د. الحياري يكتب : عجاج يُعلن ” الوحدة “

 
 
 
 د.سالم عبد المجيد الحياري ( الأردن ) الخميس 2/6/2016 م … 

‘ لقد اتفق المؤتمرون في أريحا على مبايعة جلالتكم لتكون بقية فلسطين تحت عرشكم’

بهذه الجمل المقتضبة اُعلنت ‘ الوحدة ‘ بين المملكة الأردنية الهاشمية وبقية الأراضي الفلسطينية بعد احتلال ‘اسرائيل’ لفلسطين التاريخية بتواطؤ بعض العرب مع بريطانيا والصهيونية. ومن هو الشخص الذي نطق بها أمام الملك عبدالله بن الحسين ( الأول) وهو منتظراً الخبر المتوقع في قصر المشتى بالشونة الجنوبية ( حالياً منزل الشيخ نوفان السعود العدوان رحمه الله). من يكون هذا الذي أعلن ‘ الوحدة ‘ بين الأردن وبقايا فلسطين؟

عجاج نويهض، لبناني (1897-1982 ) ولد في بلدة رأس المتن في البقاع اللبناني، انتقل من لبنان إلى سوريا ومن ثم إلى فلسطين فوثق علاقته بالحاج أمين الحسيني ومثل فلسطين في مؤتمر العالم الإسلامي في مكة 1924 عندما ضم الملك ابن سعود الحجاز ليصبح ملك نجد والحجاز، له مؤلفات عدة وترجم كتاب ‘بروتوكولات حكماء صهيون ‘ للعربية. ولكنه نقل ولاءه للملك عبدالله بن الحسين الأول وشغل مناصب عدة في الحكومات الأردنية التي شكلها توفيق أبو الهدى التاجي الفاروقي (12 مرة) !!!!!!!!!!!!!!!

دعى رئيس الهيئة العربية العليا لفلسطين الحاج أمين الحسيني ورجالات فلسطينية إلى مؤتمر وطني عُقد في غزة في 23/9/1948، والذي اُعلن فيه قيام حكومة عموم فلسطين برئاسة أحمد حلمي عبد الباقي، اعترفت بها الدول العربية وأصبحت عضواً في جامعة الدول العربية ( حتى1956 ) .
كان الرد سريعاً من النظام الأردني على إعلان مؤتمر غزة، حيث حالت حكومة أبو الهدى دون سفر مندوبين الهيئة الموجودين في الضفة الفلسطينية إلى غزة، بل واُعتُقل أكثرهم ونقلوا إلى سجن في عمان وكل ذلك بأمر من الحاكم العسكري للمناطق التي سيطر عليها الجيش الأردني في فلسطين عمر مطر، وتم على عجل عقد المؤتمر الفلسطيني في سينما البتراء في عمان في 1/10/1948 وحضره المئات (أقل من 500 شخص) لا يتسع المجال هنا لذكرهم، أكثرهم ممن جندهم أبو الهدى للهتاف والتعييش و برئاسة الشيخ سليمان التاجي الفاروقي من كبار ملاكي الأراضي في فلسطين، وسعد الدين العلمي نائباً للرئيس، وعجاج نويهض سكرتيراً ا!!! ونور الدين الغصين كعضو بارز، وترأس المؤتمر الذي استمر أقل من ساعتين توفيق أبو الهدى التاجي الفاروقي رئيس الوزراء الأردني مندوباً عن الملك عبدالله .

وحتى ‘ يلبس’ المؤتمر الثوب الفلسطيني، دُعي إلى استمراره في أريحا ولكن هذه المرة برئاسة الشيخ محمد علي الجعبري، واُجبر على حضوره المئات وبأوامر عمر مطر الحاكم العسكري العام لفلسطين، ونادى المجتمعون بالملك عبدالله ملكاً عليهم وتم ذلك في 1/12/1948 وحضره البعض من بعض العائلات الفلسطينية وخاصة المناوئة لعائلة الحسيني.

