هستيريا نتنياهو.. التأخير المصري وحقائق القرار / د. فايز رشيد

 

د. فايز رشيد ( الاردن ) الاحد 1/1/2017 م …

نتنياهو، بردود فعله الهستيرية على قرار مجلس الأمن 2334 حول عدم شرعية الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، يذكّر بشخصية دون كيشوت، الذي أراد محاربة طواحين الهواء.

نتنياهو بلغته الفظة، وكلماته النابية، وعنجهيته العنصرية المعهودة، يريد محاربة ومعاقبة العالم والأمم المتحدة والرئيس أوباما شخصيا، الذي يوصف بإجماع المراقبين، بأنه الرئيس الأمريكي الأكثر إخلاصا للكيان الصهيوني من كل سابقيه، وهو الذي كان وراء القرار الأمريكي برفع المساعدة المُقدمة إلى إسرائيل، إلى مبلغ 38 مليار دولار، على مدى السنوات العشر المقبلة. كما أن أوباما، هو الذي وقع صفقة إمداد إسرائيل بـ(40 طائرة إف-35) وهي الطائرات الأمريكية الأحدث، التي لم تصَدّر إلى أي دولة أخرى في العالم، حتى إلى دول الناتو.

لقد مارست أمريكا حق النقض «الفيتو» 33 مرة لصالح الكيان الصهيوني، منذ إنشائه حتى اللحظة، رغم كل مصالحها الاستراتيجية في العالم العربي، ثروات وجغرافيا وموقع جيوسياسي، ورغم أن العديد من الدول العربية، تتغنى بل وتتباهى بعلاقاتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة.

سامانثا باور في خطابها العاطفي، في معرض الدفاع عن القرار الأمريكي، بالامتناع عن التصويت على القرار ضد الاستيطان، كادت تبكي حزنا وألما على الموقف الذي ستتخذه. لقد وصفت إسرائيل بأنها، الدولة الديمقراطية «الوحيدة» في الشرق الاوسط، كانت كلمتها اعتذارية وتبريرية، بل وصلت حدود الانبطاح للكيان وللحركة الصهيونية عموما. أرادت إفهام إسرائيل أن الموقف الأمريكي هو فقط للقول بأنها مضطرة للامتناع، بعد أن لم يعد بمقدورها تجاوز «الإهانات»، التي الحقها نتنياهو بِاوباما، الذي لا يستطيع توريث القرار إلى خلفه دونالد ترامب، وقد صرّح الأخير تعليقاً على التصويت «المشين» (من وجهة نظره) لمجلس الأمن: «ان العلاقة مع الأمم المتحدة ستكون (مختلفة) عندما يدخل هو إلى البيت الابيض».

بالنسبة للطلب المصري بتأجيل التصويت على القرار، فالواقع أن مصر سحبت القرار نهائيا من مجلس الأمن الدولي ولم تؤجله، والفرق كبير بين الحالتين، حصل الأمر بعد اتصالات أمريكية (مع إدارة ترامب تحديدا) – إسرائيلية – مصرية مشتركة، أجمعت كلها، على سحب المشروع الذي تقدمت به مصر، ما حصل يؤكد ما نقوله، إن مسئولا إسرائيليا (رفض ذكر اسمه) كان قد صرّح لوكالة رويترز»(الأربعاء،21 ديسمبر الحالي 2016) «بأن إسرائيل تواصلت مع الفريق الانتقالي لترامب، لكي يتدخل في الموضوع». وبالفعل أعلن ترامب اعتراضه على القرار، وقال في البيان الذي اصدره في هذا الشأن أن: «السلام بين إسرائيل والفلسطينيين سيتحقق فقط عبر المفاوضات المباشرة بين الطرفين، وليس عن طريق فرض شروط من جانب الأمم المتحدة». وأن مثل هذا القرار «مشين وسيضع إسرائيل في موقف تفاوضي ضعيف للغاية، وهو غير عادل بالمرة بالنسبة لكل الإسرائيليين». في غضون لحظات، خرجت وسائل الإعلام الاسرائيلية بعدها، وهي تشيد بالموقف المصري، وبالرئيس السيسي تحديدا، الذي أنقذ المستوطنات الإسرائيلية من ادانة دولية، وتشيد بنتنياهو لنجاحه في «تدشين شبكة علاقات شخصية مع السيسي، تحقق لإسرائيل عوائد إستراتيجية».

لقد حاولت جريدة «الأهرام» المصرية، (الجمعة 23 ديسمبر الحالي 2016)، التخفيف من قرار مصر سحب طلبها، من خلال الادعاء بان «الرئيس عبد الفتاح السيسي تلقى – مساء الخميس- اتصالاً هاتفيا من الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، تم التطرق خلاله إلى مستقبل العلاقات المصرية – الأمريكية، بعد تولي الإدارة الأمريكية الجديدة مسؤولياتها بشكل رسمي، وفي هذا الإطار تناول الاتصال مشروع القرار المطروح أمام مجلس الأمن حول الاستيطان الإسرائيلي، حيث اتفق الرئيسان على أهمية إتاحة الفرصة للإدارة الأمريكية الجديدة للتعامل بشكل متكامل مع كافة أبعاد القضية الفلسطينية، بهدف تحقيق تسوية شاملة ونهائية لهذه القضية». إننا نربأ بالقيادة المصرية، ومصر هي الدولة العربية الأقوى والأكبر، القيام بمثل هذه المسلكيات التي تقزّم حجمها، ولكن للأسف، بعد عهد عبدالناصر، بدأت مصر تصغر دورا، حتى جاء الرئيس السيسي ليمسخ هذا الدور بشكل كبير.

