الذكرى ألـ 51 لإنتقال والدي الشيخ عبد الرازق إلى رحمة الله

 

الثلاثاء 15/3/2016 م …

محمد شريف الجيوسي

يصادف اليوم 15 آذار الذكرى ألـ 51 لوفاة والدي الشيخ عبد الرازق الشيخ مرزوق الشيخ حسين علي إبراهيم غانم .. في 15 آذار 1965 ، يرحمهم الله جميعا ويرحمنا برحمته .

ولد والدي في مطلع القرن الـ 20 وعاش يتيما دون أن يرى والده جدي الذي أستدعي للخدمة  العسكرية ، ولما يعد ، يرحمه الله .

استدعي والدي للخدمة العسكرية في جيش بني عثمان وهو صبي بعد ، وكان نصيبه في المدينة المنورة ، وهناك حاصرت القوة التركية ، قوات الشريف الحسين بن علي ، حتى نفذ الطعام والماء ، حتى أنهم كانوا يستخرجون الشعير من روث الخيل لشدة الجوع .

روى والدي ، أن أحد الجنود نهض ذات وقت من نومه وهو يصيح ماء .. ماء .. حتى وصل مكاناً على بعد عشرات الأمتار ، وأخذ يحفر الرمل بكلتا يديه ،

وقال الوالد أن الموجودين وكان هو من بينهم شاركوا ( المستيقظ من النوم ) الحفر ، وما هو إلا وقت بسير  وحفر قليل حتى ( إنبثق ) الماء فتزاحم من كان موجودا على الشرب بنهم بعد عطش ، ولم يكن أحد وقتها ليحاذر اختلاط الماء بالرمل ، فأصيب الوالد بالم ممض لكثرة ما دخل جوفه من رمل، فسمح له بالعودة إلى فلسطين ، حيث لا طب ولا أطباء ولا علاجات في القوة المحاصرة ، ولا ادري كيف تمكن والدي من العودة وسط الحصار ، لكن ربما سمحت له قوات الشريف حسين بالمغادرة لصغير سنه ومرضه.

لم يرو والدي أو يلمح إلى انزعاجه من كونه كان بين محاصرين في أرض بعيدة عن  مسقط راسه . كثيراً .

في الطريق الى مسقط رأسه جيوس ، كانت طريقه ذات ليلة قرب قرية من قضاء رام الله الفلسطينية ( المحتلة الآن ومنذ سنة 1967 من قبل الصهاينة ) فاستضافه تلك الليلة  زوجان مسنان ، وحيث شعرا بآلامه المبرحة ، ويبدو أن الوقت كان متزامنا مع موسم البطيخ ، فنصحاه بتناوله غير ناضج ، للتخلص مما ( ادخر ) داخل كليتيه من الرمل .

واكد الوالد أنه عمل بنصيحة المسنيْن ، فكان الرمل يخرج قطعاً كبيرة منه ، وتماثل للشفاء .

كان حلم والدي أن يدرس في الجامع الأزهر ، لكن ولي امره عمه في غياب والده ، لم يتح له تلك الفرصة ، وكان كلما سمع بخبر يمت لزميله القديم الشيخ القلقيلي ، الذي تابع دراسته في الأزهر ، يحزن كثيراً ، ويقول كنت أذكى منه!؟ .

كان والدي ، الذي لم يعش كثيراً في بلدته جيوس ، على نقيض شقيقه عمي الشيخ هاشم يرحمهما الله ، دائم التذكر بها ، ويحلم كثيراً بالعودة ، ولشدة أمله بها ، رفض فترة تزويج شقيقاتي من كل من تقدم لهن ، بغض النظر عن التفاصيل ، بأمل العودة وتزويجهن هناك في فلسطين ، حتى تدخل خالي المحامي أسعد كمال السعدي ، وأقنعه بتزويجهن ، فالعودة لفلسطين ليست قريبة زمانياً.

وكان يحلم بالحج الى بيت الله الحرام ولكن بالقطار ، مثلما كان ذهابه الى الحجاز بالقطار ، ودائم المتابعة لكل خبر ينقله المذياع أو تتناوله صحيفة عن اجتماع اللجنة السورية الأردنية السعودية ( لإعادة تسيير الخط الحديدي الحجازي ) حيث كانت اللجنة تجتمع بين حين وآخر ، لكن دون جدوى .

لم يكن والدي سياسيا أو مسيّسا ، لكن أذكر أنني سألته ذات مرة وكنت أرافقه في زيارة ( شو رايك يابا بعبد الناصر ) رد علي باقتضاب معبر جداً ( ألسنة الناس أقلام الحق ).

وفي أول زيارة ، بعد زواج شقيقة لي في نابلس ، وكنت ارافقه ، وفيما كنا في سوق الفواكه والخضار ، سأل والدي بائعا عن سعر كيلو التفاح ، فرد البائع بشلن ، قال الوالد (ومن هون لهون ) رد البائع بلهجة نابلسية (غامقة ) وبصوت عال وحازم ( وحياة عبد الناصر بشلين ) لم ينبس والدي بكلمة ، وتناول كيس ورق ، وابتاع من التفاح ما يريد ، فلقد أقسم البائع البسيط ولكن المنتمي ؛ بعبد الناصر .   

وفي مرضه الأخير الذي امتد فترة ، كان يوصي بحضور كل زائر له ( أمانة ادفنوني لما اموت في جيوس ) ، لكي لا نتقاعس عن مواراته التراب هناك ، وكان له ذلك يرحمه الله ، حيث أنزلناه فوق جثمان عمه يرحمهما الله .

كانت لوالدي صداقات حميمة مع أشقاء  مسيحيين ومن عشائر بني حسن ، ومن كل أنحاء فلسطين وشرق الاردن دون تمييز .

وفي المرتين اللتيْن زرت فيهما فلسطين عام 1995 بعد غياب 29 سنة عن زيارتها ، زرت قبر والدي وقرأت عند قبره سورة يسن كاملة غيبا.. وكان ذلك أول عمل أقوم به بعد وصولي ،

رحم الله والدي ووالدتي الحاجه زكية الشيخ كمال إبراهيم السعدي ، ورحمنا ، وكل من يمت إلينا بخير ، وسائر المتوفين من أمتنا وشهدائها ، وكل المدافعين في العالم عن الحق والخير والعدل والعرض والوطن والكرامة والإيمان الصحيح والمنتصرين للمظلومين.   

 

 

قد يعجبك ايضا