المفكر الأردني المحامي محمد احمد الروسان يكتب: أمن الطاقة وصراع الأدمغة مع مجتمع المخابرات الروسي … بين برجوازية الارهابي ورأسمالية الفيزيائي


 المحامي  محمد احمد الروسان* ( الأردن ) – السبت 3/12/2022 م …




*عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية الأردنية …  

من أدوار عسكرية لأفريكوم تتهندس من ليبيا، لضرب النفوذ الروسي العائد والمتصاعد في شمال أفريقيا، وشطب أو اضعاف العلاقات الجزائرية الروسية، ومفاعيل وتفاعلات الأزمة الفنزويلية بعد تخفيف العقوبات عليها، وعودة شركة شيرتون النفطية للعمل وتوقيع اتفاق المعارضة الفنزويلية مع الحكومة في كاراكاس، وهي انعكاس للصراع الروسي الأمريكي بكل بساطة، حيث لا عفوية بالعمل السياسي، حيث جلّ المنطقة بنكهة الأيرنة والروسنة والصيننة والأتركة، الى حالة صحيان متأخر للرجل العربي المريض، على ايقاعات الناتو السنّي، والفكفكة واعادة التركيب والزحف على البطن والشفاه، في رمال صحراء التيه والتوهان. 

وتحت مظلة السابق ذكره كعناوين لهذا الاشتباك، تتفاعل حرب الظلال العسكرية والمخابراتية عبر الوكلاء والادارة من الخلف والفعل كذلك، على طول خطوط العلاقات الأمريكية البريطانية في كل ساحة ومساحة من جغرافية العالم والشرق الأوسط وغرب أسيا. 

التوظيف والتوليف الانجليزي بلؤم، للملفات المزدوجة لوكالة المخابرات المركزية الامريكية والموساد، وتقاطعاتها مع مخابرات الساحات الأدوات في المنطقة، جليّة بشكل لا غموض استراتيجي فيها، لمن يفهم ويعرف كيف يعمل الانجليز وكارتل حكمهم مجلس اللوردات من خلال الام أي سكس(صاحبة استراتيجية البقرة في الهند، والتي طبقتها في العراق بين السنّة والشيعة وما زالت)، والعامود الفقري للمخابرات البريطانية، هم أبناء الريف الانجليزي المتعلمون والمثقفون، والذين يمتازون بالذكاء والخبث المتفاقم والقدرة على اجتراحات الحلول، وكيفية استثمار الحدث. 

بريطانيا تريد تفجير المنطقة، في اطار صراعها المستتر مع الأمريكي، واستعادة مناطق وساحات نفوذها التي خسرتها بعد اتفاقية يالطا، لغايات خلق وتخليق ليالطا 2، فكم من طعم انجليزيّ، تم هندسته كفخ محكم، عبر جهاز المخابرات البريطاني الفرع الخارجي، ودفعه نحو الأفواه الأمريكية والاسرائيلية؟ وسوناك رئيس الوزراء البريطاني، يعتقد أنّه هو الحاكم وحزبه في بريطانيا!!. 

البعض منّا مع كل أسف لا يعرف أنّ السياسة ليست مجرد صور تذكارية مع الفقراء والنازحين واللاجئين، بل هي استقراء للمستقبل، وكل خطوة غير مرئية في المستقبل يجب معاملتها على أنّها كمين، والسياسي الذي لا يكترث الاّ للهتاف والمديح، لا يختلف عن بائع المواشي في سوق(الحلال) يوم الجمعة، وبائع الجرائد على الإشارات الضوئية في بعض عواصمنا العربية القطرية.  

ومن هنا نرى أنّ الساسة المراهقون ودبلوماسية صعاليكهم الجوفاء والخرقاء، يعتقدون أنّ اللعب في دماء الجغرافيا هومجرد لعب مع الخطوط والحدود والتراب، ولكنّ من يلعب بدم الجغرافيا عليه أن يعلم أنّ الجغرافيا ستلعب بدمه ورأسه، وكون المنطقة والعالم، في حالة سيولة شديدة والإرهاب المعولم يتم تسييله عبر المواجهة الروسية الأطلسية، الكل صار يلعب بدم جغرافية الشرق الأوسط وجغرافية أوكرانيا – العتبة الروسية، ولكن بدأ الارتداد على كل من عبث ويعبث وسيعبث بالجغرافيا السورية وديكتاتوريها، وكذلك الجغرافيا الأوكرانيا، ولمن أراد أن يستيقن ليعد الى التاريخ لسان الجغرافيا ليخبره. 

