مقال هام للصحفي المصري المناضل مجدي حسين عن ” معركة سيف القدس ” .. المعاني والمآلات




مجدى أحمد حسين ( مصر ) – الأربعاء 19/5/2021 م …
– بعد مرور أسبوع على اندلاع المواجهة الكبرى بين المقاومة الفلسطينية والكيان الاسرائيلى تتأكد ذات المعانى المشار اليها سابقا والتى تؤكد اننا نشهد منعطفا تاريخيا بحق فى مجرى الصراع .
أولا : ان المبادرة أصبحت لأول مرة فى يد المقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطينى ، فهى التى بدأت المواجهة العسكرية بعد إصرار العدو الاسرائيلى على كسر إرادة المصلين والمعتكفين بالاقصى فى يوم 28 رمضان بالاصرار على مسيرة المستوطنين الاستفزازية ، فأوقفت المقاومة هذا العبث ب 7 صواريخ على القدس الغربية فى مفاجأة مذهلة للعدو والصديق على حد سواء فقد كانت المقاومة لاتبدأ الصراع المسلح ثم تتدرج فى ضرب العمق الاسرائيلى . ولكنها هذه المرة ضربت العاصمة المفترضة للعدو فورا . فاحتاج الكيان إلى عدة أيام حتى يفيق من الصدمة ويفكر فى الرد المكافىء . والمقاومة لم تفعل ذلك على سبيل التهورفهى تقوم بعملية استعداد وتطوير دؤوبة منذ 7 سنوات ، منذ 2014 ساعة المواجهة الأخيرة . وهذه هى المأثرة الحقيقية والعمل الجليل الأكبر لجنود مجهولين يطورون ويصنعون الصواريخ ويجعلونها أكثر دقة وأبعد مدى وأكثر تدميرا .
ثانيا : أدى هذا إلى التقويض النهائى لنظرية الردع الاسرائيلى القائمة على نقل أى صراع مسلح إلى خارج أراضى اسرائيل لأن الكيان لايحتمل أى حرب على أراضيه لصغر حجمه وانعدام العمق الاستراتيجى والسكانى بالاضافة لحالة الخوف من الموت التى تعترى السكان ( ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ) البقرة 96 . وقد بدأت نظرية الردع فى التآكل فى حرب أكتوبر 1973 على مستوى الحروب النظامية ثم فى حرب 2006 مع لبنان ( حزب الله ) ووصلت إلى نتيجة شبه نهائية حيث لم يعد يجرؤ العدو على ضرب أو غزو لبنان منذ ذلك التاريخ . وتآكلت نظرية الردع على الجبهة الفلسطينية خلال 3 حروب مع غزة ( 2008 – 2012 – 2104 ) وكان يغطى على هزيمته بعجزه عن احتلال أى جزء من غزة أو نزع سلاح المقاومة واسكات الصواريخ بالتوسع فى تدمير الأهداف المدنية وقتل المدنيين وكان ذلك فى حدود 1200 شهيد وبضع آلاف من المصابين ، مع ملاحظة اننى لم أتابع حرب 2014 لوجودى فى السجن ولكنها استمرت 50 يوما وهذا مايؤكد قدرة غزة على الصمود . أثناء زيارتى لغزة عقب عدوان 2008 – 2009 عشت مع الغزاوية عدة أيام بدون كهرباء ، وكانوا يمارسون حياتهم بشكل طبيعى وبدون أى انزعاج ، فى أول يومين استضافنى اعلامى فلسطينى فى بيته وكنا نعيش ونتحاور على ضوء الشموع ، بل قمت بالاستحمام على ضوء الشموع لأن ذلك كان ضروريا فقد كان جسمى ممتلئا بالرمل من آثار النفق الضيق الذى جئت من خلاله ! وأكلنا أكلا ساخنا . بعد يومين وعندما علمت حماس بالمصادفة اننى موجود بالقطاع تمت استضافتى فى فندق وكان يتعرض لرشقات قليلة من البحر من زوارق اسرائيلية . وكانت الكهرباء متوفرة بالفندق بسبب وجود مولد ثم عادت الكهرباء بصورة طبيعية تدريجيا حتى وصلت الى 8 ساعات فى اليوم !! أروى ذلك كى أقول لاتخافوا على أهل غزة فقد قدوا من عجينة جهادية ويتمتعون بصلابة غير عادية . إنهم صعايدة فلسطين !
