بعد اجتماعات الدوحة الفلسطينية ، ما الذي ينبغي ؟

 

الثلاثاء 16/2/2016 م …

محمد شريف الجيوسي

ما الذي توصلت إليه محادثات حركتي فتح وحماس في الدوحة برعاية قطرية تركية ، على مقربة من قاعدتين عسكريتين أمريكيتين ؟ .

وهل يمكن لهذه الرعاية تحقيق ما تأمله من نجاحات بمواجهة رؤية مصر المساندة أردنياً ، بكل ما لهما ( أي مصر والأردن ) من تماس جغرافي وديمغرافي وسياسي وتاريخي واقتصادي..؟

وهل الحركتان حماس وفتح جادتان في التوصل إلى مصالحة تقوم على أسس ثابتة واضحة قابلة للتنفيذ ، تتضمن آليات النضال للمرحلة المقبلة؟ . 

أم أن المفاوضات مجرد حفل علاقات عامة تحتاجها الحركتين المحرجتين إزاء الانتفاضة الفلسطينية الثالثة، الخارجة عن قدرتهما على الإندماج فيها ، أو السيطرة عليها ؛ او إستثمارها سياسياً .؟  

وهل فتح وحماس هما المعنيتان في المباحثات أم كل الفصائل الفلسطينية سواء من  كان داخل السلطة الفلسطينية أو خارجها من فصائل عشْر ، والجهاد الإسلامي . ؟

وفي حال عقد جولة ثانية للمحادثات تضم كل ( مكونات الشعب الفلسطيني النضالية المفترضة ) هل تصلح الدّوحة مكانا لحضور الجميع . ؟

وما هي التداعيات أو النتائج اللاحقة سواء بالتوصل إلى إتفاق قابل للتنفيذ أو عدم  التوصل إليه في حال استمرت الشقة واسعة بين فتح وحماس .؟

هل يمكن أن يكون اتفاق الفصيلين الرئيسيْن على حساب الانتفاضة ، وتكريس تراجع شعبيتيهما عما كانت عليه قبل نحو 10 سنوات ؟ وبالتالي صعود قيادات جديدة من داخل ميدان الإنتفاضة ومن فصائل أخرى ، بمواجهة الاحتلال الصهيوني. ؟

هل يمكن التوصل إلى تسوية شكلية (مظهرية ) تبدو معه السلطة الفلسطينية معبّرة عن الضفة والقدس المحتلتين والقطاع المحاصر من قبل الكيان الصهيوني، وفي آن بقاء حماس ممسكة برقبة القطاع ، وفق رؤية مكتب الإرشاد العالمي الإخوني .؟

هل سيبقى الطرفان منقسمان وفق التوزيعة الإقليمية الراهنة، السلطة تنسق أمنياً،مع (إسرائيل ) وحماس ملتزمة بالتفاهم الأمني معها وفق الاتفاق الموقع بينهما برعاية الرئيس المصري المخلوع في 21 تشرين ثاني 2012 ، والثاني في 26 آب 2014 برعاية الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي . ؟

هل يمكن أن يقبل الرئيس الفلسطيني محمود عباس بالمبادرة المصرية المكونة من 3 نقاط ، أولاها تحقيق مصالحة ( داخل حركة فتح ) وثانيها بين فتح وحماس،وثالثها إجراء تغييرات مهمة في منظمة التحرير الفلسطينية بمشاركة حركتي الجهاد الإسلامي وحماس،  وهي المبادرة التي لم تجد قبولا من قبل قطر وتركيا أيضاً.

وهل انشغال السعودية في سورية واليمن ، وإنشغال سورية في الحرب العدوانية التي تشن عليها وفي تنظيف ارضها من العصابات الإرهابية، سيبقيهما خارج التأثير المباشر على الساحة الفلسطينية ، بغض النظر عن التباين الجوهري بين التأثيرين ومدلولاته وانعكاساته .

وهل استعادة الوحدة تستدعي عقد اتفاقيات جديدة غير تلك الاتفاقيات المجمع والموقع عليها في أكثر من مناسبة بالقاهرة ، ام ان المطلوب تحديد تواريخ التنفيذ وآلياته وإرادة التنفيذ والتحرر من الضغوط والتدخلات الخارجية وأجندة مكتب الإرشاد العالمي الإخوني .

والسؤال الجوهري كيف يمكن استعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية جغرافياً وديمغرافياً وفصائلياً وعلى صعيد آليات النضال ..