الأمريكي ما زال يؤمن أن الانتشار الأفقي للفكر الجهادي والمحافظة على سمته في كل الأزمنة والأمكنة، هو السبيل الوحيد لأسقاط أي نظام لا يتفق ويتساوق مع رؤى الأمريكان، ويريد هذا الكابوي الأمريكي للفاشية الدينية أن تسود ليس في سورية والعراق فحسب، بل في جلّ ساحات الشرق الأوسط وأسيا الوسطى وفي أوكرانيا، وفي الداخل الصيني أيضاً عبر أقلية الأيغور المسلمة، والتي تتجاوز عشرين مليون ايغوري مسلم، لذا يصر الروسي على رفض الإرهاب والاستثمار فيه وفي منحنياته لأسقاط الأنظمة المعارضة أو التي لا تتفق وتتساوق مع الكابوي الأمريكي بأي صورة من الصور. 

 ويعتقد أنّ واشنطن دي سي سوف تستخدم هذا العامل السابق ذكره، في اسقاط أنظمة حلفائها عندما تغدو عبء على نفسها وعلى مجتمعاتها وبلا شك على أمريكا، لذلك أن تكون معادياً لواشنطن فيه خطورة، ولكنّ أن تكون حليفاً لها أشد خطورة من العداء لها. 

ويمتد الفعل الانجليزي وحرب الظلال مع الأمريكي، وأيضاً يشتبك بحذر مع الروسي، الى ساحات ومساحات دول البلقان كحيّز جغرافي استراتيجي بنكهة تماثل ديكتاتورية الجغرافيا السورية في قلب أوروبا، بمثابة بريد سياسي وعسكري واقتصادي تجاري يوصل جلّ الرسائل المتتالية للفدرالية الروسية عبر الولايات المتحدة الأمريكية، حيث اعتادت العاصمة الأمريكية واشنطن دي سي بدفع بريطاني، على هذا الاستخدام والتوظيف الشامل لساحات ومساحات دول البلقان، عندّ كل مفصل قاطع ومرحلة مفصلية من مراحل خطوط العلاقات الروسيّة الأمريكية المتأرجحة، تبعاً لمحطات الصراع وقت الحرب الباردة وما بعدها وحتّى اللحظة الراهنة، بعد الفشل الأمريكي في الحدث السوري، والفشل في الحدث الأوكراني.  

الصراع الرباعي: التركي، الأمريكي، الفرنسي، البريطاني، على منبج ومحيطها الجغرافي، ان في عمق عروق الجغرافيا السورية، وان في عمق عروق الجغرافيا التركية، يتموضع باعتبار منبج السورية، تغفو وتغفو على بحر من النفط والغاز، ومعها جلّ مناطق جنوب شرق تركيا، حيث مناطق الكرد الأتراك، من هنا هذا هو السبب الرئيس، للصراع التركي مع الكرد كما تشير المعلومات، والسبب المباشر السطحي الآخر كغطاء هو: لمنع دويلة كردية على حدودهم للترك، ولردع مماثل لأكراد تركيا.  

حيث الصحافة البريطانية، سمّتها لمنبج بلندن المصغّرة، لكثرة الدواعش البريطانيين من لندن، حيث خضعت منبج وسرّاً ومن الثلاثي الفرنسي البريطاني الأمريكي، لعمليات مسح نوعي ثقيل مع نشاط زلزالي سلبي، بالموجات المرسلة بحثاً عن رواسب الهيدروكربون، فكانت النتائح مذهلة هناك في منبج لوحدها دون محيطها الغني أيضاً، بالنفط والغاز بشكل سريالي في عروق الجغرافيا التركية، ويشكل ما تغفو عليه منبج لوحدها وحسب النتائج الأمريكية والبريطانية والفرنسية، والتي كانت نتاج اختبارات سرية هناك، نصف مخزون شبه الجزيرة العربية من النفط والغاز، وما يملكه عرب روتانا الكاميكازيين في مملكات قلقهم على الخليج.  

ومن أخبر تركيا بحقيقة وحدوث المسح النوعي الثقيل هناك وبصورة مباشرة هي دمشق، وأثنت روسيا على ذلك، وذلك منذ أكثر من أربع سنوات، كما تتحدث المعلومات.  

