اليمن بلاد الحضارة والتاريخ والأصالة والإبداع … شبام ناطحات السحاب .. وحكاية الزمان والمكان !




الأردن العربي – الخميس 10/3/2022 م …

أروى حنيش :
في مدينة شبام حضرموت يستوقفك الماضي لتغرق في التأمل في تفاصيله الحية، وعن عصور موغلة في القدم.. هنا في شبام حيث ترك أجدادنا الأوائل بصماتهم في هذه الحواضر وأعظم مآثرهم الخالدة الناطقة بأبداعاتهم التي مازلنا نقتفي آثارها حتى وقتنا الحاضر. فمن هي شبام التي صمدت بوجه العصور، وكثرت أوصافها وتعددت اسماءها، وبقيت جوهرة المدئن الأثرية حتى ذاع صيتها وطارت شهرتها أصقاع العالم؟!

شبام هي واحدة من أقدم المدن اليمنية التاريخية الأثرية في حضرموت، وإحدى أقدم ناطحات السحاب في العالم. عندما تدخل إليها تجد نفسك في عالم مختلف، يأسرك جمالها ورونقها وفنون هندسة معماريتها، فترحل بك إلى زمان آخر بعيد في القدم .. سحر عجيب يغمرك وأنت تتجول هنا وهناك في أرجاء المدينة، فتنتابك دهشة الماضي العريق، وعبق التاريخ الذي يشع من بين جنباته حياة الإنسان اليمني وهو يعمر حضارته الفريدة، ويباهي بها الأمم والشعوب والحضارات الأخرى. هنا ترفع رأسك أقصى ما يمكن لتكتمل الرهبة برؤية أول ناطحات سحاب في العالم، تعانق الجوزاء بشموخ، وهنا تقف بإعتزاز لتقرأ من خلالها فنون وقدرات وإبداعات الإنسان اليمني في واحدة من آيات الإبداع والمهارة الفنية للعمارة اليمنية الفريدة التي ما تزال مميزة في طابعها المعماري الأصيل بكل تفاصيله ومكوناته وجزئياته، تحكي عن أعرق طراز معماري شهدته حضارات الشرق القديم وبسحرها المتناغم فوق الرمال متكئة على ثنايا صحراء الربع الخالى بدثارها المزين بأشجار النخيل، وتعانق السحب بتاجها الطيني الجميل الذي يلامس أسراب السحب في عنان السماء.

أسماء شبام
أطلق عليها الغربيون اسم “مانهاتن الصحراء” وسماها أهل اليمن ” أم القصور العوالي”، وتعتبر أعجوبة من أعاجيب الفن المعماري فى العالم نظرا لفرادة طابعها الذى كان ولازال محط إعجاب من زارها وشاهد بأم عينيه أول ناطحات سحاب فى العالم مبنية من الطين وفقا لنظام هندسي دقيق توقف عنده الكثير من معماري العالم. مدينة تسحر الألباب بمناظرها وأزقتها وشوارعها تجد المتعة الكاملة، وأنت تتنقل بين تلك التحف المعمارية، تتأمل في أخاديدها، فتتألف بينك وبينها علاقة أبدية مرصعة بالحب الذي لا يفارق الوجدان، تجبرك المدينة على رؤية فتونها وهيئة تصاميمها المتنوعة الإبداع لتغرق عيناك في التأمل العميق من رأسها إلى أسفلها، وتمنحك فسحة لتراها في أجمل حلة عندما تصعد إلى منازلها لترى على امتداد النظر جوهرة تتلألأ في قلب الصحراء، هناك حيث تسترح العين وهي تتنقل من مكان إلى آخر وحول محيطها .. كل مكان فيها أجمل من الآخر لتجعلك تذرع شوارعها وأحيائها لتستمتع بالمزيد من تفاصيلها، وهنا لا تخشى شيئا فالسكان هنا طيبون جدا.. نساء يمشين في الشوارع بسكون، ورجال بشوشون يحتسون القهوة أو الشاي تحت ظلال البيوت الشاهقة، يرمقونك بنظرة حب وابتسامة ودودة، وربما يدعونك لمشاركتهم، وإذا طلبت من أحد أن يدخلك بيته لترى منازل شبام من الداخل لن يتأخر في تلبيه طلبك، ووسط الأحياء هناك المطاعم، والأسواق الشعبية والكافتيريات، والفنادق، والمتنزهات، والأدهى من ذلك أن المدينة تمنحك الراحة النفسية، والاسترخاء والهدؤ، بحيث يجد الزوار والسياح متعتهم في الاطلاع على تاريخ الماضي.

