مقال هام حول المال الثقافي في تسويق الأفكار البائدة!

 

الأربعاء 28/12/2016 م …

الأردن العربي – أرواد قطريب …

** الجوائز المتهمة بتدمير الذائقةوتمجيــد الفســــاد الثقافـــي

ليس المقصود المال الذي يمكن جنيه من الأعمال الثقافية، بل المال الذي يوظف من أجل دعم الثقافة أو بالأحرى أعمال معينة من الثقافة أو نوع محدد من الأفكار والآراء والأساليب!. فالمعروف عربياً، أن أصحاب رؤوس المال العالية هم أناس متهمين ثقافياً خاصة بالنسبة للدول الخليجية التي تعمل على تسويق أفكار معينة وأساليب محددة من الكتابة مقابل دفع أموال طائلة للكتاب والمثقفين العرب من كل حدب وصوب، بل إن البعض ممن يعملون في تلك البلدان في المجالات الإعلامية والثقافية يقولون إن الأمير الفلاني قالها بالفم الملآن ادفعوا للكاتب الفلاني ما يشاء، المهم أن تستقطبوه للكتابة أو للانضمام إلى هذا المنبر أو ذاك!.

شراء الذمم ليس أمراً جديداً بالنسبة للمال المشبوه غير المتعوب فيه إذا صح التعبير، فحتى على صعيد الأساليب الأدبية فإن هذا المال يفضل تقنيات معينة في الكتابة لأن المهارات الجديدة التي تشكل سابقات في فن الشعر مثلا يمكن أن تشكل خطراً عليه لأنها تحرض الجيل على كسر القاعدة السلفية وتدفعه للخروج من بيت الطاعة حيث من الممكن أن يأخذ هذا الجيل كل المال الذي يريد لكن شرط ألا يشذ عن القاعدة المرسومة سلفاً منذ مئات السنين!.

في الفضائيات العربية اتجاهات وهابية في الكتابة يمكن الحديث عنها، مثلما هناك متطرفون في التفكير، ومن الخطورة بمكان أن يصل أولئك السلفيون إلى الامتداد بهذا الشكل القوي والمخيف قادمين من النص الديني باتجاه النص الأدبي متذرعين بشتى أنواع الدعم المادي والنفسي من أجل تخريب أجيال كاملة تعيش تحت خط الفقر وهي بالتالي مضطرة لأن تحابي هذا المنبر أو ذاك!. سيقول الكثيرون إن ضريبة الإبداع لابد أن تدفع في كل الظروف وإن المبدعين الحقيقيين لا يمكن أن يرضخوا إلى الضغوط المادية والنفسية التي تمارس عليهم، لكن في المقابل يبدو التعويل على مدى تحمّل الفرد وقداسته يمكن أن يأخذ بعداً نرفانياً وعاطفياً لا يمكن أن يتحقق على أرض الواقع!.

ممن نعرفهم في الوسط الثقافي هناك الكثير ممن اضطروا إلى محاباة شروط الجوائز مثلاً من أجل المشاركة أملاً في الربح لأن مبلغ الجائزة الأولى يمكن أن ينتشل الفائز من الفاقة والفقر ويتيح له التفرغ للعمل الأدبي.. ألا يعتبر التساؤل عن استبعاد قصيدة النثر من المسابقات أمراً مشروعاً؟ لماذا لا يمكن للشاعر طرح مواضيع يعتبرها القائمون على رأس المال المخصص للجوائز خطوطاً حمراً وأهمها الديموقراطية وانتقاد العرب والدين والتراث؟.

هل يمكن أن نتخيل هذا المال يسمح بالحديث ضمن نصوص المسابقات عن حرية المرأة وبعض تلك الدول لا تسمح للمرأة بقيادة السيارة؟ رغم ما يمكن أن يحكى عن ممارسات فضائحية يرتكبها أولئك الأثرياء في غير مكان من العالم؟. ماهو مصير النص الأدبي في كل هذه القضايا الحساسة التي لا تتصل بأسلوب الكتابة بالنسبة للشاعر أو الروائي بل تصل إلى أفكاره وقناعاته المبدئية؟.

نظرة سريعة لمعظم المنابر العربية التي تختص بالثقافة وترصد ميزانيات كبيرة بل وفاحشة مقابل الاستحواذ على المسابقات والجوائز والصحف والمجلات والفضائيات، يمكن أن يشرح لنا طبيعة ما يجري في هذا المشهد، فمسابقات شهيرة تختص بالشعر مثل “شاعر المليون وأمير الشعراء” حولت القصيدة إلى مصاف برامج المنوعات عندما اعتمدت على التصويت عبر الموبايل وحضور الجمهور كأن العملية اقتصادية بالاتفاق مع شركات الخليوي التي تربح الكثير جراء إرسال الرسائل من أجل التصويت خاصة أن الشعراء غالبا ما يكونون متحدرين من قبائل وعشائر يتحول دعمهم بالتصويت بمثابة واجب على أبناء العمومة والأخوال ما يعني مردودات ضخمة إلى هذه الشركات!.

النقطة الخطيرة الثانية هي إيقاظ الشعور القبلي أثناء عمليات التصويت، فالمجتمعات العربية الغارقة عملياً في الطائفية والفقر والتخلف عليها أن تجرب العودة إلى الشعور القبلي في هذه المسابقات وعليها أن تعود للعمل لنصرة الأخ سواء كانت قصيدته رديئة أم جيدة، لأن حكم العشيرة وإحساس الانتماء إلى هذا الفخذ أو ذاك من شأنه رفع وتيرة العصبية إلى حدها الاقصى.. القصة ترتبط بمشكلة كبيرة على صعيد الذهنية والمنابر والمشروع العربي الذي نريده بشكل عام!.

