المشروعات العربية والسلام الدافىء / أ.عمرو سمبل

عمرو سمبل* ( مصر ) الأحد 29/10/2017 م …




* كاتب وباحث تاريخي …

اثناء وجود السادات فى الكنيست الإسرائيلى فى 19 نوفمبر عام 1979, قال بيجين رئيس وزراء إسرائيل حينها إن منطقة الشرق الأوسط سوف تتحول الى جنة لو تحقق التعاون الكامل بين العقلية اليهودية والمال العربى..وواضح ان الكلمة تظهر استعلاء صهوينى كامل واستهانة بالعقل العربى….وفى كلمته التى القاها الأمير تركى الفيصل رئيس المخابرات السعودية الأسبق امام ملتقى السياسة الإسرائيلية الذى انعقد فى أحد المعابد اليهودية فى نيويورك والذى جمعه مع افرايم هاليفى رئيس الموساد السابق ومع ميشيل فلورنى نائبة وزير الدفاع الأمريكى السابقة, قال الأمير تركى ان التعاون سيكون مبهرا بين العقلية العربية والمال اليهودى..وقد عَكس التعبير الذى قاله بيجين لما فيه من استهانة كما قلت…هو إذن نفس المعنى.

بعد انتهاء مفاوضات فض الإشتباك الأولى التى جرت عام 1974 بدأت اسرائيل تكلف مراكز الأبحاث السياسة بدراسة السياسة الإسرائيلية فى مرحلة ما بعد السلام, وبالفعل قامت مجموعة اقتصادية برئاسة افرايم دوفرات بالدراسة وجاء فيها ان مكاسب اسرائيل من السلام لا تحصى اولها عودة كل دول العالم الثالث الى علاقة دبلوماسية كاملة مع اسرائيل واشار الى ان السلام سينهى المقاطعة الإقتصادية لإسرائيل وسيتدفق  اموال العرب على اسرائيل فى صورة مشروعات اقتصادية مشتركة وشرح بعضا من مزايا السلام على الطريقة الإسرائيلية وانه لا يعنى سوى العقلية اليهودية والمال السعودى والأيدى العاملة الرخيصة المصرية.

فى تقرير هام لرئيس الكونجرس اليهودى العالمى السابق ادجار برونجمان  عام 1978 ( يرأس هذا الكونجرس الأن رونالد لاودر الذى زار مصر ثلاث مرات فى السنوات الثلاثة الأخيرة) ..يقول برونجمان فى تقريره ان الشرق الأوسط يجب ان ينضوى فى حلف عسكرى شامل بقيادة اسرائيل مشابه لحلف شمال الأطللنطى ويمكن ربط الشرق الأوسط كله بمعاهدة تحالف ضد التهديدات الخارجية ولتكن الولايات المتحدة الأمريكية شريكة فى ذلك الحلف بشكل كامل لان الشرق الأوسط يمثل لها بؤرة المصالح السياسية والإستراتيجية ثم يواصل برونجمان تقريره قائلا ان اسرائيل مع مصر والسعودية سيكونوا معا نواة هذا التحالف الذى سيضم فيما بعد غالبية الدول العربية…ثم يكرر حرفيا ما قاله بيجين للسادات قبلها بعام..حيث قال حرفيا ” تخيلوا معى الشرق الأوسط لو حدث وجمعنا المال السعودى مع الأيدى العالملة المصرية مع العقلية اليهودية”.

فإذا تركنا الماضى وانتقلنا سريعا الى الحاضر سيمكننا ان نتصور المستقبل..إن خطط اسرائيل شديدة الوضوح..ومعلنة ,فهى إذن ليست سرية…او على الأقل ليس كل ما تخطط له اسرائيل تحتفظ به سرا…وفى احدى خُطب اللواء السعودى أنور عشقى  امام مجلس العلاقات الخارجية فى أمريكا قال ان الكلام عن تطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية هو سابق لأوانه حيث يجب أولا تمهيد الأمر للعقلية العربية..حتى لا نصدمها كما صدم السادات الرأى العام العربى عام 1977.. هو إذن لم ينفى امكانية اقامة علاقة دبلوماسية بين السعودية ( قائدة العرب حاليا) واسرائيل ..بل اوضح انه سيتم ولكن فى الوقت المناسب.. والان يجرى تمهيد العقل العربى للقبول بتلك الصفقة التى يطلق عليها اسم صفقة القرن.