أعود لأقول إن نتنياهو ليس له خيار الآن سوى أن يواصل ضرباته الهمجية ضد النساء والأطفال والمدنيين عموما والأهداف المدنية ليعوض صورته المهزوزة وهزيمته فى القدس وتل أبيب وسائر مدن الكيان . ولكن هذا لن يغير من الصورة الحقيقية فنحن نتحمل الموت والجراحات ولاتنكسر إرادة شعبنا الفلسطينى ، أما هم ورغم تعرضهم لدمار أقل وقتلى أقل إلا انهم فى معنويات مهزومة ومنهارة . لقد اندلعت مظاهرة فى تل أبيب تطالب بوقف الهجوم على غزة ليس تعاطفا معها ولكن لتوقى صواريخ المقاومة . وهناك قطاع من النخبة الاسرائيلية يطالب بذات الشىء فى الاعلام وهناك انقسام حول ذلك فى المستويين السياسى والعسكرى لأن مزيدا من التدمير فى غزة لن يجلب سوى مزيد من العار لاسرائيل بدون أى فائدة استراتيجية . الآن الكيان الاسرائيلى مغلق للتحسينات : كل مرافق الاقتصاد توقفت – المطارات والموانىء أغلقت والسكة الحديد والتعليم وكل الأنشطة الاجتماعية والترفيهية و6 ملايين يهودى يعيشون فى عذاب نفسى بالملاجىء ، ومعظم الاصابات هلع وأمراض نفسية وهستيرية . وإن كانت الخسائر البشرية ليست 10 كما يزعمون . وهم بالتأكيد يتكتمون أكثر على خسائرهم فى صفوف الجيش . كذلك ضربت بعض المصانع واشتعلت فيها النيران وضرب خط وقود ايلات عسقلان وهو خط استراتيجى وهذه أمثلة قليلة.
هذه ليست أحلاما أو اسقاطات وأمنيات هذا كلامهم أيضا :
ْ معاريف : المعركة مع حماس باغتتنا ونحن غير مستعدين . لماذا لم يعرف الجيش بقدرات حماس التى طورتها أخيرا . كلمة واحدة تصف شعورنا فى الأيام الأخيرة هى ( المفاجأة ) ونحن فى موقف هو الأقل راحة بالنسبة لنا . حماس ليست مردوعة إنها تؤسس لمصداقية لم تصل إليها من قبل ، وهم الآن يفون بكلمتهم .
ْ رون بن بشاى فى يديعوت أحرنوت : قوة ردع المخربين انتهت تماما وهذا سيشجع ايران وحزب الله .
ْ رونى دانيال المراسل العسكرى لقناة 12 الاسرائيلية : اسرائيل أفلست .
ْ مراسل الشئون العسكرية فى اذاعة جيش الاحتلال : حماس أصبحت حزب الله الجنوبية . وفى هذا الكلام اعتراف صريح بأن حزب الله حقق مستوى الردع المتوازن .
ْ بينى جنتس وزير الأمن : الشرخ الداخلى يهدد اسرائيل ولايقل خطرا عن صواريخ حماس .
ْ أليكس فيشمان وهو أهم محلل عسكرى اسرائيلى : لم تستخدم حماس بعد صاروخ رعد الذى يخترق الاسقف الأسمنتية .
ْ عموس يدلين الرئيس السابق للمخابرات العسكرية : الميزان السياسى لصالح حماس .
ثالثا : تم تحقيق انتصار كامل حتى الآن فى حماية المسجد الأقصى ورواده . ويوم أمس الاحد ألغت اسرائيل فكرة اقتحام يهود للمسجد الأقصى للصلاة . ولاتزال حماية المسجد الأقصى من شروط المقاومة لوقف اطلاق النار وهذا موقف رائع ومتقدم وخطوة كبرى إلى الأمام واذا لم يفعلوا ذلك لأضاعوا مغزى هذه المعركة فهى معركة الاقصى واسمها سيف الأقصى.
