عندما تُنشد فلسطين ثورة / مهند إبراهيم أبو لطيفة

مهند إبراهيم أبو لطيفة ( فلسطين ) – الأربعاء 7/7/2021 م …




إعلانا لرفضهم لنتائج هزيمة حزيران 1967، نشطت حركة المقاومة الفلسطينية، وفي مقدمتها شباب حركة فتح، وبدأو بتشكيل قواعد فدائية متحركة بمحاذاة نهر الأردن وسفوحه الشرقية، وأنطلقوا من هناك في تنفيذ العمليات العسكرية ضد الكيان الصهيوني، وبدعم لوجيستي من القوات العراقية المرابطة في ضواحي مدينة المفرق الأردنية، وبمساعدة الجيش الأردني المرابط على الحدود الشرقية من نهر الأردن مقابل الحدود الفلسطينية، وكان الجيش الأردني يقوم بتسهيل عبورهم بإتجاه الأرض المحتلة وأيضا بتغطية عودتهم إلى قواعدهم. وبالرغم من سياسة الجيش الإسرائيلي في شن عمليات عقابية  على الأراضي الأردنية، إلا أن التلاحم الوطني تجلى بأروع صوره في معركة الكرامة عام 1968م.

من يراجع الأدبيات والوثائق المتعلقة بتلك المرحلة وحتى عام 1982، وبغض النظر عن الكثير من الظواهر السلبية التي إرتبطت بها، وما حصل فيما بعد من حوادث مؤسفة، إلا أن من أهم الدروس التي يمكن الإستفادة منها، هي ما يتعلق في التعبئة السياسية والوطنية للمقاوم الفلسطيني والعربي  ، وثقافة التحدي والكبرياء والإنتماء التي كانت تنتشر في صفوف الشباب عبر مختلف وسائل الإعلام المتوفرة، إضافة للتدريب والتأهيل العسكري.

بالكلمة الثورية الحرة التي تحمل أسمى مضامين الكفاح الوطني، الإيمان بعدالة القضية، والتحدي للإحتلال، وعزم وارادة الجماهير على التحرير، كان يتم صياغة سيكولوجية الإنسان الفلسطيني في مواقع تواجده. كان الصوت الذي يسمعه المقاوم يتحدث عن البندقية المقاومة، عن فخر الشهادة والشهيد ورفض الذل والمهانة، عن فلسطين أرضها وسمائها وبحرها، عن سهولها ووديانها ، عن مدنها وقراها، عن التلاحم الأخوي بين الثوار، ورفض الحلول السلمية والتصفوية للقضية الفلسطينية.من يستمع لأناشيد الثورة الفلسطينية في تلك المرحلة، يشتم منها رائحة الكرامة، وعبير الأرض الفلسطينية، ويفتخر أنه ينتمي لهذا الشعب الكريم الحر المعطاء، هذا الشعب الذي يقف بأسطورية قل نظيرها في وجه الإحتلال الهمجي العنصري مدافعا عن هويته الوطنية ووجوده وحقوقه، وفي وجه ألاعيب السياسة والسياسيين الذين تسببوا في إقتلاعه من أرضه، ولما يتعرض له يوميا في الأرض المحتلة.

تفوح هذه الأناشيد بأريج طيبة شعب فلسطين، وتزهوا بألوان الثوب الفلسطيني، وبالتأكيد ما كان ليكون لهذه القصائد هذا التأثير، لو لم تكن تعبر عن واقع مقاوم، وثقافة سياسية بوصلتها الحرية والتحرير للأرض والإنسان. فمن كان يكتب هذه الأناشيد؟، بالرجوع لبعض المراجع، إتضح أن من شعراء الأناشيد الثورية الفلسطينية، كل من :

1 – صلاح الدين الحسيني (أبو الصادق) ، ولد في غزة عام 1935، التحق بصفوف حركة فتح عام 1967، وكتب أول نشيد للثورة الفلسطينية الذي أصبح يُعرف لاحقا بنشيد العاصفة، قام بتأسيس الإعلام العسكري لحركة فتح عام 1969، واستلم مهمة الناطق العسكري لقوات الثورة الفلسطينية عام 1971، أسهم بتأسيس مؤسسة المسرح والفنون الشعبية الفلسطينية في بيروت عام 1975، وعمل مديرا عاما لمسرح الطفل الفلسطيني لمدينة غزة، كتب ” طل سلاحي من جراحي”، ” عالرباعية” ، ” راجعين”، , ” عهد الله ما نرحل”، و ” جر المدفع فدائي”، و ” فوق التل ” ، و ” جابو الشهيد” و ” أنا يا أخي ” ، و ” غلابة يا فتح ” ، و ” المد المد ” ، و ” مدي يا ثورتنا ” ، و ” يا شعب كبرت ثورتي “. كانت قصائده تعتبر بيانات ثورية، وغنت له فرقة العاشقين العديد من الأناشيد.

