قصف جيش الاحتلال  لدور العبادة هو امتداد لاعتداءات قوى الظلام والإرهاب والتطرف عليها

الأردن العربي –  الإثنين 23/10/2023 م …

رام الله : قال مركز حقوق الإنسان والديمقراطية “شمس” إن استهداف جيش الاحتلال الإسرائيلي للكنائس والمساجد في قطاع غزة وفي مخيم جنين . لا فرق بينه وبين قوى الظلام والإرهاب والتطرف التي تستهدف المساجد والكنائس وتقتل المؤمنين والموحدين، وتلحق الأذى والدمار والخراب بالكنائس والمساجد، وقال المركز أن المساجد والكنائس والمزارات والمقامات سواء لدى الديانات التوحيدية أو غير التوحيدية أماكن مقدسة يجب احترامها وعدم التعرض لها، احتراماً لمعتقدات أتباعها . وأن تلك الأماكن المقدسة تمثل أحد الرموز الدينية والروحية لأتباعها. وأن الاعتداء عليها هو اعتداء على العقيدة، كما يشكل ذلك مساً بكرامة أتباعها واستفزازاً لمشاعرهم.




وهنا يطرح التساؤل المشروع حول العلاقة والرابط والصلة بين ما تقوم به قوى الظلام والتطرف من تنظيم داعش وجبهة النصرة وغيرها في سوريا والعراق من استهداف وتدمير للكنائس والمساجد واستهداف مباشر للمؤمنين في كنائسهم ومساجدهم ومزاراتهم، وقتل وتهجير وسبي النساء وقتل الأطفال والشيوخ، وغيرها  من الممارسات الوحشية والانتقامية التي تتنافى مع القيم الأخلاقية والدينية والحقوقية والإنسانية، وما تقوم به دولة الاحتلال الإسرائيلي من أعمال من نفس الدرجة في القتل  والاستهداف للمدنيين من الأطفال والنساء وتدمير للمساجد والكناس فوق رؤوس المصلين وساكنيها في انتهاك جسيم للقانون الدولي ولكافة الأعراف والمواثيق الدولية ذات الصلة.

فقد أجمع العالم منذ زمن على أهمية وضرورة احترام الأماكن الدينية والمقدسة وعدم التعرض لها بالتدمير أو النهب أو السرقة أو الاعتداء، إضافة إلى ذلك أصبح هناك إجماع لدى البشرية بحرمة التعرض للاماكن الدينية انطلاقاً من مسلمات عقائدية وغيبية ودينية، وقد تعزز ذلك من خلال القوانين المحلية والدولية في كافة دول العالم التي منحت حماية خاصة ومميزة للأماكن الدينية نظراً لأهميتها ومكانتها لدى عامة الناس وفئات المجتمع المختلفة.

فسياسة التدمير الممنهجة التي تنفذها دولة الاحتلال الإسرائيلي للأماكن الدينية ودور العبادة تأتي نظراً للأهمية الرمزية الخاصة من الناحية الروحية والمعنوية للفلسطينيين، ولما تشكله من مكانة لدى المؤمنين ورجال الدين والدعاة . إذ تشكل تلك الأماكن جزء من تاريخ وثقافة وحضارة وهوية الشعب الفلسطيني مسيحيين ومسلمين، والتي تعمل دولة الاحتلال على نفيها وتغيبها بكافة الوسائل والأساليب الممكنة والمتاحة، وقد دأبت دولة الاحتلال الإسرائيلي على انتهاج هذه السياسية منذ النكبة في العام 1948م إذ قامت بتدمير الكثير من المساجد والكنائس وتحويلها إلى مطاعم وفنادق ومتاحف لدولة الاحتلال الإسرائيلي، وهي استمرار لما قامت به الحملات الصليبية في العصور الوسطى عند احتلال القدس حيث عملت تلك الحملات على تحويل المسجد الأقصى المبارك إلى اصطبلات لخيول الجيش الصليبي في تلك الفترة، بل تجسيداً أيضاً لمحاكم التفتيش وملاحقتها وتدميرها لكل ما هو عربي وإسلامي في الأندلس وتحويل المساجد إلى متاحف ودور للعرض السينمائي ومرابط لخيول الجيش والعسكر.

