تكليف الحلقي .. الدلالات .. والمهام

يحمل اعادة تكليف رئيس الوزراء السوري د. وائل الحلقي باعادة تشكيل الحكومة السورية  الجديدة دلالات معينة ، من بينها الى جانب ان الحلقي واغلبية طاقمه الحكومي حققوا نجاحات تسجل لهم ـ ان الظروف والمعطيات التي كلف الحلقي في ظلها بترؤس الحكومة السابقة ما زالت مستمرة بشكل أو بآخر، رغم الانتصارات الكبيرة المتحققة على الأرض السورية، حيث مخاطر الارهاب والحرب الدولية على سورية وضرورات مواجهته ما تزال مستمرة.

بل ان المرحلة الراهنة ـ المقبلة ستكون اشد مصاعباً ، فالارهاب الذي تتوالى خساراته على الارض السورية، حاول التمدد باتجاه العراق عبر ارتكاب تصفيات عرقية ومذهبية وطائفية واسعة ، ستتيح تدخلات اجنبية امريكية وغيرها ابتدأت بضربات جوية ستتوسع على الأرض (رغم النفي الأمريكي) مباشرة او من خلال ادوات محلية واقليمية ودولية ، ما قد يتيح  قيام كيانات مجهرية متخاصمة.

وفي كلا الحالين انتصار الارهاب في العراق ولبنان ، ومن يقف خلفه ، او هزيمته ، سيعود للإرتداد على سورية والمقاومة اللبنانية ( وربما ايران ) في محاولة (شبه) نهائية لتحقيق نصر ولو بالنقاط ، ومحاولة تحويل فشلهما ( الإرهاب ومن خلفه ) الى نصر سياسي، وهمي .  

ولا بد ان ( النتيجة النهائية ) لما يحدث في كل فلسطين المحتلة سنة 1967 ( مبدئيا ) وليس في غزة فحسب ، سيتعلق كثيرا بما يجري على الارض السورية وبالعكس .

من هنا فالحرب الإرهابية والدولية على سورية والمقاومة اللبنانية مستمرة ولأجل غير منظور ، ليس على قاعدة انقسامات داخلية او حرب طائفية او مذهبية او أهلية ، او تفكك في الجيش العربي السوري ، كما يظن البعض انه قد حدث ، بل على قاعدة فشل مخطط جعل سورية دولة فاشلة، وعلى قاعدة فشل تحقيق المخطط الامبريالي الأوروبي الغربي الانكشاري الرجعي العربي على الارض السورية ولأن جيشها امتلك قدرات اضافية في حرب العصابات، .

ومن هنا لا بد من أن ترعوي الجماعات الارهابية ويعود من تبقى ممن قدم منها من بلاد قريبة وبعيدة الى بلاده ، وأن يدرك من تبقى ممن ضل السبيل من السوريين ( أن الاصلاح على افتراض حسن النية لا يكون الا من الداخل وبطرق سلمية ودون تبعية والتحاق بالأجنبي ) .

اقول أن مجابهة الارهاب والحرب الدولية على سورية اولى أولويات الحكومة السورية الجديدة برئاسة الحلقي،كما هي الأولوية السابقة على انتخابات الرئاسة والفترة القصيرة التالية ، وكما هو بناء اقتصاد الحرب،بمواجهة العدوان الوهابي التكفيري الإخوني الانكشاري الرجعي العربي الامبريالي الصهيوني.   

أما الأولوية الثانية فتتمثل في تعزيز الاصلاحات الديمقراطية والمصالحات الوطنية والتشاركية في الدفاع عن الوطن بتعزيز دور العمل الشعبي وقوات الدفاع الشعبي والمنظمات الشعبية والنقابات المهنية والأحزاب السياسية .. وتكريس البناء المعرفي العلماني المعزز للحمة الوطنية ، وتولي المسؤولية وفق القدرات العلمية الوطنية  .  

وضمن هذه الأولوية لا بد من قراءات معمقة للأخطاء والثغرات التي سادت المرحلة السابقة التي استطاع أعداء الوطن من استثمارها ، بالاعتناء الامني بالقراءات الشاملة الكلية للأحداث المحلية والاقليمية والدولية وليس بالتتبعات الفردية والاهتمامات الجزئية .

ان بناء عقود من استقلال القرار السياسي والامن الغذائي السوري كاد يتلاشى ، بفعل قراءات خاطئة للإقتصاد الوطني،والأمن القومي،باتجاه تراجع الاهتمام بالزراعة والتوجه نحو الخصخصة ولو جزئيا. وقد استغلت الجماعات التكفيرية والاخونية ، البيئات المتضررة على نحو بشع ، فيما كانت قبل ذلك بيئات حاضنة للدولة الوطنية السورية مرتدة الى النقيض .

لكن معظم البيئات المتأرجحة عادت الى حضن الوطن وقد اكتشفت بملء العين حقيقة الجماعات الارهابية وما هي عليه من تخلف وجهل وتطرف ؛ وارتباط بالاجنبي ، وما كان عليه الوطن من رغد وامن واستقرار بالقياس لما اصبح عليه الحال في المناطق التي تسيطر عليها .  

