موقف المنظمات الدولية من جرائم الفساد / د. عادل عامر

د. عادل عامر  ( مصر ) – الأربعاء 9/3/2022 م …




تمكنت فلسطين، كغيرها من الدول، من وضع قانون لمكافحة الفساد، ولهذه الغاية أنشئت هيئة اطلق عليها (هيئة مكافحة الفساد) بموجب القرار بقانون رقم (7) لسنة (2010) بشأن قانون تعديل الكسب غير المشروع رقم (1) لسنة (2005) كهيئة مستقلة إدارياً ومالياً، منحت من الاختصاصات والصلاحيات ما يمكنها من الاضطلاع بمهامها في مكافحة الفساد، وقد اتسم قانون هيئة مكافحة الفساد الفلسطينية بمحاكاة وانسجام تام مع اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، فأصبح القانون قانوناً لمكافحة الفساد، بكافة أشكاله، وخولها صلاحيات واسعة تمكّنها من القيام بمهامها في مكافحة الفساد  

تختص هيئة مكافحة الفساد الفلسطينية بما يلي (قانون هيئة مكافحة الفساد المعدل رقم (1) لسنة (2005)):  

1.        حفظ جميع إقرارات الذمة المالية وطلب أية بيانات أو إيضاحات تتعلق بها.  

2.        فحص الذمة المالية للخاضعين لأحكام هذا القانون.  

3.        التحقيق في الشكاوى التي تقدم عن جريمة الفساد.  

4.        التحقق من شبهات الفساد التي تقترف من الأشخاص الخاضعين لأحكام هذا القانون.  

5.        توعية المجتمع بكافة مستوياته الرسمية وغير الرسمية وتبصيره بمخاطر جرائم الفساد وآثارها على التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وكيفية الوقاية منها ومكافحته، من خلال:  

•          جمع المعلومات المتعلقة بكافة صور وأشكال الفساد والعمل على إيجاد قاعدة بيانات وأنظمة معلومات وتبادلها مع الجهات والهيئات المعنية في قضايا الفساد في الداخل والخارج وفقا للتشريعات النافذة.  

•          التنسيق مع كافة مؤسسات السلطة الوطنية لتعزيز وتطوير التدابير اللازمة للوقاية من جرائم الفساد وتحديث آليات ووسائل مكافحتها.  

•          التنسيق مع وسائل الإعلام لممارسة دور فاعل في نشر ثقافة النزاهة ومكافحة الفساد في المجتمع.  

•          العمل على تعزيز إسهام ومشاركة منظمات المجتمع المدني والمؤسسات التعليمية في الأنشطة المناهضة للفساد وإيجاد توعية عامة بمخاطرها وآثارها وتعزيز ثقافة عدم التسامح مع الفساد والمفسدين.  

6.        رسم السياسة العامة لمكافحة الفساد بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة ووضع الخطط والبرامج اللازمة لتنفيذها.  

7.        إعداد نشرات دورية تبين مخاطر الفساد والواسطة والمحسوبية على مؤسسات السلطة الوطنية وإداراتها العامة.  

8.        مراجعة وتقييم ودراسة التشريعات المتعلقة بمكافحة الفساد واقتراح التعديلات عليها وفقا للإجراءات المرعية.  

9.        التنسيق والتعاون مع الجهات والمنظمات والهيئات العربية والإقليمية والدولية ذات الصلة بمكافحة الفساد، والمشاركة في البرامج الرامية إلى الوقاية من هذا النوع من الجرائم.  

10.      إعداد التقرير السنوي للهيئة.  

كذلك أشار (قانون هيئة مكافحة الفساد المعدل رقم (1) لسنة (2005))، إلى أن المذكور لاحقاً يعتبر فسادا لغايات تطبيق هذا القانون:  

1)        الجرائم المخلة بواجبات الوظيفة العامة والجرائم المخلة بالثقة العامة المنصوص عليها في قوانين العقوبات السارية.  

2)        الجرائم الناتجة عن غسل الأموال المنصوص عليها في قانون غسل الأموال.  

3)        كل فعل يؤدي إلى المساس بالأموال العامة.  

4)        إساءة استعمال السلطة خلافا للقانون.  

5)        قبول الواسطة والمحسوبية التي تلغي حقا وتحق باطلا.  

6)        الكسب غير المشروع.  

جميع الأفعال المجرمة الواردة في الاتفاقيات العربية والدولية لمكافحة الفساد التي صادقت عليها أو انضمت إليها السلطة الوطنية.  