السياسة الخارجية الأمريكية، وحراكاتها الدبلوماسية، بنكهاتها المخابراتية والمسنودة دائماً وأبداً، من مجتمعات المخابرات في العاصمة الأمريكية واشنطن دي سي، إن لجهة الوقائي منها، وان لجهة الهجومي كذلك، توصف بأنّها سياسة مرتبكه ومتردده وفوق ذلك متلونة بعمق، وخاصةً في ظل الظروف الراهنة في منطقة الشرق الأوسط، وبعد بدء المواجهة الروسية الأطلسية، عبر الساحات والمساحات الأوكرانية، المتقيحة بالنازية والفاشية الدينية المتصاعدة، بسبب الدعم الأمريكي والغربي والناتوي، وفي نطاقات جغرافية الوطن العربي، وما حدث حتّى اللحظة ويحدث وسيحدث لاحقاً، من ثورات شعبية قادمة، وحراكات مستمرة – بعضها يتحرك بشكل طبيعي وحتمي وحسب حراكات الزمن، والبعض الآخر يتم تحريكه، إن خارجيّاً، وان داخلياً، ووفقاً لأجندات كارتلات المال والسلاح لجهة الداخل ولجهة الخارج – تقود في نهاية الأمر وفي ظل الضياع الاستراتيجي لبعض العرب التابع والخانع والأداة، إلى تغير أنظمة حكم يعود بعضها إلى العصور الوسطى، وإحلال البدائل الفوضوية مكانها، لإنشاء سياقات ومسارات جديدة، لأنسقه سياسية حديثة، تكون نتاج للفوضى الخلاّقة التي أرادها البلدربيرغ، نواة الحكومة الأممية والبلوتوقراطية الأمريكية.  

فالسياسة الأمريكية، هي مع كل ما يخدم مصالح محورها مع الكيان العبري، وكيانات أخرى في المنطقة، موجودة وقيد أعادة التشكيل والتشكل، وواشنطن ليس لديها ما يمنع من إسقاط حتّى حلفائها من العرب، فما يهمها مصالحها: في الطاقة، وأمن إسرائيل”، والكرد كمكون عرقي اثني فقط، انّها ثلاثية الأمن القومي الأمريكي، مسقطةً ذلك على دول الجوار الفلسطيني المحتل، وبعض الأخير دول جوار سوري، عبر ما يسمّى اعلامياً وسياسياً واستخبارياً: بصفقة القرن، التي يتم تنفيذ مضامينها بدقة، وتشكل مسرحية محاصصة المصالحة الفلسطينية الثنائية الفتحاوية الحمساوية، ركن أساسي لتنفيذ باقي المضامين الكارثية(نلحظ غموض استراتيجي مفهوم ومقصود في ضرورة التهدئة فالهدنة، بين المقاومات في غزّة المحتلة والكيان الغاصب).  

هذا الأوان والحالة العربية والإسلامية المحزنة، يمارس الكارتل الحاكم في واشنطن، سياسات جديدة وقديمة، ذات وضعيات الكاماسوترا في الفراش، مع الرجعية العربية المستحدثة وغلامانها الجدد، من مملكات القلق الخليجي، والتي يتم توظيفها وتوليفها لتخدمه، وتساوقاتها مع الإسرائيلي في كل شيء، إزاء إنتاج “بويضة” ناضجة ومستعدة للتخصيب، لأستلاد متتاليات هندسية لحروب وعمليات سريّة قذرة واستثمارات في الأرهاب لأدواتها، ومتشاركة مع حروب نفسية لجهة ما جرى ويجري وسيجري من عدوان أممي على وفي سورية، يراد تفعيلها من جديد، عبر ما كشفته وفضحته وزارة الدفاع الروسيّة مؤخراً عبر استخباراتها، عن بدء واشنطن وعبر أدواتها بإعداد مسرحيات كيميائية جديدة، ليصار إلى ضرب الجيش العربي السوري، لمنعه وحلفائه من تحرير ادلب السورية من مخلفات وزبالات الإرهاب المعولم، مع قيامها بتأسيس تشكيلات عسكرية جديدة من بقايا الإرهابيين في سورية، وخاصةً من ادلب، وأسّست ما يسمى(الجيش السوري الجديد)، وتم استخدام مخيم في الحسكة ومنذ سنوات، لتدريبهم وتسليحهم(مجاميع من بقايا الإرهاب)ليبقوا كمسمار جحا في الداخل السوري، وثمة شراكات تاريخية عميقة لكارتل الرجعية العربية الحديثة المستحدثة هذه، مع وكالة الاستخبارات العسكرية الأمريكية، وبعض وكالات استخبار مجتمع المخابرات “الإسرائيلي” وبعض الغربي الاستخباري المرتهن أيضاً.

انّ مسارات انتاجاتها المخابراتية لأمريكا، بدأت في خلق وتخليق مومياءات حكم، للعديد من دول العالم الثالث، ما بعد مرحلة ما سميّ بالربيع العربي والقضاء على داعش في سورية والعراق، حيث تعمل واشنطن على إعادة إنتاجه من جديد في كلا البلدين العربيين؟. 

