الذكرى ألـ 50 لوفاة السيد الوالد الشيخ عبد الرازق مرزوق حسين الجيوسي

 

محمد شريف الجيوسي

يصادف اليوم 15 آذار ، الكرى ألـ 50 لوفاة السيد الوالد

الشيخ عبد الرازق الشيخ مرزوق الشيخ حسين علي ابراهيم غانم يرحمه الله

الذي توفاه الله تعالى فجر يوم 15 آذار 1965 عن 62 عاما بعد مرض استمر شهورا ً

كان السيد الوالد قد أوصى قبل وفاته بفترة كافية أن ندفنه في مسقط رأسه جيوس ومرتع طفولته وسني شبابه الأولى .

ولضمان أن لا نستقرب دفنه في الزرقاء كان يؤكد ذلك مع كل زيارة يقوم بها صديق أو قريب

وأصر صديقه إسماعيل قصاد يرحمه الله على استئجار سيارة كبيرة وشراء تابوت لنقله وإيانا الى جيوس .

لقد كان أمل السيد الوالد بالعودة إلى فلسطين كبير جداً .. ولذلك فقد أجل زواج شقيقاتي اللواتي يكبرنني سنوات حتى العودة ، حتى تدخل خالي المحامي أسعد كمال السعدي ، وأقنعه بأن العودة مؤجلة وبعيدة زمنيا.

وبقي الوالد يرحمه الله يحلم بأداء فريضة الحج بالقطار ، متابعاً بشغف شديد اجتماعات اللجنة الثلاثية السورية الأردنية السعودية لإعادة تسيير الخط .. مستعيداً بذلك ذهابه بالقطار الى الحجاز جنديا ( قجك زابطان ـ أي وكيل ضابط  أو ما أشبه ) في الجيش العثماني ، حيث كانت الجندية قسرية .

وروى لنا الوالد معاناة الجيش المحاصر من قوات الشريف الحسين بن علي ، حتى أكلوا الشعير من روث الخيل ، وافتقدوا الماء كلية ، حتى كان ذات يوم أو ليلة ، نهض أحد الجنود من نومه وهو يصرخ ويركض ماء .. ماء .. ماء ، وركض الوالد وآخرين خلفه حتى وصل مكاناً ، وأخذ يزيح الرمل ، وشاركه الجنود إزاحة الرمل ، فما هي إلا حفرة صغيرة حتى تدفق الماء ، فانهال الوالد والآخرين على الماء دون الانتباه الى اختلاطه بالرمل ، فأصيب الوالد بالرمل والحصى في الكلى .. وسمح له مريضا بالعودة ، وفي طريق عودته ، ذات يوم مر ببيت يقطنه عجوزان  في قرية بمنطقة رام الله ، فبات عندهما ، ونصحاه للشفاء تناول البطيخ الأبيض ( غير الناضج ) وقال الوالد ان الرمل كان يخرج منه قطعاً .!؟

ذات يوم ، وكنت صبياً ، سألته يابا ما رأيك بعبد الناصر ، قال بإيجاز شديد ( ألسنة الناس أقلام الحق ) كان قوميا ناصرياً بالفطرة .

وأذكر أنه في أول زيارة لنا لشقيقتي سنية يرحمها الله ( أم هلا ) بعد زواجها ، ونحن نتبضع هدية الزيارة في مدينة نابلس ، سأل الوالد عن سعر كيلو التفاح ، قال البائع ، بلهجته النابلسية الغامقة بشلين .. قال الوالد وآخر سعر ، أجاب البائع محتجاً ( وحياة عبد الناصر بشلين ) ، وإزاء هذا اليمين ( المغلظ )!؟ لم يكن أمام الوالد من بد إلا أن يشتري دون نقاش .

