قصّة تونسيّ سجين الـ20 سنة الذي حطّم أسوار السجن ونال شهادتين جامعيتين بدرجة امتياز




عائلة السجين أيمن

 مدارات عربية – الثلاثاء 6/7/2021 م …

تونس – كريمة دغراش

بكلّ ثقة قدّم أيمن (اسم مستعار) بحثه أمام لجنة من الأساتذة طرحوا عليه في ما بعد أسئلتهم وناقشوه حول ما جاء في رسالته للتخرّج ليحصل على علامة 17 على 20 وينال رسمياً الإجازة التطبيقية في إدارة الأعمال.
يبدو الحدث عادياً ومكرّراً اذا ما اقتطع من إطاره المكاني، فأيمن ليس سوى شابّ في مطلع الثلاثين من عمره يقضي عقوبة بالسجن مدّتها 20 سنة بتهمة العنف الناجم عنه القتل.
ليست هذه هي المرّة الأولى التي يُمتحن فيها أيمن في السجن فقد سبق له قبل سنوات أن اجتاز امتحان البكالوريا (الثانويّة العامّة) اختصاص علوم في سجن صفاقس (جنوب تونس)، وبفضل اجتهاده ومثابرته تمكّن من النجاح بتفوّق ما سمح له بالتسجيل في معهد الدراسات التكنولوجية في محافظة قبلي (جنوب تونس).
وبحصوله على شهادته الجامعيّة الجديدة أصبح أيمن واحداً من عدد قليل من السجناء تمكّنوا من انهاء مسار تعليمي بأكمله في السجن بتفوّق.
طفولة قاسية
قبل نحو عشر سنوات تورّط أيمن في قضيّة جنائيّة واتّهم بارتكاب جريمة قتل تم بسببها الحكم عليه وتوقيفه في السجن المدني في صفاقس. ينتمي أيمن إلى أسرة فقيرة تتألف من سبعة أشقاء وعاش طفولة قاسية كان لها تأثير في مسار حياته في مرحلة لاحقة بحسب ما يؤكد شقيقه محمد لـ”النهار العربي”.
”مُذ كنّا صغاراً تعلمنا كيف نعتمد على أنفسنا، كان والدنا فقيراً الأمر الذي أجبرنا على العمل منذ سنّ العاشرة حتّى نتمكن من مواصلة دراستنا”، يقول محمد.
بسبب وضعه العائلي الصعب وطفولته القاسية عاش أيمن فترة مراهقة قاسية وصار سلوكه عنيفاً أحياناً وهو ما قد يكون السبب بتورّطه في القضيّة التي سجن من أجلها بحسب شقيقه.
قضت المحكمة بسجن أيمن مدى الحياة لكنّه استأنف الحكم الصادر ضدّه ليتمّ تخفيفه في مرحلة لاحقة ويصدر بشأنه حكم بالسجن لمدّة 20 سنة.
يقول محمد شقيق أيمن: “لم يكن من السهل عليه تقبّل ما حدث معه، فشقيقي مجتهد في دراسته، لكن للأسف شاءت الأقدار أن يتورّط في هذه القضيّة… كان الحكم قاسياً عليه وعلى جميع أفراد عائلتنا”.
شيئاً فشيئاً تقبّل أيمن واقعه الجديد وحاول التأقلم معه، يوضح شقيقه، “أعلمنا برغبته في مواصلة دراسته لأنّه أراد أن يستفيد من فترة عقوبته الطويلة بالانكباب على الدراسة لتحصيل شهادة علميّة وتعهدنا في المقابل دعمه”.
بدأت رحلة أيمن الدراسية في السجن عام 2015 حين سارعت العائلة بتسجيله في قائمة الراغبين باجتياز امتحان البكالوريا، وحرص أشّقاؤه على تجميع الدروس، أمّا أيمن، فقد أنكبّ على المراجعة بكلّ جدّ وتصميم غير عابئ بجدران السجن التي كانت تخنق أنفاسه.
تمكّن أيمن من الحصول على شهادة الثانوية العامّة بعلامة جيدة، “و كان ذلك دافعاً له لمواصلة المشوار” حسب شقيقه.
تولّت العائلة تسجيل ابنها في معهد الدراسات التحضيرية في قبلي وطيلة أربع سنوات لم تبخل عليه بالمساعدة، فقد تكفّل شقيقه الأصغر وهو طالب، في تجميع الدروس “بمساعدة بعض الأساتذة ممن تطوّعوا لفعل ذلك إيماناً منهم بحقّه في أن يواصل تعليمه بغضّ النظر عن وضعه وعن الجرم المنسوب له” على حدّ تعبير محمد.
وجد أيمن التشجيع والدعم أيضاً من ادارة السجن المدني في قبلي الذي نقل إليه بفضل حصوله على شهادة البكالوريا حتّى يكون قريباً من جامعته وعائلته باعتبار أنّه من تلك المنطقة.
ووفّرت ادارة السجن لأيمن كومبيوتراً في قاعة للمراجعة وسمحت لأستاذه المشرف بالتواصل معه إمّا افتراضياً أو من خلال الزيارات المباشرة بينما واصلت عائلته دعمه عبر توفير الدروس والمراجع له.
قصّة نجاح
كان نجاح أيمن ثمرة تعاون بين العائلة وادارة السجن وأستاذه المشرف، كما تؤكّد ذلك هيئة السجون في تونس التي تضع في كلّ سنة قاعات للمراجعة بتصرف السجناء الذين يرغبون في مواصلة دراستهم.
وتقول ادارة الهيئة لـ”النهار العربي” إنّ أيمن قدّم مثالاً جيّداً للسجين الذي استطاع أن يصنع قصّة نجاح رغم ظروفه القاسية، وهو الذي استطاع أن ينتقل من مسار مواطن مدان قضائيّاً إلى مسار مواطن قادر على تغيير واقعه من أجل بناء مستقبل أفضل.
لا يقف طموح أيمن عند الحصول على الإجازة، فهو يرغب في مواصلة الدراسة للمراحل العليا والحصول على شهادة الدكتوراه كما أبلغ عائلته وفق شقيقه الذي أضاف “أن شقيقي يحلم بأن يغادر السجن وهو يحمل صفة دكتور”.
توفّي والد أيمن منذ سنة ولم يستطع ابنه حضور جنازته، واليوم يظلّ أمله الوحيد في أن يمنحه القدر الفرصة ليرى والدته المريضة وأن يعوّض سنوات حرمانه منها وأن يجعلها تشعر بالفخر به لأنّه صار رغم كل ما حدث معه “الدكتور أيمن”.

قد يعجبك ايضا