ويجرى حاليا الإعداد لباقة من المشروعات العملاقة ليس فقط على الصعيد العربى ولكن أيضا على الصعيد الأسرائيلى..وبتناغم شديد غير مسبوق..فأثناء انقعاد مؤتمر هييتزيليا هذا العام ( هيتزيليا هى مدينة صغيرة فى اسرائيل سميت على اسم تيودور هيرتزل ) ويقوم مركز ابحاث السياسة الإسرائيلية بالتعاون مع مدرسة رونالد لاودر للدراسات الحكومية والدبلوماسية والأستراتيجية بتنظيم مؤتمر سنوى لمناقشة كل ما يخص الشرق الأوسط من سياسات استراتيجية متعلقة بالأمن الإسرائيليى ( وتم تسمية ذلك المركز على اسم الصهيونى الأكبر لاودر عميد عائلة لاودر التى يرأس احد ابنائها اليوم المجلس اليهودى العالمى وهو رونالد لاودر..وهم اصحاب مصانع مواد التجميل المعرفة بإسم ايستى لاودر),

امام مؤتمر هيرتزيليا هذا العام اعلن وزير النقل الإسرائيلى يسرائيل كاتس ( وهو فى نفس الوقت وزير المخابرات الإسرائيلية) عن مشروع عملاق اعد دراسة شاملة له وهو مشروع قطار ينطلق من ساحل الخليج العربى ويقطع اراضى السعودية والأردن حتى يصل الى ساحل البحر المتوسط .وقال ان الدراسات فى كل البلدان المشاركة فى المشروع قد تم الإنتهاء منها وان الشركات المحلية فى تلك البلدان سوف تنفذ الجزء الذى يمر فى اراضيها , وسيكون القطار العملاق مخصصا لنقل البضائع والمسافرين…وكانت اسرائيل قد اعلنت من قبل عن انشاء ميناء عملاق فى غزة على احدث طراز عالمى ليكون ميناء عالميا بحق…وعلى الصعيد العربى كان التنازل المصرى عن جزر تيران وصنافير ..ثم كان المشروع العملاق الذى اعلن عنه ولى عهد السعودية محمد بن سلمان وهو مدينة نيوم التى سيتكون اجمالى استثماراتها نصف تريليون دولار وستضم اراضى فى ثلاث دول هى السعودية والأردن ومصر..ثم اعلن ايضا انها ستشمل شمال سيناء ( البؤرة المشتعلة بالإرهاب حاليا والتى يجرى تفريغها من سكانها الأصليين بهدوء شديد..

الأن يمكننا معا ان نتخيل حقا تصورات برونجمان رئيس المجلس اليهودى العالمى  الذى نشره عام 1978 ..ونستطيع ان نرى رأى العين الجنة التى بشر بها بيجين عندما يتحالف المال العربى مع العقلية اليهودية…والأن أيضا يمكننا ان نعرف مصير القضية الفلسطينية ..لن تقوم دولة فلسطينية فى الضفة الغربية التى يسميها اليهود طبقا للتوراة باسم يهودا والسامرة..فهم يؤمنون بأنها جزء لا يتجزأ من اسرائيل..كما ان اقامة دولة فلسطينية فى الضفة الغربية يتطلب طرف اقوى يستطيع فرض منطقه على الأخر الذى هو الطرف الأضعف….فمن يا ترى الأن هو الطرف الأقوى والطرف الأضعف….ان اسرائيل تعتبر اقامة دولة فلسطينية على اراضى الضفة الغربية خطا أحمر لا تستطيع اى حكومة اسرائيلية ان تسمح به مطلقا بحسب بن جوريون وبيجين ونيتنياهو ايضا…إذن المسموح به هو إقامة تلك الدولة فى غزة فقط..على ان تكون منزوعة السلطة والسلاح ..ربما توفر الأيدى العاملة الرخيصة لتلك المشروعات العملاقة…

عاش العرب……..

قد يعجبك ايضا