الأردن بين خيار تحالف منهزم قديم .. وبين تحالف منتصر جديد

محمد شريف الجيوسي  

الإثنين 25/12/2017 م …




مر الأردن بتجربتي إنسجام بين الحكم والشعب ، المرة الأولى كانت بطرد الجنرال الإنجليزي المندوب السامي البريطاني كلوب وتعريب الجيش وتكليف سليمان النابلسي بتشكيل حكومة وحدة وطنية ، والثانية بعد هبة نيسان 1989 وإقالة حكومة زيد الرفاعي الأخيرة وما لحق من انفراج سياسي وبدء عملية إصلاحات عميقة نسبياً ، جرى التراجع عن بعضها لاحقاً. وكانت هناك محاولة تمثلت بتشكيل لجنة الحوار الوطني وما أسفرت عنها من توصيات ، سرعان ما أجهضت .

ويبدو ان الأردن يوشك الآن على تحقيق استدارة كاملة أو شبهها في علاقاته الخارجية وتحالفاته،جراء جملة مستجدات إقليمية مباشرة تمس أمنه وبقاءه ومصالحه ، وغير مباشرة تمس مجمل أمن الإقليم جراء متغيرات موضوعية جارية على الأرض .

فالسعودية أوقفت مساعداتها للأردن ، وقفزت من فوقه عاقدة جملة تحالفات مع الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني ومصر، فضلاً عن الإمارات ، في مسعى لإستلاب الدور الأردني الإقليمي (..) وفي الوصاية على المقدسات.

و تعمدت ( إسرائيل ) قتل مواطنيْن أردنييْن(فضلا عن سابقهما القاضي زعيتر ) أحدهما مالك البناء الذي تقيم فيه سفارة العدو ، ما يدلل على نية القتل المسبق ، فإن لم يكونا هما فسيكون غيرهما ، بدليل استقبال نتنياهو للقاتل استقبال الفارس الفاتح، في مسعى واضح لإضعاب هيبة الدولة الأردنية تجاه مواطنيها بأنها غير قادرة على حمايتهم ولاعلى أخذ حقهم ..    

وقد حدث هذا بالتزامن مع عقد مؤتمر ما يسمى المعارضة الأردنية في ( إسرائيل ) في تحد وقح للشأن الداخلي الأردني، وهو دليل ثان على رغبة إسرائيلية بتقويض الدولة الأردنية .. يعزز هذا التوجه إصرار الإدارة الأمريكية على نقل سفارتها إلى مدينة القدس، في انتهاك ليس فقط لقدسية المقدسات الإسلامية والمسيحية وإنما أيضاً للوصاية الأردنية عليها، وفي محاولة لخلخلة الأمن القومي الأردني والإقليمي ، بما سيستتبع النقل من أحداث جسام .

ومن جهتها حاولت السعودية الضغط على الرئيس الفلسطيني لقبول الجانب المتعلق بفلسطين في مشروع صفقة القرن.. كما مارست الضغط  لعدم حضور مؤتمر استانبول والذي القى فيه عباس خطاباً غير مسبوق .

ويقال انه مورس ضغط على الأردن للتغيب عن استانبول لكن الملك عبد الله الثاني حضره والقى خطابا ً قويا بالقياس لما لم تكن ترغبه السعودية ومعظم الدول الخليجية، وأتبع الموقف الأردني بما يؤشر على رغبة أردنية باستقلالية قرارها عن الحلفاء القدامى .

وبالضغط المشترك الممارس على الأردن والسلطة الفلسطينية معاً،تكرست علاقات موضوعية قوية بينهما ، وخرج الأردن من محور السعودية الإمارات مصر الداعم لدحلان ، وتراجعت أسهمه كبديل أو وريث لعباس ، بخاصة بعد فض اتفاقه التكتيكي مع حماس .  

لقد نفذ الأردن عبر السنوات العديدة السابقة معظم المطالب والضغوط التي مورست عليه ، من قبل حلفاء الأمس، ولم تكن (المساعدات والقروض والمنح ) في مستوى تبعات وعلاقات وأكلاف الأردن الأخرى، جراء تلبية تلك الضغوط، ما أوقع الأردن في مديونية متزايدة وتراجع في مستوى معيشة معظم الأردنيين (في جملة أسباب اخرى) ما تسبب بتزايد الإنتقادات الشعبية وحدوث تراجع كبير في علاقة الدولة الأردنية بشعبها.   

لقد شن الحلفاء القدامى حرباً إرهابية على سورية والعراق، وفي تسريب الفكر الوهابي التكفيري الفتنوي المذهبي اليهما وإلى المنطقة، ما تسبب في إغلاق حدود الأردن مع كل من دمشق وبغداد ، وبالتالي مع لبنان وتركيا، الأمر الذي أحدث مضار إقتصادية كبيرة بالأردن ، فضلا عن مضار امنية وشعبية.