رابعا : تحقق أكبر وأعمق توحد فلسطينى على كل الجبهات ، غزة والضفة والقدس والداخل المحتل عام 48 والشتات وكل جبهة تعمل بأدواتها الخاصة فى تناغم غير عادى ، فغزة تضرب العمق الاسرائيلى والضفة تنتفض سلميا حتى انها قدمت عشرين شهيدا حتى الآن وهو إجرام اسرائيلى تجاه مظاهرات سلمية . الأمر الذى استفزشباب الضفة وبدأت تحدث هجمات فلسطينية بالسلاح على الحواجز الاسرائيلية ( 3 حوادث حتى الآن ) . ويمكن الحديث بشكل واضح عن بداية الانتفاضة الثالثة . وفى القدس لاتزال المعارك الجماهيرية مستمرة فى عدة نقاط خاصة فى حى الشيخ جراح وقام فلسطينى بدهس 6 جنود اسرائيليين بسيارته واستشهد . والانتفاضة مشتعلة فى كل المدن العربية وشبه العربية فى الكيان ولايزال الشباب يلجأ لاستخدام القنابل الحارقة بعد استشهاد مواطن عربى فى اللد ، وقد أحرقوا الكثير من السيارات ومراكز الشرطة . المهم هذا وضع لامثيل له منذ 48 . أما فى الشتات فقد قام الفلسطينيون بمظاهرات فى البلاد المحاذية لحدود فلسطين فى لبنان والأردن على الحدود وهناك دعوة لمحاصرة السفارة الاسرائيلية فى عمان باعتصام دائم . والمظاهرات الحدودية ترمز لامكانية اختراق الحدود سلميا أو بالقوة . وقد اخترق مواطنون فلسطينيون ولبنانيون الحدود فعلا وعبروا الى أراضى فلسطين المحتلة عام 48 ورفعوا أعلاما فلسطينية على أبراج الاسرائليين العالية . واستشهد الطحان وهو عضو بحزب الله . وقبلها أطلقت من جنوب لبنان 3 صواريخ جراد على شمال اسرائيل كنوع من التحذير. وأطلقت 3 صواريخ من سوريا على الجولان المحتل أيضا فى بادرة تحذيرية أخرى بأن احتمالات الحرب الاقليمية ليست بعيدة . ومن جبهة الأردن تسلل أردنيان يحملان السكاكين ودخلا الأراضى المحتلة فى الطريق إلى القدس وتم إلقاء القبض عليهما من قبل الأمن الاسرائيلى وهذه اشارة إلى الامكانيات العفوية المتوقعة فى مقبل الأيام فى حدود طولها 600 كيلومترا . وبعيدا عن الحدود هناك مظاهرات فى الكويت وقطر وتونس والسودان وباكستان واندونيسيا وايران وتركيا . وتقمع فرنسا واليونان مظاهرات التأييد لفلسطين بينما تسمح باقى الدول الاوروبية بها حيث خرجت مظاهرات حاشدة فى سويسرا وهولنده وبريطانيا وايطاليا والمانيا وغيرها . وكانت المظاهرات بالغة الضخامة فى واشنطن ومختلف المدن الأمريكية وفى استراليا ونيوزيلنده وبلدان أمريكا اللاتينية . الفلسطينيون عماد هذه المظاهرات ثم العرب والمسلمون ثم بعض السكان ذوى الأصل الاوروبية
الموقف الآن كما ذكرنا فى البداية ان السلطة الاسرائيلية تريد التخفيف من آثار الهزيمة وتظهر بمظهر المنتصر على أشلاء المدنيين والمبانى الخاصة بالمدنيين فى غزة ولكن الحساب الاستراتيجى لنتيجة أى حرب لايكون بحساب حجم الخسائر المدنية ولكن بمدى تحقيق الأهداف الرئيسية للحرب . واسرائيل لم تحقق أهدافها فى ردع المقاومة أو نزع سلاحها أو حتى إضعافها أو حماية العمق الاسرائيلى أو استمرار المستوطنيين فى اقتحام المسجد الأقصى أو طرد مواطنى حى الجراح . بل سنشهد بعد انتهاء الحرب ارتفاع معدلات الهجرة من اسرائيل . ويجب معرفة ان مليون اسرائيلى فى السنوات الأخيرة يعيشون عمليا خارج اسرائيل بجنسياتهم الأخرى . لاتنشغلوا كثيرا بحكاية مأزق نتنياهو وأنه يريد استمرار الحرب لانقاذ حكومته وانقاذ نفسه من السجن رغم أن كل هذا صحيح ، فالأهم هو ادراك ان أى رئيس وزراء آخر لن يفعل سوى مايفعله نتنياهو . فالكيان أمام مأزق تاريخى وكل الحلول أحلاها مر . فوقف اطلاق النار فورا يؤكد هزيمة اسرائيل . واستمرار العدوان على غزة لن يحقق نصرا مؤزرا لأن الجميع فى اسرائيل يستبعد العدوان البرى ، ويستبعدون أكثر أى امكانية لإعادة احتلال غزة فهم يدركون أنها مقبرتهم . ولذلك عندما يوافقون على وقف اطلاق النار بعد أسبوع أو أكثر فلن يكون قد تحقق لهم أى شىء استراتيجى سوى المزيد من فضائح مذابح المدنيين ، وهذا يصب فى صالح مشروعية المقاومة وتآكل شرعية الكيان الاسرائيلى . كل الخيارات سيئة وهذا هو العنوان الدقيق لمعنى الأزمة التاريخية .

قد يعجبك ايضا