اعتمد الاحتلال الإسرائيلي في عدوانه على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة على استهداف الحياة المدنية في القطاع بتدمير المنشآت المدنية بكافة أنواعها من مدارس وجامعات وأبراج سكنية وطرق مواصلات وحدائق عامة ومستشفيات ومراكز طبية ولم تسلم من هذا العدوان أماكن ودور العبادة (المساجد والكنائس)، إذ تشكل دور العبادة جزء من التراث الثقافي والديني والروحي لأي شعب، واستهدافها يعتبر جزء من استهداف الحياة المدنية للمواطنين بوصفها منشآت مدنية مما يعبر عن النوايا والأهداف العدوانية للاحتلال الإسرائيلي في استهداف المدنيين والمنشآت المدنية، وعن مدى الوحشية لدى الطبقة السياسية في دولة الاحتلال الإسرائيلي بهذه الحكومة اليمينية المتشددة التي تضرب بعرض الحائط كافة المواثيق الدولية التي تدعو إلى تحييد المدنيين والمنشآت المدنية وخاصة دور العبادة عن الاستهداف أثناء العمليات  الحربية.

وقد منح القانون الدولي الإنساني حماية خاصة ومميزة للأماكن الدينية ودور العبادة وتمثل ذلك في معاهدة لاهاي بشأن قوانين وأعراف الحرب البرية لسنة 1907م وخاصة المادة رقم (27) والتي نصت على” أنه في حالات الحصار أو القصف يجب اتخاذ كل التدابير اللازمة لتفادي الهجوم، قدر المستطاع على المباني المخصصة للعبادة، والفنون والعلوم والأعمال الخيرية والآثار التاريخية، والمادة رقم (56) والتي نصت على أنه ” يجب معاملة ممتلكات البلديات وممتلكات المؤسسات المخصصة للعبادة والأعمال الخيرية والتربوية، والمؤسسات الفنية والعلمية، كممتلكات خاصة، حتى عندما تكون ملكاً للدولة، و يحظر كل حجز أو تدمير أو إتلاف عمدي لمثل هذه المؤسسات، والآثار التاريخية والفنية والعلمية، وتتخذ الإجراءات القضائية ضد مرتكبي هذه الأعمال”.[1]

وعلى الرغم من الحماية الخاصة التي أوردها القانون الدولي الإنساني لحماية الأماكن الدينية ودور العبادة إلا أن دولة الاحتلال الإسرائيلي مستمرة في استهداف الكنائس والمساجد في قطاع غزة. ويعتبر استهداف الأماكن الدينية ودور العبادة جريمة حرب في القانون الدولي، وهذا ما أقرته المادة رقم (8) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية والتي نصت على أن ” تعمد توجيه هجمات ضد المباني المخصصة للأغراض الدينية أو التعليمية أو الفنية أو العلمية أو الخيرية، والآثار التاريخية، والمستشفيات وأماكن تجمع المرضى والجرحى، يعتبر جريمة حرب”.[2]

ونظراً لخصوصية الأماكن الدينية من الناحية الروحية والمعنوية للشعوب والمجتمعات فقد أكدت الجمعية العامة للأمم المتحدة على أهمية حماية الأماكن الدينية والتاريخية، وجاء ذلك في القرار رقم 36/147 بتاريخ 16/ ديسمبر /1981 فقرة (6) بأن الاعتداء على الأماكن التاريخية والثقافية والدينية هي من قبيل جرائم الحرب.[3]

