الهند والولايات المتحدة والكيان الصهيوني / الطاهر المعز

الطاهر المعز( تونس ) – الإثنين 8/4/2024 م …  

انتقلت الهند من بلد رائد لمجموعة “عدم الإنحياز” التي انعقد مؤتمرها التحضيري في باندونغ بإندونيسيا سنة 1955، إلى حليف للإمبريالية الأمريكية وللكيان الصهيوني، ومنتجعًا للضباط الصهاينة بين جولتَيْن من العدوان المستمر ضدّ الشعب الفلسطيني. أما في الدّاخل فقد ارتفعت وتيرة العُنف ضد النّساء وضدّ “الأغيار” (غير الهندوس) وخصوصًا ضد المسلمين، وتم وضع حد للحكم الذّاتي في إقليم البنجاب، وتوسّعت الهُوّة بين الأغنياء والفقراء وأصبحت البلاد تُصدّر العُمّال إلى فلسطين المحتلة ليحلوا محل العُمال الفلسطينيين الممنوعين من التنقل أو محل المهاجرين الذين غادروا فلسطين المحتلة في بداية العدوان يوم السابع من تشرين الأول/اكتوبر 2024، وقُدِّرَ عدد العمّال الهنود العاملين في فلسطين المحتلة بما لا يقل عن 18 ألف سنة 2022، خصوصًا في مجال رعاية المُسنّين والمرضى وخدمة العائلات، واتفقت الدّولتان خلال شهر أيار/مايو 2023 على انتقال ما لا يقل عن أربعين ألف عامل هندي إلى فلسطين المحتلة للعمل في مجالات البناء والرعاية الصحية والتمريض، وتعزز الإتفاق منذ العدوان الأخير على غزة الذي بدأ في السابع من تشرين الأول/اكتوبر 2023 وإغلاق المعابر وحظر دخول العمال الفلسطينيين إلى الجزء المحتل من بلادهم سنة 1948 ومُغادرة العمال التايلنديين أو الرومانيين، وبدأ تدفّق العمال الهنود خصوصًا في قطاع البناء والإنشاء الذي يحتاج إلى حوالي ثمانين ألف عامل، بعد مرور نصف عام على العدوان، وبعد فشل حكومة الكيان الصهيوني في جلب العمال من أوزبكستان وسريلانكا، وفق تقرير نشرته وكالة أسوشيتد برس يوم الرابع من نيسان/ابريل 2024




تعزز التحالف مع الكيان الصّهيوني مع بداية تولّي ناريندا مودي – زعيم حزب بهاراتيا جاناتا –  رئاسة وزراء الهند سنة 2014 واستبدال سياسة “التوازن” بتعزيز التحالف مع الإمبريالية الأمريكية التي قررت، منذ سنة 2012، زيادة عدد المناورات العسكرية البحرية في المحيطَيْن الهادئ والهندي، ونقل 60% من قواتها البحرية إلى آسيا والمناطق القريبة من الصين بهدف محاصرتها عسكريا وتجاريا، اعتمادًا على القواعد العسكرية الأمريكية الضّخمة في اليابان وكوريا الجنوبية وفي بلدان جنوب شرقي آسيا والفلبين، ولهذا الغرض تعززت العلاقات الأمريكية الهندية، فالهند بلد كبير من حيث المساحة والسكان، وسوق واسعة فضلا عن قدراتها التكنولوجية المتطورة، فالهند قوة نَوَوِيّة ولها عشرات الآلاف من المهندسين والتقنيين في مجالات الإتصالات والتقنيات الدّقيقة، وتعززت العلاقات إلى درجة تكليف الهند بتدريب قوات الأمن الأفغانية تمهيدًا لخروج الجيش الأمريكي من أهم قواعده بالبلاد، وأعلنت وزارة الحرب الأمريكية ارتفاع مستوى التعاون العسكري بين الطرفين إلى أعلى درجاته سنة 2022…

شَكّل حصول حزب باهاراتيا جاناتا وتولّي زعيمه ناراندا مودي رئاسة وزراء الهند سنة 2014، تحولا في سياسات الهند الدّاخلية، لأن إيديولوجية الحزب تعتبر غير المُنْتَمِين للقومية الهندوسية “غُرباء” وجب سَحْب جنسيتهم الهندية، وهي نظرة مُطابقة تمامًا للعقيدة الصهيونية، وتُطبق حكومة ناراندرا مودي وحزبه سياسات نيوليبرالية أضرّت بالمُزارعين الذين كانت الحكومة تشتري منتجاتهم بسعر يُشجعهم على الإنتاج (دعم الإنتاج الفلاحي) ولما احتجّ صغار المزارعين تَمّ قَمعهم بشكل دَمَوِي من قِبَل أجهزة الأمن الحكومية، كما شَكّل تحوّلاً جذريا في السياسة الخارجية للهند التي تحولت من “توازن العلاقات بين ولشنطن وموسكو” إلى دعم المخططات الأمريكية في آسيا والعالم، ودعم الكيان الصهيوني، حيث أعلن رئيس وزراء الهند:” شكّلت الهجمات الإرهابية على شعب إسرائل صدمة لنا، ونحن نصلي ونترحم على أرواح الضحايا الأبرياء وعائلاتهم، ونؤكد تضامننا مع إسرائيل…”، وامتنعت الهند – مثل حلفاء الولايات المتحدة – عن التصويت في الأمم المتحدة لصالح مشروع قرار بوقف إطلاق النار يوم 27 تشرين الأول/أكتوبر 2023، وكان ذلك مؤشرًا إضافيا على تأييد الهند للسياسات الأميركية، رغم انتمائها لمجموعة “بريكس”، وأكّدت العديد من الأحداث والمواقف موقع الهند في السياسة الدّولية، وآخرها المُشاركة العسكرية المباشرة في العدوان على الشعوب العربية وشعب اليمن بشكل خاص، وإرسال عشر سفن حربية إلى البحر الأحمر، فضلا عن المناورات العسكرية المشتركة بين القوات البحرية الأميركية والهندية، وتبادُل المعلومات الاستخباراتية، سواء في إطار الخطط الأمريكية لمحاصرة إيران أو لتطويق الصّين، ويتمثل اختيار الولايات المتحدة للهند في محاولة توكيل قوة اقتصادية (لاستثمار الشركات الأمريكية)  وديموغرافية ( سوق للمنتجات الأمريكية) وعسكرية هامة في المنطقة لمساعدتها على مواجهة الصين، خصوصًا وإن للهند خلافات تاريخية وحُدُودية مع الصين، فضلا عن طموح الهند لتصبح ثاني أكبر اقتصاد عالمي.