عن شبام
شبام كتب عنها المؤرخون وعرفها الأوائل من الرحالة المستشرقين الذين كتبوا الكثير عنها وسطروا عنها أعذب العبارات ووصفوها بعدة أوصاف فهذا الرحالة الهولندي ( فان دير مولين ) قال عنها إنها تشبه الكعكة عندما يرش عليها السكر، وذلك لبياض سطوحها، ووصفها الألماني ( هانس هافرتين ) بأنها شيكاغو الصحراء لموقعها المتميز وسط الصحراء في تلك الفترة، ووصفت بأنها أول ناطحات سحاب في العالم لعلو مبانيها.
أما الهمداني فقال:” إن شبام حضرموت مدينة الجميع أي أنها مقعد الجميع من عالم وتاجر وسياسي وضيف .. فيها بيت خاص كان قديما يطلق عليه (بيت الغريب ). وتوضح الموسوعة اليمنية أن أقدم ذكر لشبام يعود إلى القرن الرابع الميلادي، وأن هذه المدينة ذُكرت في نقوش المسند باسم (شِبَم) ضمن مملكة حضرموت. وتحكي روايات أن أهل شبوة، وهي منطقة معروفة في اليمن ومحافظة من محافظاتها الحالية هم الذين أسسوا شبام، وإليهم يرجع اسمها، فكان هذا الاسم قديما “شِباه”. وترجّح روايات أخرى أن شبام سميت بهذا الاسم نسبة إلى ملك قديم من ملكوها يدعى (شبام بن حضرموت بن سبأ الأصغر). ويرى البعض أن كلمة “شبام”. ربما تكون اسما لأحد الملوك، أو كاهنا، أو قائد كبيرا بدليل أنه توجد في اليمن عدة مناطق ومدن أخرى تعرف باسم شبام، مثل “شبام كوكبان” و”شبام الغراس” و”شبام حراز”. ومن يتوغل في أعماق مدينة شبام يجدها مدينة عريقة بعراقة القدم والسجل التاريخي الذي حفلت به منذ عصور قديمة لما قبل الإسلام، وجاء ذكرها في النقوش اليمنية القديمة المعروفة بخط المسند بأنها مدينة وجدت منذ قرون سابقة للإسلام.

تاريخ شبام
يتفق الكثير من الباحثين على أن مدينة شبام الحالية بُنيت قبل نحو سبعمائة عام من الآن، لكن لشبام تاريخ أقدم من ذلك بكثير، يقول مؤرخ اليمن المعروف أبو محمد الحسن الهمداني (ولد في 893م، وعاش إلى ما بعد 947م) إن شبام بُنيت في القرن الثاني عشر قبل الميلاد، وأشارت روايات أخرى إلى أنها بنيت في القرن الخامس قبل الميلاد وأصبحت معروفة في القرن الثاني. وتعرضت شبام للهدم وأعمال التخريب في عدة حقب بسبب الحروب والفيضانات والسيول حتى صارت بهيئتها الحالية منذ سنة 699 هجرية.

 أول ناطحات سحاب
تتميز مدينة شبام بالمباني الممشوقة الجميلة، ترتفع سبعة أدوار وتصل إلى ستة عشر دورا، بنيت المدينة على الطراز القديم، إذ أن شوارعها ضيقة ملتوية، لكن موقعها الذي اختير لبنـاء أقدم ناطحات سحاب، فضلا عن تحصينها بالأسوار كمركز دفاعي لمدينة حصينة مسورة يلتف حولها بشكل دائري.

