هل تعلموا القتل من النازية؟ … هؤلاء من أجرموا بحق شعب فلسطين عام 1948 م / مهند إبراهيم أبو لطيفة

مهند إبراهيم أبو لطيفة  ( فلسطين ) – الخميس 24/6/2021 م …




تُسمى في المراجع السياسية، والكتابات الصحفية : الحرب الإسرائيلية – الفلسطينية سنة 1948، وبالحرب العربية – الإسرائيلية، أو بالنكبة من حيث نتائجها بالنسبة للشعب الفلسطيني، بينما هي في معتقد القتلة الذين شردوا الشعب الفلسطيني ” حرب الإسنقلال “، مع أن التاريخ أثبت أن أدق وصف يمكن أن يطلق على جريمة إقتلاع الشعب الفلسطيني من أرضه هو : ” التطهير العرقي” أوالهولوكوست الفلسطيني ، المحرقة الفلسطينية.  

عند الحديث عن المحرقة ، تثار حساسية عالية ، وتتحرك مشاعر الألم الدفين والذكريات المؤلمة  لما تعرض له اليهود على أيدي النازية المجرمة. هي في نظر من اقترفها وفي خلفيته الأيدولوجية العنصرية، مجرد قربان ( من اليونانية) ، كالدبائح أو القرابين  الحيوانية التي يتحدث عنها العهد القديم (التوراة)، والتي كان يقدمها الآباء في  الرواية التوراتية وكانت تسمى بذبائح المحرقة أو المحرقات، وكانت تقدم كاملة للرب الإله ، تحرق كاملة على النار، ولا يجوز أن يأكل منها الكهنة، كتعبير عن إستحقاق الدينونة والقضاء لمن يقدمها، وأن الذبيحة هي كبدل لإرضاء الإله. هكذا يتم تصوير الجرائم في حق الإنسانية، وإعطائها بعدا أخلاقيا ، وهي أبعد ما تكون عنه، وبنفس المنطق العنصري الهمجي، تسمى عمليات التطهير العرقي التي قامت بها العصابات الصهيونية في فلسطين بحرب التحرير.  

بقوة السلاح، بالمجازر المروعة بحق الفلاحين والمواطنين العزل في البلدات والمدن الفلسطينية، بالإرهاب المنظم، بتدمير المدن والقرى الممنهج، وعن سبق الإصرار والترصد والتخطيط الممنهج، والإعداد الطويل، وبغرض إفراغ فلسطين من سكانها ليحل مكانهم  جماعات من المستوطنين، قام  دعاة الديمقراطية والتحضر الغربي وسط ” الهمجية العربية” ، ضحايا الأمس ، بتشريد الشعب الفلسطيني.  

في كتابه الموثق والذي يحمل عنوان : ” التطهير العرقي في فلسطين ” ، قدم المؤرخ الإسرائيلي ” إيلان بابه”، تفصيلا لوقائع عمليات وأهداف وأيدولوجية الصهاينة وتحضيراتهم الإستخبارية والعسكرية، لتنفيذ جرائمهم في فلسطين حتى عام 1948. صدر الكتاب عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية باللغة العربية في بيروت عام 2007، ترجمه أحمد خليفة، ويعتبر من أهم ما كتب حول النكبة الفلسطينية.  

يدعو إيلان لاعتراف دولي بالمسؤولية عن المأساة التي تعرض لها الشعب الفلسطيني، ويورد إقتباسا من حديث لدافيد بن غوريون وجهه للوكالة اليهودية في حزيران / يونيو 1938، يقول فيه : ” أنا أؤيد الترحيل القصري، ولا أرى شيئا غير أخلاقي”. هكذا وبكل بساطه يتم إسقاط الأخلاقية على أبشع عملية عنصرية مورست في حق شعب أعزل. على ما يبدوا بنفس هذه الروحية والعقلية، إجتمعت القيادات الصهيونية التنفيذية على شاطيء البحر المتوسط، فيما كان يُسمى ” البيت الأحمر” في تل أبيب أواخر 1947، لوضع اللمسات الأخيرة على خطة التهجير الواسعة.  

 لم يعد هذا المبنى موجودا الآن في مكانه، وتحول إلى موقف للسيارات مجاور لفندق شيراتون الجديد، مثل العشرات من المباني الأخرى التي شهدت على الجريمة الكبرى، في هذا المبنى التقت مجموعة من أحد عشر مجرما، من قادة الحركة الصهيونية، معهم ضباط عسكريين، ومستشارين، وعرف منهم ، والمناطق التي أشرفوا عليها، كل من :  

1 – يغئيل بادين (رئيس هيئة أركان الهاغاناه)  

2- موشيه دايان  

3- يغال ألون  

4- يتسحاق ساديه  

5- موشيه كرمان ( طهر منطقة صفد)  

6- شمعون أفيدان (طهر الجنوب) قائد لواء غفعاني، وساعده يتسحاق بونداك  

7-  يتسحاق رابين / بطل السلام (اللد والرملة وفي منطقة القدس الكبرى)  