أولاً : لا بد من تشميل المباحثات كل الفصائل الفلسطينية في المرحلة الأولى وضم مؤسسات المجتمع المدني الفاعلة في مرحلة تالية مباشرة .

ثانياً : لا بد ان تجري المباحثات على ارض وطنية محايدة وآمنة ، وربما تكون الجزائر مكانا مناسبا لعقد هذه المباحثات .

ثالثاً : لا بد أن تنعقد المباحثات دون توقف حتى التوصل الى اتفاق مفصل يتضمن ليس فقط التوافقات ( المتفق عليها سابقاً ) وإنما ايضاً تزامناتها وأولوياتها وآليات التنفيذ والوسائل النضالية .

رابعاً : لا ينبغي كتم ما يتم الاتفاق عليه أو نقاط الاختلاف عن وسائل الإعلام ، أولاً بأول ـ من خلال 5 ناطقين رسميين ( يتفق على أسمائهم ) يتحدثون في مؤتمر صحفي في ختام كل يوم للمحادثات، يجمل فيه ما تم الاتفاق عليه وما زال معلقا بوضوح كامل، على أن يمثّل المتحدثون فتح وحماس والفصائل المندمجة في السلطة وفصائل دمشق ومؤسسات المجتمع المدني ، يحيث  يكون الشارع الفلسطيني في الصورة وليس مغيّباً ، ولكي لا تكون المحادثات عرضة للتكهنات وتبادل التهم والتقولات والتهرب من المسؤولية .  

إن إخفاء ما يجري وراء الأبواب المغلقة يخفي النية والرغبة بعدم التوصل إلى إتفاق ، وتحميل الإعلام مسؤولية الفشل، فيما الحقيقة ان إخفاء ما يجري عن الإعلام ، وصفة ممتازة لإنتشار الإشاعات  والتكهنات .   

خامساً : ثامنا : تشكيل مجلس وطني جديد ، يكون أعضاء المجلس التشريعي اعضاء فيه ، ومن الممكن إجراء انتخابات فرعية لإختيار عدد محدود ، أو ان تقوم البلديات والمجالس القروية ومؤسسات المجتمع المدني المحلي من نقابات واتحادات طلبة وشبيبة وفلاحين وعمال باختيار ممثلين لها في المجلس الوطني بحدود 100 عضو، وإجراء انتخابات في بلدان اللجوء والمغتربات حيث يمكن ذلك ، ويختار المجلس المركزي للمنظمة ( قبل التشكيل الجديد ممثلي كل منطقة لا يمكن إجراء إنتخابات فيها  بالتوافق بين الفصائل في حدود حجم كل فصيل فيها )    

على ان يعقد المجلس على أرض عربية محايدة آمنة تمكن جميع المنضوين الموقعين على الاتفاق من الحضور ، وعلى أن تلتزم الأطراف بميثاق المنظمة ، مع الحق في إبداء الملاحظات الناقدة في بياناتها الخاصة ضمن الإلتزام العام بقرارات الإكثرية ،

وعلى ان تمثل جميع القوى الحية الفصائلية والمجتمع المدني في اللجنة اتنفيذية للمنظمة.

سادسا ، النص بوضوح على ممارسة آليات نضالية موحدة ابتداءً بالعمل الديبلوماسي الدولي مرورا بالنضال الشعبي من إعلام وعرائض وإضرابات ومسيرات واعتصامات وهبات وانتفاضات ، وانتهاء بالكفاح المسلح ، وفي كل ذلك ينبغي ان يكون كل شيء واضحا ، وبعيدا عن أي تنسيق او تفاهم مع العدو الصهيوني ، ومتفقاً عليه وصولاً إلى تحقيق الأهداف الوطنية .

سابعاً تشكيل حكومة وحدة وطنية بصلاحيات كاملة في كل المناطق الفلسطينية ، تشرف على إجراء إنتخابات متزامنة ( في وقت واحد معاً ) للمجلس التشريعي والرئاسة ، على أساس النسبية ، تليهما إنتخابات بلدية خلال شهرين .

إن شمول الإنتفاضة الثالثة ؛ الضفة والقدس الفلسطينية وفلسطين المحتلة سنة 1948 ، يكشف مدى الترهل الذي وصل إليه حال السلطة الفلسطينية وحال إمارة حماس الإخونية في الضفة ، ويعري التنسيق والتفاهم مع ( إسرائيل ) رغم قرارات وتأكيدات المجلس المركزي الفلسطيني على وقف التنسيق مع دولة الإحتلال ورغم المزاودات الحماسوية اللفظية في غزة التي تتفاهم مع إسرائيل كما سبق وأشرنا.