2 – محمد حسيب القاضي،  ابن مدينة يافا ، مؤلف نشيد ” يا جماهير الأرض المحتلة” ، و ” نداء الثورة” ، و ” المجد للثورة” ، و ” بأسم الفتح “، وله ديوان ” نشيد للبندقية ولرجل ”

3 – سعيد خليل المزين (أبو هشام ) وكان يستخدم الأسم الحركي ” فتى الثورة” عند كتابته للأناشيد منه ” في عرس النصر” و ” نشيد فدائية “. ألف العديد من المسرحيات، والنشيد الوطني الفلسطيني.ولد في مدينة أسدود عام 1935، ويعتبر من طلائع فتح الأولى عام 1959، كان عضوا في المجلس الثوري منذ عام 1969، ثم عضوا في المجلس الوطني الفلسطيني، وعمل ممثلا لحركة فتح في السعودية بين عامي 1973- 1978، وتولى منصب المستشار الإسلامي للرئيس ياسر عرفات، توفي في 29. 3 .1991.

4 – إبراهيم محمد صالح “أبو عرب” ، ولد عام 1931 في قرية الشجرة قضاء طبريا، وهو شاعر ومنشد الثورة الفلسطينية الكبرى، لجأ بعد النكبة إلى مخيمات سوريا، وتوفي في مارس 2014، ومن أشهر أناشيده : ” يا يمة في دقة عابابنا” و ” هدي يا بحر هدي طولنا في غيبتنا “.

هؤلاء هم من كان الناس يرددون أناشيدهم وهم يحملون حُلم العودة والتحرير والإنتصار، والقيم النضالية التي تليق بشعب كشعب فلسطين، إضافة لقصائد الشعراء : معين بسيسو، توفيق زياد، سميح القاسم، فدوى طوقان، محمود درويش، وصوت مارسيل خليفة وجوليا بطرس، والشاعر المصري عبد الرحمن الأبنودي ( الحارة الفلسطينية) ، والشاعر نزار قباني ( فتح وردة جميلة)، وغيرهم، ولاحقا أناشيد حركات المقاومة الإسلامية والقوى الوطنية الأخرى.

تفرض التحديات الوجودية الكبرى التي تواجه الشعب الفلسطيني، وطبيعة الصراع مع الكيان الصهيوني، وما نشهده من نتائج للتسويات السياسية التي استنفذت مبرراتها، أن لا يذهب هذا التراث إلى مخازن الذاكرة، وأحتراما له أيضا أن لا يتم إعادة إنتاجه بسطحية  إستهلاكية، دون فهم مدلولاته الوطنية والثورية، وتوظيفه في مكانه الصحيح كأحد عناصر تثبيت الهوية والثقافة الوطنية ، وبناء الشخصية للفلسطيني الحر، الصامد ، المناضل ، الإنسان صاحب الحلم الكبير والهمة العالية، الذي يُدرك قيمة دماء آلاف الشهداء والجرحى والأسرى، ويعي أنه يحمل أمانة ومسؤولية إتجاه مستقبل شعبه في الأرض المحتلى والمنافي ومخيمات الشتات والبؤس والحرمان.

يعتبر بناء الشخصية الفلسطينية بوسائل متنوعة، إضافة للتعليم والتأهيل في مختلف المجالات ، من أهم روافع العمل الوطني، وبالرغم من إختلاف الظروف الإجتماعية والإقتصادية والسياسية والمؤسساتية، بفعل الإنقسام والشتات الذي يعانيه الشعب الفلسطيني، إلا أن  العمل على ترسيخ الثقافة الوطنية يمكنه أن يشكل جسرا لتوحيد مشاعر الإنتماء والإرتباط بالأرض الفلسطينية، ، فالأحرار هم فقط من يصنعوا وطنا حرا، والقيادة الوطنية الحرة التي تؤمن بشعبها ، هي القيادة التي يمكن أن تقود بلادها للإنعتاق من ذل ومهانة ونير الإحتلال الغاصب، بغض النظر عن من بدأ ومن تسبب بما وصلت إليه المسألة الفلسطينية، فإن من أهم ما يمكن إستخلاصه من تجارب الحركة الوطنية الفلسطينية هو : على أرضية التمسك بالثوابت الفلسطينية من جديد، وإعادة الإعتبار للذات الفلسطينية، على فلسطين وكل من يتشرف بأن يكون فلسطيني أيتنما تواجد – من أجل الحرية والإستقلال – أن تُنشد ثورة وحرية ومقاومة، وكل من لا يريد أو يصوغه سماع هذا النشيد، أن يلتزم الصمت على الأقل.

* كلمات: صلاح الدين الحسيني:

طل سلاحي من جراحي

يا ثورتنا طل سلاحي
ولا يمكن قوة في الدنيا

تنزع من إيدي سلاحي
طل سلاحي
دربي مر دربك مر

إدعس فوق ضلوعي ومر
قد ايش هذا الشعب الثائر

ضحى وقدم ت يعيش حر
طل سلاحي
إللي بدمه يجود ما يهمه

لو سال دمه وغطى الأرض
طول ما سلاح الثورة ف إيدي

يبقى وجودي مفروض فرض
طل سلاحي
طل سلاحي من جراحي

يا ثورتنا طل سلاحي
طل سلاحي

 

قد يعجبك ايضا