رد على طروحات الكاتب والسياسي حمادة فراعنة حول ما يسمى ” الربيع العربي ” ودواعي التغيير وأسبابه الحقيقية واطرافه وأسباب سقوطه

 

الخميس 3/3/2016 م …

محمد شريف الجيوسي

*” الربيع العربي ” والإرهاب صناعة غربية هدفها تدمير الدول العربية صاحبة القرار المستقل ؛ الممتلكة لمقدراتها ولإرادة مستدامة

*من يصنع الإرهاب لن يحاربه في منطقتنا .. ومن يفتقد الديمقراطية غير قادر على بنائها في دول متقدمة عليه

*عندما تكون قوى مجتمع مدني تابعة للغرب فيسبوكية ممولة أجنبيا .. وراء حراكات ” الربيع العربي ” فإن فشلها محتم

*التدخل الغربي لتغيير أنظمة تابعة بعينها .. هدفه الوفاء لإتفاق مع مكتب الإرشاد العالمي وإشغال المنطقة بصراعات محلية وإقليمية ؛ عربية عربية وسنية شيعية وعربية ” فارسية “

في محاضرة  للكاتب والناشط السياسي الأردني الفلسطيني ، حمادة فراعنة في مؤسسة شومان الثقافية ، وسط حضور كبير ضاقت به قاعة المؤسسة على إتساعها ، طرح فراعنة خلالها قضايا جدلية عديدة ، وفق رؤيته السياسية بجرأة بدت معها طروحاته صحيحة ، محاولاً حشد أكبر قدر من الأدلة والمعلومات التي تؤكد وجهة نظره ، فيما كان الحضور في أغلبه منحازاً الى جانب طروحاته .

وحيث أن طروحات فراعنة على قدر عال من الأهمية ، وتتصل بشكل أو بآخر بكل ما جرى ويجري في المنطقة على أقل تقدير في السنوات ألـ 5 الأخيرة ونيف .. ويتعلق فهم ما حدث في نهايات التحليل بطرق وأساليب معالجة الغزو الإرهابي الذي استهدف بلداناً عربية عديدة ويبدو انه بصدد تشميل بلدان عربية اخرى به ، بدليل ما حدث ليلة الثلاثاء / الأربعاء 1 / 2 آذار الجاري في الأردن، والذي أدى إلى استشهاد النقيب الأردني راشد حسين الزيود وجرح 5 من منتسبي الأجهزة الأمنية ومواطنيْن مدنييْن آخريْن . 

حيث ذلك سنعرض لأهم فقرات محاضرة فراعنة ، ما ورد منها في النص الكتابي ، أو تجاوزه في النص المحكي بالمحاضرة ، وسنسجل هنا ، وجهة نظرنا في طروحاته ، ما نتفق بها معه او نختلف . 

اعتبر الكاتب الأردني الفلسطيني والناشط السياسي حمادة فراعنة في محاضرته، ان حركة التحرر العربية اخفقت في إنجاز مهامها في الإستقلال والعدالة الإجتماعية ، والديمقراطية ، أو في بعضها .

وحيث أن فراعنة بعّض ذلك ، سنتجاوز هذه الفكرة ، علما ان العديد من الدول العربية حققت الاستقلال فعلا ، وحققت أنماطاً غير غربية للعدالة الاجتماعية والديمقراطية،فالعدالة الإجتماعية والديمقراطية ليست على مفهوم أو نمط واحد، والمقياس الغربي ليس هو الأفضل،رغم انه يبدو كذلك، بحكم أن الغرب يغطي عيوب ديمقراطيته وعدالته، بما يحقق من نهب لثروات وأسواق وعقول الشعوب الأخرى،ومن هنا نشهد ارتدادات عنيفة لديمقراطيته وعدالته،عند مفترقات أزماته الإقتصادية،أو عندما يتهدد أمنه، نجده أكثر تخلفاً من أشد بلدان العالم الثالث تخلفاً وقمعا.

وأشار فراعنة،إلى أن الإحتلال الأجنبي المتمثل بالمشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي ، ما يزال جاثماً على أرض فلسطين والجولان السوري وجنوب لبنان، وهو إحتلال إستعماري إجلائي . 