من هنا يستوجب ايلاء الزراعة الأولوية على صعيد البناء الاقتصادي سواء منه اقتصاد الحرب أو الاستراتيجي ، فالصناعات الغذائية ( بما فيها صناعة المعجنات والحلويات والمربيات والزيوت والاجبان والألبان )والنسيجية والدوائية والجلدية تعتمد على الزراعة بخاصة.

وهناك العديد من القطاعات التي تعتمد عليها كـ النقل والتبريد والري والبذار والاعلاف والأسمدة والمشاتل والبيطرة والهندسة الزراعية والورود والحراج والحدائق واشجار الأرصفة وادوات ومواد مكافحة الامراض الزراعية .. والمراعي والثروة الحيوانية والسمكية والدواجن.. والاهم من كل ذلك التنمية المستدامة .

لا بد أنه يتوجب ايلاء الزراعة بمعناها الواسع اعلى درجات الاهتمام ، لضمان استقرار حلقات واسعة من الصناعات الزراعية والقطاعات المباشرة والرديفة .. والأهم استقرار والتصاق الشعب في الأرياف ببيئاتهم المحلية ، بشكل عزيز كريم وحضاري .. ولتحصين هذه البيئات من ان تستغل من قبل جماعات معادية وهابية تكفيرية اخونية انكشارية ومن يقف خلفها من امبرياليين وصهاينة واوروبيين غربيين . ولتجنيب الوطن هزات اجتماعية جراء هجر الزراعة والأرض وما يتصل بها .

ان استقرار التعليم المجاني والعلاج الحكوميين ودعم المواد الغذائية الرئيسة والمحروقات وقطاع النقل ، لا ينبغي النظر اليها من منظور تجاري بحت ، ففي ظل هذه السياسات الشعبية الاستراتيجية استقر الاقتصاد السوري وتحقق الامن الغذائي وتحققت البيئات الحاضنة للدولة وفي ظل تراجعها جزئيا ، نمت الجماعات التخريبية وحفرت الانفاق وتدفق السلاح .. مستغلة الفقر وتراجع اهتمام الدولة ببيئاتها الحاضنة المستفيدة من الاشتراكية  متحولة الى ما اسمي اقتصاد السوق الاجتماعي .

ومع استمرار النهج الاشتراكي للدولة ، منح القطاع الخاص  دوره المكمل ، في اطار من التنافسية النظيفة في القطاعات التي لا تتصل بالثروة العامة للدولة كالنفط والمياه والفوسفات الخ  ولا بد من اصلاح الادارة ومحاربة الفساد حيثما وجد والمحاذرة الشديدة من نمو الأفكار والعقائد المتطرفة ايا تكون ،  وتكريس العلمانية والانتماء الوطني والقومي.     

لا بد ان امام حكومة د.الحلقي مهمات ليست سهلة لكنها جديرة بها،منها اعادة البناء، وباستمرار ، اعادة بناء ما تهدم وما قد يتهدم مجددا،فالحرب طويلة على سورية لا تتصل بها فحسب ، وانما باقليم كامل.. يمتد من اواسط آىسيا حتى المغرب العربي ، لكن حسمه سيكون على أرض سورية .

ان توقف قطار ما يسمى مشروع الشرق الاوسط الجديد في المحطة السورية ،وفشله المبدئي ، ترك غصة في حلق مدبريه وصانعيه،وسيعملوا بكل الوسائل والأسلحة والأدوات،لتحقيق ولو مكسب بسيط يواجهوا به شعوبهم التي بدأت تتحرك ضدهم،ما يتوجب عدم الركون للانتصارات المتحققة على الأرض،والتركيز على نسج اوسع قاعدة شعبية للدولة، بالمصالحات الوطنية الاجتماعية، والعناية بالأرياف وجيوب الفقر والزراعة، واعطاء العاصمة دمشق  والمدن التي رفضت الارهاب او اصطلت بناره كحلب تلك المدينة العظيمة ما تستحق من عناية واهتمام .

ومثل ذلك العسكريين ورجال الامن والتجار والصناعيين والحرفيين والنقابيين والاعلاميين والفنانين الذين صمدوا وانتصروا للوطن ولم يبيعوه بـ 5  من الفضة .  

ان الخلط الجاري للأوراق وتداخل المواقف في المنطقة حد التنافر والتناقض (غير المفهوم) احيانا كثيرة، يزيد من مصاعب الحكومة السورية الجديدة ، كالسير الاجباري في حقول  الغام تعلم انك وسطها لكنك مجبر على السير فيها باكبر قدر من الحنكة والشجاعة والخبرات السياسية الاستراتيجية والروح الاستشهادية .

لسنا بصدد رسم خارطة طريق للحكومة السورية العتيدة الجديدة فهي ادرى بكل تأكيد بشعابها ومهامها وواجباتها وما سيواجهها من مصاعب وطرائق مواجهتها ، ومن هم الاصدقاء ومن هم الاعداء ، لكننا على يقين بانها ستفاجيء المنطقة والعالم بقدراتها ، وبأن الرخ السوري قادم لا محالة بكل جدارة ، اكثر امنا واستقرارا ودورا أعظم .    

[email protected]

عمان في 12 اب 2014

 

قد يعجبك ايضا