 الأمريكي الآن، يتخذ من سلال بروباغندا عدائه لإيران، لفرض سياسات جديدة على حلفائه في المنطقة وتقسيمهم، تمتد من الاستحلاب المالي، الى التوظيف العسكري والمخابراتي، لخدمة سياسته في الشرق الأوسط، والتي هي سياسة الكيان الصهيوني بامتياز، فلا ثمة حيّز حل للقضية الفلسطينية في ظل سياسات ورؤى البلدربيرغ الأمريكي العدوانية، والتي تعبر عنها الإدارة الحالية، وبعد أن تم نقل السفارة الأمريكية، بعهد ترامب الرئيس السابق إلى القدس المحتلة، وتشريع الصهيوني بالتساوق مع الأمريكي والتماهي معه، واصداره لقانون القومية اليهودي، وشطب الأونروا لشطب ملف اللاجئين والنازحين، والعمل على التوصل إلى تهدئة وصولاً إلى هدنة بين الكيان الصهيوني الغاصب والمقاومات في غزّة المحتلة، كل ذلك تنفيذاً لمضامين الصفقة الكبرى في تصفية القضية الفلسطينية على حساب الشعبيين الأردني والفلسطيني، والذي يشكل ما ذكره وعد بلفور بنسخته الثالثة، بعد أن كانت ما تسمى بمبادرة السلام العربية في قمة بيروت، بمثابة بلفور أثنين التي أطلقها الملك عبد الله بن عبد العزيز عندما كان ولياً للعهد في بلاده.  

ونؤكد للمرة المائة: أنّ ما يجري في الشرق الأوسط، هو حصيلة جمع نتائج التصادم الدولي حول المصالح الأقتصادية وأوثق استثماراتها وعلاقاتها، بجانب صناعة الأزمات والأرهاب والأستثمار في العلاقات العسكرية، والسيطرة على الموارد الطبيعية وعلى منابع الطاقة ومسارات عبورها ووصولها، بأقل تكلفة وبأسرع وقت الى مصانع ومجتمعات منظومات الدول المتصارعة. 

انّ الأتفاقيات الأستراتيجية بين أقوى المكونات الدولية موجودة، والخلافات صارت محصورة في الأهداف وكيفية المعالجات، ومقاربات المصالح الدولية الأقتصادية والسياسية، خاصةً مع وصول الفدرالية الروسية الى المياه الدافئة، حيث منابع النفط والغاز والصخر الزيتي واليورانيوم واستثمارت موسكو الحقيقية في ديكتاتوريات الجغرافيا، للوصول الى عالم متعدد الأقطاب وحالة من التوازنات الدولية للحفاظ على الأمن والسلم الدوليين. 

في ظل البدء بهندسة جديدة لمنطقتنا، عبر حياكة مختلفة للساحات، والبدء بالفالقة السورية ومن خلال الطرف الخارجي الآخر والذي هو ليس قدر، ثمة تساؤل لغايات تحفيز العقل على التفكير ومن خارج الصندوق الكلاسيكي: كيف يتموضع الدَّور الذي تلعبه الطَّاقةُ بأشكالها المختلفة اليوم في السياسات المتغيّرة في جلّ ساحات الشَّرق الأوسط المتصاعد في السخونة بعامّة، وفي الصِّراعات الدَّائرة في سورية وليبيا بخاصّة؟. 

يذهب البعض المتابع والمهتم من الطرف الخارجي في قطاع مجتمع الطاقة المعولم، والذي هو جزء من الفاعل في هندسة جديدة لشرقنا وقلبه سورية: أنَّ الطَّاقة لا تلعب دوراً كبيراً في سورية، إذ إنَّ هذه الدّولة ليست لاعباً مهماً في مجال الطَّاقة(هكذا يقول ويفكر)، لكن هناك بعض التكهنات العامة بأن سورية، تتوضّع على حوضٍ كبيرٍ من موارد الطاقة، سواء أكان ذلك في البرِّ، أم في البحر، لكنني أحسب وأعتقد أن هذه التوقعات في غير محلها!. 

 إنّ هذا الأمر يشبه التفكير الذي كان شائعاً حيال الغزو العراقيّ للكويت في عام 1990 م، والائتلاف الذي قادته الولايات المتحدة لاستعادة الكويت، إذ كان قائماً على أساس ذريعة “تحرير حقول النفط”، فقد وُصفت الحرب في العراق في عام 2003 – في رأيي بطريقة خاطئة – بأنّها من أجل “الاستيلاء على النفط”، لكن الكويت والعراق يجلسان على أحواض مهمة لموارد الطاقة، بينما سورية ببساطة ليست كذلك. 

