القانون الأمريكي الجديد إعلان حرب على من تعتبره واشنطن منافساً أو خصما أو عدواً لها

وقع الرئيس الأميركي باراك أوباما، الليلة الماضية، بحسب المصادر الأمريكية ، قانونا  يضمن “تفوقا عسكريا نوعيا” لـ (إسرائيل)على مجمل جيرانها في منطقة الشرق الأوسط، ولتعزيز التعاون بين واشنطن واسرائيل. ونص القانون الأمريكي أن ( إسرائيل )  شريكة استراتيجية رئيسة للولايات المتحدة.

وينص القانون الأمريكي أيضا على تعزيز التعاون في مجالات تطوير أنظمة الصواريخ الدفاعية والأمن الداخلي وامن الحواسيب والطاقة والمياه. وسترتفع واشنطن بموجب القانون الذخائر الأميركية المخزّنة في (إسرائيل) لأوقات الطوارئ إلى 800ر1 مليار دولار.

وقالت القناة ( الإسرائيلية )  الـ 10 ان القانون الذي وقعه الرئيس  الأمريكي يعزز الشراكة مع ( اسرائيل ) في مختلف المجالات الحياتية وحماية امنها وضمان  مستقبلها الذي اقره الكونغرس قبل اسابيع.

وبحسب القناة ذاتها فإنه بتوقيع اوباما على القانون يكون الرئيس الامريكي الاكثر دعما لاسرائيل، حيث يعني توقيع القانون الجديد ، إقرار شراكة استراتيجية بين (اسرائيل) والولايات المتحدة لم تشهدها العلاقات الأمريكية الإسرائيلية ، رغم انهما حليفان منذ قيام (اسرائيل).

وقالت مصادر البيت الابيض الأمريكي ان توقيع القانون ( إعلان التزامات غير قابلة للتصرف بأمن إسرائيل ومستقبلها ) مشيرة الى انه الى جانب توفير ذلك ، فان على واشنطن ( اتخاذ مبادرات لتحقيق الحلول الدبلوماسية في الشرق الأوسط ).

مصادر الكونغرس الأمريكي عبرت عن مخاوف لدى حلفاء وداعمي(اسرائيل) لذلك تقرر مناقشة حلول دبلوماسية لمساعدتها بوضع مبادئ لوزير الخارجية الأمريكية تحدد (مبادرات دبلوماسية) لتحقيق حلول طويلة لخدمة مصالح إسرائيل شرق الأوسطية .

ونقلت مصادر عبرية عن مسؤولين اسرائيليين في ديوان رئيس الوزراء الصهيوني، مفاجأتهم  من قرار اوباما توقيع القانون ، مشيرين الى ان العلاقات الامريكية الاسرائيلية في عهد نتنياهو شهدت ازمات عدة، الا ان أوباما اراد التأكيد على ان الخلافات بشأن الاستيطان والحرب على غزة مع نتنياهو ، لن تخرب عمق العلاقات الاسرائيلية الامريكية.

ونقلت شبكة abc عن أوباما قوله بان التشريع الجديد سيقوي البرامج الدفاعية والأمنية الحيوية والتأسيس لتجارة وتعاون متنامٍ بين واشنطن و( إسرائيل) وان إدارته ستفسر مواد معينة في القانون الجديد على نحوٍ لا يتعارض مع سلطاته الدستورية لتصريف العمل الدبلوماسي. بما في ذلك إضافة 200 مليون دولار إلى قيمة أسلحة الطوارئ الأمريكية المخزنة في (إسرائيل ) لتصبح 1.8 مليار دولار في مجملها ، وكذلك تعزيز العلاقات الأمريكية الإسرائيلية في مجالات الطاقة والمياه والأمن الوطني وتقنية الوقود البديل وأمن المعلوماتية ، ويضمن القانون الجديد لإسرائيل فعليا تفوقا عسكريا نوعيا على جيرانها.

ولكن ما الذي يعنيه هذا القانون في ظل معطيات داخلية (إسرائيلية) واقليمية ودولية مستجدة .. فعلى صعيد(إسرائيل) الداخلي،تتعزز الانقسامات وتتشرذم وتزداد القوى السياسية تطرفاً،ما يدفعها للمزايدة على بعضها لغايات الاستهلاك المحلي وكسب الشارع (الإسرائيلي)المتطرف في غالبيته،بعد الذي اعترى ما يسمى(اليسار الإسرائيلي) من تفكك وتراجع شديدين .