حمل عجاج نويهض البعض ممن حضروا المؤتمر إلى الشونة الجنوبية لنقل ‘ البشارة’ إلى الملك عبدالله وأعلن عجاج أمام الملك : لقد اتفق المؤتمرون في أريحا على مبايعة جلالتكم لتكون بقية فلسطين تحت عرشكم ، فقام الملك بإرسال برقية إلى الياهو ساسون الناطق الرسمي للحكومة الإسرائيلية في 11/12/1948 يخبره فيها بما تم في أريحا، ومطالباً إياه احترام قرارات المؤتمر فأجابه في 13/12/1948 قبول إسرائيل قرارات مؤتمر أريحا شرط إعلان هدنة دائمة بين الأردن وإسرائيل، وسحب القوات المصرية من محيط القدس والخليل، والعراقية من جنين، فوافق الملك عبدالله على الشروط الإسرائيلية .

في 20/12/1949 أصدر رئيس الوزراء أبو الهدى القانون الإضافي للجنسية رقم’56 ‘، الذي بموجبه سُحبت الجنسية الفلسطينية من الفلسطينيين دون مشاورتهم واعتبارهم قد حازوا الجنسية الأردنية، وكان ذلك دون طلبهم ولكن تنفيذاً لاتفاق ونستون تشرتشل- عبدالله بن الحسين (26/3/1921 ) الذي وُقِع بالقدس .

في 24/4/1950 وبعد إجراء’ الانتخابات’ في الأردن والضفة الفلسطينية، انعقد مجلس الأمة المكون من أردنيين وفلسطينيين ( أصبحوا أردنيين حسب القانون الاضافي )، وصدر عنه قرار ‘ الوحدة ‘ مع إعلان ضم بواقي الأرض الفلسطينية واعتبارها أراضٍ أردنية !!!!! .

كان أول قرار اتخذه الملك بعد إعلان ‘الوحدة’ هو عزل الحاج أمين الحسيني كمفتي للقدس وتعيين حسام الدين جارالله مكانه. بدأت هيمنة العائلات الفلسطينية المناوئة لآل الحسيني على الحياة السياسية والاقتصادية في الأردن تقريباً في كل شيء، وأخذت الأعطيات السياسية تنهال عليهم من النظام دون حصول الأرادنة تقريباً على أي شيء !!!!!!!!! لنأخذ أمثلة السفراء فقد تم تعيين رئيس بلدية يافا بعد احتلالها يوسف هيكل سفيراً في واشنطن وفي لندن، حازم نسيبة في الأمم المتحدة، عوني عبد الهادي في القاهرة، عيسى البندك في مدريد، جمال طوقان في بيروت، عبدالله صلاح في باريس، أنور الخطيب في القاهرة …وغيرهم دون حصول أي أردني على شيء!!!

لم يعترف بهذه ‘ الوحدة ‘ أي دولة عربية أو أجنبية سوى بريطانيا ووليدها الجديد دولة باكستان، بل على العكس طُرِدت المملكة الأردنية الهاشمية من جامعة الدول العربية ولم تعد إلى مقعدها حتى ألغي الضم وعليه أصدر مجلس الجامعة القرار الآتي في12/6/1950 :

‘ المملكة الأردنية الهاشمية تعلن أن ضم الجزء الفلسطيني إليها إنما هو إجراء اقتضته الضرورات العملية وإنها تحتفظ بهذا الجزء وديعة تحت يدها، على أن يكون تابعاً للتسوية النهائية لقضية فلسطين عند تحرير أجزائها الأخرى وكيانها الذي كانت عليه قبل العدوان وعلى أن تقبل في شأنه ما تقرره دول الجامعة الاخرى ‘

قامت الحركة الوطنية الأردنية بالاحتجاجات المتواصلة على هذه ‘ الوحدة’ الإجبارية دون رغبة الأرادنة وموافقتهم، بل نتيجة مؤتمرات صورية، كما احتجت عليها أيضاً القوى الوطنية الفلسطينية باستمرار، حتى أن الفلسطيني مُنع من إعلان ‘ فلسطينيته’ بأي مجال. اتبع النظام أسلوب القمع الشديد والقاسي لمعارضي الوحدة الصورية ومن الشعبين الشقيقين لمعرفتهم بأنها تلغي اسم فلسطين والهوية الوطنية الفلسطينية كما تعوّم الهوية الوطنية للأردنيين ؟؟!! وكله صب في مصلحة الدولة الاحتلالية الجديدة آنذاك .

نستنتج مما سبق التالي :

إن ما سمّي ‘بالوحدة ‘ هو رغبة أشخاص كل له أهدافه الغير وطنية ولم يكن أي من هذه الأهداف لمصلحة فلسطين.

