بين سعد وجبران ضاعت حكومة إدارة “التفليسة / موسى عباس




موسى عباس ( لبنان ) – السبت 12/6/2021 م

 بين سعد الحريري الرئيس  المُكلّف تشكيل حكومة لبنان وجبران باسيل رئيس التيّار الوطني الحرّ  وصُهر رئيس جمهوريّة لبنان من السجالات والمناكفات والإتّهامات المتبادلة ما لم يشهده تاريخ تأليف الحكومات اللبنانية المتعاقبة منذ إنشاء الإحتلال الفرنسي للبنان دستوراً يرتكز على توزيع الحصص بين زعماء بعض الطوائف أتباع “الأمّ الحنون فرنسا”.

منذ العام 1926 وحتى 1943 كان المندوب السامي الفرنسي يُشكّل الحكومات من الموالين لدولته .
أُنشئ منصب رئيس الوزراء في لبنان في العام 1926  من قبل المندوب السامي الفرنسي ،حينها لم يأتِ الدستور على ذكر ديانة من يتولى رئاسة الوزراء.
تولى المنصب قبل الإستقلال أشخاص ينتمون إلى طوائف مسيحية ، وفي العام 1943  أُعلِن ما سُميَ حينها بالميثاق الوطني  بين الرئيس بشارة الخوري أول رئيس جمهورية في عهد الإستقلال ورياض الصلح أوّل رئيس وزراء في عهده ، حيث تمّ الإتّفاق على أن يكون رئيس الوزراء من الطائفة السِنيّة ، وتمّ الإلتزام بهذا الاتفاق باستثناء حالتين:
 الأولى عندما عيّن الرئيس بشارة الخوري قائد الجيش الماروني فؤاد شهاب رئيساً لحكومة عسكرية قبيل استقالته، والثانية قبل نهاية ولاية الرئيس “أمين الجميّل” بعد فشل انتخاب رئيس جمهورية خلفًا له فقام بتعيين قائد الجيش الماروني “ميشال عون”رئيساً لحكومة عسكرية مارست  السلطة من القصر الجمهوري في بعبدا حتى 13 تشرين الأوّل 1990 ، فيما كانت حكومة الرئيس سليم الحصّ قائمة في غرب بيروت.
في تاريخ لبنان الحديث منذ عام 1926 تمّ تشكيل 87 حكومة،وكان أكثر من شغل منصب رئاسة الوزراء في لبنان هو الرئيس الراحل “رشيد كرامي” الذي إغتيل بتفجير المروحيّة التي كانت تقلّه من طرابلس إلى بيروت في العام الأوّل من حزيران 1987 واتّهم “سمير جعجع” بتدبير عمليّة الإغتيال حيث ترأس الحكومة اللبنانية عشر مرات، وأطول عُمر حكومة لبنانية مكثت لمدة 4 سنوات هي حكومة “فؤاد السنيورة”. كما أن أقصر عمر حكومة  هي حكومة “نور الدين الرفاعي”العسكرية، والتي سقطت بعد 65 ساعة بسبب عدم نيلها ثقة مجلس النواب.
تعتبر  أطول فترة تأليف حكومة هي  حكومة”تمّام سلام”، فقد استغرقت  عمليّة التأليف نحو 11 شهراً.
اليوم، تدخل حكومة سعد الحريري المنتظرة شهرها الثامن من المشاورات والتأليف، من دون وجود أي ملامح لتشكيلها في المستقبل القريب ودون أن يستشعر المعنيّون بالتأليف الذين يتنازعون حول تقاسم الحصص الوزاريّة خطورة التدهور المُتسارع للأوضاع المعيشيّة للغالبية العُظمى من الشعب اللبناني جرّاء الإنهيار الإقتصادي والمالي الذي وصل إلى حافّة الهاوية بحيث لم يعد بإمكان المواطنين الحصول على أبسط المستلزمات الضرورية للحياة “الغذاء والدواء والوقود”ليس لأنّها غير متوفرة بل بسبب الجشع والإحتكار وحتى لو توفّرت السِّلع والوقود والدّواء لم يعد بإمكان المواطن الحصول عليها  بسبب الإنخفاض الحاد جدّاً للقدرة الشرائية ، الأمر الذي جعل 80 بالمئة من اللبنانيين يعانون من الفقر الشديد فقد انخفض الحدّ الأدنى للأجور من 450 دولاراً في الشهر إلى أقل من 40 دولاراً والتراجع مستمر دون حسيبٍ أو رقيب.