وان تل ابيب لا تزال (صاحبة اليد العليا في هذه المنطقة المستباحة)، مقارنة مع البلدان العربية مجتمعة، تفعيلا للتعهد الأميركي المتواصل بالحفاظ على بقاء إسرائيل قوية ومتفوقة على جيرانها، استنادا الى تحالف استراتيجي مع المشروع الصهيوني، يقضي بتوفير الغطاء له، والمصادقة على سياسته الخارجية، وتقديم سبل التسلح والتمويل، والحماية التامة لبرامجه التوسعية العدوانية .  

( ولم يشر حمادة إلى أسباب أخرى لتفوق إسرائيل ، ومنها تبعية انظمة عربية بعينها للغرب ، يصل حد التآمر أحياناً على الدول والحركات المقاوِمة للكيان الصهيوني . كما لم يشر إلى أن هذا التفوق إعتوره كثير من الخلل منذ سنة 2000م، بخروج العدو الصهيوني مضطراً من معظم أراضي جنوب لبنان ، وهزيمته سنة 2006 وما بعد ، وإاضطراره للإنسحاب مضطراً أيضاً من قطاع غزة بعد تفكيك مستوطناته فيه)   

وأقر حمادة بوجود اجتياحات غربية للعراق وليبيا وسورية، (ونضيف اليمن وفلسطين ) لكنه تحدث عن تدخلات إيرانية في عدد من الدول العربية ، تشكل بحسبه ( أداة إعاقة وكبح لتطور هذه البلدان بشكل مستقل وديمقراطي من خلال فرض المصالح التوسعية ، وإملاء سياسات ولاية الفقيه،وهي سياسة إكراهية، لعل أبرز تجلياتها مواصلة إحتلال جزر الأمارات العربية الثلاث طمب الصغرى وطمب الكبرى وأبو موسى ، ورفضها التحكيم الدولي لمعالجة هذه القضية).

وتجاهل فراعنة أن هذه الجزر( التي أسماها محتلة )هي كذلك منذ عهد شاه إيران الموالي للغرب، والذي كان يقيم علاقات متقدمة مع الكيان الصهيوني ، ويلعب دور العصا الغليظة تجاه دول الخليج وإماراته.

كما تجاهل اتفاقا بين إمارة الشارقة وإيران حول وجود إدارة مشتركة لها .

 وتحدث حمادة ايضاً عن التدخل التركي في سورية والعراق ، وهو تدخل إستفزازي يعكس تطلعات تركيا لتوسيع نفوذها الاقليمي ( متجاهلاً التفصيل في المطامع العثمانية لتركيا في عهد أردوغان وحزبه الإخوني ).

وفي سياق حديثه عن ظروف كل دولة عربية ، رأى فراعنة أن مصر والسودان مرشحتان للعطش وتراجع المساحات المروية لديهما ، بفعل سد النهضة الأثيوبي ، فضلاً عن التحريض المتواصل من قبل أديس أبابا في منطقة القرن الإفريقي لجعلها منطقة غير آمنة وغير مستقرة، ومشيراً إلى تكبيل مصر والأردن بإتفاقيتي كامب ديفيد وعربة المجحفتين  ( دون الإشارة إلى اتفاقية أوسلو الفلسطينية الإسرائيلية ) بل تحدث عن إيجابيات لها في سياق رده على سؤال ، متجاهلا سلبياتها ، وإن أقر بان اتفاقية اوسلو مثيرة للجدل.  

واعتبر فراعنة،أن الواقع العربي ( خارج منطقة الخليج) اشد بؤسا،ويحمل عوامل التفجر الاجتماعي والقضيا المطلبية،حيث تواجه غالبية البلدان العربية أوضاعاً إقتصادية صعبة، وتعاني من ضعف مزمن في النمو، وخلل بنيوي وشح في الموارد المالية والاستثمارات الاجنبية (لم يشر بوضوح إلى تلك البلدان الأشد بؤساً ولم يستثن بوضوح من لا ينطبق عليها ذلك البؤس ).

هذه البلدان(دون ان يسميها) هي بالضرورة أسيرة للعجز في موازناتها،ورهينة المديونية بتداعياتها وشروطها المجحفة،ومرغمةعلى تغطية إحتياجاتها بالإقتراض والاستدانة،لتموبل الخدمات الأساسية من تعليم وصحة وإسكان وفرص عمل.