ومن هنا قد يفهم أن الولايات المتحدة ترى في هذا التطرف الصهيوني انتحاراً لا مبرر له ، وتريد إزالة مبرراته، بتقديم أكبر دعم استراتيجي لـ ( إسرائيل ) ما يدحض مبررات المتطرفين في التطرف، وتقديم نوع من الدعم السياسي للأطراف الأخرى.

لكن هذا الاعتبار تعتوره شكوك من حيث أن قيادات المتطرفين ستعتبر ذلك انتصارا لها ونتيجة طبيعية لسياساتها العدوانية في المنطقة ، فتزداد تطرفا على تطرف .

ولعل التفسير الأدق أن واشنطن بتكثيف دعمها للكيان الصهيوني( الذي هو ليس أول شراكة استراتيجية بين واشنطن وتل ابيب ) لكن ما حدث تخطى الدعم الاستراتيجي، الى ( إعلان التزامات غير قابلة للتصرف ) من قبل واشنطن بأمن إسرائيل ومستقبلها.

ويفهم من ذلك،أن واشنطن تريد استباق متغيرات موضوعية إقليمية ودولية، لا يبدو ان (إسرائيل)باتت قادرة على مواجهتها لمجرد تنويه أمريكا واتباعها الأوروبيين وغيرهم بانحيازهم لها،بعد هزائمها تجاه المقاومتين اللبنانية والفلسطينية وإرهاصات انتفاضة فلسطينية ثالثة،وتحولات لصالح الشعب والقضية الفلسطينية دولياً من أمريكا اللاتينية حنى أوروبا الغربية

،وتصويت الجمعية العامة الأخير،مؤشرا على عزلة(إسرائيل)المتزايدة ومعها شريكتها وداعمتها الرئيسة واشنطن .

ولا بد أن واشنطن تفهم جيداً،معنى ومغزى صمود سورية على مدى 4 سنوات من الحرب الدولية عليها،وتراخي قبضة المحاربين والمشاركين في الحرب والداعمين لها ضد سورية، ومن هنا كانت واشنطن معنية بذريعة داعش ومحاربة الإرهاب الذي صنعته، الى (شدشدة) براغي التحالف الدولي ضد سورية،وإقامة تحالف معلن جديد بمسمى مختلف، للإبقاء على جذوة ومساحة الحرب في سورية بل ومدها باتجاه العراق،ما يتيح أمداً جديدا للحرب وتوسيع قاعدة أطرافه وخلط اوراقه،فلا يكون متاحاً شن حرب على(إسرائيل) في المدى المنظور،وهي الحرب التي تعلم واشنطن جيداً ،انها ستكون هذه المرة مختلفة تماماً .

وتريد واشنطن بـ ( إعلان التزامات غير قابلة للتصرف ) أن لا تكون تل ابيب مجرد راس جسر  للحرب أو رأس حربة وإشغال للمنطقة العربية عن تطورها ، فحسب ، فهي تعلم أمرين أن الأنظمة العربية الحليفة لها لا تحظى بدعم شعوبها لها وبالتالي ( لا يُشد الظهر بها )، أو يعتمد عليها لذلك كان لا بد من أن يصبح الأخير( أرضاً أمريكية ) معلنة ليس ضد المنطقة العربية فحسب بل وضد حلفاء سورية كـ إيران والصين وروسيا وربما دول البريكس ، وبهذا قد يكون أيضاً مدّ الجسور المقطوعة تجاه كوبا، وسيلة لتفكيك أمريكا اللاتينية والوسطى المتحالفة ضد الإمبريالية الأمريكية .