أصبح أركان السلطة في لبنان صمٌ بكمٌ عميٌ لا يفقهون ولا يعقلون ولا يستشعرون الخطر الداهم .
حوار طُرشان يدور بالواسطة بين المتحاصصين ، حاول الفرنسيّون الدخول على  خط التأليف ففشلوا ، وسيفشل  أيضاً كل من يسعى لتفكيك عُقد “سعد الحريري” وعُقَد خصمه اللدود “جبران باسيل”حول تقاسم الحصص لا سيّما في وزارتيّ العدل والداخلية، الوزارتان اللتان ستشرفان على عمليّة الإنتخابات النيابية القادمة ، وكلّ منهما يريدهما من حصّته ليضمن الهيمنة عليهما أثناء إجراء الإنتخابات.
علماً أنًها ليست المشكلة الوحيدة التي تعترض تلك الولادة التي لن تكون ميمونة لأنّها إذا ما شُكّلت لن تكون أفضل من الحكومات التي شكّلها الحريري في السابق ، لن تكون إلاّ حكومة لإدارة “التفليسه” ولن تصلِحْ ما أفسدته الحريرية السياسية منذ عقود  ولا سيّما أنّ أحد أهم أركان تلك المرحلة ولا زال “فؤاد السنيورة” الفاسد والمُفسِد ” وأحد أهم رموز الحقد والتواطؤ  بالتكافل والتضامن مع شركائه المحليين والخارجيين من المطبّعين والمتآمرين على كلِّ ما هو مقاوِم.
وقع إنفجار مرفأ بيروت الذي زلزل العالم برمته ودمّر العاصمة وشرّد أهلها، لكن وقعه المأساوي لم يصل الى ضمائر القيادات اللبنانية التي لم تبدّل من تعنّتها وتصلّبها شيئا، بينما بقيت صرخات المواطنين وأنينهم تائهةً في غياهب اللامسؤولين إلّا عن كيفيّة سرقة ونهب الأموال العامة والخاصّة.
الرئيس ميشال عون قال عبارتهُ الشهيرة :
وبصدق “ذاهبون إلى الجحيم” ويبدو أنّه مَنَحَ صِهرَه صَكّاً وتوكيلاً ليُبحرَ بالبلد نحو “بئْس المصير “.
الرئيس الحريري الذي كان أحد أبرز  الرموز التي قادت السفينة نحو الهاوية والذي فرضَ نفسه لتشكيل  الحكومة علماً أنّه استقال سابقاً من المسؤولية بأمرٍ  من الأمريكيين والأعراب المتصهينين، هو ذاته يطلب من الله الرأفة باللبنانيين في الوقت الذي هو لم يرأف بهم بل ساهم في إفلاسهم وسلبِهم قوتَ يومهم.
المعاناة تزداد عمقاً ومأساويّةً بينما “سعد الحريري وجبران باسيل” يديران لبعضهما البعض الآذان الطرشاء ، وكلٌّ منهما يبادل الآخر الحقد، الأوّل لا يريد المساهمة في تحقيق طموحات الثاني الذي يعمل بشدّة للوصول إلى سُدّة الرئاسة الأولى ، والثاني يسعى لإجبار الأوّل على التخلّي عن التكليف إذا لم تتحقق رغباته الوزارية بسبب استقالته من الحكومة بعد أحداث 17 تشرين الثاني 2019 دون استشارته.
الأمريكيون الذين ساهموا ولا زالوا في تدمير البلد والذين يضعون بدورهم شرط عدم مشاركة حزب الله في الحكومة لا من قريب ولا من بعيد يقولون على لسان”ديڤيد شينكر”:
ان المشكلة الحقيقية هي أن الفساد يطال كل جزء من جوانب الحكم في لبنان، لدرجة أنه يتعذر تشكيل حكومة الآن”، ويتابع:
“يبدو أن الوزير جبران باسيل والرئيس ميشال عون يتمسكان بثلث معطل في الحكومة الجديدة بسبب تطلعات “جبران باسيل” الشخصية لضمان ان يكون الرئيس القادم للبنان”.
أزمات تتالى على اللبنانيين والأمور ذاهبة نحو مصيرٍ مجهول بسرعة صاروخ عابر للقارات بينما المعنيون  يناكدون  بعضهم البعض ويُمعنون في إذلال المواطنين ، ويبدو أن المواطنين “تمسحوا”فبالرغم من بعض الأصوات المتألمة التي ترتفع هنا وهناك ، لكن لا بوادر إنتفاضةٍ حقيقية تقلب

قد يعجبك ايضا