العاصمة السياسية
عاصرت مدينة شبام أحداثا تاريخية هامة قبل الإسلام وبعده، وقد اعتبرت مدينة شبام العاصمة السياسية والاقتصادية لوادي حضرموت، بل ولحضرموت كلها، وتقول مصادر الكتب أنه عندما اعتنق الحضارم الدين الإسلامي في العام العاشر الهجري عندما أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم زياد بن لبيد البياضي ليكون عاملا له على حضرموت واتخذ شبام مقرا له لإقامته متنقلا بينها وبين مدينة العلم المعروفة في حضرموت وهي مدينة تريم. وبحسب المؤرخين فإن مدينة شبام القديمة اكبر مما هي الآن، والدليل على ذلك ما ذكره الهمداني عنها إذ قال : أما قبيلة حضرموت فمساكنهم الجهة الشرقية والوسط من وادي حضرموت، وأولى بلادهم شبام، وسكنها حضرموت وبها 30 مسجدا {أي في عصره} إذ أن بها حاليا 6 مساجد، ونصفها خربتها كندة (قبيلة حضرمية قديمة مشهورة)، وسكنها بنو فهد بن حمير، وبنو فهد بن سبأ بن حضرموت. ووصفها الهمداني أيضا في كتابه المشهور صفة جزيره العرب بما يلي: شبام مدينة في حضرموت وسوق الجميع قصبة حضرموت، وقد تحدث عنها كثيرا المؤرخان ياقوت الحموي والقزويني، ومن ملوكها المشهورين قيسبة بن كلثوم السكوني الكندي المولود بشبام والمتوفي العام 37 هجرية، وكان قائدا عسكريا شارك في فتح مصر في العام 20 هجرية. انطلقت من هذه المدينة ثورة عبد الله بن يحيى الكندي العام 128 هجرية ضد الحكم الأموي واستمرت منطلقا وقاعدة لمقاومة الحكم العباسي بحضرموت، وانتشر فيها آنذاك المذهب الأباضي ومركزه الرئيس شبام الذي انتهى في القرن السادس الهجري.

أهم المعالم
أهم معالمها التاريخية في سورها المحيط بها من كل الاتجاهات وهو مبني على الطراز القديم، ولها بوابة وحيدة كانت تغلق ليلاً، وبيوتها عالية في الارتفاع، مبنية من الطين النيئ، وتتراوح طوابقها من 6 إلى 7 طوابق، وارتفاع كل طابق ما بين 4 إلى 6 أمتار، وتمتاز بالنقوش والزخارف على أبوابها ونوافذها المصنوعة من الخشب المحلي (السدر) شجر النبق، وتمتد عمارتها إلى أكثر من 800 سنة بحسب المصادر التاريخية. ومن معالمها الجامع الكبير المسمى (جامع هارون الرشيد) الذي تم تشييده العام 166 هجرية، بالإضافة إلى مسجد الخوقة الذي كان مركزاً للأباضية. وهناك أيضا القصر الشمالي الذي بني في الفترة 617 هجرية، وكان مقراً لحكم الدولة المتعاقبة اتخذه ابن مهدي في ذات العام مقرا له وفي 618 هجرية حفر خندقاً أحاط بالحصن ممتدا إلى مسجد الخوقة، وحفر علي بن عمر الكثيري بئرا بجانبه سنة 836 هجرية، وهو مازال قائماً إلى الآن بعد أن أزيلت منه ثلاثة طوابق، وهو مقر الهيئة العامة للمحافظة على المدن التاريخية في حضرموت، ويسهم في إعادة بناء ماعبثت به أيادي الإهمال.

