليسارية أو مع حزاب الوسط أو مع جزئها غير المرخص فقد كان الشرخ كبيراً مع الجميع، فالجماعة المرخصة لا تقف على يسار غير المرخصة وإنْ يرجح أنها لن ترتكب حماقات قياداتها.

المراقبون العامون للجماعة في الأردن منذ تأسيسها في الأربعينات:

ـ الحاج عبد اللطيف أبو قورة 1945 – 1953 .

ـ الشيخ محمد عبد الرحمن خليفة 1953 – 1994 .

ـ د. عبد المجيد ذنيبات 1994 – 2006 .

ـ سالم الفلاحات 2006- 2008م .

ـ الدكتور همام سعيد 2008 حتى الآن وهو المراقب العام الذي شهد تفسّخ الجماعة بشكل كبير.

عن البناء اللبنانية

الأربعاء 6/5/2015 م

قد يعجبك ايضا