أراد الغــــرب اسقــــاط ســورية باعتبارها الجـــدار الأخـير ، فأسقــطت سـورية وحلفــاؤها انـدفاعة الغـرب الاستـعمارية … لم تنتـــــصر ســـورية فحــــسب بل انتـــــــصر الشــــــرق / المحامي محمد محسن

المحامي محمد محسن * ( سورية ) السبت 23/9/2017 م …




يحدث في التاريخ انتقالات نوعية تراكمية ، قد تكون مصيرية ، وقد تُغير وجه التاريخ ومسيرته ، فإن جاءت تلك الانتقالات النوعية سلبية ، في مجتمع ما ، ستؤدي حتماً إلى تفجير الأوضاع فيه بشكل ارتدادي زلزالي عنيف ، وقد تؤدي إلى سقوط مدوٍ ، لدولة ما أو حتى لإمبراطورية ما ، [ كما حدث عندما تفكك الاتحاد السوفييتي العظيم ] ، والذي أدى تفككه إلى خلخلة التوازن الدولي ، الذي كان قائماً من خلال وجود معسكرين ، والذي لم يؤد فقط إلى سقوط تلك التجربة الانسانية المتفردة ، بل أجهض ما كانت قد أنجزته الحركات العقلانية ، الثورية ، التقدمية على مستوى العالم أجمع ، من أحزاب ، ونقابات ، وحركات تحرر وطني ، وما كانت قد راكمته وأنجزته تلك الحركات ، على جميع الأصعدة الاجتماعية ، والثقافية ، والنضالية ، والذي كان يعتبر حلماً للإنسانية جمعاء ، في كل جنبات الأرض .

لأن ذلك كان من الطبيعي أن يتوافق ، ويتساوق ، مع مسيرة حركة التطور الانسانية نحو العدالة الاجتماعية ، والمساواة ، وحركة العلم التطورية المتسارعة ، التي كانت يجب أن توظف لصالح البشرية ، بدلاً من سرقة حصيلتها العلمية العالمية ، من قبل الشركات الرأسمالية العالمية لصالح احتكاراتها ، وتكديس الثروة عند البعض في الشمال ، وافقار الجنوب حد العوز ، وبدلاً من توظيف العلم لخدمة صحة الانسان ، تم توظيفه لصالح شركات الانتاج الدوائي ، ليكون الربح هو الهدف وليس الصحة العامة للبشرية ـــ ، وبذلك هُزم الحلم ــ ولكنه سيبقى حلماً ستسعى البشرية لتحقيقه ، والذي يعتبر خشبة الخلاص للبشرية ، وهو [ الاشتراكية ] [ العدالة الاجتماعية ] [ أن يصبح الانسان أخ الانسان ] [ أن ينتقل الانسان من وحش قاتل لأخيه الانسان إلى أخ رحيم رحوم ] [ أن تتقاسم البشرية خيرات الأرض ] ، ومن المؤكد أن انتصار سورية سيفسح في المجال لإعادة التفكير بذاك الحلم ، [ حلم التعاضد بدلاً من التقاتل ].

…………………….لقد شكل تفكك الاتحاد السوفييتي مأساة …………..

لسنا بصدد الدفاع عن التجربة السوفييتية كدولة ، ولكن وانسجاماً مع الفهم الذي سقناه نقول : لولا الاهتراء الداخلي ، الذي وصل إليه الاتحاد السوفييتي ، حيث وصل حد التسوس ومن ثم الاهتراء المتراكم ، ” الدوغما ” ـــ الحرفية ـــ ، الفساد ، البيروقراطية الحزبية ، لما كان العدو الخارجي ومهما بلغت قوته بقادر على تهشيمه ، ولكن نحن ندافع عن الفكرة عن الحلم ، عن الفلسفة ، عن الغاية ، عن الصيغة التي يجب أن يسعى الانسان إلى تحقيقها ، للوصول إلى ما يدعى [ الحلم الانساني ] في [ الحرية ، والمساواة ]

حبرت هذه المقدمة لأقارن بين صيغتين للتاريخ ، بين التجربة الاشتراكية التي كانت حلماً للانسانية وتبخر ، والذي أدى إلى تفتت وهزيمة جميع الحركات التقدمية ، العقلانية ، اليسارية ، في العالم كما أفدنا ، وهدر وضياع ما كانت قد حققته حركات التحرر العالمية من انجازات ، ومساع نحو الحرية ، فسيطرت القوى اليمينية ، ” النيولبرالية ” الاستغلالية الغربية المتوحشة ، وحلفائها ، والأنظمة التي صنعتها ، بقيادة أمريكا التي اغتالت التاريخ ولا تزال .

بعد تفكك الاتحاد السوفييتي ، وعندما كانت روسيا الاتحادية لاتزال في غيبوبتها ، وقبل استفاقتها ، استغلت أمريكا ذاك الوضع ، وبادرت فوراً إلى تمزيق دولة يوغسلافيا الموحدة ـــ بلاد تيتو العظيم ـــ إلى خمس ، والتي كانت تعتبر الحضن الدافئ لروسيا الاتحادية ، كعقاب لها وتقليم لأظافرها ، واستكمال لتحطيمها وتحويلها إلى دولة اقليمية ، بعد التضييق عليها وذلك بتقليص مجالها الحيوي الأهم ، والتربع على حدودها.

