شبوه الصابرة تودع بحزن عميق المناضل المجاهد عبدالله طرموم / أ.د عبدالعزيز صالح بن حبتور

أ.د. عبدالعزيز صالح بن حبتور* ( اليمن ) – السبت 2/9/2023 م …

ودَّعت محافظة شبوه ابنها البار المناضل الجسور اللواء/ عبدالله بن علي طرموم الدياني العولقي، في يوم الإثنين الحزين الموافق 14 أغسطس 2023م، في العاصمة المصرية القاهرة عن عمر يناهز الثمانين عاماً تقريباً، بعد حياة مليئة بالجهاد والنضال والفداء، كيف لا وهذا الإنسان العصامي الصلب ترك إرثاً كبيراً في مضمار النضال الفدائي الوطني مُنذ أن كان شاباً يافعاً ملتحقاً في صفوف الفدائيين لتنظيم الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن من المحتل الأجنبي الغاشم البريطاني، وكان واحداً من قادة العمل الفدائي إلى جانب عدد من رفاقه في منطقة خوره العولقية بمعية كوكبة من رفاقه الفدائيين أمثال المناضل اللواء/ صالح لزنم الدياني، والحبيب المناضل/ الحامد، والمناضل البطل/ محسن لصور الدياني وغيرهم من الأبطال الفدائيين ضدّ المحتل البريطاني الغاشم.




وفقيدنا العزيز/ عبدالله طرموم، واحد من الناشطين الشباب الباحثين عن فرصة عمل تقيهم من جور العوز والفقر والجوع، التحق كغيره بتاريخ 21 نوفمبر 1955م في السلك العسكري، كون المستعمر البريطاني قد وفَّر في هذا المجال فرص للعمل، وكانت فرصة ملائمة ومناسبة لخلايا التنظيمات المقاومة في جنوب اليمن في استقطاب الشباب الأحرار كفدائيين مجاهدين ضدَّ الاستعمار البريطاني.

بعد الاستقلال الوطني، أي بعد تحرر جنوب الوطن من الغازِ المستعمر البريطاني وقيام جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، ترقى المناضل/ طرموم في السلك العسكري في وزارة الداخلية، وشغل منصب مدير الأمن في عدد من مديريات محافظتي أبين وشبوه، حتى وصل إلى شغل منصب مدير عام الأمن العام في شبوه لعدد من السنوات.

حدَّد موقفه السياسي والتنظيمي في زمن الاصطفاف الحزبي والمناطقي داخل التنظيم السياسي الموحد للجبهة القومية إلى جانب التيار الذي قاده الرفيق الرئيس/ سالم ربيع علي (سالمين) ورفاقه، وحينما حُسم الصراع السياسي والعسكري بين التيارين، بانتصار التيار الذي قاده الرفيق/ عبدالفتاح إسماعيل الأمين العام للتنظيم السياسي الموحد الجبهة القومية بتاريخ 26 يونيو 1978م، وتم في ذلك اليوم المشؤوم محاكمة صورية للرئيس الشهيد/ سالمين بإعدامه رمياً بالرصاص حتى الموت مع رفيقيه الشهيد/ جاعم صالح اليافعي، والشهيد/ علي سالم لعور العوذلي / العولقي، وسجن العديد من قيادات الجبهة القومية ابرزهم الرفيق/ عبدالله صالح البار، والرفيق/ حسن أحمد باعوم، والرفيق/ ناصر صالح جعسوس، وطابور طويل من زعماء الجهة القومية.

ونزح العديد من الكادر الوسطي إلى شمال الوطن ومن ضمنهم المناضل الفقيد/ عبدالله علي طرموم مدير عام أمن محافظة شبوه.

انتقل المناضل الفقي/ طرموم إلى صنعاء عبر محافظة مأرب، وعمل فيها إلى جانب رفاقه الوحدويين القادمين من جنوب الوطن، ومكث في صنعاء قرابة ثلاثة أعوام، وحينما أعلن الرئيس/ علي ناصر محمد في العام 1981م العفو العام الشامل، عاد العديد من المناضلين إلى محافظاتهم وقد اعيد القليل منهم إلى أعمالهم السابقة أو في مستواها.

من تعرَّف على شخصية العم المناضل/ عبدالله طرموم سيجد فيه خصال ومزايا عظيمة، وقد لا تجدها عند سواه من المسؤولين، فقد امتاز بروحٍ إنسانية راقية وتعامل صادق وجاد، ويحمل على الدوام في روحه وقلبه كماً هائلاً من المشاعر الإنسانية الصادقة تجاه من تعامل وعمل معهم، ومن ارتبط بهم بصداقات وعلاقات إنسانية عميقة، لأن علاقاته الإنسانية قائمة على الوفاء الصادق لثقافة ومبادئ العيش والملح، والصداقة الخالية من المنافع الانتهازية الرخيصة.

نعم عرفناه هكذا وتعاملنا معه مباشرةً مُنذ ما يقارب من أربعين عاماً ويزيد، هو يمثل روح الإنسان البدوي البطل الشجاع المقدام الوفي، ولو جمعنا المزيد من المفردات والصفات لاتسع قاموسه الشخصي لكل ذلك، لأنه رجلٌ جامع لكل تلك الخصال الإنسانية الراقية.

ولأن الأبطال الشجعان في العادة لا يهابون أو يترددون من تحديد المواقف السياسية والاخلاقية الحاسمة في مجرى حياتهم اليومية، فقد حدَّد موقفه بشجاعة نادرة من أحداث 13 يناير 1986م، فقد اصطف بوضوح مع رفاقه (الزمرة)، وهو الفريق الحزبي العريض الذي قاده فخامة الرئيس/ علي ناصر محمد، وكانوا من مختلف محافظات الجمهورية بما فيهم المناضلين من شمال الوطن، وصمد بصلابه في موقعه العسكري مصحوباً بقناعاته الفكرية الراسخة مع الاتجاه الحزبي الوطني الذي اختاره.

