الشهيد ابو علي مصطفى.. رجل ولا كل الرجال ايلول 70 ودوره فيها / بسام ابو شريف

بسام أبو شريف ( فلسطين ) – السبت 2/9/2023 م …

الحلقة الرابعة




التوتر الذي كان يسيطر على الجو منذ شهر حزيران كان يسيطر على الجوسيطرة كاملة لدرجة انك كنت تشعر انه بغروب الشمس لا تجد انسانا في شوارع عمان بل تجدها خالية من المارة مغلقة الدكاكين ولا تفتح الا متأخرة ساعات قليلة ثم تغلق ابوابها كانما هنالك من يهمس في اذنها بان اشتباكا كبيرا سيقع ولذلك عليهم ان يلجئوا الى بيوتهم ملجأ للامن والسلامة والبعد عن قذائف المدفعية او شظايا الرصاص.

كانت الجبهة تعد لسفر وفد قيادي كبير برئاسة الدكتور جورج حبش الى كوريا الشمالية والصين وموسكو وتم ترتيب كل هذه الامور وسافر الوفد في شهر آب الى تلك البلاد البعيدة وكان التوتر قد وصل الى درجات عالية جدا .

خلال هذا التصاعد والتصعيد في التوتر وترتيب رحلات القيادات لدول العلاقات معها كانت مدخلا لمزيد من القوة والتسلح والتدريب ونوعية السلاح الافضل خلاال ذلك كان هناك عقل عقل القوات الخاصة عقل الفرع الخاص عقل الترتيب والتخطيط الدقيق للقيام بعمليات تهز العالم وتشعره بان هنالك شعب له قضية عادلة وكان هذا الامر بغياب جورج حبش قد اصبح من مهمة الاشراف والمتابعة لابو علي مصطفى الذي كان ينوب عنه رغم انه لم يكن يلقب بنائب للامين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين اذ لم تكن حتى تلك اللحظة قد انتخبت لجنة مركزية او مكتب سياسي لينتخبوا امينا عاما ونائب للامين العام لكن اصبح متعارفا ان ابو علي مصطفى هو الذي يتحمل المسئولية ويحملها على اكتافه خلال غياب الدكتور جورج حبش وكان الشعور لدى الجميع انه حتى بحضور الدكتور جورج حبش كان ابو علي مصطفى يتحمل مسئولية كبيرة من ناحية حماية جورج حبش واختيار المكان المناسب سواء الزمان المناسب له ليتحرك او ليبقى مكانه او ليقوم بعمله او لينتقل من مكان الى مكان ولكن بغياب جورج حبش كان هذا الامر مؤكدا اذ كان ابو علي هو الملم والمتابع للتفاصيل وللقضايا الكبرى .

هذه القضايا الكبرى في تلك الايام كانت العمليات الخاصة التي كانت تخطط وتنفذ من قبل المجموعات المدربة تدريبا خاصا بقيادة الدكتور وديع حداد مسئول الفرع الخارجي او المجال الخارجي ولاشراف الامين العام او ابو علي مصطفى الذي كان يتابع بغياب الامين العام هذه العمليات ،

كان الترتيب قد تم والتخطيط قد انجز والتنفيذ على وشك البدء لعملية ضخمة لاختطاف عدد من الطائرات منها طائرة العال وتي دبليو ايه وبان اميركان وطائرة تابعة للخطوط السويسرية وذلك مرة واحدة لهز العالم هزا شديدا ليسال السؤال لماذا ومن هم هؤلاء وان اجيب العالم على السؤال بكلمة الفلسطينيين فيجب عليه ان يسأل وما هي قضية الفلسطينيين وعندها تثار قضية فلسطين من المهد الى اللحد في كل بيت في هذا العالم ولقد اطلقت في تلك العملية مجلة اللايف على تلك العملية لفظة  chaos in the sky  فوضى في السماوات وكذلك اطلق اسماء كثيرة على هذه العملية لكن الشيء المؤكد انها شدت العالم باسره وهزته لمدة اسابيع حول القضية الفلسطينية والرهائن والقصف ومصير الرهائن والافراج عن الرهائن والافراج عن الاسرى الذين طالبت بهم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين .

 كان التوقيت لبدء العملية  الكبيرة عملية الخطف المتعددة الشركات خطف طائرتها المتجهة من تل ابيب الى تيويورك واخذ الرهائن خاصة ذوي الجوازات المزدوجة التوقيت كان متلائما الى حد كبير مع الاعداد من الطرف الآخر لانقلاب على كل الاتفاقات المعقودة مع فصائل المقاومة فاعلتت الحكومة العسكرية في الاردن وطلب منها تنفيذ مهامها بضبط الوضع ولجم فصائل المقاومة الفلسطينية وهكذا تزامن وترافق تشكيل الحكومة العسكرية لبدء هجوم على المقاومة مع اختطاف تلك الطائرات التي كان قد اعد لها منذ عام تقريبا عام كامل اخذ من الوقت ترتيب تلك العملية المعقدة والتي ادهشت المخابرات في كل انحاء العالم وفي نفس الوقت كان الدكتور جورج حبش والوفد القيادي قد غادر في زيارة رسمية لكوريا الشمالية والصين وموسكو وهذا مما وضع على اكتاف ابو علي مصطفى مسئولية الجبهة الشعبية الاولى على الارض اي في الاردن ومسئوليته عن النواحي العسكرية والمالية والسياسية وكل شيء يتصل بقيادة وقرارات قيادة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وعندما بدأت العملية في السادس من ايلول وبدأت الطائرات في الهبوط في مطار الثورة كان ابو علي ملزما على ان يكون مسئولا عن كل ما يجري على الارض في الاردن ومنها مطار الثورة الا ان بقاءه هناك لم يطل كثيرا فقد كان الدكتور وديع حداد في انتظار الطائرات وكذلك ابو غسان قدورة وكان عدد من القيادات في الجبهة الشعبية قد استدعي الى ذلك الموقع قبل فترة بسيطة من  بدء الخطف وقيادة الطائرات وتوجيهها نحو مطار الثورة وهبوطها طائرة تلو الاخرى ،

