الراهب الفلسطيني أنطونيوس حنانيا يواصل سرد معاناته وأهله في لبنان بلد التجنيس-5




الأردن العربي – الأربعاء 23/6/2021 م …

كتب الراهب انطونيوس حنانيا …

تكلمت سابقا عن التغييرات السريعة التي دخلت عالم الثمانينات والتحديات العلمية والفكرية التي فرضت نفسها على المجتمع بعدما أحيكت في مختبرات الجامعات الفكرية لتعكس وتطبق بنود قوانين حكماء (خبثاء) صهيون الشيطانية. في هذه السنوات، ابتدأ الأخ الكبير بالتجسس على كل فرد وبيت وعائلة وحي ومدينة وكل مكان بحجة الأمن وحماية المواطن.

أصبحت بيروت عارية من الثوب الفلسطيني المقدس الذي لبسته منذ سنة 1948، ولم يكن هناك فرق بين الفلسطيني المجنس والغير المجنس، فلسطيني تعني فلسطيني لأنك تقول: ‘آه’ بدل نعم و’يما’ بدل ماما! كيف أبدأ بأبحاثي لأفهم هذا العالم المليء بناطحات سحاب من العلوم والأسباب المؤدية لتلك العلوم؟ كيف أبحث في هذه العلوم وأتأكد من مصادرها الحقيقية؟ كلنا يعرف ان العلوم تخضع في معظم الأوقات للتسييس والإنحياز والتشويه.

 أحسست أني وحيد في عالم يشاركني به قلة، كيف أعرف هذا الذي يشبهني وشعبي الذي يعاني كما أعاني مشرذم في كل مكان؟ هناك من سار إلى الأمام ولم يلتفت إلى الوراء على عكسي، أنا سرت إلى الوراء وعدت إلى الذكريات وفي عيوني دموع الحنين والشوق إلى الأوقات الحلوة المباركة ،كقصص عكا الجميلة ويافا وحيفا والقدس والحمة وشفاعمر ونابلس وجنين وغيرهم من الاماكن المباركة.

 كلما سرت إلى الماضي على جادة الذكريات كلما زادت أشواقي للعودة إلى فلسطين، كيف أنسى فلسطين وأفواج الأجيال المباركة تندهني إليها موصية إياي بعدم تركهم؟ ترك الأجيال الغابرة تفقدنا رضى وبركات السماء من خلال الآباء والأجداد والأمهات.

أصبح العالم غريبا في عيني واخترت أن أكون يتيما فريدا من نوعي  في العالم الجديد بدل أن أنتمي للأجيال التي رحبت بغسل الأدمغة في الجامعات وشاشات التلفاز والأوساط الشعبية التي تبنت الثقافات الجديدة الهادفة الى تحويل العالم القديم الى الجديد، نشطت كل الأنظمة التي كانت تحقق أهداف الصهاينة على الارض كالماسونية ،بنشر كتب السحر الابيض والاسود والكتب الجنسية الإباحية وكتب الديانات الشرقية بقصد إضعاف العالم المسيحي والإسلامي. انتشرت الملاهي الليلية في كل مكان والبارات والكازينوهات وكثرت الأمور الجذابة كمعرفة النفس والإستقلالية الفردية والجرأة النرجسية ،في تحقيق المصير بعيدا عن ما هو نافع للعائلة والمجتمع،وتحول المجتمع من مجتمع عائلي الى مجتمع فردي يعبد الأنا في عصر النرجسية المطلقة.

 كنت أشاهد تفكك العائلات وأنظر بحنان الى الوالد والوالدة والجد والجدة متسائلا: “ماذا سيحل بي إذا فقدت تلك الذخائر الحية من ذكريات فلسطين المتبقية لي؟” لا أستطيع أن أعد الأيام التي كانت تنسكب الدموع من عيني خوفا من هذه الأمور عندما تحصل! كلما انهمرت دموع من عيني كلما لان قلبي من خشية الله الذي لا يرضى إلا برضى الوالدين.

إنها سنوات إعادة التقييم لأوضاعنا كفلسطينيين بعد كامب ديفيد المشؤوم وبعد الثورة الإسلامية التفاؤلية في إيران ورفع العلم الفلسطيني فوق أول سفارة لنا في العالم، وقد تفوق الأعجمي على العربي بتقواه حول القضية الفلسطينية وقبلتها القدس الشريف.

 ابتدأت ثورة فلسطين رسميا في عالم الأمم بسبب من آمن أن الله قادر على كل شيء ،وخصوصا ان النصر الآتي أصبح مرئيا من الذين يمتلكون بصيرة روحية ،بعيدة نزيهة وزاهدة في الوقت معا، وأصبح الإيمان ضمانة الإنتصار لأن الشدة لا تغلب المؤمنين (يتبع في الجزء السادس).

قد يعجبك ايضا