وقال أن غالبية البلدان العربية تفتقر لمقومات ممارسة الديمقراطية وعوامل تطورها الديمقراطي المدني والدستوري والقانوني، بما فيها وجود برلمانات حقيقية منتخبة ، وحياة حزبية مؤثرة… وترفض تداول السلطة سلميا، ولا تقبل الإحتكام لصناديق الإقتراع، ( التي تنتقص بالضرورة من سلطة الزعيم الملهم،والقائد الفذ،والشخص العبقري،والعائلة الواحدة،والطائفة المتحكمة برقاب العباد والبلاد،على حساب التعددية والتنوع والمواطنة والحقوق الدستورية ( لم يميز فراعنة بين دول تنفذ نوعا من الديمقراطية المؤسسية والنقابية والنيابية تنسجم وظروفها وبين كيانات تفقتقر للديمقراطية جملة وتفصيلاً ، وتجاهل اتكاء بعضها على أسس مذهبية تكفيرية متطرفة ).

وصنف حمادة الدول العربية إلى 3 مجموعات إقتصادية ومن حيث علاقاتها بالغرب ..

أولاها مجموعة البلدان العربية التي تحتاج للمساعدات الأقتصادية والمالية من قبل الدول المانحة كالولايات المتحدة وأوروبا،وهذه البلدان هي: موريتانيا والمغرب وتونس ومصر وجيبوتي واليمن والأردن ولبنان (ولعله نسي جزر القمر)  وبسبب حاجتها للمساعدات، تصغي هذه البلدان بشكل أو بأخر للنصائح الأميركية الأوروبية ، إن لم نقل أنها تستجيب لهذه النصائح دون مكابرة شديدة ، حتى لا نقول انها  تنصاع لما يشبه الاوامر الخفية.

 (ولم يشر فراعنة هنا إلى أن دول الخليج النفطية والغازية تستطيع الحلول بدل الغرب تمويلا واستثمارا في هذه البلدان على نحو يكفيها مؤونة الوقوع في دائرة العوز والتبعية لواشنطن وعواصم الإستعمار الأوروبية القديمة، وهو ما يخدم الدول الخليجية في حال تنفيذه، أكثر مما يخدم البلدان موضوع المساعدات، لكن يبدو أنه ليس مسموحا لدول الخليج ، جعل الدول العربية الفقيرة في حالة من الكفاية ، وإنما البقاء فقط في حدود تقديم المساعدات التي تقتصر أحيانا على تقديم المصاحف والكتب الوهابية وبناء المساجد والقليل مما يمكث في الأرض ).

المجموعة العربية الثانية ، هي البلدان الخليجية الـ 6 ستة الغنية بمواردها النفطية ، ولا تحتاج للمساعدات المالية الخارجية ، ولكنها تحتاج في المقابل للحماية الأمنية والعسكرية الأميركية والأوروبية،وذلك فهذه الدول الهشة إجتماعيا تستجيب للنصائح بتلقائية ، وتعمل على هديها سرا وعلنا ، دون مكابرة .

(لم يشر فراعنة إلى الأسباب التي لم تندلع فيها ما تسمى” ثورات الربيع العربي في هذه الدول ” ولماذا عملت معظمها لإذكاء الفتن في سورية والعراق واليمن وليبيا .. وأنفقت لأجل ذلك  نحو 1,5 تريليون خلال سنتي 2024 و2015 .. )  

أما المجموعة العربية الثالثة فهي البلدان العربية التي لا تتلق مساعدات مالية ولا تتوسل الحماية الأمنية والعسكرية (الأمريكية والغربية )وتتسم سياساتها بالطابع المتمرد (كأنما الأصل في العلاقات الدولية بحسب فراعنة ؛ التبعية للغرب ومن ليس تابعاً يكون متمرداً يستوجب حصاره) يتابع فراعنة؛ الامر الذي جلب عليها ضغوطاً وحصارات بأشكال مختلفة قبل ما أسماه (ثورة الربيع العربي)، وهذه البلدان هي : الجزائر والسودان وليبيا وسوريا والعراق .

