تبت يدا عمرو موسى وخسئت مزاعمه بحق القائد الزاهد جمال عبد الناصر / فهد الريماوي

فهد الريماوي* ( الأردن ) الثلاثاء 3/10/2017 م …




*رئيس تحرير جريدة “المجد” الاردنية

تبت يدا عمرو موسى وتب، وبئست سطوره ومذكراته وما كتب، وخسئت نفسه الدنيئة الأمّارة بالكذب، حتى سولت له اتهام الشمس بسرقة الضياء، والقمر بخيانة السماء، والشرف بمعانقة العار، والفضيلة باحتضان الرذيلة، والطهارة بمعاشرة القذارة، والزاهد الاول والمتقشف الاعظم “ابو خالد” باستيراد طعامه من سويسرا.

كبر مقتاً عند الله – ايها العمرو موسى – ان تفتري على التاريخ، وتفتئت على الحقيقة، وتتجنى على الحق، وتتطاول على الرموز، وتتحامل على جمال عبدالناصر عند ذكرى رحيله الحزين، اذ تختلق من الاراء والروايات ما يندى له الجبين، ويندرج في باب التحشيش السياسي، والشهادة الزور، والشجاعة المتأخرة التي كثيراً ما تؤاتي الجبناء الانذال بعد رحيل العمالقة.

يا عمرو موسى، لسنا اليوم في وارد التعقيب على فبركاتك وهمبكاتك، لانك مكشوف لا يحتاج تاريخك الاسود الى مستكشفين، ومفضوح لا يحتاج حاضرك الملوث الى فاضحين.. ويكفيك ذلاً ومهانة ذلك الانخراط الطويل في خدمة معاهدة كامب ديفد، ايام كنت وزيراً لخارجية المخلوع حسني مبارك، ثم ذلك التورط المخزي في استدعاء حلف الناتو لتدمير ليبيا واغتيال القذافي، ايام كنت اميناً – غير مؤتمن – للجامعة العربية، واجيراً رخيصاً لدى حمد بن جاسم، وسعود بن فيصل.

وللعلم، فقد قمنا بتطهير سن القلم، وفلترة حبر المحبرة، تخلصاً مما علق بهما من دنس اسم هذا العمرو موسى، قبل ان نشرع في الخشوع بين يدي ذكرى رحيل “ابي خالد” السابعة والاربعين، والترحم على روحه الطاهرة التي لم تغادر جسده فحسب، بل غادرت في واقع الامر قوام امة كاملة خرّت صريعة من بعده، وما زالت على قيد الموات والشتات حتى يومنا هذا.

في كل عام يحضر اليوم الثامن والعشرون من شهر ايلول، لا يتقدم ولا يتأخر.. ومعه تهل ذكرى الغياب الاليم، لا تبارح ولا تريم ولا تخلف الميعاد.. هكذا قضت الاقدار ان يغيب هذا البدر وهو لا يزال قابضاً على اعنة العنفوان، وشامخاً في كامل البهاء وريعان العطاء.. لم تدركه الشيخوخة، ولم يدهمه الشيب والهرم، ولم تسلمه الايام الى ارذل العمر.

مبكراً غادرنا هذا الزعيم العظيم.. اختطفه الموت على حين غرة وفي اصعب الاوقات، وبات على احرار العرب الذين عاصروا صولاته وجولاته، وتفيأوا ظلال عزه وامجاده، وهرعوا الى ساحات النضال تحت امرته.. ان يكابدوا اليوم شظف الغربة، ويتجرعوا علقم الهزيمة، ويتحسروا على المشروع القومي الوحدوي المغدور، ويعيشوا بقية اعمارهم في خضم حالة عربية مزرية ومظلمة ومخيبة لابسط الآمال.

آه ما اغرب هذه الدنيا الدنية والعشوائية، وما اعجب مكرها وعبثها وتقلباتها التي تجاوزت المعلوم الى المجهول، وتخطت المعقول الى اللامعقول، حتى باتت الذكرى تبحث عن ذاكرة تأويها، والحكاية تبحث عن لسان يرويها، والدمعة تبحث عن عين تذرفها، والغصة تبحث عن جرح ينزفها، والبلوى تبحث عن سلوى تسامرها، والفجيعة تبحث عن كأس تعاقرها، والامة المهزومة تبحث عن آمر امريكي يأمرها، وآسر صهيوني يشد وثاقها ويأسرها.

اما لماذا وصلت امتنا الى هنا، فلانها حادت عن درب عبدالناصر، وارتدت عن نهجه وانقلبت على مشروعه.. ذلك لان “ابا خالد” لم يكن ابناً باراً لهذه الامة فقط، ولا كان رباناً ماهراً لسفينتها القومية فحسب، بل كان – في الاصل والاساس- روحاً عبقرية سرت في عروقها، وتغلغلت في اعماقها، وتجسدت في وحدة جماهيرها، وتوهجت في ميادين نضالها، وتألقت على صفحات فنونها وآدابها وابداعاتها، واستبسلت في انتشال العرب، خلال سنوات قليلة، من مؤخرة الصف العالمي، ووضعهم بالتالي في مقدمة الصفوف، وعلى قدم المساواة مع سائر الامم المحترمة.

وعليه، لم يكن “ابو خالد” كياناً قائماً خارج روح الامة وعقلها وعزمها وضميرها ووجدانها، بل كان – ولا يزال – منزرعاً في صلب هذه المجالات والمستويات كافة.. ولعل في هذا تفسيراً لاسباب حضوره المستمر رغم انقضاء قرابة نصف قرن على وفاته، ولدواعي شعبيته المتجددة رغم تعرضه لهجمة تشكيكية ضارية وبعيدة المدى ومتعددة الاطراف، وآخرها عمرو مسيلمة الكذاب.

في ذكرى رحيله يتملكنا الاسى وتهطل علينا اسراب الهم والغم، ليس فقط لغيابه واحتجابه، بل ايضاً لعجز امتنا – بعد 47 عاماً – عن انجاب بديل او مثيل له يتولى اقالتها من عثراتها، وانقاذها من شرور افعالها واقوالها، ووضعها على دروب النهضة والوحدة والخلاص.

انظروا كيف استطاعت روسيا ان تنجب سريعاً “بوتينها” المقدام الذي بادر من فوره الى ايقاظها من غفوتها، واسعافها من كبوتها، وتخليصها من محنتها، وتمكينها من استعادة قوتها وعافيتها، بعد عشرة اعوام فقط من ذلك البلاء الاسود الذي حاق بها على يد المرتد ميخائيل غورباتشوف، ومن بعده السكير بوريس يلتسين.

انظروا قبل ذلك الى شافيز الفنزويلي، وهيساو بنج الصيني، ومهاتير محمد الماليزي، وخامنئي الايراني الذين شكلوا روافع عملاقة لتعمير وتبجيل بلادهم، وتوفير مكان ملائم لها تحت الشمس.. ثم تحسروا، ايها العربان، على احوال امتكم العاقر والعقيم والموبوءة باقبح الخيانات والنذالات وهلوسات العقل الباطن !!

قد يعجبك ايضا