من المعروف أن هذه المسابقات تسببت بعراك وشجارات في المنابر المختلفة التابعة لمختلف الدول العربية التي ينتمي إليها المتسابقون لأن انحياز اللجان كان مع هذا الشاعر بناء على اعتبارات ليست إبداعية، كما أدى هذا الأمر إلى انسحابات متعددة من تلك المسابقات ما يؤكد أن الأجواء السائدة في غرف هذه المسابقات ليست إبداعية بالتأكيد!.

على جانب آخر فإن العديد من الشعراء الذين حسموا أمرهم وأرسلوا مشاركاتهم إلى مسابقات خليجية شهيرة، قاموا بإحداث تغييرات كبيرة على النص من أجل أن يأخذ وجهة تراثية أو حتى دينية عبر إيراد عبارات تؤكد أن الشاعر مؤمن ومسلم حسب الأصول!. إنه المال غير الإبداعي الذي يحاول إحداث التغيير الكبير في الإبداع ومن المؤكد أننا بعد زمن طويل لابد أن نعاني من عمليات تدجين كبيرة تعصف بالمشهد خاصة إذا لم تقم في وجه هذا المال انتفاضات إبداعية كبيرة تمجّد الفقر وتفضله على انتهاك النص تبعاً لما يريده المال الثقافي!.

لا تختلف الأمور كثيراً في منابر الصحف المطبوعة عن الفضائيات لأن تلك الوسائل الإعلامية تتبع للجهة الممولة نفسها في الغالب، فنحن نستطيع أن نتابع حضور شعراء هامين في تلك المنابر لقاء مبالغ خيالية يقبضونها من أجل زاوية صغيرة الحجم تنشر شهرياً في هذا المنبر، هنا الموضوع يأخذ صفة الدعاية والإعلان والاستقطاب للكتاب الآخرين خاصة من الجيل الشاب الذي لابد أن يطمئن إلى المنبر وينساق معه بشكل أكبر بسبب وجود كتاب يعتبرون من الرواد والآباء الهامين بالنسبة للجيل الشاب!. إنه المرض نفسه الذي صنعه المال الثقافي في شاشات التلفزيون والفضائيات المختلفة، يكرر فعله في الإذاعات والجرائد ومجلات الثقافة الشهيرة التي تلقى سمعة كبيرة في مختلف أنحاء العالم العربي بسبب ميزانياتها الهائلة قبل كل شيء حيث عبر تلك الميزانيات يمكنها استقطاب الأسماء من كل الدرجات والسويّات!.

يرى المهتمون بالمشهد الثقافي أن غياب المشروع التنويري الحداثوي الواضح المعالم هو أحد أسباب هذه الظاهرة الخطيرة من شراء النصوص وسيطرة المال الموظف في الثقافة والأدب بشكل عام، صحيح أن معظم الجوائز العالمية لا تخلو من الملاحظات والغايات غير الواضحة المعالم أو المعروفة بشكل لا يقبل اللبث، لكن الفضاءات في دول العالم الآخر مختلفة عما يجري في العالم العربي، هناك حيث تنتشر المنابر وتتنوع الآراء وتكثر الفضائيات في مختلف الاختصاصات، لا يمكن محاصرة المبدعين على نحو ما يجري في العالم العربي حيث المال يشكل العامل الأكثر سطوة بسبب تدني مستوى الدخل وندرة الفرص وغير ذلك..

نستطيع اليوم أن نتحدث عن حالات كثيرة اضطر فيها أصحاب الآراء والمبدعون في غير اختصاص، إلى إخفاء فنونهم وآرائهم بسبب سطوة المال في أماكن العمل لدى تلك الدوائر خاصة عندما يتعلق الأمر بما يمس بنى هذه الأنظمة في جوهرها الملكي أو الأميري أو ما شابه من تسميات تختلف في الشكل وتتفق في المضمون!. هل يمكن تخيل مبدعين رازحين تحت سطوات من هذا النوع؟ وكيف يمكن أن تجري عملية تحرر هائلة وكبيرة في مختلف المناطق العربية من سطوة هذا المال لتعود النصوص إلى رشدها؟.

غياب الجوائز الكبيرة التي يمكن أن توازي ما تطرحه دول الخليج، يشكل أسئلة ملحة في مختلف الدول العربية المشرقية والمغربية على حد سواء، تلك الدول يمكن أن تختصر الكثير من المصاريف الزائدة في الشؤون الأخرى لتخصص ميزانيات كبيرة للاحتفاء بالثقافة والإبداع وإعلان الجوائز العالية التي تساعد الكتاب على النجاة من سطوة المال الأسود كما يمكن أن نسميه؟.

إحدى تجليات المعضلة العربية الأزلية، ترك الثقافة في آخر سلم الاهتمامات، والنتيجة غالباً ما تفاجئ الدوائر والمؤسسات بعد تراكم سنين من الاهمال على شكل انتشار هائل للتطرف والإرهاب والتخلف والجهل بمختلف سوياته.. تلك المجتمعات العربية بحاجة اليوم إلى هزة من الجذور كي تصحو وتبدأ مباشرة باللحاق بالحضارة والحداثة قبل الانقراض النهائي والخروج من التاريخ!.

قد يعجبك ايضا