ليس المجال هنا للحديث حول مطار الثورة وما جرى لكن نريد ان نشير الى ان ابو علي مصطفى حضر اجتماعا قياديا في مطار الثورة ووزعت فيه المسئوليات على عجل وصدرت الاوامر وراح كل من القيادات باتجاه تنفيذ ما عليه ان ينفذه من تلك القرارات واحضرت قوات من عدة مواقع منها الغور ومنها الجنوب ومنها الشمال لحماية مطار الثورة خشية ان تقوم اسرائيل بانزال مفاجىء لتحرير الرهائن في الوقت ذاته وقبل ان يعرف احد من الصحافة موقع المطار اويصل اليه كانت الجبهة الشعبية قد اخذت قرارا وبدأت بتنفيذه بتوزيع الرهائن ذوي الجوازات المزدوجة وبالفعل تم تسيير اول قافلة الى شمال الاردن حيث بقيت هناك دون ان يعلم احد ان هنالك رهائن في شمال الاردن وسيرت دوريات اخرى لبعض الرهائن من نفس النوعية اي من حملة الجوازات الى مخيم الوحدات ومخيمات اخرى وبقي في المطار بقية الرهائن وتوجه ابو علي مصطفى بعد ذلك الى مخيم الوحدات حيث مقر قيادة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ليتابع ما يدور على الجبهة الاخرى التي تحدثنا عنها وهي جبهة الاعداد لشن هجوم على مواقع فصائل المقاومة في كل مواقعها في عمان انطلاقا من قرار تشكيل حكومة عسكرية لمواجهة فصائل المقاومة وتابعت القبادة المقرره موضوع مطار الثورة على حدة وغير اشراف مباشر من ابو علي مصطفى بل باشراف مباشر من ابو غسان قدورة الذي قاد المعسكر وكل ما جرى في المعسكر بتعليمات من قائد العمل الخارجي الدكتور وديع حداد وافرج عن عدد كبير من الرهائن الذين لا قيمة تفاوضية لهم من النساء والاطفال وبقي بحدود 60 رهينة لهم قيمة تفاوضية من حيث جوازات سفرهم لو من حيث كونهم دبلوماسيين اوروبيين او من حيث انهم قابلون لان نفاوض للافراج عنهم مقابل الافراج عن اسرى لنا في دول اوروبية او لدى اسرائيل، الا ان الامور زادت تعقيدا وطوق مطار الثورة بقوات مدرعة اردنية وطلبوا من فايز قدورة الاستسلام او تسليم الرهائن وكان الرد واضحا اذ كان برفقة كل رهينة مقاتل يصوب رشاشه للرهينة وابلغهم ابو غسان قدورة ان المقاتلين جاهزون وان اي طلقة تطلق سوف نطلق النار على الرهائن وستقتلونا طبعا ولكن لن ينجو اي رهينة من الرهائن وصدرت الاوامر للقوات الاردنية من القصر الملكي بان يدعوا القوافل تمر ولا يطلقوا النار عليها وهكذا مرت القوافل الى ان وصلت الى الجامع الحسيني الكبير في عمان وهنالك انطلقت بسرعة نحو الوحدات حيث لم يكن بامكان الدوريات الاردنية والمدرعات ملاحقتها للوحدات كونها كانت منطقة تحت سيطرة قوات المقاومة الفلسطينية وهكذا انتقلت معظم الرهائن لتكون تحت سلطة ابو علي مصطفى المباشرة  اذ كان مقره الوحدات يقود من خلالها قوات الجبهة الشعبية في كل مكان ومنها الوحدات بالطبع وهكذا اصبح ابو علي مصطفى مسئولا ايضا عن مترتبات خطف الطائرات وما نتج عنها ومن ذلك ايضا على سبيل المثال كيفية اخراج الصناديق صناديق البريد السري الذي كانت الطائرات تحمله لدول حساسة ومصالحها ذات اهمية كبيرة في الشرق الاوسط كيفية نقلها خارج الاردن من اجل تفحصها وفحصها وكذلك الامر بعض الاشياء التي وجدت في الصناديق السرية للطائرات ، منذ هذا التاريخ اي منذ ان صدرت الاوامر بنسف الطائرات في مطار الثورة وخروج كل الرهائن والمقاتلين من تلك المواقع نحو مخيم الوحدات منذ ذلك التاريخ اصبح واضحا ان معارك ستنشب بين الجيش الاردني وقوات الثورة الفلسطينية في كل مكان من العاصمة عمان .