ولم تفوت فراعنة فرصة الغمز من قناة هذه الدول ، يقول أنها سعت الى تحسين علاقاتها مع واشنطن ومع العواصم الأوروبية ، ودفعت ثمن إزالة إسمها عن قوائم الشيطنة ، أو الراعية للإرهاب، وقدمت أوراق إعتمادها لإزالة الحصار أو تخفيفه عنها ، لكنها لم تلق القبول المطلوب في الغرب الأميركي الأوروبي،حيث ظلت تحت الضغوط المتفاوتة ( تجنب فراعنة  الإشارة إلى أن ذلك حدث في مطلع التسعينات بالتزامن مع اختلال ميزان القوى العالمية وانهيار الاتحاد السوفييتي وكتلته الإشتراكية ولم تقدم ” أوراق الإعتماد ” بحسبه نتاج توجهات استراتيجية وسياسات مستدامة ، فيما دول التبعية الثرية والفقيرة توفرت على تبعية مستدامة أضرت كثيراً بمصالحها القريبة والبعيدة وبمصالح غيرها من الدول العربية ).

ولم تخل محاضرة فراعنة من بعض الموضوعية ، موضحاً أن أطرافاً ثلاثة تتلقى الدعم من الغرب داخل  البلد الواحد هي :

ألاول: الحكومات ، او قل الموازنات الحكومية ، أي مؤسسات الدولة المدنية ، سواء على شكل منح مالية أو قروض ميسرة او إستثمارات مباشرة ، الى جانب تغطية تمويل مشاريع خدمية وبنية تحتية مختلفة .

والثاني: المؤسسة العسكرية والفروع الأمنية، وذلك عبر تمويل يرامج تدريب وتقديم أسلحة وذخائر ومعدات تكنولوجية حديثة ، وهبات مالية مباشرة في بعض الحالات،فضلا عن تغطية كلف مشاريع أمنية وعسكرية محددة، مقابل توفير تسهيلات لوجستية عسكرية معلنة وغير معلنة .

( وخرج فراعنة عن النص المكتوب للمحاضرة موضحا أن المسؤولين المدنيين في الدول التي تتلقى مساعدات غربية، لا تعلم شيئاً عن حجم وطبيعة هذه المساعدات ولا تتفاوض بشأنها مع الجهات المانحة وإنما يقوم بذلك مسؤولون عسكريون وأمنيون )

أما العنوان الثالث المتلقي للمساعدات: فهي مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية، عبر صناديق خاصة،بمعزل عن المؤسسات الحكومية المدنية والعسكرية الموازية (وهي المؤسسات التي كانت وراء حراكات الشارع العربي ابتداء بتونس اواخر سنة 2010 والتي أشار فراعنة إليها في موضع آخر من محاضرته)

وخلص فراعنة إلى الحديث عن تأثير وشدة تغلغل نفوذ وحجم علاقات وأدوات التعامل الأميركي والأوروبي مع البلدان العربية، حيث أدت الأطراف ألـ 3 آنفة الذكر دورها وفق الإمكانات المتاحة،والفرص المتوفرة ، وكل حسب قدراته وتأثيره على سير الأحداث.

 وبين فراعنة أن مؤسسات المجتمع المدني (الممولة أجنبياً كما قال في النص المحكي)أججت الإحتجاجات الجماهيرية ، وهي مؤسسات تملك القدرة على إستعمال الشبكة العنكبوتية، وتدعو إلى الديمقراطية والحداثة ، ولديها علاقات دولية تحميها،وتتوفر لها الإمكانات المالية والإعلام.

ورأى فراعنة أن دور هذه المؤسسات نجم عن ضعف الأحزاب اليسارية والقومية وغياب الأحزاب الليبرالية،وعدم مبادرة الأحزاب الأسلامية للتغيير،نظراً لتفاهماتها المسبقة مع الأميركيين،حيث عاد التفاهم الذي كان سائداً بينهم طوال مرحلة الحرب الباردة 1950 – 1990 ، وتم إعادة الوصل بينهما بعد حادثي سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة ، والإحتلال الأميركي للعراق 2003 ، حيث تعاونت واشنطن مع أحزاب التيار الأسلامي لإسقاط النظام القومي في العراق وتسليم السلطة لطرفين عبر حكومة بريمر، أولهما تحالف أحزاب ولاية الفقيه، وثانيهما فرع حركة الإخوان المسلمين في العراق ،بشكل رئيسي ، وقد إنعكس ذلك على موقف الرئيس أوباما علناً الذي إعتبر صعود حركة الإخوان المسلمين إلى الحكم عبر الإنتخابات في مصر على أنه مؤشر إيجابي وبشرى للديمقراطية ، كما إعتبر إسقاط معمر القذافي إيذانا بقدوم السلام والأستقرار،وهذا كان موقف من سبقه نحو العراق وسقوط نظام الرئيس الراحل صدام حسين .  