ثم تابعت أمريكا غطرستها وتحت وطأة احساسها بفرط القوة ، انتقلت تحت راية ” الربيع العربي ” لتعمم الديموقراطية الحديثة ، وفق [ التجربة الديموقراطية السعودية العظمى !! ] فبدأت في ليبيا ، متوجهة إلى تونس ، إلى مصر ، ثم اليمن ، وكانت سورية عقدة المنشار ، لأنها لم ترفع الراية البيضاء مستسلمة بل عاندت ، أما العراق فمنذ عام / 2003 / وأمريكا تحاول تدميره ولا تزال ، وفي المحصلة يمكن توظيف جميع حروب ” الربيع العربي ” في خانة حصار روسيا ، وايران ، من حيث النتيجة .

المهم بل البالغ الأهمية : أن أمريكا وعند انطلاقة حرب ” الربيع العربي الأسود ” كانت تثق ثقة مطلقة أن جميع حروبها في المنطقة ، ستكون مجرد نزهة ، فكانت خيبة الأمل بحجم الثقة التي كانت تسيطر على مشاعر أمريكا وحلفائها وتابعيها ، ولكن سارت الريح بما لا تشتهي السفن ، فلم يحقق معسكر العدوان ربحاً بل خسارات متتالية لم تفاجئ أمريكا وعملاءها فحسب ، بل فاجأت الدنيا .

أمريكا [ العلمانية ] كما تدعي زوراً !!، كان سلاحها وأداتها في هذه الحرب ، الفقه الديني الظلامي الأكثر توحشاً في العالم ، الفقه الذي يكفر جميع الأديان والمذاهب ؟!! المعادي للعقل والعقلانية ، المعادي للحضارة ، للعلم للمعرفة ، كما تحالفت في حربها مع أعتى الرجعيات في العالم ، ” السعودية نموذجاً ” وشكلت ميليشيات قتالية ” مسلمة متوحشة ” جمعتها من أكثر من ” 68 ” دولة ” وبأعداد تزيد على ” 200 ” الف ضبع ، بعد أن جوفت عقولهم ، وأفرغتها من أي بعد انساني ، ووضعت بديلها كل صفات وخصائص وسلوك الانسان المتوحش ، وحولتهم إلى ضباع كاسرة ، تأكل لحم الانسان الآخر نيئاً .

هذه بعض من سمات الرأسمالية العالمية الاستعمارية ، التي اغتالت حركة التاريخ ، وحولتها من حالات التطور الطبيعي للشعوب ، إلى تسخير التاريخ لصالح دول وشعوب على حساب دول وشعوب ، هي كاذبة في ادعائها أنها تسعى لتعميم الديموقراطية في العالم ، في الوقت الذي قتلت فيه شاعر تشيلي المنتخب ديموقراطياً ” بابلو نيرودا ” وعينت بدلاً منه الدكتاتور ” بينوشيه ” ، كما تحالفت مع أعتى الرجعيات في العالم ، ـــ السعودية مثالاً حياً ـــ وتدعي أنها مع تطوير الفكر العقلاني ، وإذا بها تنمي ، وتدعم ، وتتحالف ، مع الحركات الاسلامية الظلامية المتوحشة ، ـــ القاعدة ، وداعش وأخواتهما ـــ وتوظفها في حربها القذرة التي تشنها علينا ، اذن غاية الرأسمالية السيطرة على مقدرات الشعوب ، وفاقاً لقانونها الأهم [ الغاية تبرر الواسطة ]

هذه أمريكا ، وهذه بنيتها وهذه غايات تشكيلتها الاقتصادية الرأسمالية ، لا يمكن أن تكون مع حرية الشعوب ، واستقلالها ، وتقدمها ، لأن ذلك يحول وسيطرتها السياسية والاقتصادية ، ويتناقض مع مصالح شركاتها الاحتكارية ، لذلك تكون الحروب من أهم أدواتها للسيطرة والتحكم ، على رقاب الشعوب الفقيرة ، فان لم تشن حرباً مباشرة بواسطة قواتها ، لتركيع أية دولة تبدي تمرداً ، فهي غالباً ما تعمد خوض حروبها بالوكالة ، أو بالواسطة ، وتكون أدواتها الدول الأكثر رجعية وتخلفاً ، كما هو عليه واقع الحرب القذرة التي تخاض ضدنا ، حيث اعتمدت الفكر الديني الأسود ، والدول النفطية الأكثر سواداً وتخلفاً ، فالمهم عند أمريكا أن تكون الدولة أداة طيعة بيديها ، وتنفذ أوامرها بدون تردد أو حتى استفسار .

*كاتب ومحامي عربي سوري

قد يعجبك ايضا