الأسد بمساعدة حلفائه يستعد لحرب جديدة مليئة بالمفاجأت / د.خيام الزعبي

 

د.خيام الزعبي ( سورية ) السبت 14/3/2015 م …

اليوم تتسارع الأحداث في سورية بوتيرة عالية وبدأت الكثير من الموازين والتوقعات تنقلب على رأس مخططيها بعد التحركات القوية للجيش السوري لتحرير مناطق كانت في يوم ما تعتبر من المعاقل الصعبة والمهمة لقوات داعش والتي لا يمكن حتى التفكير بالإقتراب منها، ليتمكن الجيش السوري من قلب موازين المعادلة ويبدأ بالزحف والتحرك المعاكس لتسقط معاقل وحصون داعش في معظم المناطق السورية.

تراقب أمريكا الوضع عن كثب وبجدية وتعد عدتها لتحولات خطيرة في المشهد السياسي السوري الجديد، إذا لا يختلف أثنين في أن أمريكا تعتبر الأم الشرعية التي أوجدت داعش وربتها في حجر دافئ ومدتها بكل ما تحتاج من سلاح وعداد، ويعرف العالم جيداً كيف كانت أمريكا وحلفاؤها يرسمون الخطط لإسقاط الأسد وتفتيت سورية، وهم يرسلون علناً الأسلحة لها عن طريق دول وحلفاء لم تكن مشاركتهم بإمداد العدة والعدد بخافية بعضهم من العرب كالسعودية وقطر والبعض الآخر من المجاور الإقليمي كتركيا التي فتحت حدودها لهؤلاء للدخول الى سورية ومحاولتهم إحتلال دمشق.

منذ بداية الحرب على سورية دعمت إيران الدولة السورية على كافة الصعد، فالمعركة ضد سورية لا تستهدف سورية كنظام بقدر ما تستهدفها كمنظومة ممانعة، ولطالما أيضاً صرحت إيران أكثر من مرة أنها شريك في المواجهة القائمة وعنصر أساسي من عناصر الدعم والمساندة، فقد هدد وزير الدفاع الإيراني حسين دهقان بإرسال 600 ألف جندي الى سورية إذا ما إستمرّ الغرب وأتباعه في المنطقة بإرسال الإرهابيين الى سورية، فأحداث سورية خلال السنتين الماضيتين، تؤكد أنّ معركة القصير شكلت نقطة التحول في الحرب، فقبل تحرير القصير بأيام كان الوضع صعباً وكانت المجموعات الإرهابية قد سيطرت على أجزاء كبيرة من الجغرافيا السورية وأصبحت دمشق في دائرة الخطر الحقيقي، فجاءت رافعة تحرير القصير لتشكل منعطفاً في الحرب وقد تبعتها معركة القلمون وباقي الحزام الغربي لدمشق ليعطي الوحدات العسكرية السورية أريحية في المواجهة بعد حماية ظهرها غرباً، لتبدأ بعدها عملية تحصين دمشق جنوباً ضمن آلية تعاون وتنسيق بين حزب الله والجيش السوري، لقد شكلت الأشهر التي تلت عملية تحرير القصير مساحة لتراكم الإنجازات العسكرية التي أسقطت أحلام الغرب وأتباعهم الإقليميين بإسقاط النظام في سورية، وإنشاء مناطق عازلة في الجنوب والشمال وتدريب المقاتلين خلف حدود تلك المناطق في الدول المتاخمة للحدود، ثم توسيع رقعة تلك المناطق وصولًا الى دمشق القريبة نسبياً من الحدود الجنوبية وإستعادة كامل حلب من جهة الشمال، لكن محورالممانعة وعلى رأسها دمشق كشفت مبكراً أبعاد هذه الخطة، فكانت العملية الإستباقية في مثلت الجنوب لتقضي أولًا على رغبة إنشاء المنطقة العازلة جنوباً، ثم باغتت الإرهابيين شمالًا في عملية أشبه بالمقص الذي قطع أوصال الجبهة الشمالية إنطلاقاً من حلب ومروراً بريف اللاذقية ووصولاً الى القاملسي والحسكة ودير الزور، ولمحاولة أمريكا في ضرب المشروع، فهم محور المقاومة أن أمريكا ستستثمر بقايا داعش الفارين من العراق، بالإضافة الى الآلاف الذين تم تدريبهم في تركيا والأردن في تشكيل جيش حرٍ ثانٍ، وكخطوة إستباقية أرادت طهران عبر وزير خارجيتها إرسال رسالة حادة وبالغة المضمون السياسي بأنّ طهران مستعدة لإرسال مئات الألوف مقابل الآلاف التي سيدخلها الأمريكي، وهذا يعني أنّ طهران حاسمة في موضوع الانتصار في سورية مهما كلف الأمر، وبالمقابل تعمل سورية على فرض سيطرتها على المنطقة الجنوبية، ليس فقط في الجولان وإنما على إمتداد المنطقة الجنوبية وصولاً الى الحدود مع الأردن، والمجموعات المسلحة التي كانت تشعر بالراحة والأمان، باتت تتعرض لعمليات ملاحقة عنيفة من جانب الجيش السوري وحلفائه حزب الله وإيران، مما زعزع سيطرتها على المناطق الحدودية، إذ وجدت إسرائيل نفسها، والمجموعات المسلحة أيضاً أمام تحد وواقع جديد، يهدد المصالح المتبادلة بينهما، وأصبح ميزان القوى في المعركة الدائرة في المنطقة منذ أسابيع يميل لصالح الدولة السورية، وإسرائيل اليوم في مرحلة تاريخية بكل المقاييس، سوف تغير شكل ما يجري في الساحة السورية كليا، في حال تمكن الجيش السوري من السيطرة على الشريط الجنوبي لسورية من الحدود الأردنية وصولاً الى القنيطرة، وفي حال تحقق ذلك فهذا يعني أن حزب الله وإيران باتا على أبواب إسرائيل.