وابرز فراعنة دور الجيش الذي لعب أدواراً متلاحقة وخاصة في مصر وتونس ، حيث عمل على حماية المتظاهرين من القمع من جهة ، وحمى مؤسسات الدولة من الإنهيار من جهة أخرى ، حتى لا تتكرر التجربة العراقية ، وأخيراً قام بطرد الرئيس وإقصائه عن سدة الحكم  لدى هذين البلدين.

أما العامل الثالث فهو القرار الدولي ، الأميركي الأوروبي ، ولولا رفع الغطاء الدولي عن نظامي حسني مبارك وزين العابدين بن علي ، لما إستطاع محمد حسين الطنطاوي أن ينفذ مطالب المحتجين ويقول لرئيسه المصري  ” روّح ” فروح ، وأن  يقول  رشيد بن عمار لرئيسه التونسي  ” روّح ” فروح .

وتوجه فراعنة بسؤال لماذا كان هذا القرار الدولي ( الأمريكي ) نحو البلدان الصديقة لأمريكا بالرحيل ولم إستجابت للقرار الدولي ؟؟

واعتبر فراعنة ان هذه الأنظمة الصديقة لأمريكا قدمت خدماتها للغرب طوال مرحلة الحرب الباردة،وانها إستنفذت أغراضها،وولّدت 4 مفردات تمس بالمصالح الأمريكية وتؤذيها،وهي الأصولية والتطرف والأرهاب والعداء للغرب،حيث أصبحت هذه المفردات هي العنوان السياسي الأبرز للأحداث وللقوى المؤثرة.

( وهنا يتناقض فراعنة مع نفسه ومع الواقع حيث تحدث للتو عن تفاهمات مسبقة للإخوان مع الأميركيين،طوال مرحلة الحرب الباردة 1950 – 1990  وعودتهما إلى التفاهم الذي كان سائداً بينهم، وفي العراق تعاونت واشنطن مع أحزاب التيار الأسلامي لإسقاط النظام القومي في العراق، وكان أوباما قد إعتبر صعود حركة الإخوان المسلمين إلى الحكم عبر الإنتخابات في مصر على أنه مؤشر إيجابي وبشرى للديمقراطية، كما إعتبر إسقاط معمر القذافي إيذانا بقدوم السلام والأستقرار،وهذا كان موقف من سبقه نحو العراق وسقوط نظام الرئيس الراحل صدام حسين ).

وعزا فراعنة رغبة أمريكا في تغيير الأنظمة التالبعة لها إلى فقدان  الديمقراطية وشيوع ظواهر الفقر وسوء الخدمات وغياب العدالة الإجتماعية (وكأن الغرب حريص على تطور البلدان العربية أو كأن الأنظمة في تونس ومصر وحتى ليبيا هي المولدة للمفردات ألـ 4 ،وهي الأصولية والتطرف والإرهاب والعداء للغرب، فيما الحقيقة أن الولايات المتحدة ، هي المولدة لهذه الحركات ابتداءً بـ القاعدة ومروراً بالنصرة وداعش وكل المسميات الأخرى،وقد عملت واشنطن بكل جهودها لتجنيب بعضها إطلاق مسميات الإرهاب عليها ووصفها بـ المعارضة المعتدلة.

( نعم لقد دعم الغرب الأمريكي الأوروبي الديكتاتوريات العربية التابعة له ” وليس المتمردة عليه “وساندها طوال مرحلة الحرب الباردة ” وبعدها “،كذلك دعم الأنظمة الثرية التي هي بحاجة لحمايته الأمنية والتي لا تتجاوز على مصالحه السياسية والإقتصادية والعسكرية والأمنية بما في ذلك أمن الكيان الصهيوني)