وخلال عدوان الاحتلال الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة فإن جيش الاحتلال الإسرائيلي يتعمد عن سبق إصرار وترصد استهداف المساجد والكنائس دون أي اعتبار لحرمتها الدينية والروحية وللحماية الخاصة التي تتمتع بها. إذ عملت قوات الاحتلال الإسرائيلي على تدمير (كنيسة القديس برفيروس) والتي تم إنشائها منذ أكثر من 1600 سنة، وتعتبر أقدم كنيسة في قطاع غزة وقد بنيت فوق ضريح القديس برفيريوس، وينظر إليها على أنها من أهم المعالم الدينية للمسيحيين في فلسطين عامة وفي مدينة غزة خاصة،  فهي رمز هام للوجود المسيحي في المدينة، كما تعد الكنيسة مكاناً مهماً للعبادة والاحتفالات الدينية، إن تصرفات جيش الاحتلال الإسرائيلي هي مؤشر على أنها تمارس سياسة فوقية بدافع الديانة تجاه المسلمين والمسيحيين من خلال التضييق عليهم، وما تقوم به هو انعكاس للتطرف الديني لدى دولة الاحتلال القائمة بالأساس على الفكر الديني التلمودي الذي يرفض الآخر ويعتبر أن غير اليهود ليسوا من البشر بنظرة استعلائية عنصرية مقيتة.[4]

وعلى هذا النحو فقد استهدف جيش الاحتلال الإسرائيلي، بالتدمير الكلي أو الجزئي عدداً من المساجد والكنائس، فقد أعلنت وزارة الأوقاف بقطاع غزة مساء السبت 21/10/2023 أنه تم تدمير( 26 ) مسجداً بشكل كلي من قبل طائرات الاحتـلال الإسرائيلي، منذ 7 أكتوبر الجاري[5]. إن الاستهداف المباشر للأماكن الدينية ودور العبادة من قبل دولة الاحتلال الإسرائيلي يدخل في جريمة تدمير التراث الثقافي كون تلك المساجد والكنائس تقع ضمن الآثار التاريخية للشعب الفلسطيني، وهذا انتهاك جسيم للاتفاقية الدولية لحماية الممتلكات الثقافية في النزاع المسلح لسنة 1954م، والتي تعتبر الأماكن الدينية جزء أصيل ومهم من الممتلكات الثقافية وقد نصت المادة رقم (4) من الاتفاقية على أن ” تتعهد الأطراف السامية المتعاقدة بالامتناع عن أية تدابير انتقامية تمس الممتلكات الثقافية”[6].

واستناداً إلى ذلك فإنه يتوجب على المؤسسات الدولية ذات العلاقة وخاصة مجلس الكناس العالمي والكرسي الرسولي في الأراضي المقدسة ومنظمة المؤتمر الإسلامي ومنظمة اليونسكو بالتحرك العاجل والضغط على حكومة الاحتلال الإسرائيلي لوقف استهداف الأماكن الدينية ودور العبادة في قطاع غزة، إذ أنها ترتكب بذلك جريمة حرب ضد التراث الثقافي والروحي والديني العالمي وليس ضد أهالي قطاع غزة فقط، من خلال تلك الجرائم المستمرة بهدم وتدمير المساجد والكنائس في قطاع غزة.

 

 


[1] -اتفاقية لاهاي بشأن قوانين وأعراف الحرب البرية لسنة1907م

[2] – نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، المعتمد في روما في 17 تموز يوليو لسنة 1998م.

[3] -قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن حماية الأماكن الدينية والثقافية قم 36/147 والمؤرخ في 16 ديسمبر 1981م

[4] – عن الموقع الإلكتروني لوكالة تركيا نيوز https://tr.agency/news-178357

 

[5] – عن الموقع الإلكتروني لصحيفة صدى البلد  https://www.elbalad.news/5969063

[6] -الاتفاقية الدولية لحماية الممتلكات الثقافية في النزاع المسلح المؤرخة في 14 مايو /أيار 1954م

قد يعجبك ايضا