لعلم الرئيس السيسي، إن كان لا يعرف، فإن ترامب يعمل جادا، من أجل نقل السفارة الامريكية في الكيان إلى القدس، وفق ما صرّح به هو ومستشاروه حديثا. إنه مؤيد لسياسة الاستيطان حتى العظم. ومرشحه لمنصب نائب الرئيس، هو مايك بينس، الصهيو – مسيحي. ويعتبر إسرائيل، الحليفة الاكبر للولايات المتحدة، وسبق له أن قال: إنه لا يعارض البناء في الكتل الاستيطانية وفي القدس تحديداً. ترامب طلب من الفلسطينيين الاعتراف بإسرائيل «كدولة يهودية» عيّن ترامب، المتطرف ستيف بانون (صاحب موقع بريتبارت الصهيوني) وأحد أبرز دعاة «اليمين البديل»، كبيرا للمستشارين وكبيرا للمخططين الاستراتيجيين في إدارته المقبلة، فيما يعتبر بانون صهيونيا متطرفا جدا في تأييد الكيان، وحاقدا على كل العرب. أما سفيره في إسرائيل فهو ديفيد فريدمان، الذي عمل مستشارا لترامب لشؤون العلاقات الأمريكية – الإسرائيلية، خلال الحملة الانتخابية للرئاسة الأمريكية، وقال فريدمان «إنه يتطلع للعمل من القدس» التي وصفها «بالعاصمة الأبدية لإسرائيل».

معروفة أيضا، تصريحات ترامب الحاقدة على كل المسلمين، ونيته بناء جدار على حدود أمريكا مع المكسيك، وموقفه من المهاجرين غير الشرعيين إلى الولايات المتحدة، خاصة من دول أمريكا اللاتينية، ونيته تسجيل أسماء كل المسلمين في الولايات المتحدة، في مؤسسات أمنية خاصة لمراقبتهم، خوفا من ممارسة بعضهم للإرهاب مستقبلا. وقد تبين من تقارير إسرائيلية تم نشرها بداية الأسبوع الحالي، أن المبعوث الأمريكي الجديد للمفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية، هو يونتان دوف غرينبلات، وهو يهودي متدين ومتشدد، درس الدين اليهودي في مستوطنة «الون شفوت» بالقرب من نابلس في الضفة الغربية المحتلة. ويتمسك بالمواقف الصهيونية المتشددة، الى جانب تشدده الديني. وهذا التعيين يعكس أيضا توجهات ترامب في المرحلة المقبلة. صحيفة «يديعوت أحرنوت» ذكرت (الأحد 25 ديسمبر 2016) ،»إن غرينبلات، يهودي من مواليد الولايات المتحدة الأمريكية، ودرس الديانة اليهودية، في أحد المعاهد الدينية المتشددة، للتيار الديني الصهيوني. واضافت الصحيفة، أن المبعوث الجديد يميني معروف». هذا التعيين يكمل تعيين السفير الجديد في تل أبيب، السابق الذكر، ديفيد فريدمان، اليميني الصهيوني المتطرف الذي يعدّ من أكبر الداعمين للاستيطان.

حول حقائق القرار نقول: إنه صدر بموجب الفصل السادس وليس السابع، أي أنه يفتقد آلية التنفيذ، ولا عقوبات على إسرائيل إن لم تقم بتنفيذه. من جانب آخر، فلنذكّر القرّاء الأزّاء ، بقرارت الأمم المتحدة ، وكل الهيئات التابعة لها، التي تنص على الحقوق الفلسطينية، كذلك بكل قرارات مجلس الأمن حول الاستيطان الصهيوني، وحملت الارقام 446 (صدر في مارس 1979) و452 (يوليو 1979)، و465 (مارس 1980) و473 (أغسطس 1980) على التوالي، لكن قرارا واحدا لم يجر تنفيذه منها. رد فعل الحكومة الإسرائيلية على القرار الأخير 2334، هو الرفض التام له، وإقرار بناء تجمعات استيطانية جديدة في القدس. للعلم، نذكّر أيضا، بما كان قد صرّح به مناحيم بيغن، وكان رئيسا لوزراء الكيان الصهيوني حينها: «لو أن الـ121 دولة (عدد الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة حينها) صوتت لقرار دولي ترفضه إسرائيل، فإن ما ستطبقه الأخيرة هو قرارها فقط، رغم كل دول العالم».

يبقى القول، إن القرار يتح للسلطة الفلسطينية وللدول العربية كافة، وللهيئات القانونية والفلسطينية والعربية والدولية، رسمية وشعبية، التقدم بشكاوى (دعاوى) إلى محكمة الجنايات الدولية في لاهاي، لمحاكمة القادة الإسرائيليين، بدءا من نتنياهو وانتهاء بأصغر مسؤول، لملاحقتهم والقبض عليهم، استنادا للقرار الأممي. إن امتناع الولايات المتحدة عن التصويت في مجلس الأمن، وتمرير مشروع قرار وقف الاستيطان الاسرائيلي، ليست سياسة أمريكية ولن تكون. ولن يترك القرار أثرا ولو صغيرا،على التأييد الامريكي الدائم للكيان الصهيوني، أو حتى على «جهود السلام»، التي اشغلت واشنطن نفسها بها، واشغلت العالم معها، منذ عام 1967 وحتى الآن. نقول أيضا إن القرار سيساعد مسيرة مقاطعة الكيان الصهيوني عالميا. التحية للدول، التي قدمت القرار إلى مجلس الأمن مرة أخرى، رغم سحب مصر له. لا نستهين بالقرار، فهو إيجابي ومهم، لكن لنكن واقعيين من جهة أخرى، فالدولة الصهيونية تعتبر نفسها أقوى من العالم ومن الأمم المتحدة وهيئاتها مجتمعة ومن مجلس الأمن ومن كل قوانين الشرعية الدولية.

قد يعجبك ايضا