ويعزز هذا الفهم أن واشنطن تنظر لمختلف قضايا الصراع كوحدة واحدة إذ أعلنت عن ضرورة محاربة ما تسميه الإرهاب ( ليس فقط في سورية والعراق ) وإنما أيضاً في ليبيا وسيناء واليمن والصومال والنيجر وكينيا ، وفق أوباما، وقد تكون هناك أهدافاً أخرى غير معلنة لا بد أنها تشمل جبهة غرب الصين ومنطقة الشيشان في روسيا واستمرار تأزيم جبهة أوكرانيا ، فضلاً حرب النفط الآخذة بالاتساع ، ما يستدعي من وجهة أمريكية تسكين مناطق أخرى قد تكون كوبا المقدمة، ومحاولات تحييد إيران عبثاً ، لإستكمال الطوق حول روسيا، والاقتراب أكثر من الصين، للتفرغ في المناطق الأكثر سخونة من وجهة أمريكا .

الأمر الثاني الذي يعلمه البيت الأبيض الأمريكي أن روسيا وايران وبقدر معين الصين وغيرها ، لن تسمح أبداً بسقوط الدولة الوطنية السورية بأي حال ، ويعزز هذا التصميم قدرات سورية المذهلة على الصمود والتفاف معظم شعبها مع نظامها وقيادتها،وطبيعة النظام السياسي السوري والتركيبة الديمغرافية والحضارية التاريخية للشعب السوري وموقعها الاستراتيجي.

وانطلاقا من كل ما سبق، فالقانون الأمريكي الجديد يعني أن ( إسرائيل ) لم تعد مجرد حليف استراتيجي للولايات المتحدة فحسب، ولا حتى مجرد الولاية ألـ 51 ، إنها الأرض الأمريكية الأولى بالرعاية حتى من العاصمة الأمريكية واشنطن أو من أية ولاية أمريكية أخرى ، فمن الكيان الصهيوني ستشن الحروب بأشكالها العديدة بما في ذلك الحروب العسكرية الاستباقية والاقتصادية والتفتيتية والديبلوماسية، بعد أن فشل مشروعها الشرق أوسط الجديد والكبير عن التحقق، وما شهدت المنطقة من ارتدادات عليه .

وعليه، فالحرب الأمريكية هي الحرب الرئيسة القادمة على كل من تعتبره واشنطن عدواً لها ، والآخرين أوروبيين وصهاينة وسلاجقة وخليجيين وغيرهم من اتباع ومريدين و(صنايعية) ، هم أدنى من ان تكون لهم أدواراً حقيقية ، سيفعلون فقط ما يؤمرون وليس غير ذلك  وعليه فحتى الكيان الصهيوني لن يكون إلا مجرد نادل صغير في اللعبة الأمريكية الكبيرة التي ستكون اللعبة الأخيرة لواشنطن، تتوج فيها خاتمة بائسة لإمبراطورية أشد يؤسا ، لم تجرّ على العالم غير الحروب والكراهية ورعاية الأنظمة الأكثر تخلفا وأقل ديمقراطية وسرقة الشعوب والأمم والدول خيرانها ومقدراتها ، والعيش طفيلية على الآخرين بجبروتها وانتشار قواعدها العسكرية على امتداد الكرة الأرضية، ومشوهة معاني حضارات الأمم وزارعة للفتن بانواعها العديدة الطائفية والمذهبية والإثنية،ومششتة المجتمعات الإنسانية بمعاني حرية المرأة والطفل والديمقراطية وحقوق الإنسان الزائفة وتلويث الجمال والفن والأدب بمبتكرات القتل والشذود وافلام الأكشن واللامعقول وما اقترب من كل ذلك .

بكلمات قانون أمريكا الجديد لا يستهدف تحقيق أمن أفضل للكيان الصهيوني بقدر ما يقصد منه إقامة استراتيجية عدوانية جديدة على اتساع الكرة الأرضية ، تستهدف إضافة للمنطقة العربية وإيران؛ روسيا والصين ودول البريكس وامريكا اللاتينية وكل من لا يتساوق مع رغائب أمريكا العدوانية في العالم ، وفي طريق     ذلك كله ، فإن حلم إقامة الدولة الفلسطينية سيكون غير وارد في المدى المنظور، فما سيتحقق الآن وقريباً أسوأ من ذلك بكثير، أما في المديين المتوسط والبعيد فالنتائج أفضل من الواقع الراهن بكثير .

عمان 21 كانون أول 2014

[email protected]

قد يعجبك ايضا