قاد ابو علي مصطفى المواجهة في عمان وكان مقره الوحدات وكنت الى جانبه وجانب ابو عيسى رحمهما الله في ازقة المخيم نفترش التراب اتقاء للقذائف التي كانت تنهال علينا زكان لالقرب منا ذلك المنزل الصغير الذي كان مقرا وضعنا فيه بعض الرهائن وكان الرهائن يتعاملون معاملة خاصة ووجبات اكل ساخنة لم يكن من الممكن للقيادة او للمقاومين ان يحصلوا عليها وكل الاياليب التي يمكن ان نسميها للراحة الشخصية حسب الظروف كانت متوفرة لهم الماء والغسيل والصابون الخ وكانت المجموعة الثانية قد وضعت في مقر قوات صلاح الدين الذي كان يشرف عليه رحمه الله  الحاج فايز جابر والذ كان يضم عددا من حملة الجوازات الثنائية بمعنى جواز سفر اسرائيلي وامريكي وحوفظ عليهم كما حوفظ على افراد المجموعة الاولى الموجودة في مخيم الوحدات قوات صلاح الدين كانت عند مفرق شارع بارطو باتجاه مخيم الوحدات مقابل مزابل الوحدات وصمدت المقاومة صمودا بطوليا  اما بالنسبة لي فلم اشاهد ما جرى في الفترة الاخيرة لانني فيما كنت انفذ قرارا باخذ احد الرهائن وهو دبلوماسي سويسري الى مستشفى الاشرفية حيث اعلن ان بعثة من الصليب الاحمر سوف تصل الى المستشفى اذ اتسعت دائرة نشر الاخبار حول الجرائم التي ارتكبت في ذلك المستشفى اخذت ذلك الدبلوماسي واسرعت نحو المستشفى وكنا نتقي من  الرصاص بين الفينة والاخرى او القذائف الى ان دخلنا ذلك المستشفى وكان المنظر رهيبا الجرحى فوق الجرحى والدماء على الارض لا كهرباء لا ماء لا ادوية وشاهدت عددا من الاطباء ممن اعرفهم منهم الدكتور التل ومنهم الدكتور الحسيني ومنهم دكاترة آخرين وقالوا لا نستطيع ان نفعل شيئا لا يوجد لا يوجد كهرباء ولا معقمات ولا ادوية ماذا نستطيع ان نفعل وكان بين الجرحى شباب من شباب الجبهة الشعبية وكانوا يصرخون من الالم وطلبت من الكتور موسى الحسيني يجد حلا لهم فاعطوا بعض ابر المورفين لتخفيف الالم وفي تلك الاثناء اقتحم رجال البادية المستشفى وهجموا على الجموع الملقاة على الارض ودماؤها تسيل واعتقلونا جميعا بما فيهم انا ومن هنا غابت عني صورة ما جرى في الوحدات الى ان تمكنت بمساعدة بعض الاصدقاء من الخروج من المكان الذي تقلت اليه الى الحرية ، عندما اعتقلت اعتقلت كواحد من الطاقم الطبي للمستشفى فقد وضعت الروب الابيض المخصص للاطباء وضعته على كتفي لاختفي كطبيب او لاظهر كطبيب فاخذت مع المجموعة البيضاء اي كل الاطباء والممرضين معتقلا ووضعنا في هنجر الجمرك الى الصباح وفي الصباح جاءت ضباط المخابرات ومعهم مسئولي المستشفى ليقرأو لائحة باسماء الموظفين والاطباء ليخرجوا واحدا تلو الآخر وتمكنت بطريقة ما من التحدث مع مسئولة الموظفين على انني طبيب متطوع فمررتني مع الاطباء وهكذا نقلت الى مستشفى ميداني كان قد اقيم في ناعور ومن ناعور نقلت الى مستشفى ميداني في نادي السيارات الملكي في عمان  وفي نادي السيارات الملكي حيث التقيت بعدد من الاطباء اعرفهم معرفة جيدة ويعرفوني معرفة جيدة تمكن الاطباء من اخراجي من ذلك المستشفى الميداني بسيارة اسعاف الى تخوم كلية ترسنطة في جبل الويبده حيث انزلوني ومن هناك عدت الى الوحدات لاجد ان هناك شاحنات وصلت من العراق وتقود تلك الشاحنات اخت مقاومة من بنات الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين تلبس لبس ضابط عراقي ،

من كلية تراسنطة عدت الى مخيم الوحدات لاجد ان وقفا لاطلاق النار قد تقرر وذهبت الى مقر الجبهة الشعبية ووجدت ابو علي مصطفى وبقية الشباب وبدأت المفاوضات لاجراء الاتفاقات المعروفة وفي الوقت ذاته خرج ابو علي ومجموعة من الشباب ليجدوا مكانا مناسبا في جبال عجلون التي تقرر ان تقون مقرا لقوات المقاومة الفلسطينية بعد ان تخرج من عمان ويخرج سلاحها من عمان ،

هذا ابو علي مصطفى بعد هذه حصلت المعارك وخرجت المقاومة الى لبنان حيث بدأت مرحلة جديدة كان فيها ابو علي مصطفى صامدا فيوجه من يحاول الانشقاق عن الجبهة الشعبية وكل المتآمرين عليها ووقف بكل حزم الى جانب الدكتور جورج حبش والدكتور وديع حداد وواجهوا كل هؤلاء المتآمرين الذي ثبت لاحقا ان بعضهم كان يعمل جاسوسا للموساد وبعضهم كان يعمل لمخابرات عربية لانظمة عربية .

هذا ابو علي الرجل الذي صمد طوال هذه السنين في وجه كل من تآمر على قضية فلسطين والتزم واثبت ولاءه الكامل لحركة القوميين العرب والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وكان ابو علي مصطفى مستعدا في كل لحظة للتضحية بنفسه وماله وروحه من اجل فلسطين انه ابن عرابة البطل ابن فلسطين البطل انه الرجل ولا كل الرجال .

قد يعجبك ايضا