في فلسطين … أمّ الجماهير تأكل أولادها… حول إعتقال زكريا محمد وزملائه / مهند إبراهيم أبو لطيفة

مهند إبراهيم أبو لطيفة  ( فلسطين ) – الثلاثاء 24/8/2021 م …




  • الصورة لزكريا محمد ...
  • كالعادة منذ سنوات طويلة، تتحفنا أجهزة أمن السلطة الفلسطينية بسلسلة من الممارسات التي لا يمكن وصفها سوى بالقمعية والإستبدادية والمخالفة لأبسط حقوق الإنسان وفي مقدمتها حقه في التظاهر والتعبير الحر عن رأيه.  

ومع إعتقال الشاعر الفلسطيني الكبير زكريا محمد الذي تم الإفراج عنه مساء الأحد، وعدد من زملائه ومنهم خضر عدنان ويوسف شرقاوي، تضيف هذه الأجهزة لسجلها الحافل  “بالبطولات والإنتصارات” على شعبنا الفلسطيني، إنجازا جديدا يرسخ بإستمرار مقولة أن أم الجماهير تأكل أولادها إما بالإغتيال، أو بالإعتقال والتضييق على حرياتهم، وليس أقل من تعميق حالة الغضب والألم والإحتقان الشديد في الشارع الفلسطيني.  

مئات المرات، ارتفعت الأصوات الشعبية والنخبوية الفلسطينية الإصلاحية، وهي تحذر من خطورة هذه الممارسات والتجاوزات على المشهد السياسي الفلسطيني وعلى السلم الأهلي المجتمعي، وآثارها السلبية على مجمل النضال الوطني الفلسطيني في مواجهة الإحتلال، ويبدو أن جميع الأسئلة التي كانت تبدأ بهل تعرف السلطة، هل تدرك، هل تعي وغيرها من الصيغ، باتت مستهلكة، حتى صيغ السؤال حول كيف ولماذا وهل من الممكن، فالمشهد بدا واضحا تماما لأغلبية شعبنا الفلسطيني، وهو أن الشعب يجب أن يدافع عن حريته وكرامته وحقوقه وينتزعها إنتزاعا من سلطات الإحتلال بالمقاومة،  ومن قبضة هذه الأجهزة على السواء، فالمعركة باتت واحدة.  

عندما يتم إعتقال كوكبة من نشطاء فلسطين ومثقفيها، بكل هذا الإستهتار والتحدي لمشاعر الشعب ، فهو عمل عدواني مباشر على الثقافة الوطنية الفلسطينية المكون الأساسي لشخصيتنا وهويتنا الوطنية، لا يجب السكوت عنه، ويجب التصدي له بكل تضامن وعزيمة وإصرار، ورفض لترسيخ مظاهر الإستبداد في أرضنا الفلسطينية، ويفرض أوسع مشاركة شعبية لمواجهته وبكافة الأشكال والصور.  

بالرغم من الكوارث التي تمر بها القضية الفلسطينية  وبشكل متسارع منذ ” هزيمة أوسلو ” ما زال شعبنا قابضا على الجمر، ويكتفي بالتعبير الإحتجاجي السلمي عن رفضه لمجمل الممارسات والسياسات التي أنتجتها هذه الإتفاقية، ومنها بالطبع سلوكيات وخيارات من يتحكم بقرار منظمة التحرير الفلسطينية المغيبة في غرفة الإنعاش ، وقيادة السلطة، ولأن شعبنا يدرك جيدا أن تناقضه الرئيسي هو مع الإحتلال، كان يعتمد على إرثه الكفاحي والتمسك بوحدته الوطنية، ومن الواضح أن صبره قد بدأ بالنفاذ.  

تسهم هذه الممارسات الأمنية، بشكل مباشر في تراجع ما تبقى من إلتفاف شعبي حول منظمة التحرير الفلسطينية، والعديد من فصائلها، وتتسبب في تعميق حالة الإغتراب التي يعاني منها المثقف الفلسطيني أصلا لما يراه من تراجع في أداء حركته الوطنية ، وفقدانها للحد الأدنى من بوصلتها الوطنية ومشروعها الكفاحي ووحدتها وعنوانها الجامع ومرجعيتها، إضافة للتغييب الكبير للمثقفين الفلسطينيين الوطنيين على مختلف المستويات، وهو ما يعني أننا نأكل أنفسنا بأنفسنا، ونضعف مقومات صمودنا ومواجهتنا معع الإحتلال.  

قد يثير عنوان المقال بعض الإستفزاز لدى عدد كبير من  أنصار ” أم الجماهير “، وهي الحركة التي تعتبر بكوادرها ومناضليها، من لحمنا وجلدنا، ولكن عندما يتعلق الأمر بالمصلحة الوطنية العليا، فنعم نشير إليهم بأصبعنا بكل وضوح وليستفزوا كما يشاؤون، لنقول لهم : لترفع أجهزتكم الأمنية يدها عن مثقفي فلسطين ومبدعيها وأحرارها، وأنتم تتحملون المسؤولية السياسية والأخلاقية عن جميع هذه التجاوزات المتواصلة، وشعبنا لن يتسامح معكم مستقبلا إذا لم  تبادروا بإعادة هيكلة أنفسكم وتصحيح نهجكم وعلاقاتكم مع جماهير شعبكم، وتنفضوا عنكم غبار أوسلو وإلتزاماتها وفي مقدمتها الأمنية منها ، وتتمسكوا بثوابت إنطلاقتكم ودور وإرث حركتكم التاريخي.  

نحن ندرك أن هناك بعض النصائح والمساعي الأمريكية، التي تؤكد على أهمية ضبط الأمن في الضفة الغربية، ودعم أجهزة السلطة وأن هناك مخاوف حقيقية من قبل بعض الرموز في السلطة من مفاجئات قد تحدث إذا ما اتسعت حالة الإحتجاجات الشعبية، وأن البعض يتحدث عن مؤامرات وأجندات، بنفس عقلية النظام العربي التقليدي، ولكن لن يستطيع أحد أن يتحدى شعب فلسطين ويفرض عليه إرادته عندما يعلن قراره، فلا تستعدوا شعبكم أكثر، ولا تسكتوا صوت  القصيدة والرواية  واللحن الوطني والفكر الحر.  

قد يعجبك ايضا