ما يحصل اليوم من تطورات على الساحة العسكرية أثبتت الأحداث إن وجود أمريكا بتحالفها الدولي ومبرراته أصبحت واهنة وغير منطقية وهي لم  تقدم اي شيء كان ينتظره السوريين قبل دول العالم، إذ تأتي بأحدث طائراتها لتقدم المساعدات لداعش في بعض المناطق، ولترسم خريطة كانت مرسومة منذ عقود في اذهان دهاقنة الساسة الأمريكيين وهو تقسيم سورية الى دويلات وحماية مصالحها وحلفاءها الإستراتيجيين الإسرائيليين والدول العربية التي أبرمت مع أمريكا معاهدات حلف إستراتيجي، هنا يمكنني القول إن أمريكا غير جادة في القضاء على داعش وإن تحركاتها محكومة برسم سياساتها الداخلية وان لعبة توم وجيري التي يستمتع بها الأمريكان مع الدواعش لا يمكن ان تستمر، وإن مسؤولية القضاء على داعش باتت مهمة سورية خالصة خاصة بعد ان أثبتت المعارك التي خاضها الجيش العربي السوري في حلب والمناطق الشرقية والجنوبية قدرة هؤلاء الأبطال على تطهير كل الأراضي السورية دون الإعتماد على أمريكا بتحالفها الدولي.

في هذا الإطار إن الإنتصارات التي تحققها الآن القوات السورية والمخلصين من أبناء الوطن, ثمنها دماء وأرواح ومعاناة, لكنها تعبر عن الوحدة الميدانية لسورية الواحدة, واحدة من دروس التاريخ الوطني التي يحاول البعض تجاهلها او العمل على تشويه مضامينها الوطنية, إنها الوحدة الرافضة لمشروع التقسيم والهوية الرافضة للتمزق والنبض الوطني الرافض لإستسلام إرادة النفس الأخير, لذلك فإن الجيش السوري صيغة وطنية لا تقبل الإستنساخ, انها تمثل المواطن السوري إنتماءً وهويةً، وهذا السياق يؤكد بما لا يدع مجال للشك أن المشروع الأمريكي “الشرق أوسط الجديد” يواجه سقوطاً وفشلاً ذريعاً على أبواب دمشق، وأدلة الفشل على ذلك كثيرة، بدءاً بسقوط وفشل جميع العمليات الإرهابية التي جرت وتجرى داخل سورية في تحقيق أي أهداف أو مكاسب سياسية، وقد ثبت لأعداء سورية أن مشروع تقسيم سورية إنقلب صفر اليدين بعد أن إنكشفت كل الآلاعيب والأكاذيب ورأى العالم أجمع ما يجري في العراق وليبيا واليمن، لذلك لن ترضخ سورية أمام كل الضغوط التي تفرضها عليها واشنطن وحلفائها، وإنطلاقاً من ذلك سيكشر محور المقاومة عن أنيابه  ليعيد الكرة الى الملعب السوري لأن دمشق هي من تملك لوحدها مفاتيح ضبط وإعادة تريبب أوراقها من جديد في المنطقة.

وأختم مقالي بالقول إنه على واشنطن اليوم، أن تعيد قطار السياسة الأمريكية الى سكته الأصلية، وهي سكة الدولة الكبرى والمسؤولة، ليس على أمن ومصلحة أمريكا فقط، بل مسؤولة على أمن ومصلحة الإقليم برمته، فسياسة التسلح للمجموعات التكفيرية والعزف على الوتر الطائفي، لتحقيق أهداف سياسية هي سياسة عقيمة أثبتت التجربة فشلها، وقد جربتها بعض الدول من قبل، وإرتدت عليها ودفعت بسبب ذلك ثمن باهظ من أمنها وإستقرارها، وبإختصار شديد، في إطار ذلك يمكنني التساؤل، هل ستسقط الولايات المتحدة بتهورها أم تجر ذيول الهزيمة والإذلال؟ وهو الثمن الذي ستدفعه نتيجة أخطاءها في سورية وسعيها الفاشل لإسقاطها، وإنطلاقاً من كل ذلك، يجب على أمريكا إعادة النظرة في الرهانات السياسية الخاطئة قبل فوات الأوان.

[email protected]

قد يعجبك ايضا