إن الشعب الفلسطيني لم يُستفتى ولم يشاوَر، ومن كان ممن حضروا المؤتمرين كانت تجمعهم مصالح شخصية وليست وطنية جامعة ومناوئة الحسيني، مع تدخل الوعود بامتيازات سياسية واقتصادية لهم ولعائلاتهم من النظام وهذا ما تم فعلاَ .

-– وللإنصاف لم يقم أي من فلسطينيي 48 اللاجئين بطلب الجنسية الأردنية، بل ( اُجبروا) عليها، طبعاً وكالعادة تم استبعاد الأردنيين من عشائر وأرياف وبادية من المشاركة بأي قرار وحتى لم’ترسل’ لهم ‘ نسخة للعلم’ .

-إن قرار ما سمّي بالوحدة بين الأردن وبواقي فلسطين لم يأتِ من القواعد الشعيبة عند الطرفين، بل أخذته البرجوازية الفلسطينية مع النظام الأردني الذي كان يوفي بالتزاماته لبريطانيا المتفقة مع الحركة الصهيونية لابتلاع فلسطين، وتنفيذاً لاتفاق فيصل- وايزمان 1919 واجتماع ونستون تشرشل- عبدالله بن الحسين في القدس1921.

إن هذه ‘ الوحدة’ (1950 ) أدت فيما أدت إليه بعد أقل من 20 سنة إلى ‘ سيطرة’ المنظمات المسلحة الفلسطينية على البلاد الأردنية بحجة أنهم يعملون من ‘ بلادهم’ التي يحملون جنسيتها، وأن ‘ تحرير’ فلسطين يمر عبر عمان مما قاد إلى احتكاكات 1968 -1969 ومأساة 1970 التي نرجو أن لا تتكرر .

– إن أي شكل من الاتحاد أو الوحدة بالإجبار و’ الغصب’ تؤدي إلى عدم الاتحاد أو الوحدة مهما كانت المبررات السياسية أو غيرها، وإن الرغبة بالتوسع السياسي للسيطرة على الآخرين نتيجة أحلام تاريخية لن تقود إلا إلى الإنتحار وفقدان كل شيء .

نقول كل ما سبق ونحن نرى خروج أصوات نشاز تخرج من هنا ومن هناك تنادي بـ ‘الوحدة’ الكونفدرالية بين أهالي ‘ جُزر’ مدن الضفة الفلسطينية والأردن وبطرق ملتوية .

يجب، بل هو ضرورة وطنية أخذ الحيطة والحذر من النواب الذين سيعينون في المجلس الثامن عشر الذي سيشبه برلمان ‘ وحدة’ 1950 لتتراكم فوق الموبقات السياسية التي أقرها المجلس السابع عشر من تعديلات دستورية وإقرار ‘ صندوق الاستثمار’، والذين سيأمرون بأخذ قرارات ستلغي اسم فلسطين للأبد وتسهل وتسرع يهودية إسرائيل وتميع الهوية الوطنية الأردنية تمهيداً لإلغائها بحجة الفدرالية أو الكونفدرالية للحفاظ على أمن إسرائيل .

على الأرادنة الوقوف بقوة أمام التيار المتصهين من بعض أصحاب المناصب العليا مهما كانت التضحيات للحفاظ على الأردن الذي بناه الآباء والأجداد بالمعاناة والعرق والحرمان ومنع جعله مستودعاً سكانياً للّاجئين، ولا يتم ذلك إلا بأخذ القرار السيادي بتطبيق قرار فك الارتباط وتقوية دائرة المتابعة والتفتيش وفتح فروع لها بكافة المحافظات للحفاظ على عروبة فلسطين وإيقاف سيل المتدفقين من بادية الشام باسم لاجئين، حتى لو كان ذلك ضد رغبة الموالي والصقالبة والبرامكة الجُدد والمتمسكين بالكراسي .

الدكتور سالم عبد المجيد الحياري 

بعض المصادر : —‘ المسألة الفلسطينية وتاريخ الحلول السياسية 1934 -1974 ‘ المؤلف مهدي عبد الهادي – بيروت 1975 . –الأرشيف البريطاني –العائلات الفلسطينية والأردن وأريحا .

الناشر جريدة السفير اللبنانية .

التعليقات

قد يعجبك ايضا