( ونرى على خلاف فراعنة  ان تخلي الغرب الأمريكي والأوروبي عن أنظمة كـ مصر وتونس لم يكن بسسب ما ذكر .. فما ذكره هو نتاج ولادات أمريكية اوروبية قيصرية وقسرية ، ولكن لأن الغرب اراد الوفاء باتفاقاته مع مكتب الإرشاد الإخوني العالمي المستجدة، بالإستيلاء على الحكم في غير بلد عربي،لإشعال وإدخال المنطقة وإشغالها في صراع سني شيعي وعربي فارسي، وعربي عربي ، كبديل عن الصراع العربي الصهيوني )..وهو التطبيق العملي لـ (الفوضى الخلاقة) التي عبرت عنها كونداليزا رايس في عهد بوش (الثاني) ولمشروع الشرق أوسط الجديد او الكبير،المفتت المتنازع ، بحيث تكون فيه ( إسرائيل ) الأقوى ).

( ومن هنا فإننا نختلف كلية مع فراعنة ، فما يهم واشنطن وما يليها من الغرب ، ليس تغيير النظام العربي لجهة إصلاحه وتحقيق الديمقراطية فيه سواء قبل 11 سبتمبر أو بعده وحتى الان ومستقبلاً .. وإنما إشغاله عن التنمية والتطور والوحدة والعدالة الاجتماعية والديمقراطية التي توحد مكوناته لا تمزقه ، كما إشغاله عن تحرير أراضيه المحتلة وإمعان تمزيقات جديدة فيه ).

(ومن هنا أيضاً ، فإن الغرب لم يتوجه نحو إشعال الساحات الأكثر تخلفاً وتبعية وثراءً ، بل توجه نحو الدول التي تنطوي على مقدرات تطورها المتعددة المستدامة فضلاً عن الإرادة ، .. وما تتوفر عليه من إمكانية فلتانها من التبعية ،وهو ما لم يسمح به الغرب بحال ما استطاع ذلك، مستغلا “أي الغرب” كون الأنظمة التابعة ، تفعل حقيقة ما تؤمر به، وشكليا تستجيب  للإحتجاجات والمظاهرات والإعتصامات التي قادتها مؤسسات مجتمع مدني ممولة أجنبياً ).

ونتفق مع فراعنة بان الغرب يهمه إستمرار تدفق النفط ، وأمن( إسرائيل ) والسوق والمال العربيين. لكن محاربة الإرهاب  ليست في وارده ، فهو مصنّعه الرئيس ، لكن نوعاً من التغيير حصل ، عندما بدأ الإرهاب يشكل خطراً ماثلاً عليه ، ولكن بالقدر الذي ُيبقي عليه فزاعة في الدول ( المتمردة ) بحسب مصطلح فراعنة .

لقد وقع التفاهم الأمريكي مع حركة الإخوان المسلمين ، وتم إستعادة التحالف بينهما الذي كان سائداً طوال فترة الحرب الباردة بمواجهة الشيوعية والإشتراكية والأتحاد السوفيتي وحلفائهم في العالم العرب ، وإنفض التحالف بينهما بداية التسعينيات في أعقاب نهاية الحرب الباردة ، ثم عاد التفاهم بينهما واضحاً ملموساً في ذروة الربيع العربي ، ولعب كل من خيرت الشاطر نائب المرشد العام لحركة الإخوان المسلمين وعصام العريان دوراً بارزا في هذا المجال ، بإعتبارهما مسؤولين عن ملف العلاقات الأميركية والدولية في مكتب الأرشاد الدولي لحركة الإخوان المسلمين.

وتحدث فراعنة عن جملة تفاهمات مع الإيرانيين أدت إلى توقيع الإتفاق النووي في تموز 2015 ،وإلى إتفاقات أمنية وإقتصادية وسياسية، وتفاهم  حول أفغانستان والعراق ،وإسقاط نظام طالبان، ونظام حزب البعث القومي، وتسليم السلطة لأحزاب ولاية الفقيه ( متجاهلا خلافات أهم حول موقف إيران من الكيان الصهيوني ، ومن سورية ومن المقاومتين اللبنانية والفلسطينية ومن البحرين واليمن، ومتجاهلاً الحصار الغربي على إيران الذي استمر 12 عاماً ، حققت إيران خلاله تطورات غاية في الأهمية على نقيض ما كان الغرب يعمل عليه ، الأمر الذي جعل الغرب يصل إلى قناعة مفادها عبث استمرار الحصار واستخدام العصا الغليظة ضدها، ولان الغرب توصل إلىقناعة مفادها أيضا عبثية النفخ في القرب المليئة بالثقوب .