لقد صمد مقاتلاً شجاعاً في شوارع وأحياء مدينة عدن لمدة أسبوعين من المواجهة الدموية الشرسة بين معسكري (الطغمة) التي كان يقودها الرفيق/ علي ناصر أحمد عنتر نائب رئيس جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، و(الزمرة) التي يقودها الرئيس الرفيق/ علي ناصر محمد، وبعد أن حُسِمت المعركة لصالح فريق الطغمة، وبعد نفاذ الذخيرة الحية بيد المناضل/ عبدالله طرموم ورفاقه تم القاء القبض عليهم، وتم تجميعهم وحشرهم والزج بهم في المعسكرات ومباني المشاريع والمؤسسات والكنتينرات والهناجر، وكانوا يقدر عددهم بآلاف المناضلين، ومن لحظتها تم البدء بتنفيذ الإعدامات والتصفيات الجسدية ودفنهم في حفر جماعية، ولولا ستر الله ورحمة منه لأصبح العم المناضل/ عبدالله طرموم واحد من بين هؤلاء الشهداء الضحايا، هذه واحدة من قصص الرعب والإجرام التي حكاها وسردها لنا مباشرة الفقيد العزيز المناضل/ عبدالله طرموم رحمة الله عليه.

نُقل العم الفقيد المناضل/ عبدالله طرموم من معسكر الصولبان سيئ السمعة والصيت الذي تم فيه احتجاز العديد الضحايا، وكان حينها مكان وموقع رئيس لتجميع الضحايا وكانوا للأسف بالآلاف من المناضلين والشهداء، وهذا هو المحزن والمؤلم في الرواية التراجيدية الحادثة بين الرفاق الأعداء.

نُقل العم طرموم إلى مكان آخر أكثر احتراماً لإنسانية الإنسان نسبياً، إذ تم ترحيله ونقله إلى سجن المنصورة المركزي في محافظة عدن، ومن هناك بدأت رحلة الفبركات الكاذبة للمحاكمات الشهيرة والبائسة بين رفاق الأمس وأعداء اليوم، أي يوم ذاك التي حاكم فيها الطغمة إخوانهم ورفاقهم من أعضاء الزمرة، حاكموهم باشد العقوبات ليفتدوا بها القيم الراقية (للقبيلة التقدمية الماركسية!!!)، ونتذكر في تلك المحاكمات الصورية، حيث حُكِموا على خمسة من انبل المناضلين بالإعدام حتى الموت وهم الشهداء التالية أسماؤهم ويتذكرهم شعبنا اليمني باعتزاز واقتدار وهم:

الشهيد/ هادي احمد ناصر العولقي.

الشهيد/ فاروق علي أحمد (العدني).

الشهيد اللواء/ علوي حسين فرحان.

الشهيد اللواء/ أحمد حسين موسى.

الشهيد العقيد ركن/ مبارك أحمد سالم الدياني العولقي، وهذا الشهيد يُعد واحد من عائلة فقيدنا المناضل/ عبدالله علي طرموم الدياني.

واستمرت المحاكمات الصورية للرفاق والأخوة، فوزعوا هؤلاء (المنتصرون من الطغمة) الأحكام السياسية الجائرة بشكل عبثي وعشوائي، وكان نصيب العم/ عبدالله طرموم من الأحكام ثلاث سنوات ونصف، وخرج بعدها للسفر إلى العاصمة صنعاء، ولسان حال الجميع يقول (لابد من صنعاء وإن طال السفر).

بقي العم/ عبدالله طرموم في العاصمة صنعاء قُرابة أربع سنوات ونيف، وحينما جاءه نداء الوطن العظيم، ليقول له أن الوطن في خطر، والوحدة اليمنية في خطر، لم يتردد لحظةً واحده، وامتشق رشاشه الكلاشنكوف ليزحف نحو جبهات القتال مع رفاقه من الجيش اليمني وأبناء القبائل اليمنية الحرة والوحدات العسكرية والأمنية من جيش وأمن جنوب اليمن، ليهبّوا كرجلٍ واحد ليدافعوا عن ثوابت اليمن الموحد العظيم، حتى تحقق النصر العظيم في 7 يوليو 1994م، وتثبتت الوحدة اليمنية المباركة بالإرادة الشعبية اليمنية وجيشه الوطني الحر.

كُلف العم المناضل/ طرموم بتأسيس وترؤس فرع المؤتمر الشعبي العام في محافظة شبوه، وأنجز المهمة في غضون أشهر، وقاد من يومها العمل التنظيمي الحزبي السياسي في المحافظة، وكان خير من يمثل العمل التنظيمي الوسطي وخير قيام، وأنجز بكل مهنية المراتب التنظيمية في عموم مديريات المحافظة الـ 17 مديرية. وبعد أن ثبّت العمل السياسي التنظيمي، نُقل إلى العاصمة صنعاء ليشغل منصب مستشار وزير الداخلية، واستمر في هذا المنصب حتى لحظة مغادرته لهذه الدنيا الفانية، ليخلد إلى الراحة الأبدية حاملاً معه عِز وكبرياء وشهامة الإنسان البدوي الشبواني الحُر الأبي.

رحم الله فقيدنا الغالي/ طرموم برحمته الواسعة، وأسكنه فسيح جناته، وألهم الله أهله وإخوانه واحبائه ورفاقه الصبر والسلوان، إنا لله وإنا إليه راجعون.

﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾

* رئيس وزراء حكومة الإنقاذ الوطني / صنعاء

قد يعجبك ايضا