إن فتح وحماس أشد الفصائل حاجة للتفوق على ذاتيهما ، ومراجعة الواقع الراهن ومسيرتهما ، واستعادة شعبيتيهما ولكن ليس على حساب الفصائل الأخرى ، فاختزال الساحة بهما ، يضعف القضية الفلسطينية ويضعفهما معاً ، وهو ما نشهد مؤشراته الان بكل وضوح .  

إن على حماس الإخونية الاستفادة من تجارب إخونيين وتكفيريين ، تباهوا بقوتهم وأظهروا عزمهم على احتكار السلطة في دول أكثر إمكانيات وقوة ، فكانت النتيجة وبالاً عليهم وعلى مواطني تلك الدول، وهو ما نشهده الأن في غير دولة عربية .

كما أن على حماس إدراك أن مشاركة غير احتكارية في الضفة والقطاع والقدس ( ولاحقا في مناطق فلسطينية أخرى ربما ) أفضل للجميع من احتكار السلطة في جزء  متواضع من الأرض الفلسطينية وفرض أجندة احادية إخونية عليها ،مستمتعين بحصار القطاع ووقف العمليات ، رغم أنهم كانوا ينفذون العمليات (الاستشهادية ) عندما كانوا خارج الحكم ، فأضروا بتلك العمليات؛ المشروع الوطني الفلسطيني ، بعدم التمييز بين مدنيين وجنود صهاينة ، فأسهموا في تماسك وتوحد الصهاينة ضد الشعب الفلسطيني الممظلوم والمقاوم في آن.

ان استدارة حماس بمواجهة الدول التي احتضنتها سنوات ودفعت الثمن غاليا لفاء هذا الاحتضان والدعم ، التزاماً منها ( أي حماس)بالأجندة الإخونية ،وتغليبها العقلية المذهبية المتخلفة على الإلتزام الوطني، أفقدها الشارع الفلسطينية والقضية، وفي آن فشلت في تحقيق أي إنجاز وطني فلسطيني ( صمود غزة الفلسطينية في وجه اكثر من عدوان صهيوني هو نتاج صمود جمعي لكل المقاومين والشعب الفلسطيني هناك ونتاج التدريب والدعم الذي قدمته المقاومة اللبنانية فضلا عن الدعم المالي والعسكري والسياسي والتدريب الذي قدمته سورية وإيران مباشرة أو بالواسطة) .

في الجانب الآخر فشلت السلطة الفلسطينية في انجاز اي تقدم على صعيد القضية ، وخذلها من راهنت عليهم من أمريكان وأورووبيين غربيين ومفاوضات عبثية ، ما يستدعي عدم المراهنة عليها وعليهم ااو العودة إليها ، إلا في ظل ميزان قوى فلسطيني وإقليمي ودولي مختلف تماماً ، وهو ما بدات مؤشراته ماثلة في سورية واليمن والعراق.   

وينبغي على السلطة خوض كل أشكال النضال ، فالعدو الصهيوني استخدم في السنوات ألـ 15 الأخيرة على الأقل كل أشكال الحرب على الشعب الفلسطيني ، من حصار جغرافي وسياسي واقتصادي وحروب وأسر، وبناء جدر واستيطان وتجريف للمزروعات وسرقة مياه  وأراضي وهدم مساكن ، واحتكار أسواق ومنتجات الفلسطينية وعرقلة وصول الصادرات إلى الخارج وتلويث للبيئة الخ ، في الوقت الذي التزمت فيه السلطة باتفاقية أوسلو المذلة وأقنعت الفصائل بتسليم السلاح وعدم استخدامه .

أقول ؛ إن عدم اغتنام اي فصيل أو جهة فلسطينية للحالة الشعبية المتنامية المتمثلة في الإنتفاضة الفلسطينية والمناخ الإقليمي والدولي  النسبي المتنامي لصالح محور المقاومة ودحر الإرهاب ومن يقف خلفه ، سيتلاشى ويضمحل فلسطينياً وإقليمياً ، وكذلك من يراهن على عواصم الغرب وواشنطن ومن يتبع من عثامين خرق ورجعيين ، فالمعادلة واضحة ولا تحتاج جهلة يقرروا للمنطقة  خياراتها .

[email protected]

” عن ورقية البناء اللبنانية ” اليومية

 

قد يعجبك ايضا