مفهوم الفساد من وجهة نظر إقليمية  

أُعلن في 30 يوليو/تموز 2008 عن تأسيس الشبكة العربية لتعزيز النزاهة ومكافحة الفساد، وتضمّ الشبكة في عضويتها 47  وزارةً وهيئةً رسميةً من 18 بلدًا عربيًا، بالإضافة إلى عضوين مراقبين و”مجموعة غير حكومية” تشمل 25 منظّمة مستقلّة من المجتمع المدني والقطاع الخاص والمجال الأكاديمي، مما يجعلها أوّل آلية إقليميّة عربيّة تجمعُ جهاتِ حكوميّةِ وغير حكوميّةِ بهدف التشاور والتعاون ضد الفساد.  

تسعى الشبكة العربية إلى تنمية قدرات أعضائها، وتيسير تبادل المعلومات بينهم ومع نظرائهم حول العالم، وتوفير أرضيّة مشتركة لجميع الأطراف المعنيين بغية استكشاف سبل تطوير السياسات المضادة للفساد، وذلك من خلال الخدمات المتخصصة التي تتيحها هذه البوابة الإلكترونية وسلسلة من النشاطات الميدانية كالمؤتمرات وورش العمل والدورات التدريبية والجولات الدراسية.  

تلتئم الشبكة العربية بشكل دوريّ لمراجعة تقدم أعمالها وتحديد أولوياتها في إطار برامج عمل دورية، كما تُصدر قرارات وخلاصات ووثائق أخرى لدعم الجهود الإقليمية في مختلف المواضيع ذات الصلة.  

الغرض العام للشبكة هو المساهمة في تعزيز النزاهة ومكافحة الفساد في المنطقة العربية، من خلال تأمين ملتقى اقليمي دائم للجهات الرسمية العربية المعنية، يتيح تبادل المعرفة والخبرات والتجارب فيما بينها، ويؤمن اطاراً استراتيجياً لدعم الجهود الوطنية الهادفة إلى تطبيق المواثيق والاتفاقيات العربية والدولية ذات الصلة، لا سيما “اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد“.  

وتجدر الإشارة إل أن بعض الدول المنضمة لهذه الشبكة ليس لديها هيئة متخصصة لمكافحة الفساد، فمثلاً تعتبر مصر دولة طرف في اتفاقية الأمم المتّحدة لمكافحة الفساد، ودولة طرف في الاتفاقيّة العربيّة لمكافحة الفساد، وممثلة في الشبكة العربيّة لتعزيز النزاهة ومكافحة الفساد ومجموعتها غير الحكوميّة؛ غير أنه ليس لديها استراتيجية وطنية لمكافحة الفساد، وليس لديها هيئة مكافحة فساد متخصّصة.  

مفهوم الفساد من وجهة نظر دولية:  

من أهم الجهات التي اهتمت بموضوع الفساد وتحديد مفهومه ومؤشراته منظمة الشفافية الدولية (Transparency Organization International)، والتي عرفت الفساد بأنه “سوء استغلال الوظيفة العامة من أجل تحقيق مصالح خاصة، ومنظمة الشفافية الدولية منظمة غير حكومية أهلية دولية (منظمة مجتمع مدني)، وأمانتها العامة في برلين بألمانيا، وتضم فروعاً لها في (90) دولة حول العالم (عويد، 2014).  

تعمل هذه المنظمة على انتاج مؤشرات لقياس الفساد، حيث تقوم بجمع وتحليل ونشر البيانات والمعلومات لزيادة الوعي بخصوص أثر الفساد. ويدير المنظمة مجلس إدارة مكون من (12) عضواً يتم انتخابهم في الاجتماع السنوي العام من دول ومناطق مختلفة، كذلك تضم المنظمة مجلساً استشارياً يتكون من افراد بارزين على المستوى العالمي يقدمون النصح للمنظمة، ويساهمون في تنمية البرامج. كذلك يوجد لدى المنظمة مركز أبحاث يعمل فيه مجموعة من الأكاديميين والممارسين في مجال مكافحة الفساد، إذ يقوم هذا المركز بإعداد أبحاث عن درجات النزاهة لدى الحكومات، ومؤشرات الفساد الإداري والمالي، ومتابعة ردود الحكومات وتصرفاتها تجاه مشروعات القوانين لبتي تقدمها المنظمة لمواجهة الفساد في تلك الدول.  

 تعتمد المنظمة في تمويل أنشطتها على التبرعات والإعانات التي تقدمها بعض الهيئات والمنظمات الحكومية وغير الحكومية، والمؤسـسات الاقتصادية كالبنك الدولي والأمم المتحدة، وغيرها من المؤسـسات، وهدف المنظمة كما تعلن عنه، يتمثل في الحد من الفساد عن طريق تفعيل اتحاد عالمي لتحسن وتقوية نظم النزاهة المحلية والعالمية (موقع منظمة الشفافية الدولية.  