وبعد كل هذا الخذلان والتطورات المتسارعة من قبل حلفاء الأمس،يجد الأردن نفسه أمام ضرورة التغيير في غير ترف الوقت،فرؤساء الوزارات الأردنية السابقة وجهوا من مكتب رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري رسالة للملك أكدوا فيها دعمهم لموقفه من رفض نقل السفارة الأمريكية للقدس ومن اعتبارها عاصمة الكيان الصهيوني،ودعوا إلى إعادة النظر باتفاقية وادي عربة وإلى توسيع ( بيكار ) العلاقات الخارجية باتجاه إيران وسورية .

وكان رئيس الوزراء الأردني الأسبق د. عبد السلام المجالي ، قد زار قبل ذلك إيران ، زيارة غير رسمية التقى خلالها مسؤولين إيرانيين كبار (..)

وأبلغ وفد برلماني أردني اجتماعا برلمانيا تم في المغرب مؤخراً اعتراضه على عدم دعوة  سورية ، مؤكدا على ضرورة دعوتها للإجتماعات العادية والإستثنائية.

وهنأ رئيس مجلس النواب الأردني م. عاطف الطراونة ، في لقاء له مع القائم بالأعمال العربي السوري د. أيمن علوش ، بإنتصارات الجيش العربي السوري على الإرهاب، وحرص الأردن على وحدة واستقرار سورية وعلى الحل السياسي.

من جهته أبرز د. علوش رفض سورية محاولات السعودية سحب الوصاية الهاشمية على المقدسات وبيعها للكيان الصهيوني، ورفضها لأي ضغوطات يتعرض لها الاردن سواء كانت سياسية او اقتصادية .

وأطلق السفير الإيراني في الأردن تصريحين قويين في يومين متتاليين أكد في الأول، أن الجمهورية الإسلامية في إيران، تقدر وتثمن دور المملكة الأردنية الهاشمية ، قيادة وحكومة وشعبا وبرلمانا تجاه قضية فلسطين والقدس . وفي اليوم الثاني أعرب عن استعداد بلاده لإقامة علاقات متوازنة وندية مع الأردن في مختلف المجالات بما فيها مكافحة الإرهاب والتطرف.

وكان وزير خارجية العراق إبراهيم الجعفري قد اعرب قبلاً عن إستعداد العراق تذليل العقبات وتحسين الوضع الأقتصادي للأردن كجزء من الواجب ومن استحقاقات الجوار، والدعم يكون بتخفيض الأسعار على الأردن او بدون أسعار.

حدث هذا في الوقت الذي كانت فيه الرياض تعتقل رجل الأعمال الكبير صبيح المصري في اليوم الذي تلا زيارة الملك الأردني للسعودية (..) في حين لا أحد يجهل أهمية الرجل بالنسبة للإقتصاد الأردني .. 

ويبدو أن السودان ايضا معني هو الآخر بالبحث عن حلفاء جدد بعد تقديمه شكوى دولية ضد مصر والسعودية بشأن اتفاقهما الذي يعتبر منطقة حلايب ارضا مصرية ، ما قد يستتبع سحب الجنود السودانيين الذين يقاتلون في اليمن إلى جانب السعودية، رغم طرد آلاف السودانيين العاملين في السعودية بطرق مهينة .

أقول أن الأردن أمام خيارين ، إما البقاء ضمن التحالف القديم كتابع صغير يعيش على فتات ما يقدم له إن قُدم شيئاً، يعيش حالة إنتظار،امام خطر مواجهة التصفية الدائم والاستغناء الكلي عنه، ربما باتجاه تقاسم سعودي (إسرائيلي) له ..

وإما البحث عن مصالحه الوطنية من خلال حلفاء جدد أقوياء إنتصروا في حربهم ضد الإرهاب ومصنعيه الإقليميين والدوليين،ما يساعد في حال إنحيازه لهذا التحالف على ترسيخ الإنتصار، وفي أن تحصين جبهته الداخلية وتلاحمه مع شعبه ورفع الضائقة المعيشية عنه وتخليصه من بؤر وشرائح الفساد والهدر والولاء المكلف الخادع والجاعلين حاجزا بينه وبين مواطنيه، وفي آن تكريسه بلداً سيدا عزيزا يتقدم بقدراته بين أمته العربية وعالمه الإسلامي وفي سياق إنسانيةٍ متحضرةٍ عزيزةٍ مستنيرة،غير تابعة تمتلك بقوةٍ قرارها الوطني المستقل .        

 [email protected]             

  

قد يعجبك ايضا