هل تقبل المنطقة على حرب إقليمية واسعة تفجرها إدارة ترامب ؟

 

 

محمد شريف الجيوسي ( الجمعة) 19/5/2017 م …

هل تقبل المنطقة على حرب إقليمية واسعة تفجرها إدارة ترامب ؟

ما الذي يجري في المنطقة ؟

تُقبل المنطقة على تطورات استثنائية متداخلة وسط توافقات وتباينات وتناقضات واحترابات ، هي كلها مع بعضها جميعها.

تحالفات بين خصوم وأعداء في هوامش .. وتناقضات جوهرية في جوانب أخرى ،

اتفاقات هنا واختلافات حد الاقتتال في جبهات أخرى .

الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد الروسي متفقان (على الأقل لفظياً)على محاربة الإرهاب (داعش والنصرة ) ولكن ما هي داعش والنصرة ومن تضم، ولم هي هنا تحظر وهناك تتاح ..

أو يجري غض النظر عن تمددها أو تأخير اجتثاثها .

روسيا حليف استراتيجي لسورية وإيران فيما يتعلق بالملف السوري ، لكنها ليست جزءاً من تيار المقاومة في المنطقة، ولها حساباتها الخاصة فيما يتعلق بتركيا وإسرائيل والولايات المتحدة والموقف من اليمن .. تساند سورية بقوة عسكريا وسياسيا لكنها حريصة بأن لا يصل حد التناقض مع واشنطن أو إسرائيل ؛ التصادم العسكري، وتعتبر فتح جبهة في جنوب سورية خطأ أحمر ، لكنها فيما يبدو ليست في وارد التصادم مع قوات أمريكية بريطانية أردنيية قد تتحرك باتجاه قطع الحدود العراقية السورية ، فيما يتوجه الجيش السوري المساند روسيا بقوة وبسرعة،باتجاه فك الحصار عن مدينة دير الزور والتقدم شرقاً باتجاه الحدود السورية العراقية ، والسؤال ما هي ضمانات عدم تصادم التحركين النقيضين كلياً .

وتمر العلاقات الروسية التركية بما يشبه (شهر عسل قسري) لكن هذا يتناقض مع موقف موسكو تجاه الطموحات السياسية والتوسعية لأردوغان في سورية والعراق، وفي آن فهي ليست راغبة في إيصال هذا التناقض مداه، وتتفق معها في التناقض مع رفضها للجيب الكردي في شمالي سورية ، لكنها تختلف معها في التمدد بحجة وقف تقدم الأكراد ومحاربة داعش ، فيما تركيا تتوافق عمليا ومجدداً مع داعش بمواجهة التحالف الديمقراطي الكردي .    

أما الولايات المتحدة وتركيا الأردوغانية فهما حليفان استراتيجيان قديمان ،بحكم وجودهما في النيتو وعدائهما للدولة الوطنية السورية ، وتهديدهما للأمن القومي العربي غير الصديق للغرب ، ووجود قاعدة أنجرليك العسكرية الأمريكية في تركيا وغير ذلك ، لكنهما مختلفان فيما يتعلق بدعم أمريكا لمشروع الدويلة الكردية في شمال سورية الذي يهدد أمن تركيا في العمق ، كما هما مختلفان باتهام اردوغان لواشنطن بأنها وراء الإنقلاب عليها واحتضانها للمعارض التركي فتح الله غولن وغير ذلك ، كما أن واشنطن غير مرتاحة لتقارب أنقرة من روسيا ، وربما من دخولها لعبة التنسيق مع موسكو وطهران فيما يتعلق بسورية وإن اعتور ذلك الكثير من المناورات واللعب على الحبال من قبل تركيا.