شبام في التراث العالمي
اعتبرت منظمة اليونسكو مدينة شبام من ضمن قائمة مدن التراث الإنساني. في العام 1984م كان مقررا أن يتم ضم مختلف مناطق وادي حضرموت إلى قائمة التراث العالمي وهي تتضمن مدنا تحتوي تميزا وتفردا معماريا في غاية الجمال والإبداع مازالت شاهدة على إبداع الإنسان في اليمن منذ القدم، غير أن الأمر انحصر في مدينة “شبام حضرموت” والتي انضمت إلى قائمة التراث العالمي مع مدينة صنعاء القديمة ومدينة زبيد ومدينة ثلاء وغيرها من المدن اليمنية . وتعتبر “شبام حضرموت” مدينة تاريخية تشكل منازلها الطينية أقدم مدينة ناطحات للسحاب في العالم بالرغم أنها مبنية من الطين. ونظرا لهذه الخصوصية
نفذت فيها العديد من المشاريع للحفاظ عليها خوفا من الاندثار، خاصة في ظل الهجمة الشرسة للبناء المسلح الذي بدأ يغير ملامح كثير من المدن اليمنية القديمة ، ومنها شبام، فضلا عن كوارث السيول والأمطار التي لحقت بمحافظة حضرموت في الأيام الماضية. إذ حاصرت مياه السيول المدينة العريقة من جميع الاتجاهات وتسببت مياه الأمطار الغزيرة المتصلة في تآكل سور المدينة التاريخي، وهبوط التربة تحت بيوتها، وجرف محطة مياه الصرف الصحي بالكامل.

وفيما شملت الخسائر تهدم وانهيار أكثر من عشرين بيتا من البيوت القديمة، فضلا عن تشبع بقية المنازل بمياه الأمطار الأمر الذي يهدد بكارثة يمكن أن تلحق بواحدة من أهم مدن التراث العالمي.

منازل شبام
بدأ نجم المدينة يظهر عندما ابتكر المعمار اليمني الشكل الهندسي الجميل لبيوت المدينة العالية، ففي العقد الثاني من القرن العاشر الهجري ساد الاستقرار النسبي وادي حضرموت تحت حكم السلطان بدر آبو طويرق الكثيري (922-977هـ ) وانتقلت القبائل المجاورة إلى المدن الحضرمية، فكان نصيب مدينة شبام النصيب الأكبر من النازحين، فبدأت تضيق بأهلها ومساحة المدينة محدودة بأسوارها، والبناء خارج الأسوار مهدد بالهدم، وبجرف السيول، ومعرض للغارات التي تجتاح المدينة من حين لآخر، فلم يكن أمام المهندس المعماري إلا التطلع إلى أعلى، وهو خير وأوسع مجال، فبنوا من أربعة وخمسة أدوار وتوجوها بطابق سادس يعلوه سقف مسطح مكلل ومطلي بالنورة، كتاج أبيض جميل يزين أعالي كل منزل في المدينة، وقلادة أخرى من النورة والنقوش ملقاة على واجهات جميع المنازل المترابطة، ولم يكن البناء معقداً قط، فإنما هو بمواد بسيطة: طين، تبن، وماء، وجذوع نخيل، وأخشاب السدر، وحرارة شمس استوائية لتجفيف اللبن. إضافة إلى قواعد المباني القوية، والأعمدة المستقيمة في المنازل التي تحمل الأسقف وتعين على تماسك البنيان، والتي تسمى باللهجة المحلية (الأسهم)، ونوافذ جميلة، وأبواب فريدة كلها مزخرفة بنقوش بديعة غاية في الإتقان، وأقدم منازل شبام عمره 600 سنة، وهناك من يقول أن عمر المنازل الحالية يصل إلى 800 سنة، وهذا القول لا يزال يحتاج إلى المزيد من البحث والتنقيب ليتم التأكد من صدق هذه الأقوال، وعدد منازل المدينة الآن 500 منزل، ويتراوح ارتفاع مبانيها من 25 إلى 30 متر، ويتراوح ارتفاع الطابق الواحد ما بين 4 إلى 6 أمتار، ويتراوح سمك جدران الدور الأرضي ما بين متر ونصف ومترين.