إنَّ ما نراه في سورية هو التنافس الجيوسياسي بين اللاعبين الإقليميين: السعودية، وتركيا، وإيران، وقطر، ثم روسيّا والولايات المتحدة والصين على نطاق أوسع، لقد تحولت سورية إلى ساحة معركة للاعبين إقليميين ودوليين، لكن اللعبة تدور حول التأثير في الأرض بدلاً من الطاقة، وكما يُعَدُّ لافتاً أنَّ الصين بدأت تدور ببطء حول الموقع الاستراتيجيّ لسورية التي تتوضع في أعلى شمال العالم العربيّ، وإلى جانب البحر الأبيض المتوسط، فبالنسبة للصين، إن الأمر يتعلق بالأهمية الاستراتيجية لموقع سورية، بدلاً من موارد الطاقة الخاصة بها. 

ويختلف الأمر بالنسبة لليبيا، حيث تتموضع ليبيا على احتياطيات نفطية كبيرة، فهي تستطيع إنتاج 1.8 مليون برميل/في اليوم بشكل مريح في وقت السلم، وهذا في الواقع يعني ويشي بأنّه، لديها القدرة على زيادة الإنتاج في مكان ما في المنطقة لتصل إلى (2.5 مليون)مليونين وخمسمئة ألف برميل يومياً، لكن البلاد الليبية بعيدة عن الوصول إلى تلك المستويات، ولم تفعل ذلك منذ أوائل السبعينيات، ومع ذلك، تتنافس روسيّا وتركيا والصين بشكل مباشر على موارد ليبيا، رغم أنّها جميعاً تعمل بطرق مختلفة في مجال الطاقة في ليبيا، تدور المنافسة الحقيقية بين الميليشيات المحلية على الأرض، التي تسعى إلى السيطرة على الموارد النفطية كوسيلة لتأمين السلطة السياسية(الصراع على ليبيا وفي ليبيا هو صراع على الثروة يأخذ شكل الصراع على السلطة السياسية). 

الميليشيات، مثل تلك التي تتماشى مع ما يسمى بالجيش الوطني الليبي التابع لـ خليفة حفتر، والتي تسيطر على العديد من الأصول النفطية في شرق البلاد، تدعمها قوى خارجية مثل الإمارات العربية المتحدة بشكل رئيس، مسنودة من المصري بشكل أكبر، ومن السعودي بشكل أقل، وكما تشارك القوى الأوروبية، مثل إيطاليا وفرنسا، بشكل وثيق في العملية السياسية، وكلا البلدين له مصالحُ وأدوارٌ وطنية في نجاح قِطاع النفط الليبيّ، وثمة صراع عميق بينهما. 

وفيما يخصُّ الطَّاقة، إن لم تكن فعّالة، من المهم أن نلاحظ أنه في حين أن المملكة العربية السعودية هي واحدة من أكبر مصدّري النفط في العالم، فإن قطر هي واحدة من أكبر مصدري الغاز الطبيعي المسال في العالم (LNG)، ما سمح لهذا البلد(قطر)بتطوير دورٍ مستقلٍ بذاته له، إقليميّاً وعالميّاً، تسبّب إلى حدٍّ كبير بإحباط السعوديين، بطريقة ما، وأدى الانقسام بين النفط والغاز في الشرق الأوسط في العقدين الماضيين إلى تعزيز قدرة قطر، على اتباع سياسة خارجية مستقلة، والقيام بدور نشط في المنطقة وخارجها. 

 تستتبعُ خطط عميق الكارتل الحاكم في واشنطن، والقاضية بإعادة انتشار القوات الأمريكيّة في سورية وأفغانستان، وتراجع الولايات المتحدة الواضح من المنطقة، التساؤلَ عن الأهمية الجيوسياسية للشرق الأوسط، ذلك فيما يتعلق بموارد الطَّاقة في المنطقة، بالنسبة لروسيا والصين والكشفَ عن مدى اعتماد دول الخليج على التصدير إلى أسواق الطاقة الروسية والصينية؟.  

تستورد الصين تقريباً 50% من نفطها الخام من الشرق الأوسط، و40% من صادرات الشرق الأوسط النفطية تذهب إلى الصين، ومن حيث رأس المال، بلغت الصادرات الصينية إلى المنطقة نحو 126 مليار دولار في عام 2016 م، بينما قُدرت قيمة الواردات من المنطقة 91 مليار دولار، ويرجع ذلك إلى أن الصين قد قامت بعدد من الاستثمارات الرئيسة في العراق وإيران، بينما استثمر مستثمرون قطريون وسعوديون في عمليات الإنتاج في الصين، كوسيلة لتطوير سلسلة القيمة التي تربط المصالح الاقتصادية طويلة المدى بين الدول.  

ورغم الجهود التي تبذلها الصّين لتنويع مصادر مواردها الطبيعيّة، إلا أنَّ أهمية منطقة الشّرق الأوسط –وبخاصّة منطقة الخليج، بما تشمل من متنافسين إقليميين، أعني إيران والسعودية، ستزداد مع نمو الطلب المحلي في البلاد.  