وأذكر أنه في أول زيارة لنا لطولكرم بعد الهجرة إلى الزرقاء ، لترتيب أمر معين ، فضل الوالد أن ننام في بيت الساعاتي متري .. دون كل الأصدقاء والأقارب والمعارف الآخرين .. وكان الوالد بعد إفلاس تجارته ، بعد سلخ المثلث وسرقة محلة بانتظام مقصود ، قد ( استعار ) زاوية من محل الساعاتي ، لتصفية ما تبقى في محلاته من بضائع .

وكانت عائلة من بير زيت تزور والدي فترة طويلة بانتظام بالزرقاء لاستشارته في أمر خاص ، بحكم عنصر الثقة والمودة بينهما .

وحدث مرة أن نقل مغرض على لسان الوالد ما يُفهم منه إساءة لصديق مسيحي ، الذي عاتب الوالد ، فأوضح الوالد له حقيقة الامر ، وأصر على أن يتناولا الطعام معا.

وأجر والدي بيتاً في الزرقاء كان قد وكله أمره وكيل في الجيش الأردني لـ أم متري ، وكانت هي أول من نقل إلى حارتنا التعامل مع التايد كمنظف لأدوات الطعام بديلا عن الرماد الذي كنا نستجلبه من الأفران .

وكنت مرة بصحبة السيد الوالد يرحمه الله في زيارة لصديق مسيحي بمناسبة أحد الأعياد ، فجلب الصديق القهوة للوالد ، لكن الوالد لم يمد يده الى فنجان القهوة فترة لافتة ، فانتبه الصديق ، فسأل الوالد عن السبب ، قال الوالد ، ما جبت قهوة لـ إمحمد .. فاعتذر ، الصديق وقال ظننت أنه لا يشرب القهوة ، وأحضر فنجاناً لي.

وكانت علاقات السيد الوالد ببني حسن ، جميلة ، وفي يوم من شهر شباط أو آذار قرر الوالد زيارة أسرة من بني حسن ، وكان علينا للوصول إليها اجتياز سيل الزرقاء الذي كان قويا ، بالمشي على أحجار جعلها انسياب المياه ملساء جداً ، فانزلقت قدم الوالد فسقط في الماء ، وسقط بعده مرعوباً وانا أبكي ، واستطعنا ان نتجاوز خطر الانجراف إلى الضفة الأخرى وصعود الجبل الى الأسرة الصديقة من بني حسن .

فأشعلوا النار لتجفيف ملابسنا وخاصة ملابس السيد الوالد ، وطبخوا بندورة مقلية ، وأكلنا معاً بسعادة غامرة ، وفي طريق العودة هبط معنا أحد شبابهم الأقوياء ، قصير القامة نسبياً لكنه عريض المنكبين ، وساعدنا على تجاوز السيل بسلام ..

كان السيد الوالد يقول وينصح بأشياء كثيرة ، دون أن يشرح خلفياتها ، ربما لأن شرحها ستفتّح أذهاننا على ما لا ينبغي في حينه ، ومثل ذلك السيدة الوالدة ، وكانت أدمغتنا الصغيرة أو مراهقتنا أو ضعف خبراتنا ، تجعلنا نستغرب ، وعندما كبرنا قليلاً ، بدأنا نشعر ونتفهم أن ما كنا نسمعه منهما لا يقدر بثمن .

رحم الله السيد الوالد رحمه واسعة وأسكنه فسيح جناته ، مع الأبرار والصديقين ، وآمل من كل من يقرأ هذه السطور ان يترحم عليه ويقرأ له ولأمواتنا وشهدائنا الغفران والرحمة الواسعة إن شاء الله .

 

السيد الوالد الشيخ عبد الرازق مرزق حسين علي ابراهيم غانم 

 

أبو رياض

أحمد هاشم مرزوق أبو زاهر

 

الوالدة زكية الشيخ كمال وخالتي نجمة ام شاهر

جدي لوالدتي الشيخ كمال ابراهيم السعدي قدس الله سره

محمود عبد اارازق مرزوق شقيق ابو غيث

 

قد يعجبك ايضا