المنازل من الداخل
عند دخول المنزل الشبامي نجد أن الدورين الأرضي والأول لا يستعملان للسكن، حيث يحتوي الأرضي على غرفة صغيرة تفتح على الشارع تسمى (الضيقة) وتستخدم كدكان، ويوجد في هذا الدور ممر صغير يؤدي إلى سلم يرتكز على عمود يشكل دعامة المبنى الأساسية ويسمى (عروس البيت)، ويؤدى السلم إلى الأدوار العليا من المنزل. ويُبنى (العروس) في الغالب من الطين الذي يجصص بالرماد لتقويته، وهو يمتد على طول ارتفاع المنزل وتبلغ مساحته في المسقط نحو ثلاثة أمتار مربعة، وتستخدم بقية المواقع في الدور الأرضي والأول كمخازن، ويخصص في الدور الأرضي مكان لمبيت المواشي. يلي الطوابق الأولى الأدوار المخصصة للرجال واستقبال ضيوفهم واحتضان أنشطتهم الاجتماعية، وتتميز الغرف في هذه الأدوار باحتوائها على زخارف ونقوش بديعة، وأعمدة خشبية رشيقة تنتصب في الوسط. ثم تأتي الأدوار المخصصة للنساء وتسمى (المراوح)، وصُممت بحيث تسمح للنساء بالانتقال إلى منازل الجيران عبر جسور ممتدة بين المباني، كما تسمح للرجال، في أوقات الحروب، بالتنقل من مبنى إلى آخر دون الاضطرار للنزول إلى الشارع، أما الأدوار العليا المتبقية، وتسمى (مابين الطيارم)، أي مابين السطوح، فتوجد فيها غرف صغيره، وشرفات، وسطوح متصلة بغرف منفتحة نحو السماء تسمى (الريو). ويوجد في مدينة شبام نظام قديم للصرف الصحي يتم عبره تصريف المياه المستخدمة عبر قنوات عمودية مكشوفة نحو الأعلى تنقل المياه إلى قناة مشتركة في الأرض تصرفها إلى خارج سور المدينة. وحمامات منازل مدينة شبام هي أعجوبة في الفن المعماري، حيث يوجد في كل حمام منفذ للمخلفات وكل منفذ في الحمام في الطابق الأسفل يختلف عن الفتحة التي في الطابق الأعلى، وبالتالي يعتقد الذي لا يعرف تصميم منازل مدينة شبام أن الحمام في كل طابق مستقل عن الطابق الآخر، والواقع هو أن المخلفات جميعها تصب في مجرى واحد.

 أسرار البناء
تكشف دراسات حديثة بعض أسرار قدرة المنازل الشبامية على البقاء سليمة لمئات السنين. فتوضح أن تلك المنازل حُفر لها أساس عريض يصل عمقه إلى متر أو مترين، تبُسط عليه طبقة من روث الماشية تُرش فوقها طبقة من الملح، يلي ذلك رص أعواد من الشجر توضع من فوقها طبقة من الرماد. ولتسويه الأساس توضع قطع غير مصقولة من كسارة الحجر، وبعدها تبدأ عملية البناء بالحجر أو الطوب الني لرفع الأساس فوق سطح الأرض بارتفاع متر بغرض تدعيمه، وحماية الجدران الخارجية للدور الأرضي من التآكل والتساقط، ويستخدم الرماد مع الطين لربط الحجارة بعضها البعض. ويُلبس الجزء الأعلى من الجدار بطبقتين من الطين المخلوط بالتبن والرمل.. وتأتي بعد ذلك عملية التجصيص بالنورة (مادة جيرية) أو الرماد.أما السقوف فهي تُرفع من أعواد الخشب التي ترص بانتظام، ثم تغطى بحصيره من سعف النخيل توضع فيها طبقة من الطين، ويوجد في مدينة شبام نظام قديم للصرف الصحي يتم عبره تصريف المياه المستخدمة عبر قنوات عمودية مكشوفة نحو الأعلى تنقل المياه إلى قناة مشتركة في الأرض تصرفها الى خارج سور المدينة.