7.        التأصيل الفلسفي للمفهوم  

إذا كانت النظريات يجب ان تبدأ من حيث تبدأ الموضوعات التي تتناولها، فإن الظاهرة “الفساد” يجب ان يبدأ تأطيرها المعرفي من وصلة العلاقة بين الدولة كعقد اجتماعي محايد والحكومة كجهاز تنفيذي للدولة. ولأنه لا يمكن أن تستقيم نظرية ما وتصبح ذات قدرة تفسيرية أعلى، إلاّ إذا كان المنظور التاريخي ركيزتها الأولى، فالمعرفة الحقة تفترض بداهة معرفة الكل وليس أجزاء مختلفة متناثرة منه، وذلك لأن المعرفة تتغير وتتطور عندما تكون جزءاً من نسق معرفي أكبر. حاول الفلاسفة والمفكرون عند تأصيلهم لبعض المفاهيم وسبر أعماقها والإحاطة بها أن يباشروا نشاطهم الفكري من خلال المقاربة المسماة بالثنائيات الضدية: الفساد والصلاح، الشر والخير. “فالفكر عامة يعتمد في نشاطه على الثنائيات الضدية وحوار الحدود المتقابلة وهو ما يسمى بالفلسفة الجدلية أو (الديالكتيك) أو الحوار.( ) وكثيراً ما يحاول طرف من الثنائية أن يشل حركة الطرف الآخر أو يهيمن عليه أو يقهره أو يطمسه: الخير/ الشر، الحق/ الباطل، الفساد/ الصلاح، القوي/ الضعيف، الغني/ الفقير.  

عرف المعجم الفلسفي الثنائية: “بأن الثنائي من الأشياء ما كان ذا شقين، والثنائية هي القول بزوجية المبادئ المفسرة للكون كثنائية الأضداد وتعاقبها، أو ثنائية عالم المثل وعالم المحسوسات تقوم الثنائية على فكرة أن ثمة قدرة على الربط بين الظواهر التي يبدو أنها منفصلة، فالتضاد رابطة مثل التماثل، والتناقض رابطة، لأنه يعني نفي النقيض، فوجود النور ينفي وجود الظلام، والفساد ينفي وجود الصلاح. لذا يدخل الفساد مع الحكم الصالح في علاقة تناقض. فالحالتان المتضادتان إذا تتالتا أو اجتمعتا معاً عند الشخص المدرك نفسه كان شعوره بهما أتم وأوضح. وهذا لا ينطبق على الإحساسات والصور العقلية فقط بل ينطبق على جميع حالات الشعور كالتعب والراحة، كالألم والسعادة  

وحتى يمكن إدراك القبح القبيح الكامن في الفساد فإن ذلك لا يتأتى في الإدراك إلاّ إذا تقابل الفساد مع الحكم الصالح. والتقابل هو علاقة بين شيئين أحدهما مواجه للآخر، كتقابل السلب والإيجاب، أو كتقابل السواد والبياض أو تقابل العمى والبصر، أو تقابل الصالح والفاسد. ولأن طبيعة الدماغ البشري لا تقبل بالفصل بين المتقابلات/ المتناقضات، فحين تبدأ عملية التقابل/ التناقض في العقل البشري بالاشتغال فإنها تضع الطرف الأول في حالة تعارض وتناقض مع الطرف الثاني فوراً.  

 الحكم الصالح في مواجهة الحكم الفاسد. الخير في مواجهة الشر. الضوء في مواجهة العتمة أو الظلمة، الظلم في مواجهة العدل. وحتى يتضح المضمون القبيح والرديء والظالم والمشين لماهية الفساد، لا بدّ من الإشارة أو الانطلاق من القيمة المضادة للفساد وهي الحكم الصالح. ولكن هل يوجد حكم سياسي (نظام سياسي) دون دولة؟ وهل وجدت في التاريخ دولة دون عقد اجتماعي؟ وما هي القيم الكامنة في العقد الاجتماعي الذي أسس لمؤسسة الدولة؟  

 وما هي الدولة، وهل يمكن أن تكون هناك دولة دون نظام سياسي؟ وهل تكمن جذور الفساد السياسي في الدولة أم في النظام السياسي، وهل هناك وظائف مختلفة للدولة عن وظائف الحكومة؟ ولماذا تلتقي الشعوب على الدولة وتختلف على الحكومة؟ وهل كان البشر في مجتمعاتهم المختلفة بحاجة إلى الدولة؟ قد تكون هذه بعضاً من الإشكاليات التي تطرح نفسها بقوة عند “اللحظة المعرفية” التي تتوق للفهم المعمق لظاهرة الفساد السياسي، الاقتصادي، الاجتماعي، الثقافي … فلا نظرية تبدأ إلاّ من حيث يبدأ الموضوع الذي في إطاره تنمو الظاهرة.  

قد يعجبك ايضا