وبالمقابل، فإنَّ زيادة إنتاج الولايات المتحدة من النفط الصخري والغاز، أسهمت في جعل الولايات المتحدة أكبر منتج للنفط في العالم لأول مرة منذ عام 1973م لذلك، ستستمر في استبدال نفط الشرق الأوسط بنفطها في أسواق أمريكا الشمالية وأوروبا، وبالتالي خلق هذا علاقة جيدة بين الصين والشرق الأوسط. 

تطورت مصالح روسيا في الطاقة في الشرق الأوسط بشكل كبير منذ فرضت الحكومات الغربية عقوبات عليها في أعقاب اندلاع الأزمة الأوكرانية في عام 2014م، والمواجهة الروسية الأطلسية عبر كييف عام 2022 م ولذلك، دفعت حاجة روسيا لتأمين أسواق جديدة لنفطها وغازها، وجذب الاستثمارات من دول الخليج، للعمل مع منتجي النفط الرئيسين(مثل المملكة العربية السعودية)من أجل تحقيق استقرار أسعار النفط الدوليّة، وتقويض المساعي الأوروبية لتنويع إمدادات الغاز الطبيعيّ لديها، وكذلك دعم وصول النفط والغاز الروسيّ إلى آسيا. 

في الوقت الذي يحاول فيه العالم تقليل اعتماده على الوقود الأحفوري في إطار اتفاقية باريس العالمية، كيف سيؤثر التحول نحو الطاقة النظيفة في الوضع الراهن بين دول الشرق الأوسط الغنية بالنفط والغاز، ذلك إذا أعلنت الشركة السعودية المملوكة للدولة أنها تخطط للتوسع في مشاريع استخراج الوقود الأحفوري لأول مرة في الخارج؟.  

هذا يعتمد على طبيعة التحول، يبدو أن الغاز الطبيعيّ والنوويّ سيكونان جزءاً رئيساً من عملية التحوّل، الأمر الذي سيفيد ببساطة الدول الغنية بالغاز في المنطقة، ولا سيما قطر وإيران.  

إلاّ أنّ ذلك لن يكون جيداً للمملكة العربية السعودية بخاصّة، وهي أكبر منتج للنفط في المنطقة، وبالتالي، سيؤدي الانتقال إلى الطَّاقة النظيفة إلى تقويض مركزها المهيمن في أسواق الطاقة وفي منطقة الخليج أيضاً، وفي الوقت نفسه، سيستفيد منافسها الرئيس(إيران)بشكل كبير على المدى الطويل، إذا استطاعت التخلّص من العقوبات الأمريكية، وأصبحت دولة رئيسة مصدِّرة للغاز. 

وكذلك الأمر بالنسبة لقطر، سوف تستمر بالتمتع بالاستقلال الذاتي كونها أكبر مصدّر للغاز الطبيعيّ المسال في العالم، وعلى الصعيد الدولي، اجتمعت المملكة العربية السعودية، إلى جانب الكويت وروسيا والولايات المتحدة، لمنع اعتماد تقرير الهيئة الحكومية الدوليّة سابقاً، والذي أبرز الحاجة إلى الحدّ من الاحتباس الحراري العالمي إلى أقل من 1.5 درجة مئوية، هل يمكن أن ينمو هذا التحالف في السياسات الدولية لتغير المناخ، وكيف يمكن أن يؤثر ذلك في مستقبل اتفاقية باريس؟.  

تصعب رؤية عمليّة مواءَمة بين هذه الدول الأربع كمجموعة مركبة، فكل واحدة من هذه الدول لديها جملة من الأهداف الفردية، ويمكن القول: إنَّ الكويت والمملكة العربية السعودية أكثر تقارباً إلى حدٍّ كبير، في حين أن روسيا والمملكة العربية السعوديّة، على الأقل في المدى القصير، لديهما مصالح مشتركة فيما يتعلق بإدارة تدفقات السُّوق، ومع ذلك، لا يمكن النظر إلى الولايات المتحدة على أنها جزء من هذه المجموعة، بل إنها ليست مجرد تجمّع هكذا، لكنها هي على الأغلب تجمُّع مصالح قد تتفق هذه الدول إلى حدٍّ ما في سياساتها، لكني أعتقد أنها مجرد مصالح متصادفة. 

ولكن هل يمكن أن يؤثر ذلك في مستقبل اتفاقية باريس؟، نعم يمكنها فعلاً إحداث هذا التأثير، لكن ليس كتحالف، بل كدول فردية، فالولايات المتحدة لاعبٌ مهم للغاية في مجال الطاقة، والمملكة العربية السعودية لها دور رئيس أيضاً في كونها الفاعل الأساس في منظمة أوبك، ومع كل التأثير الذي يمكن أن تحدثه في سياسات تغيُّر المناخ الدولية.  

