ما الذي فعلته بنا قريش ؟! / د. عاكف الزعبي





د. عاكف الزعبي* ( الأردن ) الأربعاء 27/9/2017 م …

*وزير سابق …

قريش بعصبيتها السياسية الأعرابية وامويتها السفيانية هي من صادرت منجزات الدعوة الدينية. فقد نجحت بالنيل من إرث دولة الخلافة الراشدة، ثم تمكنت من تسييس فكر الدعوة وتوجيهه لصالح استبدادها بالسلطة. حيث عملت على استمالة العديد من الصحابة والتابعين منذ ان بدأت بتنفيذ مشروعها في عهد الخليفة عثمان واستمرت في ذلك الى ان استقرت على اعلان خلافة اموية وراثية في دمشق. وانها لمفارقة تاريخية كبرى ان تنتقل زعامة بني امية بأقل من اربعين سنة من اشد المحاربين للدعوة الى احتواء ووراثة منجزاتها الثقافية والعملية وحرف اتجاهاتها الفكرية واستمالة رموزها وتزعم دولة وراثة واستبداد مع الاحتفاظ بمسماها الاسلامي الذي نظرت اليه للأسف كعلامة تجاريه توظفها وتتغطى بها ليس اكثر .

بالدولة الاموية تكرست عصبية امية القرشية وزعامتها السياسية، وتمت إدامة الاستبداد بالحكم بأدوات مادية ودينية. فسيست السلطة السياسية الفكر الديني ووضعته في خدمتها ليتم تحريفه برعاية من السلطة على يد من استغلتهم من علماء ومشايخ لحسابها وسيرتهم بالرشى والمكاسب الشخصية. تم التواطؤ بين السلطة ومشايخها على تناسي مبدأ الشورى اولاً لتتحول الخلافة الى ملك وراثي . ثم تم التواطؤ بينهما ثانية على صناعة فقه الطاعة المطلقة للسلطان . وكان ان اثمر دفن الشورى واعلاء فقه الطاعة المطلقة للسلطان دوام الاستبداد الذي لم ينته بانتهاء دولة اميه .

 

ثمرة مرة اصبحت بعد عهد بني امية عابرة للازمان . عبرت منهم لبني العباس فطاب لهم وركبوها ليغيب فكر الشورى الى الابد ويستمر الحكم ملكاً وراثياً ، ويدوم الاستبداد بالحكم ، ويستمر تسييس الفكر الديني وتشويهه وتكريسه في خدمة السلطة .

وظلت الثمرة غير الشرعية للتواطؤ بين الفكر الديني المشوه والمسيس وبين الاستبداد بالسلطة حصاد الامة طوال ثلاثة عشر قرناً منذ أن أنبتتها دولة بني امية مروراً بدولة بني العباس ثم دولة بني عثمان وحتى يومنا هذا.

لنتصور معاً حال شعوبنا البائسة التي رضخت تحت حكم مستبد وفكر ديني مسيس خادم له على مدى الف وثلاثمائة سنة ؟ انه حال زرع في هذه الشعوب تخلفاً ثقافياً وفكرياً وسياسياً عميقاً ، وكرس فيها تقاليد وعادات صار البعض منها اقوى من العقيدة او جزءاً منها على الاقل ، وشوه ثقافتها بعد ان عمل فيها حفراً بلا هوادة على مدى قرون وقرون .

ثمة تداعيات اخرى استدعتها مسيرة الاستبداد وظاهرة مشايخ السلطة ليست اقل خطورة من اثارها الماثلة هذه الايام.

فلم تكن مسيرة تحريفية كهذه لتمر دون سعي لمواجهتها من قبل الفقهاء والمفكرين وقادة المجتمعات. فانقسمت الامة ايما انقسام في فقهها وفكرها وحول مفكريها وقادتها . وذهبت في انقسامها الى فرق وشيع مختلفة فقهياً وفكرياً وسياسياً . وتعددت وكثرت الفرق والشيع وغلا بعضها غلواً عالياً في الفقه والسياسة وسلكت مسالك في التطرف تسببت في الكثير من الفتن والحروب التي شتتت الشعوب وباعدت فيما بين ابنائها وتركت فيهم جروحاً غائرة يصعب علاجها . ولعل جزءاً كبيراً مما تعانيه شعوبنا اليوم يعكس صورة من الانقسام والتشظي والتخلف التي تحتاج لعقود طويلة واختراقات استثنائية واثمانا باهظة للتغلب عليها وتجاوز آثارها .

قد يعجبك ايضا