لقد أتاح اتفاق تحديد مناطق خفض التوتر، في سورية ، لجملة أطراف التفرغ لجبهات أخرى ، فالجماعات الإرهابية في المناطق المتبقية من الغوطة الشرقية ، باتت معنية بحسم الصراع فيما بينها لإيجاد مكان لها على طاولة المفاوضات النهائية ( ما يعكس صراعا إقليمياً بين تركيا وقطر من جهة وبين السعودية من جهو أخرى ) وهو صراع ممتد حصد ما يكفي من مقاتلي الأطراف المتقاتلة ، ولن يوقفه إلا اجتثاث أحدهما أو خروجه إلى منطقة ما ( طوعاً ) في إطار صفقة إقليمية بين الدول المشغّلة،إن أمكن إيجاد مساحة متاحة للخروج، ومن المرجح أن الفئة الرابحة في الاقتتال ستخرق اتفاق خفض التوتر مستشعرة قوتها وتهاجم الجيش السوري ، ما سيمهد لحسم معركة الغوطة الشرقية عسكرياً أو مصالحات أو معاً .

كما أتاح الاتفاق تفرغ سورية لحسم جبهات أخرى ( غير مشمولة بخفض التوتر ) باتجاه وسطها والبادية وفي الجنوب .. وفي آن أتاح لتركيا ومن معها إراحة ( جبهة إدلب ) والتركيز على مناطق أخرى،وأتاح لأمريكا والقوات الديمقراطية الكردية تركيز عملياتها باتجاه الرقة وربما بالتعاون مع بريطانيا والأردن ( بحسب تقارير ) غزو الحدود السورية العراقية .

هذه المفارقات غير العابرة من المستحيل أن تمر هكذا بمنتهى السلاسة والمراوغة والابتسامات الصفراء الباهتة والاتفاقات المتناقضة ، لكن من يستطيع أن يسبق أكثر ويحقق نجاحات على الأرض يستحيل سحقها سيفرض واقعه وشروطه ، حتى وإن بلغت الأمور حد الوقوف على شفا هاوية .

النظام الأمريكي الحالي ومن يليه في الإقليم والعالم ، ليس في أحسن حالاته، سواء في داخل الولايات لمتحدة أو على صعيد أوروبا وغيرهما ، والأوضاع الإقتصادية تدفع واشنطن للعب دور الحاوي والبلطجي في استجداء وسرقة المال من التابعين بذريعة حمايتهم ، وهو تحوّل جديد مهين على صعيد العلاقات الدولية ، لن ينقذ الاقتصاد الأمريكي ولن يجعل الدول المعنية بالحماية أفضل أمنا واستقرارا،بل سيستهدفها ويعطيها مشروعية مجابهة الاستهداف وتعاطف شعوبها والعالم .

بهذا المعنى يفترض أن تعي الولايات المتحدة هذه الحقيقة وأن لا تصل بالصراع حدود شفا الهاوية ، وأن يدرك ترامب أن نجاحاته تتحقق بالانكفاء في حدود بلاده ،وأن لا تجره مزاودات هيلاري إلى مناكفات خارجية لإثبات أنه رئيس قوي ..فقوته تتجلى في الحيلولة دون تفسخ الولايات المتحدة لا في استعداء وخوض حروب وصراعات دينكوشوتية لم تُكسب أمريكا من خلالها غير الخسران والفشل على مدى عقود ما بعد الحرب العالمية الثانية ، وأخال أن واشنطن أدركت ذلك بتجنبها خوض معركة خاسرة مع كوريا الديمقراطية ، فما بال صراعاتها مع قوى أخرى أكبر وأعظم .

لكننا ندرك أنه في حال حدث اصطدام في إحدى جبهات القتال على الأرض السورية ،فلن يقتصر عليها،وإنما سيتسع ليشمل كل سورية وإسرائيل والأردن والعراق وتركيا ولبنان والسعودية واليمن وربما أيضا مصر وليبيا والسودان وتونس والجزائر، بل وربما تجدها كوريا الديمقراطية فرصة لدخول الحرب، فضلا عن روسيا وإيران والمقاومة اللبنانية وفصائل فلسطينية وربما آخرين أيضاً . أما كيف ستصطف القوى المتحاربة فذلك شأن آخر .  

[email protected]

قد يعجبك ايضا