حتّى ساحات ومساحات دول البلقان تعد كحيّز جغرافي استراتيجي لمسارات الطاقة وخطوطها، بنكهة تماثل ديكتاتورية الجغرافيا السورية في قلب أوروبا، بمثابة بريد سياسي وعسكري واقتصادي تجاري، يوصل جلّ الرسائل المتتالية للفدرالية الروسية عبر الولايات المتحدة الأمريكية، حيث اعتادت العاصمة الأمريكية واشنطن دي سي على هذا الأستخدام والتوظيف الشامل لساحات ومساحات دول البلقان، عندّ كل مفصل قاطع ومرحلة مفصلية من مراحل خطوط العلاقات الروسيّة الأمريكية المتأرجحة، تبعاً لمحطات الصراع وقت الحرب الباردة وما بعدها وحتّى اللحظة الراهنة، بعد الفشل الأمريكي في الحدث السوري، وتوظيفات وتوليفات الحدث الأوكراني عبر اليانكي الأمريكي.  

زيارات قادة وكوادر وعناصر وأدوات مجتمع المخابرات الأمريكية المتعددة للبلقان، لم تتوقف يوماً ان لجهة السريّة منها، وان لجهة العلنيّة أيضاً، فصراع الأدمغة حاضر مع مجتمع المخابرات الروسي، ومجتمع المخابرات التركي، فالأخير يعتبر البلقان مناطق امتداد جغرافي لتركيا، في أحشاء جغرافية القارة العجوز أوروبا.  

الدولة التركية تعتمد بشكل كبير وحيوي واستراتيجي بادمان مزمن على مصادر الطاقة الخارجية وخاصةً النفط والغاز، وفي المعلومات تستورد أنقرة أكثر من خمسة وسبعين بالمائة من احتياجاتها من مصادر الطاقة المتنوعة، وتدفع ثمناً لذلك أكثر من خمسة وستين ملياراً من الدولارات الأمريكية سنويأً، بعبارة أخرى، ما تدفعه تركيا هو أكثر من ربع فاتورة وارداتها الأجمالية، وهذا يمكن اعتباره أهم معضلة عميقة ومتفاقمة تواجه تركيا، ولها عقابيلها وامتداداتها بالأمن القومي التركي، وتحت عنوان عريض: أمن الطاقة، ومحاولات الكيان الصهيوني في اللعب بأمن الطاقة التركي، بعد هندستها على المستوى الأمني المخابراتي، لتقود الى مستويات سياسية ودبلوماسية متقدمة وتنسيقات عسكرية ومخابراتية، خاصةً وبعد تحولات الميدان السوري لصالح الجيش العربي السوري العقائدي، ومحاولات الأخير العميقة والمتعددة والمستمرة لآغلاق الحدود مع تركيا بقوّة النيران بمساعدة حلفائه وخاصة الروسي والأيراني.  

وأنقرة تعتمد بشكل أساسي على روسيّا في استيراد الغاز وبشكل منتظم وبأسعار عادية الى حد ما، مع استيرادها لكميات أخرى من ايران والعراق وأربيل وأذربيجان وقطر والجزائر، وهناك مسارات ضغوط تمارس على النخبة الحاكمة في أنقرة، لفتح شراكات مع “اسرائيل” لأستيراد الغاز الطبيعي منها، وعبر انشاء خط من الأنابيب يمتد من حقول للغاز تقع غرب ميناء حيفا المحتل،  وعبر قبرص اليونانية الى الداخل التركي، ونعتقد أنّ هذه المحاولة الأسرائيلية عبر واشنطن تشكل قمّة الخطورة، كونها تدخل كطرف أساسي في خطة الأمن القومي التركي بشكل عام وأمن الطاقة Energy security، وأمن المجال الحيوي التركي وللتأثير على المجال الجيوبولتيكي لمجتمع المخابرات التركي، ان لجهة الداخل التركي المحتقن أصلاً بفعل الحدث السوري وارتدادات الأرهاب المدخل الى الداخل التركي، حيث ادلب باتت قنبلة تتهيء للتفجّر والتفجير في الوجه التركي، وان لجهة الخارج التركي الساخن والمتحفّز أصلاً للهجوم على أنقرة وبفعل الحدث السوري أيضاً، وتوظيفات أنقرة لورقة اللجوء السوري لممارسة الضغوط المطلوبة على القارة الأوروبية العجوز وعلى رأسها ألمانيا، حيث ألمانيا مؤخراً تساوقت وتماهت مع تركيا درجة الثمالة في المواقف من حيث تداعيات الوضع السوري، في موقف غريب ويخضع لمزيد من القراءات المختلفة من قبل مراكز الدراسات التي تقدّم توصياتها الى مجتمعات المخابرات الأقليمية والدولية المعنية بالشأن التركي والألماني.  