ونرى على خلاف فراعنة ، ان الغرب توصل إلى الاتفاق النووي مع إيران مضطراً وليس مختاراً ، حيث توصل الغرب إلى قناعة بهشاشة العديد من الأنظمة العربية التابعة، وإمكانية سقوطها بسهولة،جراء ظروف ذاتية ، تدفع بقوة إلى التغيير برغم الحماية الأمنية الغربية لها ، ولم يتوصل إلى ذلك جراء تبعية ايرانية للغرب أو جراء سقوط إيران سياسياً .

ويقر فراعنة على ان عدم نجاح ما أسماه ثورة (الربيع العربي ) يعود لعدم نضوج العامل الثاني الذاتي، بسبب نتائج الحرب الباردة ، ونتائج كارثة الخليج العربي المدمرة ، واللتان أدتا إلى تراجع وضعف وتأثير الأحزاب اليسارية والقومية والليبرالية ،  بل وغيابها عن إدارة الأحداث ، وانتفاء قدرتها على توجيه التطورات السياسية والجماهيرية والميدانية ، بحسبه .

لكننا نضيف وبشكل رئيس أن حراكات التغيير كانت تابعة للغرب ومبرراتها غير موضوعية وملغمة ، وأدواتها كانت متخلفة قسرية وإرهابية ودموية ، بدليل أنها استهدفت البلدان الأكثر تطورا  في كل مناحي الحياة ، فيما هي أنفقت الأموال في ساحات متقدمة عليها سياسيا وتتمتع بمرتكزات اقتصادية حقيقية وتطور اجتماعي وعلى قدر معقول من الديمقراطية واستقلالية القرار والمواقف الوطنية القومية والإيمانية الصحيحة غير المتطرفة، كل هذه العوامل أفقدت القوى المتآمرة باسم الربيع العربي البطانات الحاضنة والقدرة على تحقيق غاياتها، لكن الغرب وجد في هذه الإخفاقات أيضاً فرصة لتسعير الصراعات واستدامتها أطول فترة ممكنة .

  إننا نرى ان علاقات مؤسسات المجتمع المدني بالغرب وما تحمل من مفاهيم على الطريقة الغربية ، كانت نقطة ضعفها بقدر قوتها ، فهي مرفوضة من الجماعات الإسلامية على اختلاف توجهاتها ومن القوى السياسية  المعارضة الوطنية ومن الدولة السورية ، وهي لا تملك شيئاً على الأرض ، لذلك فإن تصدرها لم يستغرق فترات طويلة.

إن غياب الاحزاب والقوى التي تمتلك رؤى وطنية وقومية ويسارية وإيمانية علمانية غير وهابية ولا إخونية ولا ما يسمى ( سلفية جهادية ) سيفقد أي تغيير أو تطور معناه ومغزاه وإمكانية نجاحه .

أقول ، بكلمات ، ما لم يتم التوصل إلى توصيف حقيقي لما جرى ويجري منذ 5 سنوات ونيف ، ووضع العلاجات الناجعة في ضوئها، فستظل المنطقة تعاني، ونزيف الدم مستمراً ، ومساحات الصراع تتوسع ، وهو ما نشهد مقدماته بوضوح .

أقول بكلمات أن ما يسمى الربيع العربي لم يستهدف تخليص المنطقة العربية مما يعتورها من عيوب وثغرات ونواقص ، بدليل انه توجه للبلدان الأكثر استقلالية ووطنية وتطوراً اقتصادياً اعتمادا على الإمكانات الذانية  كسورية والعراق وليبيا والجزائر واليمن .. وبقصد أن تصبح الدول إضافة لمصر وتونس ذات هويات وهابية إخونية سنية تكفيرية تدخل في صرعات لا تنتهي مذهبية وطائفية وإثنية ،مع الجوار الصديق منه للغرب والعدو . . ولم يستهدف التغيير الدول التابعة الغنية بالنفط ، لضمان مصالح الغرب فيها .

إسقاط الإرهاب ومن يدعمه فكرياً وسياسيا واجتماعيا وأمنياً وعسكريا هو طريق التغيير والاستقرار والسيادة والعدالة والديمقراطية والوحدة والحرية والتحرير  .

[email protected]

 

قد يعجبك ايضا