 بين شبام ودبي
بمجرد المقارنة مثلاً بين مدينتين لهما بيئة صحراوية متشابهة: مدينة شبام حضرموت، ومدينة دبي في الامارات العربية المتحدة كمثال سنجد أنه بمقاييس العصر الحديث للهندسة المعمارية والبيئية (وبعيداً عن العمر التاريخي)، ستكون المقارنة لصالح مدينة شبام دون تجاوز. إذ تتفوق مدينة شبام عن المدن العصرية كدبي (أو أية مدينة حديثة مشيدة بالبيئة الصحراوية)، في كون مبانيها صُممت ببراعة وفق “علم وخبرة” لتلائم المناخ والبيئة الصحراوية التي لا تؤثر عليها، ولا على صحة سكانها في حين أن مدينة دبي شيدت مئات الأبراج من ناطحات السحاب الزجاجية والاسمنتية، وفق الاعتماد على الطاقة الأحفورية المشغلة لهذه الابراج، والتي تعد مكلفة اقتصادياً وملوثة للبيئة، فمواد الحديد والألمنيوم والزجاج والأسمنت الذي شيدت بها مباني وأبراج دبي بمعايير عالمية للتكييف والتدفئة، ليست من مواد البيئة الطبيعية المتجانسة مع بيئة الصحراء.
وهي مباني تعتمد اجمالا على الطاقة الكهربائية كي يصبح السكن فيه طبيعيا. ومع افتراض غياب الطاقة الكهربائية لمدة يوم واحد ستصبح كل هذه المباني في إمارة دبي عبارة عن أفران حارة لا يستطيع سكانها التنفس لحد الاختناق كون درجة حرارة الصحراء عالية جداً، ومع احتباس حرارة الطقس يصبح دخول الهواء وضوء الشمس إلى الأبراج الزجاجية مصدر عبء اضافي يزيد من حرارة المباني ويخنق السكان. في حين أن بيوت شبام الطينية مشيدة من مواد طبيعية 100%، من قواعدها وجدرانها وسقوفها الداخلية وحتى نوافذها من الأخشاب الطبيعية، والتهوية فيها تهوية طبيعية ومريحة للغاية. ويبدو أن عامل التفوق البيئي له أهمية في العزل الهندسي لمباني شبام حضرموت في بناء البيوت من مواد طبيعية من ذات البيئة، وهي عبارة عن الطين والقش واخشاب ومادة النورة والرماد الطبيعي، ولعل جدار الطين المخلوط بالحشائش كالقش (التبن) يمكن أن يصد الموجات الكهرومغناطيسية ويمنعها من الدخول لداخل المباني. في حين أن عوامل العزل المستخدمة في المباني الحديثة في مدينة دبي أو غيرها، عبارة من مواد صناعية ومواد كيماوية غير صحية.

أخطار بيئية
الخطر الأكبر الذي يهدد مدينة شبام حضرموت هي الفيضانات التي يمكن أن تحدث في أي وقت، مثل الفيضان عام  2008 الذي سبب أضرارا بالغة في أساسات بعض المباني مما أدى الى انهيارها فيما بعد.
هذه المدينة التاريخية أصبحت مزارا عالميا للسياح، وكذا الباحثين والدارسين والمهتمين بتاريخ التراث والفن المعماري ما يجعلها تتبوأ الصدارة في قائمة المدن التاريخية في التراث العالمي لمنظمة اليونسكو وتصنيفها من أهم المدن العالمية التي تتطلب المحافظة عليها، وحمايتها من العوامل البيئية، وكذا من سطوة استبدالها بالعمارة الحديثة.

شبام ناطحات السحاب .. وحكاية الزمان والمكان !

 

 

قد يعجبك ايضا