وفي المعلومات الحديثة نجد أنّ العاصمة الأمريكية واشنطن دي سي، تضغط على تركيا من أجل الدخول في شراكة حقيقية مع كل من قبرص اليونانية والكيان الصهيوني، لتشكيل حلف اقتصادي ثلاثي لمواجهة القبضة الفولاذية الروسية على سوق الطاقة في هذه المنطقة بالذات، وللحد من الطموحات الأيرانية ذات الأمكانيات الكبيرة والمتسارعة في النمو، وخاصةً بعد تباينات متفق عليها، بين الموقف  الأوروبي من الاتفاق النووي، بالرغم من الانسحاب الأمريكي الأحادي منه، وقت ترامب ومحاولة العودة اليه الان، وشروع الأوروبيون في مواجهة العقوبات التي فرضتها واشنطن على ايران مؤخراً، حيث المتضرر الأكبر بعد طهران هي أوروبا برمتها، وعقابيل ذلك الأيجابية على الدولة الوطنية الأيرانية، والتي لم تقدّم تنازل واحداً للغرب وللأمريكان منفردين أو مجتمعين، حيث ملف الصواريخ البالستية الأيرانية، ليس جزءً من الأتفاق، ولم يكون ولن يكون وهو برنامج دفاعي بامتياز.  

وتحدثت معلومات استخبارات الطاقة المسرّبة وعن قصد كما نعتقد، قامت وفود مشتركة من شركات أمريكية واسرائيلية بزيارة تركيا، للبحث في التوقيع على عقود(طاقوية)مع أنقرة لغايات انشاء خط أنابيب لنقل الغاز الطبيعي الأسرائيلي الى القارة الأوروبية، وعبر قبرص وتركيا تحت سطح البحر بطول يزيد عن 500 كيلو متر من حقل(لفيتان)البحري المحتل “الأسرائيلي”، والواقع غرب ميناء حيفا بمسافة 135 كيلو متر وحتى مرفأ جيهان التركي وبسعة 16 مليار متر مكعب، ثم على امتداد الساحل القبرصي وبعمق ألفي متر لأستحالة مروره طبعاً على الساحل اللبناني والسوري، رغم توقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان والشمال الفلسطيني المحتل(إسرائيل). 

والساحل اللبناني والساحل السوري، هو الممر الأفضل لهذا الأنبوب – لكن ثمة استحالة لمروره الان، وبتكلفة أقل ووقت أقل، وأضافت المعلومات أنّ تشغيل هذا الخط سيكون من منصة انتاج وتخزين وتفريغ عائمة على سطح البحر الأبيض المتوسط، قبل أن يتوجه نحو الشمال الشرقي باتجاه ساحل قبرص اليونانية كما أسلفنا للتو.  

وأمام هذا المشروع الاقتصادي الطاقوي الخبيث باعتقادي، تحديات وعوائق كثيرة وليست محصورة فقط بالأبعاد المالية واللوجستية والوقت الذي يحتاجه في التأسيس والبناء والتقنيات الضرورية، بل التحدي الأمني وما يمكن أن يتعرض له من أخطار وعمليات ارهابية، بفعل الأرهاب المدخل الى الداخل السوري والمصنّع في لبنان(المراد تسخينه أمريكيّاً وسعوديّا على الأقل الآن)وارتداداته على تركيا و”أسرائيل” ودول الجوار الأخرى، فمن تكلفة مالية تزيد عن ثلاثة مليارات من الدولارات، الى تكلفة الأنتاج المرتفعة، الى وجود مشاريع أخرى لنقل الغاز من ايران وقطر والسعودية ومصر في اطار منطقة الشرق الأوسط وبجانب سورية ولبنان لاحقاً.  

بجانب كل هذه التحديات الآنف ذكرها، هناك التحديات السياسية، حيث عدم وجود الثقة بين أطراف هذا المشروع الثلاثي، والذي تهدف من ورائه الولايات المتحدة الأمريكية، الى تشكيل وتصنيع حلف نيتوي اقتصادي في مواجهة سلاح الطاقة الخطير الذي تملكه الفدرالية الروسية، يقف على حدودها الجنوبية مع تركيا. 

[email protected]          

هاتف – منزل عمان : 5345541    

خلوي: 0795615721

سما الروسان في  4 – 12– 2022 م.

* عنوان قناتي على اليوتيوب حيث البث أسبوعياً عبرها:

https://www.youtube.com/channel/UCq_0WD18Y5SH-HZywLfAy-A

 

 

قد يعجبك ايضا