8- إيسر هرئيل ، الذي أصبح لاحقا رئيسا للموساد والشاباك  

9- يوسف فايتس  

10- يتسحاق شيفر، من تل أبيب  

11- مارغو ساديه ، زوجة يتسحاق ساديه قائد عصابة البالماخ ( وحدة الكوماندوز التابعة للهاغاناه)  

12- عزرا دانين ( عمل إستخباري)  

13- يعقوب شمعوني  

14- يهوشواع يالمون  

15- طوفيا ليشنسكي  

16- يتسون لوريا، المؤرخ الشاب من الجامعة العبرية، الموظف في الدائرة التعليمية التابعة للوكالة اليهودية، الذي اقترح إعداد سجل مفصل للقرى والبلدات العربية قبل تنفيذ الخطة، وبالفعل تمت عملية مسح فوتوغرافي جوي ما زالت صوره في الإرشيف الإسرائيلي.  

تم إعداد مفصل لللخطة، بعد عملية جمع معلومات استغرقت سنوات طويلة، عن الحالة الإجتماعية والديموغرافية والنفسية والإقتصادية  للقرى العربية، وتسجيل أدق التفاصيل عن سكانها وتركيبتها العشائرية، عدد الرجال فيها، النساء، الأطفال، أسماء النشطاء، أسماء المخاتير، وحتى الخلافات الشخصية والعائلية وغيرها، وحددت الأهداف العامة للخطة على النحو التالي:  

أولا: مهاجمة المدن والبلدات و ومئات القرى الفلسطينية، وإثارة الخوف والرعب في وسط السكان ، بارتكاب المجازر، القتل الجماعي، هدم البيوت والمتاجر، النوادي، المقاهي، اماكن التجمع المختلفة.  

ثانيا: القيام بعمليات اغتيال واسعة للمجاهدين والنشطاء والضباط والموظفين الفلسطينيين الكبار في النظام الإنتدابي.  

ثالثا: السيطرة على طرق المواصلات، وفصل البلدات عن بعضها البعض.  

رابعا: الإضرار بمصادر عيش الفلسطينيين، من حقول، آبار المياه ، الطواحين…الخ.  

رابعا: ملاحقة القيادات السياسية الفلسطينية.  

خامسا: حرق المنازل وأملاك وبضائع السكان ، لأجبارهم على الفرار، وزرع الألغام.  

تم توزيع الخطط الفرعية على الوحدات العسكرية (العصابات) ، وأطلقوا عليها إسم عملية ” دالت ” وهدفها الأول : الفلسطينيون يجب أن يرحلوا.  

قامت عصابات الهاغاناه، البالماخ، شتيرن ، الأرغون وغيرها بتنفيذ العملية، وساعد ودرب عصابات الهاغاناه ، الضابط البريطاني ” أورد تشالز وينغيت “، صودرت الكثير من أراضي الكنائس الواقعة داخل القرى المدمرة ، مثلما صودرت الأوقاف الإسلامية، فمثلا مسجد الخيرية يقع تحت مستعمرة غفعتايم، وأنقاض كنيسة البروة، تقبع الآن تحت الأراضي الزراعية التابعة للمستعمرة اليهودية أحيهود، إضافة للكثير من الأماكن التي تم طمسها ، وتغيرت ملامحها، ويسجل التاريخ أن تحت الحدائق العامة، والبيوت الجديدة عظام الضحايا من العمال والفلاحين والبسطاء العزل من شعبنا الفلسطيني.  

في سنة 1948، تحول 85% من الفلسطينيين ، الذين كانوا يعيشون في المناطق التي أصبحت ” دولة الكيان الديمقراطية” إلى لاجئين يسكنون الخيام  في الضفة والقطاع وفي لبنان، الأردن، سوريا، تحت سمع وبصر مراقبي الأمم المتحدة، وبدعم وحماية أعتى قوتين في العالم ” المتحضر” بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية. أهل البلاد الأصليون يعانون في المنافي في مخيم البقعة والحسيبن وشنلر، وفي اليرموك، وعين الحلوة والبداوي، وشاتيلا وغيرها، والقتلة المجرمون تحولوا إلى سياسيين ودبلوماسيين وموظفين كبار ، جنرالات في الجيش، وأساتذة جامعات في الكبان.  

كنت أتحدث مع أحد الزملاء من مخيم شاتيلا في لبنان، عن صورة قديمة للمخيم مُبديا ألمي للظروف التي عاشها اللاجئون هناك، ابتسم وعلق قائلا: هذه صورة تعتبر حديثة، من قلة الخدمات والإهمال في المخيم ، كان يظهر وكأنه شركة كهرباء، تتمدد فيه الكابلات عشوائيا كبيت العنكبوت في كل مكان  وإتجاه، على الأرض وفوق الأسطح وكنا نتحرك مجبرين بينها صيفا وشتاء، بينما ينعم من مارس جريمة التطهير العرقي بشواطئ فلسطين.  

قد يعجبك ايضا