كانت الهند تشتري الأسلحة من الإتحاد السوفييتي ثم من روسيا، ثم بدأت تشتري الأسلحة الأمريكية باسم التنويع، لترتفع قيمة الصفقات العسكرية وآخرها شراء 31 طائرة بدون طيار من طراز بريداتور بقيمة ثلاث مليارات دولار، وأكّد وزير خارجية الهند زيادة التنسيق العسكري مع الولايات المتحدة بإرسال الهند ما مجموعه 14 سفينة حربية إلى خليج عَدَن وبحر العرب، وحاملتي طائرات، فضلا عن تشغيل محطات للرادار ومراكز الرصد في مياه المحيط الهندي لمراقبة التحركات البحرية المختلفة، ونَشْرِ طائرات استطلاع في منطقة بحر العرب، وهي خطوات عَمَلِيّة لدعم الكيان الصهيوني والإمبريالية الأمريكية في حروبهما العدوانية ضد الشعوب العربية، وشعب فلسطين بالخصوص، بتواطؤ مع حكام السعودية والإمارات حيث يُشارك جيشا البلدين في مناورات عسكرية مع الهند، منذ سنة 2021، كما سمح حُكّام الخليج لسلاح البحرية الهندي بالعبور والرّسُوّ في موانئ دُبَي وعُمان والبحرَيْن وغيرها، وتحالفوا مع الهند (ضمن مشروع أمريكي لمنافسة مبادرة “الحزام والطّريق” الصينية) لإنشاء خط أنبوب غاز طبيعي تحت المياه ومدّ الطريق التجاري الذي يُدْمج الكيان الصهيوني في مشروع نقل السلع من آسيا إلى أوروبا، عبر البر وعبر موانئ الخليج وفلسطين المحتلة، وتزامن هذا التقارب الخليجي الهندي، بإشراف أمريكي، مع ارتفاع عدد العاملين الهنود بالخليج والمقدّر حجمهم بنحو 38% من مجموع سكان الإمارات ليشكلوا أكبر مجموعة عرقية بها، مع الإشارة إن العُمال المهاجرين والعاملات، يُشكلون أكثر من تسعين بالمائة من سكان الإمارات وقَطَر، ما قد يجعل الهند تُطالب بعد سنوات أو عُقود بضَمّهما باعتبار الهنود أغلبية، كما تزامنت هذه الأحداث مع ارتفاع استهلاك الهند للنفط ومشتقاته لتصبح ثالث أكبر مستهلك عالمي، والهند مستورد رئيسي للنفط الخام الروسي، وتُصدّر بعضه إلى أوروبا عبر البحر الأحمر وقناة السويس، ويُصنّف صندوق النقد الدولي اقتصاد الهند بأنه سادس أكبر سوق استهلاكي ويُصنفه كاقتصاد سوقي نامٍ متوسط الدخل، يستند إلى سياسات اقتصادية حمائية دعمتها الحكومات المتعاقبة منذ الاستقلال، غير إن اقتصاد الهند غير قادر على استيعاب قوة العمل التي يُهاجر قسم منها فيما يعمل قسم آخر في الإقتصاد الموازي، وقد بلغ حجم اليد العاملة في الهند نحو خمسمائة مليون عامل سنة 2019، ويُشكل قطاع الخدمات نصف الناتج المحلي الإجمالي، فيما ارتفع معدّل الدين العام إلى 86% من الناتج الإجمالي وفق بيانات نهاية سنة 2019، ويتميز وضع الهند بالفساد والرشوة وبالفوارق الطبقية المُجحفة والتفاوت الكبير في الدّخل ومستوى العيش، وأصبحت الهند فناءً خَلْفِيًّا للشركات التكنولوجية ولشركات صناعة الأدوية العابرة للقارات، بفعل وجود موظفين من ذوي المؤهلات العالية وتدنِّي كلفة الإنتاج، مما يزيد من حجم ونسبة الأرباح للشركات الأمريكية وغيرها التي تستغل العمالة الماهرة في مجال تكنولوجيا المعلومات نظراً إلى تدني أجور العمّال، وفق بيانات البنك العالمي الذي يُشير إلى انتشار الفقر واتساع الفجوة وغياب شروط الحياة والرعاية الصحية والصرف الصحي والكهرباء والمدارس في العديد من المناطق الريفية وفي أحياء القصدير المحيطة بالمدن الكبرى…   

 

قد يعجبك ايضا